أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرمد السرمدي - التمرد في دراما الفن المسرحي















المزيد.....


التمرد في دراما الفن المسرحي


سرمد السرمدي

الحوار المتمدن-العدد: 2947 - 2010 / 3 / 17 - 00:02
المحور: الادب والفن
    


في مواجهة جماعات الدعوة للخضوع باسم العقل، والخنوع بدعوى الواقعية، والاستسلام لمسايرة العصر، لمن باتوا يرون الحرية رومانسية، والعدل خيالاً، والنضال مغامرة، كان لا بد من تسليط الأضواء على التمرد. تكثيف مفهوم هذا البعد الأساسي في الجنس البشري والذي نحن أحوج ما نكون إليه في هذا الزمان أكثر من أي وقت مضى. أن نستخرج جوهرة التمرد من تحت ركام الضلال والتضليل، للتعريف بأبعاده وحدوده، ليحسن استعماله ولتعميق فلسفته وأسسه العلمية البعيدة عن المغامرة والمقامرة، أو النزوة المتطرفة. أن يتراكم مفهوم أنه يوجد أي قوة، مهما كان جبروتها، في أي طغيان معهم عظم، كعب آخيل، على التمرد العثور عليها، كما عثر عليها دائماً.

الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي لم يرض أبداً عن حاله، ولن يرضى أبداً عن حاله. يتطلع دائماً إلى الأحسن، يسعى إلى الأفضل، يتمرد على ما هو كائن من أجل ما يجب أن يكونز ولم يكن هذا سهلاً. اعترضت الأفضل المنشود دوماً عقبات مادية ومعرفية صارعها وصارته، غالبها وغالبته. تسلح بالإصرار على التمرد وإن خسر في بعض المعارك، وإن خاطر بحياته، حتى لا يخسر وجوده ويضحي بآماله. لو أمعنا النظر في الحياة الكونية المعاصرة، مخترعاتها، اكتشافاته وكل منجزاتها، لوجدنا أنها نتاج سلسلة من التمردات خاض غمارها متمردون. ظهر الرفض والتحدي في تمرد الإنسان منذ بدء الخليقة وفجر الحياة.
سجلتها الأساطير الشعبية والميثولوجيا، وأكدتها الدراسات والحفريات المهتمة بالتاريخ القديم. وببزوغ شمس الحضارات القديمة، أخذت هذه الحضارات تحكم الرباط بين الخلق والوجود والتمرد كخاصية من خصائصها، فسجلت الحضارة الفرعونية للإله أوزيريس تمرده المادي من أجل حياة أفضل: عدالة في الفانية وخلوداً في الباقية.
وسجلت الحضارة اليونانية لبروميثوس تمرده على الآلهة ولسيزيف تمرده على عبث الحياة. وبالنسبة للحضارة الرومانية، فإن كانت الحضارة اليونانية قد تميزت بالتمرد الفكري الفلسفي، وتميزت الحضارة الفرعونية بالتمرد الاجتماعي الفكري الفلسفي والتشكيلي المعماري، فلقد تميزت الحضارة الرومانية بالإبداع التشكيلي العماري والتعبيري إلى جوار التمرد السياسي.

ميزة أخرى للتمرد الروماني، قوامها اختفاء الآلهة وأبطال الأساطير المتمردين ليخلو المسرح للبشر وحدهم كل هذا التاريخ، أسطورياً وبشرياً، تأثر به العرب وأثروا فيه بوصفهم أمة تتوسط وتتقاطع عندها الحضارات، عاشت في زمان تحت الغطاء الفرعوني سياسياً، ومتأثرة به بحكم الجوار. وشملها في زمان آخر الإمبراطور الروماني. بل إن الحديث عن الرومان يفرض الحديث عن العرب، بمنطق التاريخ وإلزامه، لا برغبة العاطفة واختيارها، أما التمرد العربي البحت، فهو يفرض نفسه في مكان آخر. فعندما أصبحت مراكز التجارة الكبرى في يد العرب بعد ظهور الإسلام، خيم الظلام على أوروبا، وأشرقت دنيا العرب بنور التمرد الذي أعلنه الإسلام، عاشت أوروبا في ظلام العصور الوسطى، بينما كان العرب يدقون أبواب التاريخ في العلوم والآداب، في الفكر والفلسفة، وفي الفنون والمعمار. ترجموا مؤلفات عديدة عن الفارسية واليونانية والنبطية والهندية. تمردوا على كل شيء وفي كل شيء. لمعت في سماء هذا الشرق الحزين أسماء الفارابي وابن سينا، الجاحظ وأبي العلاء، ابن الهيم وابن حيان، طليعة تتقدم كوكبة من المتمردين العظام العباقرة.
وعلى ضوء ذلك كله يمكن القول بأن هناك تلازماً بين الازدهار الحضاري والتقدم والتمرد. يزدهر التمرد على كل معوقات الحياة وما يمس كرامة الإنسان في عصور النهضة ويخبو في عصور الانحطاط. إنها جدلية الازدهار والتمرد. (1)
د. عوني كرومي يؤكد التمرد عند كتّاب المسرح الحديث، والتمرد على الواقع
أود ان أوضح بدءا إنني لاستخدم كلمة التمرد هنا بالمعنى ألقدحي لها فانا أتعامل مع التمرد باعتباره حالة جدلية، وكذلك الأمر مع التقاليد، التي اعتبرها أساسا لا غنى عنه للانطلاق الى ذرى التقدم والتطور، والكف بالتالي عن التعامل معها كموروث مقدس لا يجوز المساس بثوابت من جهة، أو عدم الاكتراث بها وتجاهلها بغطرسة لا مبرر لها. إنما يجب ان نعمل على استغلالها. فالتمرد في المسرح حالة من حالات إعادة أبداع الذات، تنزع الى البحث والتقصي وعدم الرضوخ والاستكانة الى المألوف والجاهز والمستهلك.... فالتمرد على سكون التقاليد وعدم إعادتها لذاتها, هو ما ندعوه بالتجريب الذي يقود الى الثورة على الذات والواقع, مع انه حالة فردية، ولكنه مرتبط بشروط العمل والبيئة الثقافية للعصر.
ان التمرد على التقاليد المسرحية كان وما يزال ديدن العديد من المبدعين والطليعيين في المسرح.تنحو نحو النماء والتطور ورفد الانسان بأدوات التغيير عبر مراكمة الخبر والبحث الدؤوب. لأدراك كنه الظواهر وطابعها المتناقض والإجابة بالتالي على أسئلة وتحديات الطبيعة والواقع من خلال السعي المتواصل لبناء مجتمع أكثر عدالة وإنسانية والتكييف الخلاق مع قوانين الطبيعة الموضوعية, وبدون هذا الطموح يتحول المسرح الى بركة راكدة وآسنة..
وتتمثل التقاليد المسرحية بالمناهج، والطرق والأساليب المسرحية التي تسيطر في فترة ما، على الحركة ألمسرحيه هنا او هناك، وتمثل خلاصة للتجربة المسرحية او لتراكم الخبر عند الفنانين او داخل اتجاه مسرحي معين. ويمكن دراسة هذه التقاليد أما على أساس الحقب الزمنية او المجتمعات والحضارات البشرية أو حسب الأشكال والنماذج المقدمة في المسرح من خلال النص وهو الشكل الأكثر تواصلاً وثباتاً من عناصر المسرح حيث وصلنا ورغم كل الظروف ابتدأ من نشأة المسرح وحتى اللحظة الراهنة أو من خلال التطور المعماري لأبنية المسرح. على العكس تماماً من ا لعرض المسرحي الذي لم يتنفس الحياة إلا مع مرحلة التسجيل المعاصرة بواسطة الأفلام والصور وأجهزة الفيديو.
لقد كان دائماً التمرد على التقاليد يولد تقاليد جديدة تشق لها طرق مختلفة نحو الانتشار الواسع ويجلب معه دائما مسرحا طليعيا يرتبط بالسياسة.ونوعا مسرحيا يحاول ان يوجد نفسه على انه لون جديد من الحياة في الدراما.
ان التمرد في المسرح يعني التحدي لاتجاهات ثابتة معينة تكّون مع مرور الزمن حركة طليعية تأخذ على عاتقها تعميق المواقف الحداثية أو التجديدية أو الطليعية وترتبط هذه المصطلحات مع الأسماء أو الفترات الزمنية وكثيراً ما تفرز هذه الحركات حركات فنية مركبّة نطلق عليها تسميات عديدة الطليعة والطليعيين، الحداثة والحداثيين، التجديد والمجددين او الدادائيه او السريالية او ألتعبيريه. هذا يرتبط بالزمان والمكان وماهية التقاليد التي يتم التمرد عليها والتي هي نتيجة لما جاءت به طبيعة المجتمع والثقافة وتاريخ المسرح في هذا البلد او ذاك.
وكثيراً ما كان التمرد بالذات في الجوانب الاجتماعية والأخلاقية يواجه بشجب عنيف.لان التمرد أيضا يحمل في جوانبه قوة تدمريه اذا لم يكن مترافق بوعي وحكمة وتجربة وصبر وتأني وشفافية، وهنا تكمن المخاطر اذا لم يكن مرتبط التمرد بادراك لمعنى الحياة.
لأن الإحباط واليأس والعجز قد يقود هو الآخر الى التمرد, من أجل أثبات الذات والقدرة على البقاء والتطور, بالذات في المراحل التي يعيش فيها الانسان والفنان المتناقضات الأساسية للتفكك الاجتماعي.
لذا أصطدم سعي المسرح الى التغير الاجتماعي بالكثير من الإشكال والتقاليد المسرحية، التي أصبحت تشّكل عائقاً جدّياً أمام هذا المسعى ويعتبر الفنان بيتر بروك واحد من ابرز من أخذوا على عاتقهم القيام بهذه المهمة بالمزيد من الجرأة والإصرار. فلقد أدرك بروك أن المسرح في الوقت الحاضر ، بأشكاله التقليدية ومضامينه المترهلة والشائع، لم يعد قادراً على التعبير عما يعتمل في المجتمع من نوازع ورؤى جديدة، تبحث لها عن أشكال مناسبة، تستجيب لتمردها على ثوابت المجتمع القديم واعتباراته ومعاييره لان التخمة قد حلت وأصبح المسرح عاجز عن تنفيذ مهماته لذا يعتقد ان الوقت قد حان وأصبح من الجوهري ضرورة إعادة اكتشاف جذور المسرح والتجربة الإنسانية معاً. لان التمرد لايعني إسهام التحدي فقط للمؤسسات الفنية إنما للفن المسرحي ذاته.
ان أبسن الذي اتسم بالتحدي للأزمات والتناقضات والمناطق المعتمة اجتماعيا والتي لم تسلط عليها الأضواء في ذلك الزمن. رفض الطابع التمثيلي أو التصويري للغة عندما قرر التخلي عن الشعر الدرامي وأن يكرس نفسه للكتابة باللغة المحكية والسهلة التي يتكلمها الناس في حياتهم الواقعية لأنه كان يرغب في تصوير كائنات إنسانية لا تتكلم لغة الآلهة. وبهذا حرّر الكلمة من أغلال الاتجاهات الفلسفية والدينية ومزج بين الخبرة الراهنة القائمة على التزامن كما أن هناك الكثير من الظواهر التي ثار عليها في حينها أصبحت تقليد درامي له وجوده الخاص. مثل إقامة بنية حقيقية على الخشبة مشابهة للحياة وهذا أهم ما مّيز ه وأصبحت من بعده شيئا مسلماً بوجوده.
ان حركة التمرد لها بداية، ولكن ليس لها نهاية تظهر عندما تبرز أسماء المبدعين المدافعين عن حالة التمرد والثورة. لان التمرد يطمح الى التغيير وإعادة التكوين ويأخذ شكله من الزمن الذي يظهر فيه والمكان والمجتمع لان التمرد على الأشكال و المضامين نسبي ففي بلد ما يعتبر ما هو تمرد على الأشكال في بلد آخر يعتبر هذا الفعل أو الشكل مستهلك وتم تجاوزه. لأن المسرحيات الأكثر تمّرداً هي التي تطرح مفاهيم سائدة للتساؤل، وبهذا تُثير السخط من المحافظين والتقليديين وتتهم بالانحطاط والابتذال وعدم الفهم... كما أنها تهدد قيم المجتمع السائد لأنها تتصّدى للأزمات العميقة وتقترب من المحرمات وهذا ما حدث مع أبسن ذاته.
فالتمرد يسعى لكي يكون الفن المسرحي مواكب من حيث(( الموضوع والشكل )) للمجتمع الذي يتخطى التقليدية.
ولكن التمرد على المسرح التقليدي او على تقاليد المسرح في الوقت الحاضر, الحديث والمعاصر، يعود تاريخها في الحقيقة الى نهايات القرن التاسع عشر حيث انفلتت المحاولات الأولى للتمرد على الابسينية بالرفض المتعدد الجوانب(( للطبيعية)) والعمل على إنهاء الوهم على المسرح، وهم تحقيق الواقع والطبيعة بأدوات الواقع والطبيعة، وهم خلق الخلفية التاريخية من خلال الملابس والديكور، وهم تحقيق الشخصية عبر الاندماج وإعادة بناء الحياة على المسرح ببناء مشهد على الخشبة(( مشابه للحياة )) وإذا كان الوهم يتحقق من في خلق التجاعيد والمساحيق فأن التمرد أستثمر الماكياج المبالغ فيه لإبراز الطابع المسرحي. إي النزوع الى التعبيرية والرمزية من خلال تمثيل شخوص عبر الدمى والعرائس مثلا.
ارتبط التمرد المسرحي عبر العصور بظهور السياسات الراديكالية او الثورية أ ومن خلال الابتكارات والتجارب الفنية و الاكتشافات العلمية والاجتماعية. التي غيّرت الأهداف الرئيسة للفن ووظائفه واستثماره في حياة الانسان الى جانب تغير العلاقات القائمة بين منتجي المسرح والجمهور المسرحي, بين الفن الذي لا يهدف و بين الفن الغامض, والذي يعجز عن إيصال رسالة العرض..... ان التمرد على الإشكال الفنية يحمل بذاته بذرات التمرد اللاحقة ويقدم الدليل على أمكانية التطور... فأبسن هو من مهد للتعبيرية كشكل مهم في تأريخ المسرح العالمي.
لان التمرد يعلم ويعرف الفنان ماذا يجب ان يعمل و لأنه يقود الى الانفتاح والحرية والتعرف على الآخر فهو يعني الرفض في أوسع أبوابه كما هو متعارف عليه بهدف خلق تقاليد جديدة في( المشاهد المسرحية، الكتابة المسرحية، بناء العرض المسرحي، التمثيل، والتلّقي. والعلاقة مع الجمهور).ويعني التطور لظاهرة المسرح المرتبط بالتطور الاجتماعي.
إن الشجاعة التي يتميز بها الفنان المسرحي المتمرد مؤلفاً، مخرجاً، ممثلاً، كانت تدفعه إلى التجريب والتجديد وعدم الوقوف والرضا وعدم الركون الى ما هو قديم ومألوف، والعمل مهما تغيرت الظروف بروح البحث والاكتشاف، حيث سعى الكتاب الدرامييون المعاصرون ًإلى اختبار قدرتهم على التجدد والتطور، ليس فقط لأن المسرح هو المكان الوحيد الذي يتلقى فيه الكاتب تأثير عمله مباشرة وبلا حدود، وإنما لأنه كذلك مكان للحوار والنقاش والتجريب وتبادل الآراء والخبرات.
إن الخزين الفني الذي منحه إيانا "المتمردون على التقاليد كان وسيلة مهمة في تطوير الرؤية المسرحية والمنهج والوسيلة لإغناء العمل الفني والإبداعي. وكان مصدراً ملهماً للطفرة التي حدثت في المسرح والتي انطلقت منذُ بداية الستينات من القرن الماضي . وشملت مجتمعات ودولاً ونظماً مختلفة ومتنوعة كانت تعيش في مرحلة التكيف والاندماج على نطاق واسع لذا جاءت حركة التجديد في الستينات تمّرد على كل ما هو تجميلي وتخديري وإيهامي..
لم تكن الستينات نقطة تحول بالنسبة الى المسرح والثقافة في أوربا فحسب إنما شمل ذلك شتى أنحاء العالم، بكل معسكراته ونظمه السياسية والاقتصادية في الدول ألاشتراكيه والرأسمالية ودول عدم الانحياز او ما يطلق عليه دول العالم الثالث. فما انتهت الخمسينات مع نهاية الحرب العالمية الثانية حتى كان كل ما هو منطقي وعقلاني قد وصل الى حالة من العجز والعقم. ودخلت الثقافة والمسرح في صراع بين ما هو تقليدي وحديث بين ما هو أكاديمي وما هو تجريبي وبين من يطور عروضًا كبيرة في الهواء الطلق هادفاً الى تحطيم الانفصال التقليدي بين الممثلين والجمهور. و بين من يعمل في داخل المختبرات ألمسرحيه ألمغلقه وبين ما هو غربي وشرقي يخضع لتأثيرات المعسكر الاشتراكي من خلال الواقعية الاشتراكية التي لم تكن في الظاهر سوى إعادة فهم الثقافة على أنها جزء من بنية التعليم والتهذيب البرجوازي, وبين ماهو شكلي غامض.
ففي هذه الفترة ظهرت اتجاهات متعددة ومختلفة وفي بعض الأحيان متناقضة، فهذا يرفض أن يقدم صورة وثائقية والآخر يرفض ان يكون مسرحه تعليماً والآخر يبحث عن المتعة من خلال التعليم والتعلم وبعضهم يسعى لمشاركة المشاهد للحدث أو انتظار لحظة التطهير.(2)
الأستاذ نعمة السوداني يوضح التمرد على قوانين المسرح من المسلم به ان لكل نص ادبي خصائصه , قوانينه , هويته ,كذلك يمكن ان يكون خارج التجنيس ولكن لايمكن ان يكون خارج القوانين التي تحكمه بوصفه نصا ادبيا.
ان القوانين والاحكام هي التي تحدد أدبية النص او دراميته , او مسرحيته , كما وان النص الادبي يبقى جامدا والحركة تكون فيه شبه مشلولة, اي انه نص صورة او نص فكر , مسجى على الورق ليس الا .
بمعنى اخر ان النص المكتوب للعمل المسرحي يكون مجسداً ماديا وحركيا على خشبة المسرح وان النص الادبي الدرامي يخضع بشكل عام الى تساؤل هل يمكن ان يتحول الى نص للعرض المسرحي اي هل يحتاج الى تفعيل للسياق المسرحي ويناسب الشروط التي تنطبق عليه ؟؟ اي شروط العرض المادية ,, مثل جسد الممثل و قدرته على تجسيد الخطاب داخل الفضاء المسرحي الى اخره من الشروط التي سنتطرق اليها ضمنا في هذه النافذة .. لذلك نطرح السؤال التالي : هل كل النصوص الادبية وتصلح عروضا مسرحية ؟ وللاجابة على مثل هكذا تساؤل لابد وان نشير الى بعض الامثلة المهمة ....
فمثلا الكاتب الساخر جورج برنادشو كان عصيا على دخول المسرح بخاصة والدراما بعامة, علما كانت اعماله زاخرة بالسخرية والظرافة وكذلك احمد شوقي كانت نصوصه الشعرية مليئة بالصور لكنها لاتفلح ان تكون درامية . وقد نجد الدراما في اغاني فيروز الممتعة لانها قائمة على واقع وحلم وهي ارث درامي يختزن ويختزل, و هي جملة مسافات ورؤى جميلة تحفر في الذاكرة .
ان النص المسرحي هو بطبيعة الحال نص اخر يكتسب من المخرج اضافة جديدة ومن الممثلين والمناظر وكل مايرافق العرض المسرحي من مؤثرات اضافات لاحقة .
ويعتبر النص المسرحي ليس ملكا فرديا ولا ابداعا ذاتيا مجرداً ..بل انه مصنع تمتلكه جماعة تمتلك خبرة مهنية يقظة ومسؤولة عبر الحوار والحركة والاداء والتمثيل المسرحي . ونستطيع ان نقول يمكن ان نعمل على اعداد نص جديد في مجال(الاعداد المسرحي ) اي يمكن لتداخل الاجناس الادبية والفنية في المسرح , وباستطاعتنا ان نقول يمكن ان كل نص يمتلك المقومات والشروط ان يكون ( مسرحية ) ولكن .. ليس بوسع كل نص مسرحي ان يتحول الى نص مفتوح .
لذلك لاشيء هنا لا يستحق التمرد على قوانين الفن لخلق قوانين جديدة ومن يتمكن من اجادة حرفته بنباهة وبحذاقة الفكر واللغة , يمكنه كذلك ان ينحت لنفسه نصا يعرف أدق تفاصيله واهم معطياته ومؤثراته ..
ان فن المسرح من بين سائر الفنون له القدرة على التكييف والتلوين زمانا ومكانا ويمكنه ايضا ان يخرج من كل المعاطف التي تريد ان تحتويه وتضعه في موقع الانجماد والانصهار ...
فالمسرح كما هو معروف هو بؤرة فنون ورؤى واشراقات,, والنص اي- نص - يمكن توظيفه للمسرح , غير ان المسرح يظل اساساً في توطين النصوص لصالحه , لان النص شريعة تجربة خلاقة..
ان النص الدرامي الادبي هو عبارة عن صورة وحركة يمكن له اجتياح عوالم متعددة ( تلفازية -- مسرحية – قرائية ) جديدة . اما النص المسرحي فيعني لنا الخشبة .. يعني ارادة ( المخرج ) التي تتفاعل مع (المؤلف ) و(الممثل ) و (الجمهور ) لتحقيق عالم جديد على خشبة المسرح , ان النص عالم فذ من المعرفة والموهبة والفتنة والجمال ...
فيما نرى ان النص الادبي الدرامي هو وليد صراع يخترق الجماد سعيا وراء اختيار الحركة والصورة , ونص المسرح هو من تجتمع على مائدته ارادة الجماعة بكل ماتحمله من خبرات وتجارب وابداعات خلاقة ..
ان المسرح يشكل نقطة التلاقي بين - الادب والفن والممارسة الاجتماعية - فهو - كنص - جزء من الادب يخضع لمعايير التحليل الادبي وهو - كعرض - يعتبر ممارسة اجتماعية , اي هو بعبارة اخرى احتفالية فنية زاهية بكل معنى الاحتفال كما هو يعني لنا ( لقاء واحتفالاً ) وكفن يقوم اساسه على ( الفرجة ) لكونه ياخذ موضع ( المكان ) وبالتالي يستعير الكثير من اجنحة هذا المكان ادواته من الفنون الاخرى ليحلق عاليا في سماء الابداع والانسانية .
وكما للنص الادبي هناك مميزات , منها انه نص مقروء يتحول لاحقا الى ملفوظ , وان جزءا من نص العرض ملفوظا من النص الادبي يقدم ( منطوقا ) لذلك يتراجع النص الادبي امام نص العرض المسرحي تراجعا كبيرا , اي امام الوليد الجديد بسبب انه يخضع لعمليات جراحية كبيرة تقوم على اساس اجراء ( عمليات هدم ثم اعادة بناء من جديد)...... كما وان دلالات النص الادبي وكذلك الوسائل المتخيلة لن تصل الى الاخر الطرف المهم في المعادلة وهو -الجمهور - لأن النص يدخل الى مايسمى بالفلتر, اي باوساط مختلفة . وبالتالي يعتبرة- نسقا لغويا- ثم يتحول الى- لفظ بالعرض المسرحي- امام الجمهور لانه يستند الى ملاحظات ( المخرج ) الذي يقدمها للمؤلف - ان كان على قيد الحياة – وهذه لا تصل الى (المتفرج ) و لان الغرض من ذلك هو تقديم ( نص مادي) والاسبقية له بالعلاقة بين فضاء النص وفضاء العرض ولا بد للاخير ان ياخذ بعين الاعتبار فضاء النص , ولان مجموعة اللغات المختلفة المستويات تقوم بارسال واستقبال اي هناك (التواصل ) مع الممثل والجمهور اي -- المرسل والمستقبل -- وهي حالة مثلى تمثل هذا التواصل الانساني وتكون حالة انتاج مزدوج بين-- الصالة والخشبة -- وايضا العمليات الاخرى التي تتم بين-- الشخصيات المتحاورة ---- من خلال مجموعة حركات انتقالية كما هي الحال في ( الميم – حركة الوجه ) , ويعتبر الملفوظ من النص الدرامي هو جزءاً من العرض المسرحي ..ان الرسالة بالمسرح تحمل طابع مزدوجاً فهي تمثل-- النص المسرحي المكتوب -- ولها (طابع لغوي ) في حين نجدها في العرض المسرحي تكتسب طابعاً اخرا ( حواريا) - اي النص -يصبح حواريا ذات طابع ( سمعي ) تختلط فيه الموسيقى والمؤثرات الصوتية والسمعية بالاضافة الى الطابع ( البصري ) الذي يتاتى من خلال مجموعة كبيرة من منظومات حركية ولونية وضوئية تقدم وتبث امامنا من على خشبة المسرح .
كل هذه تشكل دلالات وعلامات تنظم نفسها وبالتالي تكوّن ( الرسالة ) ومن ثم يتم بثها عبر قنوات متعددة ومختلفة مثلما قلنا سابقا عبر جسد الممثل وصوته والاضاءة وما يتعلق بالسينوغرافيا ... كل هذا يشكل مجموعة من تلك اللغات المهمة والحساسة لانها تحمل مسؤولية العرض وهي و في مستوياتها المختلفة تقدم - بارسال واتصال - بشكل مباشر مع الجمهور عبر ( سينوغرافيا العرض ) بعد تحضير الجو النفسي عبر قانون (نحن هنا الان ) .... هذا كله يأتينا عبر ( نص العرض المسرحي ) الذي نراه امامنا .
ومن جانب اخر يتعلق في ( النص الادبي ) نجد فيه ان القارئ لايبني العالم الدرامي ولا حتى الفضاء الدرامي له مثلما يفعل المتفرج في المسرح عندما يتلقى المنطوق او الحوار او الملفوظ في تتابع زمني مستمر لانه يتعامل مع مجموعة انساق علاماتية اكثر تنويعا وتخصصا عبر الحاملات المسرحية التي تشخص امامه .
ان فسحة الفنان تكون كبيرة فهو يترك ما مكتوب ثم ينطلق من محتواه مع تفاعل مهم في تحضير الجو النفسي وتقديم زمانية الحدث والمكان والموسيقى والملابس الى الجمهور , ومن الجانب الاخر في طرح المعالجات فالاشارة الى متن النص الذي يقول شيئاً ما نرى انه خالق جديد في ابداع دلالات جديدة , وايضا تنحى بعض النصوص بالشكل الادبي الاصلي وتبني عليها من جديد افكاراً جديدة وحالات جديدة لجمل جديدة باستخدام ادوات ربط للمشهد بالعرض المسرحي , وكذلك أدوات فصل عندما يستخدم النص الجديد الذي يفكر فيه المخرج والممثل.(3)

الهوامش


(1)من كتاب آفاق التمرد, تأليف: فاروق القاضي, الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر تاريخ النشر: 01/01/2005 .

(2)د. عوني كرومي ,العدد (734) الخميس 21 ربيع الاول 1430هـ - 19 اذار 2009م جريدة الدعوة : جريدة سياسية يومية تصدر عن حزب الدعوة الإسلامية تنظيم العراق , الصفحة الثقافية

(3)نعمة السوداني ,جريدة الصباح,التمرد على قوانين المسرح,التاريخ: ,Saturday, August 22
اسم الصفحة: فنون




--------------
http://www.youtube.com/alsarmady

الكاتب
سرمد السرمدي
العراق



#سرمد_السرمدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غروتوفسكي المخرج المسرحي البولندي
- -هيبياس الأكبر- أهم المحاورات الأفلاطونية
- مسرحية لعبة الحلم لأوغست سترندبرغ
- الجمال في بنية التقنيات المسرحية
- المخرج ريتشارد فاجنر
- مفهوم القبح في الجمال.
- المسرح في الصين
- المسرح في العصور الوسطى
- من أجل ثورة عراقية زرقاء ام سوداء ؟
- الفنان كالسياسي كلاهما في سجن بول بريمر
- في المسرح العراقي لا صوت يعلو فوق صوت المعركة !
- اغتيال طاهرعبد العظيم الفنان التشكيلي المصري
- مقاعد دراسية اسرائيلية في الجامعات العراقية
- مقتل المشاركين في مسرحية عراقية !
- التمر العراقي والقوة الجنسية عند الكتاب العرب
- جفت دموع العراقيات في بلد دجلة والفرات
- الفن العراقي عاري عاري عاري
- علكة صهيونية تغزوا الأسواق العراقية
- ليس في لوحة الغدر لون للرجال – لحظة عارية 3
- القاهرة تكتب وبيروت تطبع والعراق يغرق - لحظة عارية 2


المزيد.....




- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرمد السرمدي - التمرد في دراما الفن المسرحي