أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - ليس لأي تيار شمولي مستقبل في العراق؟















المزيد.....


ليس لأي تيار شمولي مستقبل في العراق؟


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2949 - 2010 / 3 / 19 - 19:21
المحور: مقابلات و حوارات
    


مقابلة
يُخطئ من يقول بقومية عراقية بل أقول بشعب عراقي
المفكر والباحث د. عبد الحسين شعبان لـ "تحولات:
ممكن أن تتوافق التيارات العراقية على دولة تعددية ولا أظن أن للتيار الاسلامي أو أي تيار شمولي مستقبلاً في العراق !

المستقبل لدولة تعددية
حاورته: اسماء وهبة

ينطلق المفكر العراقي د. عبد الحسين شعبان في مقاربته لفكرة العروبة من زاوية العلاقات الدولية والقانون الدولي. فهو يقرّ بوجود ازمة عميقة تعود الى الموقف من الحرب العراقية - الايرانية عام 1980 وفيما بعد غزو القوات العراقية للكويت عام 1990. ويتوقف عند ميثاق جامعة الدول العربية التي تاسست عام 1945 ويعتبره شديد البساطة، ويتسم بصياغات عامة لم تستطع ان تغلّب ما هو "قومي" وعروبي على ما هو قطري ومحلي. وبالتالي بدا النقاش في هذا الموضوع وكانه عقيم في ظل عالم يتغير!
من هنا ماذا بقي من الفكر القومي في العراق؟ وهل يمكن ان يكون ضمن التركيبة السياسية المطروحة اليوم؟

هل ما زال الفكر القومي العربي صالحاً في القرن الحادي والعشرين؟
أعتقد ان هناك إلتباساً فكرياً وعملياً قد حصل ازاء ما نطلق عليه التيار أو الفكر القومي العربي، خصوصا ان الفكرة القومية كانتماء وجداني وشعوري وعاطفي أمرٌ مفروغ منه، أي ان يكون العربي عربيا على سبيل المثال، والتركي تركيًّا والكردي كرديًّا والفارسي فارسياً والروسي روسياً. ولكن هناك سجالاً حول الفكرة القومية، لاسيما إذا أردنا نقلها من حيّز الافكار الى الواقع، حيث جرت محاولات تقليدٍ للفكر القومي الاوروبي، كما حصل في بداية وحتى منتصف القرن العشرين، وارتبط تطبيق الفكرة القومية بأنظمة أفسدت الكثير مما تضمّنه الشعور الانتمائي الطبيعي العاطفي للمواطن، الى امة مجزّأة ومنقسمة تسعى الى تحقيق وحدتها، خصوصاً بمحاولة "أدلجتها" فالشعور القومي الوجداني يختلف كثيراً عندما يتم تحويل القومية الى ايديولوجيا . وثانيا عندما تحوّلت "الفكرة القومية" كأيديولوجيا الى نظام سياسي هشّم الفكرة القومية العروبية - الوجدانية من خلال ممارسات استبدادية وسلطات ديكتاتورية.
وكانت هناك منافسة وسباق غير مشروع أحيان بين الفكرة الاشتراكية الماركسية والفكرة القومية التي اتخذت من الاشتراكية عنواناً لها في الخمسينيات والستينيات لاحقا. ولكن كلا التيارين الاشتراكي ـ الماركسي والتيار القومي – الاشتراكي، خصوصا في التطبيق العملي، فشلا فشلاً ذريعاً ووصلا الى طريق مسدود، الامر الذي دفع بتيّارات أخرى الى الصعود كالتيار الاسلامي و"الاسلاموي" في بعض الاحيان، من خلال أطر وتنظيمات استخدمت التعاليم الاسلامية بالضد منها أحياناً، أو ما اطلق عليه "الاسلاملوجيا"، اي استخدام الاسلام ضد الاسلام، لاسيما اذا ما اقترنت الفكرة والممارسة بالتعصب والغلو والتطرف والعنف والارهاب احياناً.
علينا أن نتوقف عند هذا الامر لندرسه على نحو عميق يفرّق بين تعاليم الاسلام السمحاء وبين الاتجاهات المتطرفة والمتعصبة التي تتحدث باسمه أو تصدر الفتاوى نيابة عنه. واعتقد ان هناك مراجعات كانت قد جرت على صعيد الفكرين القومي والاشتراكي، لكنها بحاجة الى جرأة وعمق لنقدهما علناً ودون مواربة، وهو ما تحتاج اليه أيضاً بخصوص التيار الاسلامي .

ليس كل ما هو عربي هو قومي
هل هناك تمييز بين القومية والعروبة؟
نعم ربما عن طريق الخطا استخدمنا كل ما نعنيه او نقصده بالعروبة باعتباره قومياً، وهذا امرٌ بحاجة الى فكّ اشتباك. الفكرة القومية كأيديولوجيا شيء والفكرة العروبية والانتماء الطبيعي الوجداني شيء اخر. إن واقع تطور الفكرة القومية وضع امامنا طائفة من المتغيرات الجديرة بالدراسة والنقد، لاسيما وأنه لا يمكن الان الحديث عن "فكرة عروبية" أو "قومية عربية" من دون الحديث عن عملية انبعاث جديدة لتيار عروبي، بجناحين: الاول: الايمان بالديموقراطية السياسية، والثاني: الايمان بالعدالة الاجتماعية. ولا يمكن للتيار العروبي التقدمي ان يحلّق من دون هذين الجناحين، إذ أن انكسار أحد الجناحين يقود إما الى الدكتاتورية والاستبداد أو الى الاستتباع وقبول الهيمنة، وبالتالي فإن تعطّل أحد الجناحين سيضرّ بفكرة الوحدة العربية.
إن اساس وجود هذا التيار هو فكرة الوحدة العربية التي هي قضية محورية ومفصلية تربط أبناء العروبة من اقصى الخليج الى اقصى المحيط. ولا يمكن للامة او حتى الفكرة الوحدوية العربية ان تتقدما من دون التنمية المستدامة المستقلة. ولا يمكن الحديث عن عروبة من دون الحديث عن فكرة الحداثة، لان هذه الفكرة تنضوي تحتها فكرة الدولة الديموقراطية ذات المؤسسات.
وعندما نتحدث عن حداثة، خصوصا في دولة عصرية، فاننا نتحدث عن فكرة مواطنة ومساواة كاملة ومنطلقها الدولة. إن فكرة الحداثة تقوم على أربعة أركان هي: المدنية والعلمانية والعقلانية والليبرالية، ولعلّ ذلك يشكل محتوى وجوهر أية رغبة في التغيير الاجتماعي باتجاه تحقيق العدالة والشراكة المجتمعية وإنصاف المظلومين والمُعدمين ومقاربة فكرة الوحدة العربية.
دولنا العربية أجزاء أمة ممزقة
ما هي حقيقة الالتباس حول فكرة الامة؟
فكرة الدولة - الامة/ الوطن - الامة ارتبطت في اوروبا بفكرة الدولة التي انطلقت من فكرة الامة وقامت على اساسها ضمن حدود سياسية. ودولنا العربية هي اجزاء من امة ممزقة وموزعة الى أجزاء وكانتونات ودوقيات ما قبل الدولة، ولذلك فإن نشوء الفكرة العروبية اذا جاز التعبير امر طبيعي حتى في ظل التجزئة، وإن أطلقنا عليها تسمية الكيانات "الطارئة" او "المرحلية" او "الموقتة"، على امل ان تتحقق دولة الوحدة العربية.
وقد برز هناك اتجاهان: الأول- اتجاه قال بضرورة العمل على وحدة عربية بغض النظر عن الانظمة، واتجاه ثانٍ حاول ان يفكر بدولة الوحدة على اساس التقارب السياسي والاجتماعي، لا سيما بين الانظمة، أو دولة القاعدة التي يمكن أن تلتف حولها دولاً وأقاليم أخرى.
وهنا ايضا تبرز مسألتان: المسألة الأولى من دعا الى وحدة اندماجية فورية سريعة من دون الأخذ بالاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتفاوتة بين بعض البلدان العربية. والمسألة الثانية من دعا الى تعزيز الدولة القطرية لتكون مركز الدولة المقبلة الموحدة، ولكنه لاحقاً استمرأ فكرة القطرية وأخذ يدافع عنها بأسنانه وأظافره بضراوة لا مثيل لها.
وبهذا المعنى جرى صراع بين التيار الاشتراكي اليساري الماركسي وبين التيار الوحدوي "القومي"، لاسيما حركة القوميين العرب وحزب البعث والحركة الناصرية الذين كانوا ميّالين الى الوحدة العربية الفورية، لان الوحدة ستحقق بغض النظر عن طبيعة الانظمة بعداً استراتيجياً وجغرافياً واقتصادياً هائلاً يمكن ان يؤثر على مجرى الاحداث في المنطقة، وفيما بعد يمكن ان تتحقق منجزات اجتماعية واقتصادية وسياسية لتحقيق العدالة الاجتماعية، لذلك كان الشعار البعثي السائد هو "وحدة حرية اشتراكية" بينما شعار عبد الناصر وضع الوحدة في المرتبة الثالثة، اما الحركة الشيوعية والماركسية فقد تبنت شعار اتحاد فيدرالي بمعنى ان البلاد العربية ليست مؤهلة في الوقت الحالي لاقامة اتحادات فورية، وانما لا بدّ من تهيئة الظروف لكي تتوصل اوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لإقامة شكل من اشكال الاتحاد الذي يمكن ان يتعزز فيصلُ الى الوحدة.
وبغض النظر عن خطأ أو صواب الشعارات، فقد تراجعت مسألة الوحدة العربية على نحو مريع، الأمر الذي يتطلب دراسة جدية للأسباب والعوامل التي ساهمت في هذا التراجع، خصوصاً مسؤولية القوى القومية العربية التي حكمت في بعض البلدان العربية.
بتقديري كان في كلا المفهومين هناك خطأ رئيسي. فخطأ الحركة الشيوعية أنها قللت من أهمية شعار الوحدة، خصوصاً انه شعار جاذب للجماهير وهذه الوحدة بغض النظر عن طبيعة الانظمة الاجتماعية والسياسية ستكون وحدة شعوب ووحدة الطبقة العاملة في هذه البلدان، وكان على الشيوعيين ان يتبنّوا شعار الوحدة وان يرفعوه ويروّجوا له، لانهم سيكونون الاكثر مصلحة في اقامة الكيان العربي الكبير والموحّد. ولكن بحكم تأثيرات أممية وخارجية وربما بحكم سيطرة بعض الاقليات على قيادات الاحزاب الشيوعية ما دفعها للتقليل من اهمية الدعوة لشعار الوحدة وعدم رفعه كشعار اساسي ومركزي، علما بأن الحركة الشيوعية العربية منذ العام 1935 تبنّت شعار الوحدة العربية.
وخطأ القوميين العرب ولا سيما الناصريين والبعثيين انهم دعوا لشعار الوحدة من دون الأخذ بالاعتبار ظروف البلدان العربية وتطورها المتفاوت والخلافات السياسية بينها وانظمتها الاقتصادية والاجتماعية، والخطأ الاكبر انهم وصلوا الى السلطة، ولكنهم كانوا بعيدين كل البعد عن الفكرة الوحدية، بل عملوا بوعي أو بدونه ضد بعضهم البعض وضد قيام أي تقارب بين الدول العربية، لاسيما من خلال أعمال التآمر والكيد وتشجيع عوامل الانقسام، حتى أنهم بالغوا في ترسيخ الكيانات القطرية المحلية الضيقة، متمترسين داخلها باعتبارها "مملكة الخلود"، فتبخّرت فكرة القومية العربية التي كانوا يبالغون في الحديث عنها واصبحت جزءاً من المؤامرات التي تحاك بين دولة واخرى، فمثلا هناك نظامان بعثيان في العراق وسوريا كانا الأشد عداء لبعضهما، وطبّق النظام العراقي فكرة الوحدة على طريقته المعروفة عندما غزا الكويت واستباح حقوق شعبها وكانت كارثة على العراق والكويت والامة العربية، بل على حلم الوحدة العربية الذي تبدد بطريقة فظة، في حين ظل البعض يرطن حتى الآن بشعارات وحدوية فارغة هروباً من الواقع. لا بدّ لأية وحدة يراد لها البقاء أن تتم بأسلوب ديمقراطي وأن يكون مضمونها اجتماعياً.

ازدراء الآخر القومي
ماذا عن ظهور الفكر القومي في العراق؟
للاسف الشديد إن الفكرة القومية العربية على ما فيها من إنسانية ودعوة للحرية، خصوصا تلك التي انطلقت اواخر الدولة العثمانية والتي جاءت مع ولادة الدولة العراقية عام 1921 على يد ضباط قوميين عرب وشخصيات تنويرية وإصلاحية تبنّت النهج العروبي تراجعت بشكل خطير، خصوصا بسبب التطبيقات المشوهة التي ازدرت الآخر عبر الموقف المتزمت من الاقليات القومية والسلالية واللغوية.
كما اقترن الاستبداد بأنظمة إدّعت انها تدافع عن القومية العربية، خصوصا في السنوات الثلاثين الاخيرة وهذا الأمر جعل بينها وبين الجمهور حاجزاً كبيراً.
إن الشعب الكردي الذي تعرّض للاضطهاد وقصفت ودمّرت الآلاف من قراه وقصباته، ووصل الأمر الى استخدام السلاح الكيمياوي في حلبجة العام 1988، لا ينسى أن الذي قام بذلك كان يدّعي أنه يحكم باسم " العروبة"، على الرغم من صدور بيان 11 آذار 1970 الذي اعترف بحقوق الشعب الكردي في الحكم الذاتي لكن النزعات التي سادت خلال الحرب العراقية – الايرانية، دفعت الامور الى الكراهية وتهجير نصف مليون عراقي الى ايران بحجة "التبعية الايرانية" مما كرس التمييز بين مكوّنات الشعب العراقي.
ولا اعتقد ان جامعا ما يجمع الفكرة العروبية بالفكرة الاستبدادية أو الممارسة الديكتاتورية أو القمع وانتهاك حقوق الانسان تحت أي مبرر كان، ولعل في تعزيز الأخوة العربية- الكردية والاعتراف بالحقوق القومية للاقليات يمكن أن يكون عاملاً إضافياً في إبراز الجانب الانساني للعروبة، فضلاً عن ذلك تقليص النزعات الانعزالية والانفصالية التي تظهر في صفوف الاقليات كرد فعل للاستعلاء والقمع.
عراق... القوميات الأربع
هل يمكن القول إن الفكرة القومية تتجاوز التمييز بين الاقليات ووحدة المجتمع العراقي؟
الدولة العرقية منذ انشائها عانت من ضعف البنى والهياكل الدوليتة الحكومية الديموقراطية، وكان هناك هامش معين من الديموقراطية الذي جرى تقليصه باستمرار منذ ابرام دستورها العام 1925 حتى اواسط الخمسينيات، حيث ارتبطت الدولة كلياً بمعاهدات مذلّة أبرزها حلف بغداد والمعاهدة العراقية البريطانية ومثيلتها مع الولايات المتحدة الاميركية، وعانى المجتمع العراقي من المشكلة الكردية حيث لم يؤخذ رأي الاكراد فيما يتعلق بقيام الدولة العراقية وهم مكون ثانٍ في الدولة العراقية، ورفضت السليمانية الاستفتاء على الدولة وكانت معاهدة سيفر لعام 1920 قد اعترفت بجزء من حقوق الاكراد وهي بين الدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا، ثم الغيت تلك المعاهدة واستبدلت بمعاهدة لوزان عام 1923 التي ابعدت القضية الكردية عن امكانية حل سلمي داخلي مما عاظم حجم التمرد في المنطقة الكردية، الى أن اعترف دستور العام 1958 بالشراكة بين العرب والاكراد في العراق.
ثم تطور الامر فاعترفت حكومة البعث عام 1970 بوجود قوميتين رئيسيتين في المجتمع العراقي هما القومية العربية والقومية الكردية. ولكن ما لبثت الأمور أن تفاقمت من جديد، لاسيما في ظل العودة الى سياسات القمع والاضطهاد من جانب الحكومة، والتعويل على الخارج من جانب الحركة الكردية، خصوصاً في ظل استمرار قوانين الجنسية السيئة التي ميّزت بين المواطنين، فهناك فئة (أ) لمن كانوا رعايا الدولة العثمانية وفئة (ب) لمن لم يكونوا من رعايا الدولة العثمانية حتى لو كانوا من سكان العراق والعرب الاصلاء (قبل تأسيس الدولة العراقية). وكل هذه الامور أضعفت الدولة العراقية وفتحت الجدل حول صراع الهويات وهو ما برز بعد الاحتلال على نحو شديد. واقترنت هذه الممارسات زوراً بالقومية العربية، فجاءت بردود افعال ضد العروبة حتى وإن كان القصد هو الانظمة التي تبنّتها على نحو مشوّه!
كيف ترى بنية الشعب العراقي خصوصاً بعد الاحتلال الأميركي للعراق؟
لا أقول بقومية عراقية بل بشعب عراقي يتألف من قومية عربية تؤلف نحو 80% من سكان العراق وطبعت تاريخه، وقومية كردية بالاضافة الى قومية تركمانية وقومية كلدواشورية. من هنا يجب تحقيق المساواة بين كل العراقيين. ولهذا اقول لا يهمني من سيحكم العراق إن كان عربياً او كردياً او غيره، مسلماً أو مسيحياً، رجلاً أم امرأة ولكن المهم أن يكون عادلاً وأن يعترف بالمواطنة الكاملة والمساواة التامة ويؤمن بحقوق الانسان وبسيادة القانون وبالحريات والحقوق الديمقراطية، لاسيما بالتعددية والتنوع والتداولية السلمية للسلطة.

برأيك هل حلّت التيارات الاسلامية الناشطة اليوم في العراق مكان الفكرة القومية والعروبة؟
الفكرة الاشتراكية الماركسية اليسارية وصلت الى طريق مسدود في العراق بسبب التطبيقات المشوهة والخاطئة، وكذلك "الفكرة القومية" ارتبطت بالاستبداد، واعتقد ان الفكرة الاسلامية او الاسلاموية في طريقها إلى ان تصل الى الحد المغلق الذي لا افق فيه. وعندما انهارت الدولة العراقية عام 2003 بسبب الاحتلال لم يجد الجمهور غطاءً او ملاذاً سوى التكوينات التقليدية، أي التكوينات المذهبية والعشائرية والدينية والمناطقية والجهوية والعائلية، لان النظام السابق قضى على كل الكيانات السياسية والاجتماعية التي كانت قائمة والتي لا تتفق معه من خلال قمع كل صوت أو رأي أو تيار معارض أو مختلف عن توجهاته، وهنا تدّخل العامل الخارجي اي المحتل الاميركي وايران، وكلٌ لمصلحته بهدف تطويع وترويض الهيجان الشعبي بسبب غياب الدولة ومؤسساتها التي كانت تشكل عمقاً للوطنية العراقية، بغض النظر عن عقائديتها احياناً مثل الجيش.
وقد برز دور المرجعية الدينية، وجرى العزف على وتر المظلومية السابق وجرى الرقص على حبال ان الحكم لا بد ان يسلم للاغلبية، وهكذا جرت عملية مصادرة وتغييب للوعي في لحظة تاريخية حرجة وحساسة، لدرجة أن الرأي العام العراقي يكاد يكون قد اختطف في لحظة انعدام الوزن وتعويم الارادة، لكنه كما اعتقد سيستعيد ذلك بالتدريج وأعتقد أن المسألة بحاجة الى وقت غير قصير والى استعادة هيبة الدولة بحيث يتحول الصراع العنفي الى صراع سلمي، حيث يمكن أن تنشأ قوى جديدة تتخطى ما هو سائد من انقسام ومحاصصة.
ومثلما انهارت التيارات الشمولية القومية والماركسية سينهار التيار الاسلامي في العراق وقد يكون انهياره عاصفاً ومدوّياً اكثر من انهيار المشروع الماركسي ونظيره القومي، ولا أظن أن هناك أي مستقبل للمشروع الطائفي والمذهبي في العراق وإن المحاصصة رغم استمرارها فشلت في تحقيق استقرار وأمن العراق.

لست مع توليف التيارات
ولكن هناك من يتحدث عن جمع بين الفكر القومي وبعض التيارات الاسلامية. هل يمكن ان يحدث بالفعل في العراق؟
اعتقد ان هناك اصطفافات حادة داخل المجتمع العراقي وهناك قوى مذهبية مقابل قوى مذهبية أخرى مثل حزب الدعوة والمجلس الاسلامي الاعلى وتنظيمات اسلامية صغيرة، مقابل جبهة التوافق ومركزها الحزب الاسلامي، وهذا اقرب الى اصطفاف مذهبي وطائفي. وحتى من خارج العملية السياسية فهناك من ينتقدون الوضع، ولكنهم يتحدثون أيضاً من موقع طائفي ومذهبي، وبالتالي لا يمكن نقد الطائفية بالطائفية. لذلك اقول ان الفكرة العروبية في العراق وان انطفأت بسبب ممارسات الاستبداد لكن وهجها تستمده الآن من نقد الماضي ومن الرهان على المستقبل برفض الاحتلال والايمان بحقوق الانسان والديمقراطية، والاعتراف بالتعددية والتنوّع، فذلك هو السبيل لعودتها بعقل جديد وعقلانية ومدنية.
أما الفكرة المذهبية والطائفية التي تمترست بحجة الاغلبية والمظلومية السابقة او الحالية فإنها لا تستطيع ان تستقطب الكيان العراقي الطامح للتحرر، ولا يمكن أن تؤلف مشتركاً جامعاً. بتقديري سيصل الجميع إن عاجلاً أم آجلاً الى أن لا طريق الاّ بالاتفاق على فكرة أساسية حيوية تضمن "حقوقهم" جميعاً، في إطار منافسة مشروعة، وهذه الفكرة هي دولة علمانية لا دينية تحرّم فيها الطائفية ويسود فيها القانون وتحترم فيها حقوق المواطن، بغض النظر عن دينه ولونه وجنسه وقوميته وأصله الاجتماعي.

الى اي حد يستطيع الفكر القومي في العراق ان يكون له مضمون ديموقراطي؟
الديمقراطية تقع في صلب المشروع النهضوي العروبي العقلاني العلماني الحداثي الليبرالي، ولكني لست مع توليف تيار قومي او عروبي بتيار اسلامي، لان لكل منهما مرجعية مختلفة. واعتقد ان الفكرة العروبية ستبقى على صورتها مثلما ستبقى الفكرة الاسلامية تستمد خطابها من مرجعيتها، وإن حدث بعض التطور في كلا التيارين، ولكنني لا أظن أن الفكر القومي التقليدي وبعض النزعات الشوفينية سيكون لها مستقبلاً، خصوصاً التشبث بالماضي وتبرير الدكتاتوريات وأنظمة القمع. وبهذا المعنى لا بدّ من الإقرار بوجود أزمة شاملة.
ما أدعو له هو قبول جمعي من جانب التيار الاشتراكي الماركسي والتيار الاسلامي والتيار العروبي الاشتراكي والتيار الليبرالي الديموقراطي، بفكرة دولة عابرة للطوائف والاثنيات، دولة يكون موقفها من حق الاعتقاد وحق التعبير وحق التنظيم وحق المشاركة إيجابياً، أي قبول التنوّع والتعددية، وعندها سيكتسب التيار العروبي أفقاً جديداً منفرداً ومجتمعاً. وكلما اكتسب الفكر القومي العربي بُعداً ديمقراطياً، كلما تعزز بُعده الاجتماعي. طالما وقّع على عقد اجتماعي سياسي معتمداً على آليات ديموقراطية للوصول الى السلطة بعيداً عن العنف وأساليب التآمر والانقلابات، مثله مثل بقية التيارات التي ينبغي أن تكون في السياق ذاته.




كادر
الفكرة العروبية في العراق انطفأ وهجها بسبب ممارسات الاستبداد
كادر 2
الطائفية المتمترسة بالاغلبية والمظلومية السابقة او الحالية لا تستطيع توليد عراق متحرر وديمقراطي.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموساد والجريمة والعقاب
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (20) القبعات الخضر والصيد الثمين!
- الصوت والصدى
- المعرفة من أجل الحق
- ثقافة حقوق الإنسان في ندوة تخصصية في لاهاي/هولندا
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (19) نزيف بصمت!
- أين سترسو سفينة الانتخابات العراقية؟!
- “إسرائيل” والإفلات من العقاب
- كوبا.. رؤية ما بعد الخمسين (18) كاسترو- أبوعمار- حبش: رومانس ...
- البحث العلمي ووليمة التفكير
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (17) همنغواي والجواهري: الشيخان وا ...
- الخليج وصورة المجتمع المدني
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين!! -16 -أرنستو همنغواي: حانة بودغيت ...
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين -15- حروب سبعة آخرها الحرية والحدا ...
- جدلية القانون والنزاهة
- ماراثون الانتخابات العراقية.. من العزل إلى العزل!
- قيم التسامح في الفكر العربي الاسلامي المعاصر
- تحية الحرف والحق والمعرفة الى منبر الحوار المتمدن،
- ماراثون العزل السياسي في العراق
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (14) ثورة ومغامرات وكبرياء


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - ليس لأي تيار شمولي مستقبل في العراق؟