هيت والشعراء والصور

قحطان محمد صالح الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2941 - 2010 / 3 / 11 - 13:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

يحبون الشعر والسياسة والبطولة انهم اهلي يحبون الشعر حد الجنون ويحترمون البطل ويعشقون السياسة ولا يتحدثون الا بها فهم في السياسة سياسيون وهم للشعر ناقدون. واشد ما يعجبهم هو السياسة في الشعر والشعر في السياسة فهم سياسيون شعراء وشعراء سياسيون احبوا البطولة فحفظوا من لامية الشنفري قوله:
وفي الارض منأي للكريم عن الاذي *****وفيها لمن خاف القلي متعزل
ولانهم متحضرون فانهم يفخرون بقول الافوه الاودي:
البيت لا يبتني الا علي عمد *****ولا عماد اذا لم ترس اوتاد
ولأنهم منظمون فانهم يعتزون بقوله:
لا يصلح الناس فوضي لا سراة لهم *****ولا سراة اذا جهالهم سادوا
وقرأوا شعر المهلهل وعرفوا قصته ووقفوا وبكوا بسقط اللوي بين الدخول وحومل. ولكنهم لم يدخلوا خدر عنيزة لانها ابنة عمهم وهي عرضهم وواجب عليهم حفظ الارض والعرض ولكي لا تقول ما قالته لامريء القيس:" لك الويلات انك مرجلي" واحبوا الغزل وتغزلوا كما تغزل الأعشى بهريرة ولكنهم في حبهم يحترمون المرأة كائنا لا جسدا فلم يتفقوا مع امرئ القيس في قوله: (فجئت وقد نضت لنوم ثيابها) ولن يتفقوا مع الأعشى بقوله: (قالت هريرة لما جئت سائلها) ولكنهم يحبونه لقوله:
غراء فرعاء مصقول عوارضها *****تمشي الهويني كما يمشي الوجي الوجل
ويحفظون لإبن ابي سلمي قوله:
ومن يجعل المعروف في غير اهله *****يكن حمده ذما عليه ويندم
وهم يحبون سعاداً التي بانت فتيمت قلب كعب بن زهير ويعشقون بردته كعشقه لسعاد ويرددون دائماً قوله:
كل ابن انثي وان طالت سلامته *****يوما علي آلة الحدباء محمول
وأهلي حياديون في موقفهم بين الأخطل، والفرزدق، وجرير. ولم يكن احد منهم في يوم من الأيام جريريا أكثر من جرير، ولكنهم يحبون جريراً لأنه قال إن العيون التي في طرفها حور ويعدونه اشعر بيت في الغزل قالته العرب. وهم مع الفرزدق لأنه قال أهجى بيت في الشعر العربي (قوم إذا استنبح الأطياف كلبهم) ،فهم مع جرير لأنهم عاشقون وقد قتلتهم العيون التي في طرفها حور. وهم مع الفرزدق لأنهم كرام ولا يريدون أن تطفأ نار مواقدهم وأهلي مع الشعر العذري فكلهم عاشق ومعشوق. وهم يحبون عمر بن آبي ربيعة ولكنهم في هواهم عنه مختلفون وأهلي في حماستهم معروفون ولهذا فهم ضيوف دائمون في ديوان أبي تمام. وعندهم كما عند بشار (الإذن تعشق قبل العين أحيانا) ،ومنهم من يحفظ حكم القصيدة الزينبية لصالح بن عبد القدوس ويتغنون بها مقاماً (صرمت حبالك بعد وصلك زينب) ويستشهدون كثيراً بقوله:
يعطيك من طرف اللسان حلاوة *****ويروغ عنك كما يروغ الثعلب
و الهيتيون نواسيون، وكيف لا وفي شعر أبي نؤاس لهم أكثر من ذكر وبيان، فقد أرادها قهوة صهباء صافية منسوبة لقري هيت. وكيف لا يذكرونه وهو الذي طرب الي احدهم ذات يوم فخلد ذكره بقوله:
من أهل هيت شجي الجرم أدب *****له أقول مزاحا: هات ِ يا هيتي
ويحبونه ويستشهدون بقوله :قل للذي يدعي بالعلم فلسفة، وفلسفة أهلي في عيشهم هي علي قدر أهل العزم تأتي العزائم وعلى وفق نظرتهم هذه فأنهم يقصون القصص عمن إذا قال قولا أصبح الدهر منشدا، عن ماليء الدنيا وشاغل الناس، عن أبي الطيب المتنبي، عن الذي ينام ملء جفونه ويسهر الخلق جراها ويختصم ولأنهم يهمون قوله: (لكل امرئ من دهره ما تعودا) فقد صار من طبيعتهم وعاداتهم أنهم جعلوا قوله (وخير جليس في الزمان كتاب) شعارا لهم .
ويطرب الهيتيون مع ام كلثوم عندما يستمعون اليها وهي تشدو برائعة أبي فراس الحمداني (أراك عصي الدمع شيمتك الصبر) ويطربون أيما طرب عندما يستمعون الي الغزالي وهو يصيح (أقول وقد ناحت بقربي حمامة) وينوح بعضهم مع صوت ناظم لا مع نوح الحمام، وعندهم وفي خمائلهم ترعى ضبية الشريف الرضي.
ويحبون ابن المعرة حبا جما ويقرؤون بشغف رسالته في الغفران ،ودواوينه سقط الزند واللزوميات، وكل ما كَتب وما كُتب عنه، وكيف لا وهو القائل في مدينتهم (هات الحديث عن الزوراء أو هيتا) وبعضهم يترحم عليه لقوله: (هذا جناه أبي علي وما جنيت علي احد) ويطرب الهيتيون مع نونية ابن زيدون ويضحكون ثم يبكون مع قوله: (إن الزمان الذي مازال يضحكنا *****أنسا بقربهم قد عاد يبكينا ).
ويحفظ أهلي قصيدة الشاعر الضرير أبو الحسن القيرواني التي مطلعها (يا ليل الصبُّ متى غده - أقيام الساعة موعده ). وكثير منهم من يقرأ أبياتا من لامية العجم للطغرائي ويقف كثيرا عند قوله:
فيم الاقامة بالزوراء لاسكني ***** بها ولاناقتي فيها ولاجملي
ومنهم من يحب الشعر الصوفي فتجده يحفظ لابن الفارض قوله:
شربنا علي ذكر الحبيب مدامة ***** سكرنا بها من قبل ان يخلق الكرم
ويغني الهيتيون مع البهاء زهير، ويطربون حين يغني المغني شعره :
لعلك تصفي ساعة وأقول ***** لقد غاب واش بيننا وعذول
وفي النفس حاجات اليك كثيرة ***** أري الشرح فيها والحديث يطول
ويعرف أهل مدينتي بعض الشعراء ممن عاشوا في الفترة المظلمة مثل: صفي الدين الحلي، وينشدون قصيدته النونية التي أخذت ألوان العلم العربي من احد أبياته وهو: بيض صنائعنا سود وقائعنا ***** خضر مرابعنا حمر مواضينا.
وهم يطربون لقول لسان الدين الخطيب :
جادك الغيث إذا الغيث همي ***** يا زمان الوصل بالأندلس
أحب أهل مدينتي الشعر والشعراء حتى الثمالة فتعلقوا بأحمد شوقي وشعره وطربوا مع قصائده المغناة سواء بصوت أم كلثوم أم بصوت عبد الوهاب فطربوا مع (ولد الهدي) واستمتعوا (بنهج البردة) وطاروا بالخيال مع (سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها) وأحبوا الزهاوي وحافظ إبراهيم وتعلقوا كثيرا بالرصافي الشاعر السياسي الزاهد، وحفظوا قوله :
أسماء ليس لنا سوي ألفاظها ***** أما معانيها فليست تعرف
وجعلوه شعارا لهم ورددوه في كل مناسبة وفي قول وحديث كل من ذكرتهم من الشعراء ماتوا قبل أن يولد جيلنا نحن أبناء النصف الثاني من القرن العشرين ولم نعاصر من جيل العمالقة إلا بعضهم فقرأنا للأخطل الصغير، ولميخائيل نعيمة، والبارودي وحافظ إبراهيم، ولغيرهم من الشعراء قبل أن ننهل من شعر نزار قباني ولغته الخاصة في كتابة الشعر، وقبل أن يبدع رواد الشعر الحديث في عراقنا الواهب دوما وأبدا لكل ما هو جديد فقرأنا للسياب وللبياتي ولنازك ولبلند الحيدري، وغيرهم من شعراء الشعر الحر عراقيين وعربا . وردد أهلي وحفظوا الكثير من شعر هؤلاء.
وكتب لنا أن نعيش زمن الشعر العربي الحقيقي، وان نجد في شعر الجواهري الكبير كل أشكال وصور الشعر العربي قديمه وحديثه، وهذه نعمة انعم الله بها علينا نحن هذا الجيل لنقرأ ونسمع للجواهري الشاعر الذي مثل العراق في الحفل الذي أقيم في ذكري أبي العلاء وألقي قصيدته الخالدة في ذلك المهرجان ولما وصل الي قوله:
لثورة الفكر تاريخ يحدثنا ***** بان ألف مسيح دونها صلبا.
وقف عميد الأدب العربي طه حسين مصفقا له، وطالبا منه الإعادة قائلا أعد يا شاعر العرب الأكبر، وهكذا صار لقب الجواهري الكبير، لقد قرأ أهلي، وقرأت معهم شعر الجواهري في الشاقوفة وفي الدوارة وفي قندي، وكان ديوانه وقصائده في بعض الأحيان بمثابة المناشير السرية. لقد حفظ الهيتيون للجواهري نامي جياع الشعب نامي، وحفظوا أخي جعفر. كما حفظوا يا عبد حرب يا عدوا للسلام، وتغنوا معه بكل ما كتب لكردستان وللجبل الأشم :
سلم علي الجبل الأشم وأهله ***** ولانت تعرف عن بنيه من هم
وكم رددوا وهم علي ضفاف الفرات ،وتحت فيء دواليه ورذاذ نواعيرها وصوتها الشجي قبل أن يأخذها الزمان، يا دجلة الخير، لقد عشق الهيتيون الفراتيون دجلة الخير قبل أن يرونها، وقرؤوا بريد الغربة،وغريب الدار ويا ابن الفراتين، لقد خلد الجواهري بشعره تاريخ العراق الحديث فكتب للجيش وللعمال وللفتية وللشباب وللوطن، لقد كان الجواهري كل العراق وكان العراق كل الجواهري،فسلام عليك يا أبا الفرات يا من كنت، وستبقي رمزا لنا نحن العاشقين للشعر والشعراء واليك وأنت في قبرك تحيات هيت وأهلها الطيبين .

#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات