أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان محمد صالح الهيتي - مدني صالح ...سيرة وذكريات















المزيد.....

مدني صالح ...سيرة وذكريات


قحطان محمد صالح الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2941 - 2010 / 3 / 11 - 12:02
المحور: الادب والفن
    


وداعا أيها المنبر القائم بذاته،بهذه الكلمات ودع رفيقي و صديقي الغائب عـن المكان، الحاضر في القـلب في كل زمان عبد الحميد برتو أســتاذه فـي الفلسفة مدني صالح، ومــن حيـث انتهى عبـد الحميد ابتدأ القول فأقــول: مرّت سنتان،وقبرك لم يجف، وذكرك في كل حي ٍوحين.مرّت سنتان على موت جسدك ،ولكنّ روحك لا زالت حمامة سلام ٍترفــرف فـوق العالم بشـرقه وغـربه ،بشماله وجنوبه،لا فـرق عندهـــا أن تطير فوق ســـور الصين أو نصـب الحرية في أمريكا،ولا فرق عندهـــا أن تحملَ رسالة من مكة إلى الفاتيكان،أو منهــا إلــى بيت المقدس، ولا أن توصل خبــرا مـن العرب إلى العجم،ومنهم إلى الفرنجة. ولا فرق عندها أن تعشش على مئذنة جامع أو ناقـوس كنيسة،ولا فرق عندها أن تحلق في أجــواء باريس أو موسـكو أو لندن، ولا يهمهـا أن تحـط ّ لتلتقط بضع حبات مـن إحدى ساحات روما أو أثينا ،ولا فرق عندهـا أن تشرب ماءا مــن دجلة ،أو الراين. أو مـن الدانوب أو الفولكا، أو المسيسبي،أو مثلما شـربته أنت ماءا فراتا مـن فيض ِ(قوق) من دالية قندي ،أو من (عمود) دالية الدوارة.أو من دلو ماء من(قج) جدتك العزيزة . أتذكـرك وأذكـرك أيهــا المدني الصالح، وعهـــدا عليّ أن أكــون وفيا ً كمــا الأوفياء الذين كتبـــت َعنهم مقاماتك. ســنتان مرّت يا ابن صالح، ولــم يُكلمنــا فيلسوف،ولــم يقرا لنا شــاعر،ولم ينقــد لنا ناقـــد، فالكل صــاروا محللين لسياسة هذا الزمان، فلا ناقد فـي الشعر، ولا فيلسوف فـي الفن، ولا أديب في النقد، فالكل أخذهم منـّا ما كنتَ تكرهـُهُ أخـذهم الأعلام وأضواؤه وأخذتهم مكاذب الفضائيات، فصـاروا عملاء دائمين لهــا، وكأن نبوءتك بـ (خراب الفلسفة) قــد تحققت.و أن الطوفان قد أخذ منا كل شيء ،فوقفنا لنرى الباقي في (ما بعد الطوفان).لا أقول لك يا سيدي إلا ما قاله السياب لقد جفت الأقداح في أيدي صحابي.وإذا ما سألت َعــن الســبب يبطل العجــب، فيكون جــواب الـكل للكل واحد،وهو الاحتلال وهي الظروف.لعنة الله على الاحتلال ولعنته على الظـروف التي صارت شــماعة الفاشلين في هــذا الزمن.ألم تكتب يا سيدي كل ما كتبته في ظروف أصعب من هذه الظروف؟ ألم تؤلفْ وتـُدرس ْوتـُفلسفْ الدنيا وأنت محتلُ العقل ِوالسريرة؟ الم يحتل الحاكم القاســي ذاتك وكيانك ووجــدانك؟أليس احتـلال النفوس مـن الكبائـر؟إنهـم يا أيهـا المدني قــد وصـلوا إلى أعلى درجــات المدنيـــة، فتراهــم منشــغلون فـــي أيـة ربــطة عنـــق ســيلبسون،وأية بدلـــة ســـيرتدون،وحســـب أيــة تسريحة شــــــــعر ســـيظهرون، وبرغـم كــل هــذا فهـــم يتحاورون،ويتناقشــــون ويتفلسفون، وتراهم في كل وادٍ يهيمون،ويقولون ما لا يفعلون، إنهم مفلسون،فلا جديد فيما يقدمون فتراهم في كل ما هو ماض ٍ وعتيق باحثون ، فلا جديد عندهــم، ولا مزيد نأمل منهـم ،فكلهم فاشلون فلا خــوف عليهم ولا هم يحزنون. اليوم أقف- ولو بعــد حين- وســأقف دوما علـى قبــرك ناعيـــا للعالميــن (ألمع ذهنية فلسفية في الشرق الأوسط)، هكــذا قال الإنجليز- كمـا تسـميهم- عنك بعــد أن عرفوا قدرك وردوا لك الشهادة بأحسن منها يا ابن هيت الذي لم تتخــذ من اســمها لقبـا لأنك انتسبت إلى العالم كله مدنيا صالحا .اليوم يا سيدي أتذكرك وأتذكر تلك الأيام التي عُدتَ بها إلينا نحن شـباب ذلك الزمن حامـلا شهادة الفلسفة ،متحاملا على من أراد أن يسـلب الحقيقة من عقلك وفكرك، وكيف لا وهم يرون فيك مجــرد قروي قادم مــن الشرق ،لا يفقــه فـي الفلسفة شيئا،وقد فات عليهم انك من مدينة هيــت التي هي أقدم من أثينا وباريس ولندن. أتذكـرك حين كنت تدخل (جرداغ) مقهى الدوارة وتأخذ مضرب كرة الطاولة مــن أحدنا وتلعب مـع الآخر ،وتنهي الشوط وتدفع أجــوره ســواء أكنت رابحــا أم خاســرا، لإنه حق ولأنك مــن أهل الحـق، ثــم تتركنـا وتخـرج إلــى حيث(الدوارة ) فـ(الشيخ أحمد )دون أن تنبسَ ببنت شفة. واذكـر ذلك اليوم الذي قفزت به وادي الدوارة فسقطت منك سـاعة الجيب ولم تنتبه لها فركض احدنا وأخذها فقلنا له ردها إلى الأستاذ لكنه رفض وقال: هل انتم مجانين؟ فمن لــه أن لا يفتخــر بأنه يملك ســاعة مدنـي صالح؟ولا ادري أين صار مصير تلك الساعة؟ ولكن الذي أتذكره أنك كنت تذهب إلــى (الشيخ أحمد)، وتقـعد علــى جــرف الفرات بالقرب من داليته،وأمامك داليـة المجنون، ولم نكــن نعلــم بماذا كنت تفكر، ولم نعرفه إلا بعد أن صارت تلك الأفكار كتباً في النقد والفلسفة، فكتبت (الوجود) في الفلسفة الإسلامية ناقـدا ومقارنا لمعناه مع فلسفة الشعوب الأخــرى، ورسمت لنا المعرفة ولونت الفلسفة بـ(أشكال وألوان) في محاولة جديــدة في كتابـة المقالة، وأبدعــت بـ (ابن طفيل) وقضايــاه ومواقفــه، ونقلتنـا من أسس الميتافيزيقيا إلى الحتمية السببية في(هذا هوالفارابي) وصرخت بنا قائلا دون خوف أو وجل (هذا هو السياب)و(هذا هو البياتي) فبينت لنا أوجاع، وتجديد، وإبداع الأول، الذي كان أســـتاذك في ثانوية الرمادي كما كان الثاني فقلت لنا:(هذا هو البياتي) والذي عرفتنــا به وكأنــه المعري،والخيام، والحلاج .دافعت فيما كتبت بعد ذلك عن احمد ابن عبد الوهاب مــن حيــث النظرية والمنهـج والتطبيق في(التربيع والتدوير)ودعوتنا لنقرأ(الغزالي والطريقة والمنهج مـن أفلاطون إلى ديكارت)،وارتفعت بنا عاليا إلى(بـرج المربـد) فكتبت على الماء في مدائن النـدم. ثــم وقفنــا معــك في ثقافتك أكثر من وقفة عندما أمرت الواحد منا قائلا( قف) .فوقفنـا معــك فــي (الدقيقة الثقافية) وجئنــا معــك لنتثقف حين دعوتنـا(تعالوا نتثقف)، وطرحت علينا( قضية تجديد الأدب العربي وطه حسين والرافعي وابن خلدون وديكارت) وأردت أن تصدمنا معك ولكننا لم نـُصـدم ،ولــم نصطدم معـك فـــي روايتـــك الفنطازيــة (مصدومون.. مصدومون).وأية( مقامات) كانت تلك التي كتبتها عن حبيبتك الأزلية ومدينتك الفاضلة؟لقـــد كانت مقامـاتك تحفة أدبية رائعة بأسلوب الفيلسوف الأديب،و لم يسـبقك إليه أحد من حيث اللغة والأسلوب ،ومثلما كتبتَ لنــا نحــن الكبار، فقد كتبت للصغار قصة (رباب) ،وقصة (بلال والجميلة رباب) .اليوم أقـف على قبرك لأكتب للآتين (هذا هو مدني صالح)ولأنك مدني ولأنك ابنٌ صالح ، فلابـد أن أكمل ما بدأت به وما قاله الآخرون، فأقول لمن لا يعرفك أو انه سيحتاج فــي يوم ما إلـى أن يعــرفك :مدني صالح ابن مدينتي هيت،ولد في أحـد بيوتاتها الكريمة فــي محلة (القلعة) في يوم من أيام العام 1932 ودرس فيها الابتدائية بعــد أن تعلم بعض الشيء عنــد (الملا) كعــادة أبناء المدينة فـي ذلك الزمن،وحيث لم تكن هناك مدرسـة ثانوية في هيت، ولأنه يحـب العلم والتعلم أكثر مما يجب، حزم أمره وحمل حقيبته،ورحل إلى حيث يستطيع الوصـول، فحط الرحــال في مدينة الرمادي- مركز لواء الدليم- ولا ندري هل هو حظه أم حظهما حين درس العربية على أستاذه الشاعر عبد الوهاب البياتي واللغة الإنجليزية- كما يسميها- على أســتاذه، الشــاعر بــدر شـاكر الســياب فبعـــد أن عرفهما وتعرف عليهمـــا عن قـــرب ازداد حبـا للشعر الذي كان يقرضه في تلك السنوات وتعلق أكثر بالقراءة الأدبية وسعى إلى التفوق فكان لــه ما أراد فنجـــح مدني صالح ،وكان لابــد لـه أن يرحل إلى حيث الطموح الأكبر إلى حيث عاصمـة العلوم والآداب مدى التاريخ والعصـــور. فنزل مدني صالح إلــى مدينة الرشـيد وفيها دخل بوابة جامعــة بغداد عبر كلية الآداب والعلوم ليجلس طالبا للفلسفة فــي قسم الفلسفة بدورته الأولى، وتخـرج الطالب مدني صالح ، وحصــل علــى البكالوريوس ،وعـــاد إلـى مدينته مدرسا،ولم يدريس موضوعا محددا أو منهجا مقررا،فدرس كـل ما طلب منه تدريسه، وفــي متوسطة هيت تعلم على يديه الكثير من الطلبة الذين تخصصوا فيمـا بعد بشتى العلــــــوم. لم يكن يحب الشهرة فلم يحظر المهرجانات ولا النــدوات ولا المؤتمرات ولم يظهر في يوم مــن الأيام علــى شــاشة التلفاز،ولم يلبس إلا مــا يلبسه (الكبار). لــم يكن مدني صالح ســـياسيا ،ولم يكـن يحــب السلطة كعنصر من عناصر الدولـة ،لذلك لـم يكن يمارسها حتـى على تلاميذه.وكان يحب أكل (القرع الأحمر)على الطريقة الهيتية وكان يأكل ثريده بيده، ومـن عاداته انه لا يأكل إلا بعد أن يُسمي ويذكر الله .ومثلمــا كان بارا بمدينته، فقــد كان بارا بأهـله وكان عونا للمحتاج منهم. كان متميزا بمشيته وتكاد تميــزه بهـــا من بين آلاف السائرين،لكنه في مشيته كان أســـرع من سيارته فقد كان يقــود ســـيارته بســرعة لا تتجاوز الستين كيلـــو مترا فـي الساعة، فلم يسبق أحـدا بسيارته فـي يوم من الأيام .و ربما كان وهو يقـودها يفكر فــي كتابة كتاب أو مقالة.هذا هو مدني صالح كما عرفته وربما عرف غيري عنه أشياء وأشياء.



#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معارضة قصيدة ماذا أقول له للشاعر نزار قباني
- الناعور
- رحلة في تراث هيت
- الغيرة
- ايمان
- ويكفينا الفرح بما تحقق
- قراءة في قصص باب السنجة
- نصاب المصلحة ونصاب السلوك
- بطاقة الى العام 2010
- أيها النواب افتحوا القائمة واجعلوا العراق دائرة واحدة
- أنا، وهيت ، وأعيادي
- ليست العبرة بتغير الرؤوس،الحكمة بتغير النفوس
- عندما تدور النواعير في الصحراء
- هيت ، وأنا، والزعيم
- ربي اجعل هذا البلد آمنا


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان محمد صالح الهيتي - مدني صالح ...سيرة وذكريات