أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - في الحاجة العربية إلى إصلاح حقيقي















المزيد.....

في الحاجة العربية إلى إصلاح حقيقي


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 2904 - 2010 / 2 / 1 - 12:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من المؤكد أنّ موجات الإصلاح في العالم العربي، التي ارتبطت باللافتات الكبيرة والشعارات الضخمة وتحدثت دائماً عن " اللحظة التاريخية " و " الإصلاح الشامل "، كلها لافتات لا تعبّر عن جوهر مستقر أو فكر واضح، كما أنّ عملية الإصلاح لم تتم أبداً بآلية تنفيذ مستمرة وفقاً لجدول زمني محدد، بل وجدت الحكومات العربية مبررات دائمة في التأجيل أحياناً والنكوص أحياناً أخرى بدعوى الوضع الإقليمي والمخاطر في المنطقة، فتأجلت كل البرامج الجادة لتطوير التعليم والارتقاء بالثقافة وتوطين التكنولوجيا ودمقرطة الحياة السياسية، وحلت بديلة عنها المواقف المظهرية والخطط العاجلة واسترضاء العامة، بالنفاق تارة وبتزييف الحقائق تارة أخرى.
وفي الواقع ترتكز عملية الإصلاح الجادة على المؤسسات والسياسات، ثم مناخ الثقة الذي تصنعه العلاقة بين المؤسسة والسياسة في إطار حكم ديموقراطي يعبّر عن إرادة الشعوب وتطلعات الأمم. والأمر الملاحظ في عالمنا العربي أنّ الحاكم الفرد أقوى من المؤسسة، بينما المطلوب هو العكس تماماً لأنّ المؤسسة باقية بينما الحاكم الفرد متغيّر، إلا أنّ التجربة العربية المعاصرة طبعت في الأذهان دائماً مفهوم التركيز على الحاكم الفرد وتضخيم دوره والإقلال من قيمة المؤسسة، وجعلها مطية له وأداة لتحقيق طموحاته وأطماعه بغض النظر عن المصلحة العامة. وإذا كنا نفكر في الإصلاح، فإننا يجب أن نعي هذه النقطة جيداً لأنها نقطة محورية وعلامة فارقة بين التأخر والتقدم، فالدولة تقوم على المؤسسات، لا على بضعة أفراد، والدولة القوية تتميز بوجود مؤسسات راسخة ذات تقاليد ثابتة لا تتأثر بتغيير الأفراد أو تناوب القيادات.
أما السياسات التي تصب - في النهاية - في خانة القرارات الأساسية التي تتخذها الدولة في المواقف الوطنية والتحولات المصيرية، فإنّ نجاحها مرتبط بكفاءة المؤسسات. وهنا تبرز أهمية مناخ الثقة الذي يوفق بين التقاليد المستقرة للمؤسسات والمرونة المطلوبة في السياسات، وغني عن البيان أنّ مناخ الثقة لا يتحقق بغير الحريات الواسعة والمشاركة السياسية القوية والطرح المستمر للأفكار والمبادرات التي تحيل الدول العربية إلى قوة فاعلة ولا تجعلها عالة على العصر.
ومن المفيد أن نشير هنا إلى ملاحظات ثلاث: أولاها، أنّ الحديث عن الإصلاح تحول لدينا إلى ما يمكن تسميته بـ " موضة سياسية " فأصبح يتحدث عنه الجميع، ربما من دون مضمون حقيقي أو اقتناع كامل. كذلك فإنّ الإصلاح أصبح أمراً تنظر إليه الأطراف المختلفة كل من زاويته، وجرت عملية تحميل للمسؤولية من كل طرف على عاتق الطرف الآخر وكادت تتوه الحقيقة إلى حد كبير، كما تبنت الإصلاح ذاته قوى هي أبعد ما تكون عنه ولكنها تتاجر فقط به. وثانيتها، أنّ هناك توجساً من تعبير الإصلاح، فالنظم ترى فيه إشارة سلبية إليها بينما ترى فيه أوساط واسعة من العامة احتمالاً للمساس بهويتها، خصوصاً عندما جرى حديث متكرر حول الإصلاح الثقافي بل وتجديد الخطاب الديني أيضاً. وثالثتها، أنّ في ذاكرتنا العربية موجات إصلاح ونوبات تغيير، لذلك فإننا يمكن أن نتبنى تياراً إصلاحياً ذاتياً مصدره وجدان الأمة وتراثها على نحو لا يتعارض مع هويتها أو يعبث بشخصيتها، وفي الوقت نفسه منفتحاً على ثقافة العصر ومعطيات مجتمع المعرفة.
وكي لا يبقى هدف الإصلاح شعاراً غائماً كغيره من الشعارات، فلا بد أن تتوافر فيه الشروط الأربعة التالية:
1 ـ التأسيس لحياة ديموقراطية دستورية تتجاوز حكم التسلط وتكون قابلة للتطور حسب حاجة تقدم المجتمع وتطلعاته، وحسب المعايير العامة التي كرستها المواثيق العالمية.
2 ـ تطوير وتطهير الجهاز الحكومي وسائر الإدارات بما يتلاءم ومنطق دولة القانون والمؤسسات، فالديموقراطية وسيلة غايتها الحكومة الرشيدة.
3 ـ أن يكون في مقدمة واجبات هذه الحكومة الرشيدة السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين، بما يتجاوز معسكري الغنى الفاحش والفقر المدقع، ويتفادى تفجير الصراعات الأهلية والنزعات المتطرفة وانقسام الوطن بين من يملكون ومن لا يملكون.
4 ـ التأسيس لمؤسسات مجتمع مدني حرة في ضميرها ورأيها ومسلكها القانوني، قادرة على الخروج من بوتقة العصبيات التقليدية من تكوينات قبلية وطائفية ما قبل وطنية، في إطار من الفكر المنفتح والحوار المسؤول.
إنّ تأجيل عمليات الإصلاح الداخلي للمجتمعات العربية، بحجة القضايا الكبرى والمعارك القومية وبدعاوى مثل " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " وغيرها، إن لم يكن سذاجة وتبسيطاً مخلاً، فهو موقف يصب – عملياً - في خانة المستفيدين والمنتفعين من تأجيل الإصلاح وتأخيره، وهم حراس الفساد المقيم الذين يتمنون مثل هذه الانشغالات الشعبية بالمعارك الكبرى بل وينفخون في نارها ليخلو لهم جو العبث بالمقدرات العامة، ملتقين في ذلك موضوعياً، ودون الحاجة إلى تفسير تآمري، مع مختلف القوى المعادية للأمة التي تريد لها أن تستنزف قواها في معارك بعيدة، خارجة عن إرادتها، ونائية عن متناول يدها، لئلا يتنامى أنموذج عربي فعّال وملموس، قادر على التعاطي المجدي معها في الأرض العربية.
وطبيعي أنّ أي مشروع للإصلاح، بعد عقود من الجمود، لا يملك عصا سحرية وحلولاً عاجلة لكل شيء، وإنما هو البداية الصحيحة، والخطوة التاريخية السليمة، لفتح الأبواب وتمهيد الطريق لمسيرة الإصلاح والتغيير بالتعاون بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني بما فيها جميع التيارات الفكرية والسياسية المؤثرة في الرأي العام. المهم أن يبدأ التوجه الصحيح والمخلص نحو هدف الإصلاح الشامل من دون تأخير وتسويف، وبعدها فهي مسؤولية الوطن كله ومختلف قواه في نقل المشروع الإصلاحي، في تطوره الطبيعي، إلى آفاقه المتوافق عليها.
ففي سورية، مثلاً، أثارت الإجراءات التي يتخذها العهد الجديد في اتجاه الإصلاح الاقتصادي والإداري انتعاشاً كبيراً للآمال في بلد ظل مغلقاً خلال ما يقارب الأربعين عاما، لكنّ هذه الإجراءات لا ينبغي أن تغطي على واقع أنّ خروج سورية من النظام السياسي الشمولي لا يزال إشكالياً بالمعنى العميق للكلمة، ولا تزال السلطة فيها، بالرغم من المظاهر السطحية، حكراً على فئات محددة من السكان والطبقات، كما لا يزال مفهوم المواطن ضعيفاً لدرجة يصعب على الأفراد فيها أن يتعرفوا على حقوقهم المدنية والسياسية فما بالك بالدفاع عنها أو المطالبة بها. وقد دلت التجربة على أنّ السلسلة الأولى من الإجراءات الانفتاحية التي تساهم في إنعاش النظام لا تطرح مشاكل كبيرة على الممسكين بالسلطة، بل إنها تبدو لهم الطريق الوحيدة لإنقاذ الحكم من الركود الاقتصادي والجمود السياسي الذي يهدد بأعظم المخاطر. لكنّ الأمر يختلف بعد ذلك عندما تنفتح عملية التغيير على إجراءات تتضمن حداً أدنى من تداول السلطة أو تقاسم الصلاحيات بين النخب المختلفة أو رفع الوصاية عن المواطن والاعتراف بجدارته السياسية.
إنّ دوائر الحكم المغلقة خلقت من السلطة في العالم العربي مركز جاذبية لبعض عناصر الولاء وعنصر طرد لبعض عناصر الثقافة، ما أدى إلى هوة بين المنتمين إلى النظم والأغلبية الصامتة التي اختارت اللامبالاة طريقاً، وثرثرة النقد بديلاً من التحرك السياسي أو العمل العام. وقد يقول قائل إنه من الطبيعي أن تكون للحكم - أي حكم - دوائر مغلقة، فالمطبخ السياسي في النهاية يحتوي مجموعة صنع القرار، وهذا أمر متفق عليه ولا جدال فيه ولكنّ المشكلة الحقيقية هي ديمومة المسؤولين داخل الدائرة الواحدة بحيث يبقى بعضهم لما يقترب من العشرين عاماً أو يزيد في منصبه، وهذه ملاحظة تستحق التأمل لأنّ عطاء المسؤول في الموقع الواحد لا يمكن أن يكون متجدداً ومؤثراً في ظل ظروف الاستمرار الذي يجب أن يخضع لحدود العمر الافتراضي لدينامية البشر في المنصب الواحد، فإذا ما تجاوزوه فقدوا الصلاحية الذهنية وأصبح عملهم تكراراً رتيباً غير فعّال، فضلاً عن ما يمثله ذلك من جناية على الأجيال الجديدة وحرمانها من فرص عادلة.
إنّ حيوية النظم مستمدة – أساساً - من تدفق الدماء الجديدة وجذب العناصر المتميزة والحملات اليقظة ضد الفساد المالي والإداري، بل والسياسي أيضاً، لذلك فإنّ النظم التي تعتمد على الدوائر المغلقة لا تخرج منها العناصر المترهلة بسهولة ولا تدخل إليها العناصر القادرة إلا بصعوبة أيضاً، بحيث تبدو في النهاية مثل البحيرات الراكدة التي لا تتدفق إليها مياه من المنبع ولا تخرج منها مياه إلى المصب. ومن هنا الحاجة إلى إعادة الصياغة والبناء والتركيب للحياة والمجتمعات العربية على أسس جديدة باستثمار الطاقات المعطلة والانخراط في إعمال مفهوم الجدوى للمفاهيم والقيم والنظم، التي تثمر معرفة وثروة أو قدرة وقوة، بها نحسّن السمعة ونستعيد الكرامة المهدورة.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض مظاهر محنة الأمة
- في ضرورة التغيير
- أخطر الأوهام التي يجب أن نتخلص منها
- أين الخلل العربي ؟
- إشكاليات المنظمات غير الحكومية في العالم العربي
- التنمية المستدامة وأمن الإنسان في البلدان العربية (3/3)
- التنمية المستدامة وأمن الإنسان في البلدان العربية (2/3)
- التنمية المستدامة وأمن الإنسان في البلدان العربية (1/3)
- كي يكون حوارنا متمدناً
- واقع وآفاق التعاون الاستراتيجي التركي - السوري
- محددات السياسة الخارجية التركية
- صخر حبش .. وكلمة وفاء
- التنمية في أفريقيا: المعوّقات وآفاق المستقبل
- حول توازن القوى في الشرق الأوسط
- معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (5/5)
- معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (4/5)
- معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (3/5)
- معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (2/5)
- معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (1/5)
- أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (3/3)


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - في الحاجة العربية إلى إصلاح حقيقي