أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - كتابٌ يبحثُ عن مؤلف














المزيد.....

كتابٌ يبحثُ عن مؤلف


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2924 - 2010 / 2 / 21 - 00:06
المحور: حقوق الانسان
    


في مسرحية الإيطاليّ "لويجي برانديلو"، "ستُّ شخصيات تبحثُ عن مؤلف"، تقتحم أسرةٌ مكونة من ستة أفراد خشبةَ المسرح، بينما يقوم الممثلون والمخرج بإنجاز بروفة مسرحية عنوانها "لعبة الأدوار". ثم يطالبُ أولئك الستةُ المخرجَ بأن يجد لهم مؤلفًا مسرحيًّا "يكتبهم". ستُّ شخوص محمّلون بالحكايا ودرامات الحياة، يبحثون عن كاتب يقوم بدور ضابط الإيقاع الذي يلملم شتات حواديتهم في عمل مسرحي أو رواية أو كتاب.
تذكرتُ هذه المسرحية العبثية حينما وصلتني بالإيميل هذه الرسالة، التي أنقلُ لكم نصَّها بعد حذف اسم المرسل وبلده، راجيةً من مصحّح الجريدة عدم تحريرها، لأن في أخطائها اللغوية الفادحة تكمن الكارثة!
"مساء الخيراستاذه فاطمه انا (فلان الفلاني) من دولة (....) الشقيقة اتمنا ان تصل لكي رسالتي وانتى بخير وصحه انني افكل بعمل سلسله كتب عن 12 شخصيه عربيه اتمنا التعاون معكي في هذا الموضوع اذا كنتي على استعداد ارجو الرد باسرع وقت ممكن وسوف اشرح لكي كل التفاصيل ولكي مني جزيل الشكر"
إلى هنا وكان مبعث اندهاشي من مفارقة أن كاتبًا ما، يودُّ أن يؤلف كتابًا، بل سلسة كتب!، وهو يرتكب هذه الأخطاء "الإملائية"، التي لا تليق بطفل في الصف الثاني! لكن دهشتي تبددت نهائيًّا حين هاتفني بعد ذلك بيومين. تبددت الدهشةُ وحلَّ محلَّها غضبٌ وجوديٌّ يظلُّ يحوّمُ دون هدوء مثلما أسئلةُ شكسبير على ألسن شخوصه. كلّمني الرجل، فبادرني بالمديح والثناء على قلمي الذي من أجله اختارني مع نخبة من الكتاب العرب، وقدّم نفسه لي بوصفه كاتبًا وصحفيًّا، ثم شرح أن المطلوبَ أن أختار شخصيةً أو أكثر من الاثنتي عشرة لأؤلف عنها كتابًا، ثم أرسل إليه المخطوطة، على أن أحدد المبلغ الماليّ الذي أرغب فيه، مقابل جهدي. إلى هنا ظننتُ أن الرجل يودُّ أن يصدر كتبًا عن شخصيات عربية راحلة، بأقلام كتّاب عرب معاصرين. لكن حسن ظنّي لم يكن سوى إسراف في السذاجة! بدأ الشكُّ يساورني حينما طلب مني أن يظلَّ الأمرُ سرًّا، وأن أنساه تمامًا فور استلامي المبلغ! أخبرني أن الكتب ستخرج حاملةً اسمه، بوصفه المؤلف (!) ضحكتُ واعتذرتُ عن المشاركة طبعًا، ثم نصحته، مُخلصةً، ألا يكرر طلبه مع كاتب آخر، كيلا يسمع ما لا يحب. فطبّقتْ ضحكته الآفاق وهو يخبرني أنه بالفعل حصل على موافقات كتّاب، وكبار، وأنني مغرورةٌ وغير ذكية، ولا أفهم الحياة!
لم أصدقه. فليس من كاتبٍ يحترم فكرة الكتابة وشرفها يوافق أن يبيع جهده، ويشجّع السرقة. لكنني صدّقت أنّ حلمَ الكتابة يراودُ الناس. الأطفالُ يرسمون ويغنون ويعزفون ويرقصون. ثم تتباينُ أحلامهم وفق مواهبهم واجتهاداتهم. يحلمُ الصبيُّ أن يغدو شاعرًا، فيقرأ آلاف القصائد، ثم ينساها، ليختبر مقدارَ ما يحملُ قلبُه من موهبة حقيقية. لكنه، خلال رحلة حلمه وقراءاته، يكون قد ضَبَط إيقاعَ اللغة في أُذُنه، من حيث ميزانها النَّحويّ والصَّرفي والعَروضيّ، ثم فَهِم شيئًا من أسرار اللغة سحرها ومجازها وبلاغتها. بعد كلِّ هذا الجهد والاشتغال، لا تضمنُ له الحياةُ أن يغدو شاعرًا، إلا بقدر ما يحملُ من تفرّد وتميز ومقدرة على الإدهاش.
نعم، حُلُمُ الكتابةِ لم ينجُ منه أحدٌ، ربما. حتى الزعماء، بعضهم لم يكتف بسلطان الحكم، فحاول الكتابة كيفما اتفق، وبعضهم وضع اسمه على روايات لم يكتبها. ويبقى جمال عبد الناصر الأرقى، حينما أعلن عن مسابقة بين الأدباء ليكملوا عدة صفحات كان كتبها وهو طالبٌ، كمشروع رواية عنوانها "في سبيل الحرية"، ليفوزَ في المسابقة الكاتب المصري عبد الرحمن فهمي، الذي أكملها، ووضع اسمه على العمل، الذي بدأه الزعيمُ صبيًّا صغيرًا على مقاعد الدرس.
لكن السؤال لم يُجَب عنه بعد. الحلمُ حقٌّ شرعيّ ومشروعٌ بل وحتميّ لكل إنسان، لكن الأحلام لا تسعى إلينا، بل تتأبى إلا على الساعين إليها بصدق. هذا الذي يودُّ أن يستلبَ عصارةَ الآخرين، ويقرصن كتاباتهم، ليضعَ اسمه على ما كتبوا، ألم يفكر مرةً في أن يتعلم الكتابةَ دون أخطاء إملاء، على الأقل، قبل أن يقرِّرَ أن يغدو كاتبًا له مؤلَفات؟ السؤال الثاني: بفرض أنْ تحقَّقَ له ما يريد، هل سيشعرُ بالفرح الذي يغمرُ الكاتبَ حينما يُصدر كتابًا جديدًا؟ السؤال الثالث: أيُّ اطمئنان سيواجه به ابنَه أو ابنتَه أو أصدقاءه حينما يناقشونه في مسألة غامضة في الكتاب، أو فكرة ملتبسة تحتاج تشريحًا؟ السؤال الرابع: هل بالفعل يشتري المالُ كلَّ شيء، كلَّ شيء، ماديًّا كان أو معنويًّا، عارضًا كان أو مبدئيًّا؟
الآن، وأنا أهمُّ بإرسال مقالي هذا إلى الجريدة، وجدتُ إيميلا جديدًا، سأنقله لكم دون تحرير:
"بعد ازنك يا استازة انا بكتب بعد المقالت ممكن ابعتلك حاجة اخد فيها ريك وتسعاديني انشر في جرنان المصري اليوم بتاعك."!!! الرؤية العُمانية.




#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلّ سنة وأنت طيّب يا عالِم!
- شمعةٌ مصريةٌ ضد القبح
- شابّان من بلادي
- آثارُ مصرَ في مزاد الأثرياء
- ما لن تتعلّموه في المدارس
- وردةُ أنطلياس، عصفورةُ الشمس
- المهذّبون يموتون غرقًا
- اقرأوا تصحّوا!
- انظرْ خلفك -دون- غضب
- كلَّ عام ونحن أجمل!
- حوارٌ متمدِّنٌ في ثماني سنوات
- رجلُ الفصول الأربعة
- اسمُه: عبد الغفار مكاوي
- أولى كيمياء/ هندسة القاهرة
- المحطةُ الأخيرة
- هُنا الأقصر
- وتركنا العقلَ لأهله!
- لا شيءَ يشبهُني
- طيورُ الجنة تنقرُ طفولتنا
- المرأةُ، ذلك الكائنُ المدهش


المزيد.....




- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...
- مسؤول أمريكي: قرار وقف النار وتبادل الأسرى بيد السنوار.. وقد ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - كتابٌ يبحثُ عن مؤلف