عبد العزيز الحيدر
الحوار المتمدن-العدد: 2923 - 2010 / 2 / 20 - 22:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بيندكت كاري
ترجمة د.عبد العزيز الحيدر
كانت السيدة الرائعة الجمال والعميقة التدين, مدام دي تورف قد اصيبت بالذهول بعد ان خانت زوجها في عام 1782 ضمن وقائع رواية ( المخاطر ) وقد اصيبت باحباط كامل من كل انواع الخيانه , جراء الاحساس العميق بالذنب , وعند وصولها الدير كانت لاتملك اية فكرة عما قادها الى الدير ؟ولكن سرعان ما كان خوفها من الخيانه واحساسها بقوة الجرم يتلاشى.
ولكن بعد قرنين, اصبحت هذه الحادثة جزءاً من نقاش طويل ,حول السؤال الذي يطرح نفسه في مجال علم النفس , والذي يدور حول , هل ان العقل يمكنه ان يوقف الالام الناتجة من الذكريات العنيفة الطابع ؟ كالخيانه , او الاعتدء الجنسي في الطفولة ,وان يساهم في التخلص المفاجئ منها لاحقاً.
في دراسة نشرت على الشبكة في العدد الحالي من مجلة الطب النفسي (Psychological Medicine ) اشار فريق بحثي من علماء النفس والاكاديمين في مجال البحث الادبي الى انهم لم يجدوا لحد الان دليلا واحداً لما يعرف بحالة ( الذاكرة المقموعة او المقهورة ) (فقدان الذاكره) ( repressed memory) سواء في الاشارات الادبية او على ارض الواقع قبل عام 1800. لقد وضع الباحثون جائزة بقيمة 1000 دولار لاي شخص يمكنه ان يوثق مثل هذه الحالة , سواء كان على مستوى انسان سليم او مريض نفسيا. لقد نشر الباحثون هذا التحدي في الصحف وعلى اكثر من 30 موقعاً على الشبكة من المواقع التي تسمح بمشاركة الزائرين . ولم يحصل الباحثون في النهاية على اية اجابة مقنعة ولذلك توصلوا الى قناعة مفادها ان ظاهرة ( الذاكرة المقموعة او المقهورة ) (فقدان الذاكره) ظاهرة مرتبطه بالادب وليست فعالية طبيعية في الذاكرة البشرية
كانت مدام دي تورف هي اقرب الاشارات التاريخية للحالة وان المشير اليها كان هو الفائز بالجائزة . ذلك ما صرح به الدكتور هاريسون بوب,استاذ علم النفس في جامعة هارفرد وقائد فريق البحث. ولكن فقدان الذاكرة التي مرت بها مدام دي تورف كانت اقصر من ان يعتد بها بشكل تام .
واخيراً فان الباحثين قد توصلوا الى نظرية مفادها بان الذكريا ت المؤلمة ان كانت تترسخ بصلابة في المخ البشري كقدرة طبيعية ( وهو ماتم البحث عنه ) فقد كان الاجدر ان تظهر في حالات طبية او في الادب القصصي قبل القرن التاسع عشر ككشف لحالة انسانية طبيعية متجذره , ولكنه استخدم لاول مرة كاسلوب في السرد في الرواية في القرن التاسع عشر في الرواية التي تتحدث عن معاناة المدام دي تورف( في مثل هذه الظاهرة المرسومة بدقة من المتوقع بكل بساطة ان تجد العديد من الاشارات او التصورات الخيالية التي تشير الى الظاهرة وليس في الامثلة عن اناس شاذين فقط كالمدام ) يواصل د. هاريسون بوب تعليقه حول الموضوع .
لقد الهبت طريقة البحث ( باضافة البعد الادبي الى البحث الذي هو في الاساس بحث علمي صرف) الجانبين العلمي والادبي لقد كان الشك ومنذ البداية يراود د.بوب ومساعده د.جيمس .هودسن من جامعة هارفرد في عدم وجود ما يمكن ان يسمى عملياً ب (الذاكرة المقموعة او المقهورة ) (فقدان الذاكره) فيما كان الاخرون يراهنون على كونها حقيقة على الاقل في بعض الحالات الطبية .
(( يبدوا لي بان القضية هي انهم قد وضعوا تصورات مسبقة في قناعاتهم قبل اجراء الدراسات الميدانية للبحث عن وجود مايتصورونه من عدمه على ارض الواقع )) يقول الدكتور ديفد شبيغل, استاذ علم النفس والسلوك في كلية الطب في جامعة ستانفورد في معرض رده على المجلة وتعليقه على الموضوع ولمح الى وجود روابط بين الاصابات الرضية (الصدمة الجرحية )او ما يعرف بال(trauma ) وحالة النسيان او فقدان الذاكرة في الادب الاغريقي.
ان مايعرف بذاكرة الحروب تم تناولها بقوة خلال الثمانينيات من القرن الماضي, وذلك عندما وصف بعض المرضى الذين كانوا تحت المعالجة مشاهد قديمة جدا من العنف الذي مورس بحقهم في فترات بعيدة جدا من حياتهم وعلى ايدي اباءهم. وتناولت الكتب , ووسائل نشر الاخبار, هذه التجارب بأشكال دراماتكية , وبعض هذه الاحداث تحولت ا لى ملفات في المحاكم, ان هذه الموجة من تناول الموضوع انحسرت في التسعينيات , ولكن هذه الموجة صعدت في حينها الكثير من الاسئلة التي عادت مجددا الى الظهور في السنوات الاخيرة خاصة بعد الفضائح التي نشرت حول فضائح التحرش الجنسي في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
ان ناشري البحث استلموا اكثر من 100 استجابة على تحديهم ومنها ما اشارت الى البطل الاسطوري اليوناني هرقل الذي في حالة جنونية قتل زوجته واولاده, ولكنه قد نسي الحادث بالكامل بعد اصابته بحادث جارح. في مسرحية الملك لير لم يميز الملك ابنته كورديلا عندما استفاق من الغيبوبة في المخيم الفرنسي . ولكن اي من هذه المغامرات لايتفق ولا يرقى الى مستوى المعلومات المؤكدة من وجهة النظر العلمية .ان الانسان السوي الذي يتعرض الى حادث رضي (trauma ) والذي قد يعاني من ارهاق في الذاكرة سرعان ما يستعيد ذاكرته بالكامل بعد سنة او اكثر وفي راي استاذ علم النفس في هارفرد في استعراضه لتجربة مدام دي تورف وهو من المشككين بوجود ( الذاكرة المقموعة او المقهورة) (فقدان الذاكره ) فانه يشير الى ان الادب الرومانسي في القرن التاسع عشر هو الذي تبنى وجود هذة الظاهره كوسيلة واسلوب للسرد القصصي ثم تم دعم هذه المقولات بعد تبنيها من قبل فرويد واخيرا تبنتها أفلام هوليوود.
ان الاستاذ ديفد بروموج استاذ تاريخ اللغة الانكليزية وهو مؤلف كتاب ( ما تنكره الذاكرة ؛ اشعار وردزورث في تسعينيات القرن الثامن عشر) طبعة جامعة شيكاغو , انكر وجود اي اطلاع خاص على نقاشات حول الذاكره , ولكنه قال ان الفترة الرومانسية كانت مليئة بالاشعار والحكم التي تشير الى ان العقل البشري يعمل من خلال مجموعة مؤتلفة من الابتكارات والابداع واعادة الخلق لعقول نصف مغيبة عن الوعي (اي داخلة في عالم النسيان ) .
ان المشاحنات العلمية كشفت عما ينشئ او يؤدي الى النسيان بشكل اعتيادي, الدراسات اظهرت ان الاصحاء من الناس عادة يتذكرون ما قد نسوه من احداث خطيرة ومؤلمة بحيوية اكبر من تذكرهم لسواها من الاحداث ومن تجارب حياتيه. ان العقل يحتفظ بهذه الانطباعات لانها مهمة للبقاء( اي كوسيلة للدفاع في حال التكرار للحدث المؤلم في اية لحظة مستقبليه) ولكن الذين يعتقدون بقدرة العقل على الكبح والقمع لهذه الذكريات يقولون بان هذه الامكانية يمكن ان تنكسر او تنهاراذا كانت الذاكرة في حالة اضطراب شديد .
الاستاذ بوب مشهور بتاكيده على دور الاصابات الرضيه وتاثيرها , ولكنه حين يتعلق الامر بفقدان الذاكرة ( الذاكرة المقموعة او المقهورة) –كما في الحالات ال101 في المواقع- فان جوابه ان هذه امثلة على النسيان الاعتيادي .
ويضيف الدكتور مكنا لي انه بالرغم من ان ذاكرة نشطة قد لا تتمكن من اظهار الذكريات الى السطح في سنوات فان ذلك لا يعني ان الذاكرة قد قمعت او قهرت بشكل نشط وقوي (اي حدثت حالة فقدان ذاكره ). وعلى سبيل المثال , يقول ان الطفل ربما وبشكل اساسي يكون تحت تاثير الاوهام اكثر من ان يكون تحت تاثير الاضطراب الناتج من نصائح الاقرباء بخصوص الجنس . والعقل يقوم بحفظ الذكريات على شكل قصصي,يتم اقحامه في درج عصبي مع الاف من القضايا الطفولية الغامضة ,لغاية سنوات لاحقه حين تتوضح امام الذهن في مرحلة النضج الجوانب المثيرة للاشمئزاز بشكل يفاجئ الانسان.
( انه ليس الكبح والقمع , انه فقط ما لم يفكر به الشخص لسنوات عديدة وما لم يتم تثمينه واعطاءه ما يستحق من الاهمية ) ذلك ما يقول به الدكتور مكنالي ويضيف ان ( الذاكرة المقموعة او المقهورة) (فقدان الذاكره ) ليس سوى وسيلة للسرد القصصي استغل ظاهرة تاثر الذاكرة الجزئي بالحوادث الرضية .
ولكن الباحثين ما زالوا ياملون ان تتم المواصلة بهم بالخصوص وانهم على استعداد للمقترحات على الموقع biopsychlab.com ......
#عبد_العزيز_الحيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟