أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام البغدادي - عبثية ميلان كونديرا الرائعة















المزيد.....

عبثية ميلان كونديرا الرائعة


بسام البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 2920 - 2010 / 2 / 17 - 01:36
المحور: الادب والفن
    


مع صدى العزف الخافت للبيانو في الطابق الاسفل ينهي ميلان كونديرا روايته الهائلة, كائنٌ لا تحتمل خفته من ترجمة ماري طوقان و أصدار المركز الثقافي العربي. هذا الصدى المتواصل للعزف الخافت على مشاعر القارئ هو الصفة الملازمة لجميع كتب ميلان كونديرا, لكنها تتجلى كأحتلال الشمس الحارقة لصيف بغداد في هذا الكتاب الذي يتخطى ميلان فيه كل ما سبق و قام بكتابته, ولا أتمنى انها ستكون الاروع من بين كتاباته التي يخطها حتى هذا اليوم, لكنني لا أكاد أصدق بأنني قرأت كتاباً قادراً على مخاطبة العقل الباطن قبل ان يستوعب الوعي الكلمات التي تقرأها بمثل هذه الدقة و الحرفية التي لا يتمتع بها الا عمالقة الشعر في العالم. أنه الكتاب الاكثر أرهاباً للعواطف المجهولة و الاقوى عصفاً للافكار الساكنة.


الرائع في لذة القرآءة لميلان هي كل تلك الجواهر (المتفجرة) المكنونة و المنثورة بين صفحاته, سطور تقشعر لها الابدان في مدى صراحتها و صدقها و في مدى تعريتها للواقع المزيف الذي يغطي اعيننا, ليس هذا فحسب, بل يقوم ميلان نفسه بتعرية افكاره و (كلائشه) أكثر من مرة فاضحاً فخاخ الكاتب التي يقع فيها في انحنائات تثير البهجة و الذهول و الرغبة بالتوقف و ابتلاع للكلمات في نفس الوقت.

لنتابع معاً بعض تلك الآيات الميلانية الثمينة التي أستطعت ان أقتنصها في عالم كونديرا الرائع و المرعب في آن واحد. كل سطر من هذا يفضح حقيقة او تأريخ أراد كونديرا ايصالهُ لنا عبر فراغ الزمن الخفيف هذا على حد تعبيره.

في الحب:
(عن علاقة توماس بعشيقاته و حبيبته)
كان واقعاً في ورطة لا خلاص منها, ذلك أنه كان موسوماً في نظر عشيقاته بالوصمة الشائنة لحبه لها, و موسوماً في نظرها بالوصمة الشائنة لمغامراته مع عشيقاته.

(عن خوف توماس من احلام تيريزا الحزينة)
بإمكان الكواكب أن تتهاوى على اثر تفجير القنابل. و يمكن للوطن أن ينهبه كل يوم مختلس جديد, و يمكن لسكان الحي جميعهم أن يُساقوا الى كتيبة الاعدام. يمكنه أن يتحمل كل هذا بسهولة أكبر مما يجرؤ على القول, لكنه غير قادر على تحمل الحزن الذي يسببه حلم واحد من أحلامها.

(عن علاقة الحب بالجنس حسب وجهة نظر توماس)
أذا كان الهياج الجنسي آلية يتسلى بها الخالق, فان الحب, خلافاً لذلك لا ينتمي الا إلينا, و يمكننا من خلاله الافلات من قبضه الخالق. فالحب هو حريتنا, الحب هو ماوراء كل (ما ليس منه بد).

(عن علاقة الحب الغير متكافئة بين توماس و تيريزا)
في صميم أعماقها لامته دائماً على عدم محبته لها بما فيه الكفاية. كانت تعتبر حبها له فوق كل ملامة و لكن حبه لها كان تنازلاً بسيطاً.


في الحياة:
(في فرادة الحياة و عدم قدرتنا لتجربة أختياراتنا و مدى صلاحيتها)
يمكن لأي طالب خلال قيامه بالتمارين العملية للفيزياء أن يجري تجارب معينة لإثبات صحة الافتراض العلمي. أما الانسان فلا يملك غير حياة واحدة ولا يملك أية إمكانية لأثبات الافتراض عبر التجربة, لذلك فهو لا يعرف أن كان على حق أم لا عندما يمتثل لشعوره.

(عن الروح و من أين نشأت)
قديماً, كان الإنسان يسمع بدهشة هذا الضرب المنتظم الذي يأتيه من عمق صدره, و يتسآءل عما يكون. لم يكن بأمكانه ان يعدّ نفسهُ مماثلاً لشئ مجهول و غريب أسمهُ الجسد. كان الجسد بمثابة قفص, في داخله شئ ما ينظر و يسمع و يخاف و يفكر و يدهش. وهذا الشئ, هذه البقية الباقية, هذه النتيجة الحاصلة عن الجسد, هو الروح.

في الإنسان:
(عن علاقة الانسان بغيره من الكائنات)
الطيبة الحقيقية للأنسان لا يمكن أن تظهر في كل نقائها و حريتها إلا حيال هؤلاء الذين لا يمثلون أية قوة. فالامتحان الاخلاقي للإنسانية هو في تلك العلاقات التي تقيمها مع من هم تحت رحمتها. أي الحيوانات. و هنا بالذات يكمن الاخفاق الجوهري للأنسان, و الإخفاق الذي تنتج عنه كل الإخفاقات الاخرى.

في الانظمة الشمولية:
(عن الاشخاص القابعين في رأس و مفاصل الانظمة الشمولية)
الأنظمة المجرمة لم ينشأها أناس مجرمون و أنما أناس متحمسون و مقتنعون بأنهم وجدوا الطريق الوحيد الذي يؤدي الى الجنة. فأخذو يدافعون ببسالة عن هذا الطريق, ومن أجل هذا قاموا بأعدام الكثيرين. ثم, فيما بعد, أصبح جلياً أن الجنة ليست موجودة و أن المتحمسين كانوا أذن مجرد سفاحين.

(عن أساليب الافكار و الانظمة الشمولية)
ينصبون للناس فخاخاً ليستعبدوهم و يستغلوهم لنصب فخاخ للآخرين. وهكذا دواليك, حتى يجعلو شعباً بأكمله منظمة هائلة من المخبرين.

(في وصف الدول و الانظمة الشمولية)
في الممالك النموذجية الشمولية تعطى الاجابات مسبقاً محرمة بذلك أي سوآل جديد. ينتج عن ذلك أن الانسان الذي يتساءل هو العدو الحقيقي لـ(النموذجية). السوآل يصبح مثل السكين التي تمزق القماشة المرسومة للديكور فيصبح من المستطاع رؤية ما يختبئ خلفها.

(في القوة و الضعف)
كلنا نميل لأن نرى في القوة مذنباً وفي الضعف ضحية بريئة.

ختاماً, فان كتاب ميلان كونديرا هذا يحمل رسالة واضحة تصع القارئ بعد أن يغلق الصفحة الاخيرة من الكتاب الذي يتمنى القارئ ان لا ينتهي ابداً. فبعد أن أستدركت الصدمة النفسية و العاطفية التي يصاب بها كل قارئ لهذا الكتاب فهمت ان الحياة, حياتنا, عبارة عن مجموعة من الصدف العبثية المتتالية و تعطشنا لأيجاد معنى أو غاية لكل هذه العبثية يدفعنا لأفتراض غاية او هدف او رسالة نحملها على أعناقنا العمر كله و نجاهد من أجلها لتبرير المزيد من الصدف او لأنتاجها. لكننا في نهاية الطريق سنعرف, باننا ما سوى خلاصة مجموعة من الصدف, ابتدأت بحيمن وحيد بين ملايين من الحيامن تساعده الصدفة و درجة الحرارة و الوقت للدخول في بويضة جاهزة في جسد امهاتنا, حتى آخر نفس في حياتنا و الذي يخرج كلياً بمحض الصدفة كي يضع حداً لهذه السلسلة العبثية من الصدف الشخصية الفاقدة لكل معنى او غاية, كي نكون جزءاً من مهرجان الصدفة الكونية اللامنتهي, و ليتكرر كل شئ من جديد الى المالانهاية. أنها فكرة العود الابدي لنيتشيه الذي يبتدأ فيها كونديرا روايته, لينهيها على صدى العزف الخافت, ليستمر هذا العزف في رؤسنا. و ليستمر الكون من بعدنا على لحنه الازلي.

لن أتمنى لكم قرآءة ممتعة, لان قرآءة كونديرا ليست ممتعة, بل هي اشبه بكابوس نتمنى ان لا ينتهي, اشبه بالدوار المتواصل (الدوار هو الشعور بلذة السقوط من أماكن عاليه).

بسام البغدادي



#بسام_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلام في اللقاء الجزء الثالث
- كلام في اللقاء الجزء الثاني
- كلام في اللقاء الجزء الاول
- هل يملك الله أي خيار؟
- حواء و بناتها و التفاح
- لهم ملكوت الارض
- خالداً في ذاكرة عشتار
- عندما يخجل الرجال أن يكونوا رجال - الجزء الثاني
- عشتار و أبن القبيلة
- هل الله موجود الجزء الخامس و الاخير
- يا أولاد ال... من أجل كرة القدم؟
- هل الله موجود؟ الجزء الرابع
- هل الله موجود؟ الجزء الثالث
- هل الله موجود؟ الجزء الثاني
- هل الله موجود؟ الجزء الاول
- الالحاد تحت المجهر
- الى شقرآء تدور في فلكي
- الحجة الغائية في أثبات وجود الله
- هل الالحاد دين جديد؟
- الكتاب الذي هز عرش الرحمن بل قلبه


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام البغدادي - عبثية ميلان كونديرا الرائعة