أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال نعيسة - الله الإنسان أو الإنسان الإله، بين أنسنة الله وتأليه الإنسان















المزيد.....

الله الإنسان أو الإنسان الإله، بين أنسنة الله وتأليه الإنسان


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2958 - 2010 / 3 / 28 - 11:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



الله، وفي جميع الفلسفات هو المجرد المطلق والمنزه والكمال والجمال والغاية غير المدركة أو المحسوسة التي لا يحدها زمان ولا مكان. وحين نتكلم عن رؤى فلسفية لفكرة ومفهوم الله، وتفسيرها فتلك قضية مختلفة تماماً عن مسألة وجود أو لا وجود الله، ولا تعني بحال، الإقرار المطلق بوجود الفكرة أو التصور والمفهوم، أونفيه على الإطلاق. فمسألة وجود الله قضية قضية فلسفية عميقة متشعبة الأبعاد لم تحسم حتى الآن. والفكرة بحد ذاتها، ومفهوم وجوده هي حديثة جداً في التاريخ الإنساني، وتعود إلى حوالي الخمسة آلاف عام، التي لا تساوي شيئاً في عمر البشرية غير لمحسوب والمعروف على نحو دقيق، وكله يقع في إطار التخمينات والفرضيات العلمية، وتم ذلك حين أدخل الفرعون إخناتون فكرة توحيد الآلهة، وتجسيدها في إله واحد، بدل تشتيت العاطفة الروحية نحو عدة آلهة، وحين تم الإدراك رويداً رويداً بعدم جدوى ذلك التعدد، وكانت الفكرة محاولة ثورية أو انقلابية للتخلص من ذاك التعلق والهوس نحو الآلهة، لكن تم الوقوع لاحقاً، بدكتاتورية تلك الفكرة والمفهوم.

الله، حسب معظم الفرضيات والفلسفات والرؤى، بعيد كلياً عن أية شكلانية وتجسيد وبعد ومحدودية، وتأطيره تنفي جوهريته. ولا يمكن تصوره بأية صورة ومقارنته بأي كائن أرضي آخر، وأن مجرد مقارنته أو تشبيهه بأي كائن أرضي هو نزع لصفات الإلوهية عنه، وإنزال مرتبته درجات أدنى مما يجب أن يكون.

والإنسان هو ذلك "المخلوق" الذي خلقه الله، حسب الرؤى والفرضيات والطروحات، وهو خليط غير متجانس بين الروح والغريزة والعاطفة. فنفس هذا الإنسان قد يبدو وحشاً كاسراً وقد يبدو ملاكاً طاهراً. وهو كائن محسوس ومدرك وله صفات محددة، تميزه عن باقي الكائنات الحية، وحتى عن الله. ولأن العقل البشري محدود وقاصر في قضية الغيب، فالخيال البشري لم يجد كائناً يمكن تشبيه الله أو تخيله به أكثر من الإنسان.

أنسنة الله
ومن هنا كان المدخل الأخطر لفكرة أنسنة الله، عبر إسباغ صفات إنسانية عليه. وهذا بالضبط ما حصل ويحصل في الخطاب المتداول اليوم الذي يضفي على الفكرة والمفهوم صفات تعود لكائنات أرضية أهمها الإنسان. فالله ها هنا له أياد، ويجلس على العرش، ويستوي عليه، هل بسبب التعب؟ أو لالتقاط صورة تذكارية؟ وهو يمكر يسمع ويرى ويعتب ويغضب من قوم لأنهم لم يؤمنوا به، وبرسله الذين اختارهم هو بنفسه، ويحزن بسبب قضية ما، ويحب قوم آخرين لأنهم آمنوا به، ويكره أولئك، ويضرب بيد من حديد، ويرسل الطير الأبابيل (لا أدري لماذا لم يرسل وقتها الـF16 أو الشبح ويقصف جيش أبرهة بالنابالم والكيماوي، أو حتى بالنووي طالما أن مجلس الأمن لم يكن موجوداً في حينه)، وهو حاكم مطلق لا يسأل عما يفعل ولديه "جيش" من الملائكة جاهز ومستنفر لتلقي الأوامر العسكرية والتحرك للقضاء على الخصوم، وتأييد فريق ضد آخر (تماماً كما يجري في الانقلابات العسكرية وحركات التمرد). والله هنا يسحل ويقمع ويبيد ويكتب ويدون كل شيء، ويصفح عن هذا أو ذاك، ويفضل هذا، ويقرب هذا، منه ويستبعد ذاك لا بل يصفه بأبشع الأوصاف رغم أنه هو من خلقه وأوجده، ويفضل بشراً على آخرين، ويتحول في بعض الأحيان إلى قاض يجلس على "القوس"، ويفتح ملف هذا المتهم، ويزج به في السجن "النار"، ويعطي من يشاء بغير حساب، (للمسؤولين والحكام الديكتاتوريين ولوعاظ السلاطين)، ويحجب النعمة عن الفقراء والمساكين هكذا من دون وجود معايير، رغم أنهم يقولون عنه بأنه هو الحق والعادل..إلخ. وهو يقبل "واسطة" (شفاعة)، هذا أو ذاك للصفح عن فلان، وإدخاله الجنة، ومهما كان الجرم المرتكب. أي أن هناك إمكانية لتجاوز القوانين الإلهية بمجرد أن يتدخل فلان في القضية وتماماً كما يحدث من حالات فساد معروفة في الحياة والمجتمعات. وهو يعرف كل شيء ومفهوم المعرفة وشرطها هو أن تكون مكتسبة، هكذا يقتضي المفهوم أي التعرف على الشيء، بمعنى ما كان هناك مرحلة من الجهل في وقت ما، وهذه ليست من صفات الله، كلا وحاشاه.

تأليه الإنسان
وفي مشقة وسيزيفية البحث الأبدي عن الإله الإنسان، والإنسان الإله، تبدو هناك محاولة لتأليه، ورسم أو تقديم صورة لبعض الشخصيات التاريخية التي عاشت في زمن ومكان ما، ومحاولة لتصنيم وتنميط وتأليه مجرد أشخاص عاديين ليس فيهم ما يميزهم كثيراً عن بشر آخرين، عاشوا على هذه الأرض، وأكلوا وشربوا، وناموا، وحزنوا، ومرضوا، وتوجعوا، وزنوا، ونكحوا ما طاب لهم من "الحرث" الذي كانوا يأتونه أنى ومتى وكيفما شاؤوا، وقتلوا وسحلوا وذبحوا وتلوثت أياديهم بدماء وأرواح الآخرين، أدخلهم المخيال الجمعي في حيز التنزيه والتأليه والتجريد والمطلق الذي لا يدرك ولا يوصف ولا يتخيل ولا يمكن استنساخه وتشبيهه بأي من البشر، ورفعهم إلى مراتب أقرب إلى الألوهية. فهذا الإنسان، أو ذاك، وتلك الشخصية الأسطورية هي فوق البشر جميعاً، وأقرب إلى الله، وهو معصوم، ومقدس ولا يمكن المساس أو الاقتراب منه أو توجيه أي نوع من النقد أو حتى الملاحظة إليه والتشبه به، ولا يمكن لبشري أن يصل إلى ما وصل إليه فهو العالم والقادر والقوي والعبقري الخارق والنور الوضاء والمضيء الكريم الجميل...إلخ وكل ما هناك من صفات حسنى توضع به، وينزع من شرطه الإنساني كلياً، ويوضع في شرط سماوي وغير دنيوي ومهما فعل، ويلغى من تاريخه وسيرته كل أبعادها الإنسانية التي تحدث مع أي إنسان، ويتم التركيز على البعد الإلهي فقط.

لقد تم اللعب بالمفهومين وتسويقهما وتوظيفهما حتى صرنا أمام مفهوم الله الإنسان، والإنسان الله، بحيث أنه يمكنك الحديث وتناول الله كإنسان، ولكن يجب أن تتناول بعض الناس كآلهة فقط. وها هنا، وفي أحايين كثيرة، يتعايش الله مع الإنسان، والإنسان مع الله، دون وجود خطوط فاصلة، وتكون هناك وحدة حال فيما بينهما ويغري كل منهما الآخر بتقمص ذاته و"تذويت" تقمصه. فالخلط والتداخل بين الفكرتين والمفهومين، ومزج هذه بتلك، والأخذ من الله ووضعه بالإنسان، والأخذ من الإنسان ووضعه بالله، يشوش الفكرة ويضعف كل مفهوم على حدة، فقوة أي مفهوم يعتمد على بقائه بعيداً عن المفهوم الآخر. فالإنسان شيء، والله شيء آخر، مختلف تماماً،. وإذا نظرنا لله من منظور إنساني فإنه لن يكون بعد ذلك هو نفس الله المفترض، ونفس الأمر ينطبق على الإنسان الذي يجب في كل الحالات أن يبقى ضمن شرطه الإنساني، ولا يؤله على الإطلاق.

غير أن الأهم، والخلاصة، فإن فكرة تأليه الإنسان كانت المقدمة الأولى، والمفتاح، والخطوة الأولى نحو الاستبداد الشرقي المزمن المقيم. فهذا الإنسان والإله الأسطورة السوبرمانية لا تخطئ ويجب أن تطأطئ لها جميع الهامات، وتنحنى من أجلها كل الرقاب. إننا في كل الحالات أمام معضلة الإنسان الإله، الذي يبدو أنه يتحكم بكل شيء مستغلاً صفات الله، أما الإله المؤنسن، فيبدو أن لا علاقة له بكل ما يجري في هذه الحياة.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيناريو افتراضي لمؤتمر القمة العربية عام 2048
- الأتمتة وسنينها: المواطن-الزبون
- هاتفكم مقطوع لأسباب مالية
- هدم المساجد: النار التي ستأكل نفسها
- هدم المساجد: النار التي تأكل نفسها
- أين هي ثقافات وعقائد شعوب المنطقة قبل الغزو البدوي؟
- موسم الهجرة إلى الشام
- إياكم والتمسك بالأخلاق والتقاليد العربية الأصيلة
- لماذا لا يلغى مؤتمر القمة العربي؟
- دول الخليج واللعب بالنار
- متى سيكون الرد السوري؟
- مسلسل ضاحي خلفان
- مبروك للحوار المتمدن
- هل تعرف مكان يحتاج مسجد؟
- هل ستقود السعودية راية التنوير في المنطقة؟
- الموساد واجتياح دبي
- الحوار المتمدن: والقضاء على عملية تبييض المقالات
- أثرياء العرب ومشاهيرهم بين الإرهاب والجنس
- أين أثرياء العرب ومشاهيرهم من العمل الخيري؟
- ما الحاجة لوزارات الإعلام؟


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال نعيسة - الله الإنسان أو الإنسان الإله، بين أنسنة الله وتأليه الإنسان