رغم الفوز بالبطولة - انا قلقان على مصر ؟

حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 2909 - 2010 / 2 / 6 - 00:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

فازت مصر ببطولة كأس الامم الافريقية لكرة القدم التى اقيمت فى انجولا 2010, وهو الفوز السابع لمصر بتلك البطولة, كما انه الفوز الثالث على التوالى,وهذا الفوز اسعد الملايين من ابناء الشعب المصرى فى الداخل والخارج, بل انتشر الفرح حتى فى قطاع غزة , ولم نلحظ اية بوادر تشذ عن قاعدة الابتهاج والفخر والاحتفال ,فى أى مكان فى الداخل المصرى على وجه الخصوص , بل يمكننا التأكيد على أن فرحة الفقراء بهذا الانتصار كانت اروع وأكثر صدقا وشفافية,وقد رأيت بنفسى الاف الفقراء وهم يركبون التوكتوك وعربات الكارو المصرية الشهيرة التى تجرها الحمير المعدمة, رافعين اعلام الوطن بافتخار ,راقصين ومهللين حتى الساعات الاولى من صباح اليوم التالى للمباراة .

هذا هو ما حدث بعيد انطلاق صفارة النهاية لمباراة غانا فى النهائى,وهو أمر لا يمكن اختصاره فى سطرين ولا فى كتابين, كما أن الكتابة حوله ايضا باتت مكررة ومحفوظة ,بعد أن انهالت وسائل الاعلام المقروءة والمرئية فى المتاجرة بأسم الانتصار, والذى يمكننا التأكيد عليه اننا فى مصر نحتاج بشدة الى ما يفرحنا,ويسعدنا, ويدغدغ احلامنا, ويبرد عميق الجروح والالام والفشل, لهذا كانت السعادة غامرة,الامر لم يكن فقط بسبب الخروج من بطولة كأس العالم امام الجزائر,وما استتبعه ذلك الخروج من لغط وترهات ونزاعات عصبية جاهلية,نحن افتقدنا فرحة الوصول الى كأس العالم ,فلجئنا الى فرحة اخرى,فى نفس السياق , لم تكن سعادتنا بالفوز لاننا فزنا بالبطولة بعد ان سحقنا الجزائر,ومسحنا غبار الهزيمة امامها فى تصفيات كأس العالم, ولا بسبب اننا سددنا ضربة موجعة الى بعض المتآمرين من المندسين داخل البيت الجزائرى المحترم, اننا نحتاج الى الفرح ونحتاج الى الرقص , لاسباب مجردة,ذاتية, اسباب محلية ,واسباب خارجية ,لكن لا علاقة للجزائر على وجه الخصوص بها, بدليل اننا قد فرحنا بنفس الطريقة,فى النسختين السابقتين للبطولة,مع انه كان لديناقبل الفوز باحدى تلك النسختين مباشرة,كارثة غرق العبارة وبها اكثر من الف راكب ضاعوا هدرا فى مياه البحر؟ ولم تكن الجزائر مشاركة فى أى من النسختين.

ان جميع شعوب العالم تفرح بالفوز الرياضى,خاصة فى كرة القدم,بل ويخرجون ايضا الى الشوارع,بشكل قد يفوق ما فعلناه,حدث ذلك فى فرنسا وفى ايطاليا,بل وفى البرازيل التى زهق شعبها من كثرة مرات الفوز ببطولات كرة القدم ,لكن هؤلاء لا يكتفون بسعادة الفوز ببطولات كرة القدم وحدها,فمصادر الفرح والسعادة والابتهاج والافتخار والزهو لدى الشعوب المتقدمة المتحضرة ,متعددة,واخرها تكون احتفالات كرة القدم,, وهنا بيت القصيد ,فنحن لا نفرح سوى عندما نفوز ببطولة كرة القدم,سواء بطولة افريقيا,ام بطولة الدورى الممتاز المحلية الرديئة؟ لا شىء اخر نملكه ونفتخر به ,او نشارك فيه الامم الاخرى فيما تصنعه من معجزات كونية يراها القاصى والدانى؟

نريد لمصر أن تسعد وتفتخر بوحدتها الوطنية,وأن تبتعد عن اجواء المؤامرات التخريبية الاتية من الخارج والداخل,نريد ان ننسى اننا فى مصرلدينا طوائف او عرقيات,لا عن طريق كرة القدم وحدها ,ولكن عن طريق الاستقرار والعدالة والهدوء ومحاسبة المخطىء-أى مخطىء-.

نريد ان نسعد ونبتهج ونفخر بانجاز علمى عالمى يهز العالم ويبهره ويزيد من احترام هذا العالم لنا,, لقد سعدنا من اجل اهداف " جدو" فى البطولة الافريقية,لكن سعادتنا كانت ستكون اطول عمرا لو أن هناك " جدو" اخر قد احرز اهدافا فى مجالات علمية تقدمية تساهم فى بناء الحضارة الحديثة.

نريد ان نملأ الدنيا ضجيجا بتحقيقنا للاستقلال الاقتصادى والاكتفاء الذاتى, كى يصبح قرارنا مستقلا لا يحتاج ولا ينتظر الضغط ورد الفعل من اصحاب ومانحى المعونات ؟

نحن ننتظر ان نفخر بمصرنا التى تعيد التوازن للمنطقة العربية ,وتستعيد هيبتنا المفقودة بين الامم ,لا بالحروب ولا بالسلاح ولا بالضغوط,ولكن بتدشين وترويج قيم الحق والعدالة والمساواة والديموقراطية, بتبنى الدفاع عن حقوق المقهورين فى المنطقة, بعودة القيادة المستحقة لمصر بفضل تصديها للمناهج التآمرية الاتية من الغرب وانتهاء عمليات التماهى والتراجع المخجل ؟

ان مظاهر الفرح والاحتفال بالانتصار الكروى الاخير,واستحواذ اصحاب مدرسة البزنس المصرية المشتركة على الترويج له بشكل مبالغ فيه بما يخدم على مصالحهم السلطوية والمالية والاعلامية , وبما يسطح من مفهوم الوطنية, وربط هذا المفهوم بكرة قدم او بركلة جزاء , واقتصار رفع الاعلام والاحتفالات بمناسبات كروية ,لعدم وجود مناسبات اخرى,نتيجة الفشل وعدم الكفاءة, هو امر ينذر بالخطر الداهم ,وبنتائج ومشاكل افظع واعمق مما هو حاضر حاليا,

عندما تكون السعادة والافتخار والكرامة الوطنية ,مرهونة فقط بتخطيط وتدريب حسن شحاتة ,او تتعلق وتتوقف على ركلات"جدو" واقدام " ابو تريكة" أو ترقيصات ومهارات " شيكا بالا " ,ولا شىء اخر سوى التخطيط والانفاق الكروى الباذخ فانا اشعر بقلق شديد على هذا البلد ,الذى يشبه مريضا فى غاية المرض,وبدلا من ان يعالج بطريقة علمية صحيحة لكى يبرأ ويخرج من محنته التى تكاد تودى بحياته ,اذا بمسئولى علاجه , يستنزفون امواله وثرواته فى الانفاق على مزيد من جرعات البنج والمورفين والبانجو؟

#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات