أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (2/5)















المزيد.....

معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (2/5)


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 2800 - 2009 / 10 / 15 - 00:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(3) – هيكل المفاوضات
بعد مرور قرابة ثمانية عشر عاماً على انطلاق المفاوضات العربية ـ الإسرائيلية في مؤتمر مدريد يبدو من الضروري جدا استيعاب دروس وعبر خبرات المفاوضات وفهم معطيات الواقع الراهن وتخطيط الموقف التفاوضي العربي على أسس موضوعية، خاصة بعد أن وصلت عملية التسوية إلى المأزق حين تم الانفصام بين أهدافها وتفاصيل تطبيقها، وبين المرجعية القانونية والدولية لأسس ومبادئ التسوية والممارسات الإسرائيلية باسم عملية السلام، وحين أوقعت الإدارة الأمريكية نفسها في فخ السياسة الإسرائيلية وفشلت في الجمع بين دور الوسيط الشريك للطرفين العربي والإسرائيلي وبين الحليف لإسرائيل.
وحين نقوم برصد نتائج مسيرة التفاوض على المصلحة العربية يجدر بنا أن نستحضر عناصر عملية التسوية: الإطار المرجعي والأساس والأطراف والخطوات. ففيما يخص العنصر الأول " الإطار المرجعي "، نرى أنّ المصمم الأمريكي جعله " مؤتمرا دولياً " يعقد بعيداً عن المنظمة الأممية مفتقداً من ثم مرجعية الشرعية الدولية، ومعتمداً مرجعيته الخاصة به التي حددها مصمم العملية الأمريكي وألزم الأطراف العربية بقبولها، بعد أن استلهم جل مطالب إسرائيل وضمنها فيها.
نلاحظ فيما يخص العنصر الثاني وهو " الأساس "، أنه قرارا مجلس الأمن 242 و 338. والثاني يتضمن اعتماد التفاوض، أما الأول فينص في مقدمته على مبدأ عدم " جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة " ويتعامل مع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967، ويدعو إلى الانسحاب منها، وإلى ضمان أمن جميع دول المنطقة، وإيجاد تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. وقد تعذر تطبيقه منذ صدوره في خريف 1967، واختار مصمم العملية الأمريكي هذا القرار من بين العديد من القرارات الدولية التي تحدد الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني. ولم يكتفِ المصمم الأمريكي بذلك، بل قبل وجهة النظر الإسرائيلية في أنّ لهذا القرار تفسيرات مختلفة ويحق لكل طرف أن يتمسك بتفسيره.
أما العنصر الثالث وهو " الأطراف "، فقد لبى مصمم العملية الأمريكي في تصميمه الطلب الإسرائيلي في أن تتفاوض إسرائيل مع كل طرف عربي على حدة. وكان قد وفى من قبل بتعهده لإسرائيل أن تتفاوض من موقع القوة، بحيث تتفوق قوتها على الأطراف العربية مجتمعة.
نصل إلى العنصر الرابع في العملية وهو " الخطوات "، فنجد أنّ المصمم الأمريكي حدد بداية فترة ثلاث سنوات تكون إسرائيل طوالها مطلقة اليد في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعمد إلى تأجيل البحث في موضوعات القدس والاستيطان واللاجئين والحدود، وهذا ما تم الاتفاق عليه في اتفاق أوسلو، وباشر منذ انعقاد مؤتمر مدريد إجراء مفاوضات متعددة الأطراف تستهدف إقامة نظام إقليمي جديد يكون لإسرائيل مكان خاص فيه.
وهكذا، فإنّ المأزق الراهن للمفاوضات العربية – الإسرائيلية هو نتيجة منطقية للهيكل التفاوضي الذي تبلور في مؤتمر مدريد، إضافة بالطبع للشكوك حول نيات إسرائيل وسياساتها ومحركاتها الأساسية: نزعة احتقار العرب، ونزعة عبادة العنف، وفجوة الشك وعدم التصديق النابعة عن مخاوف لا حصر لها، والعقيدة الأمنية التي تتصور إمكانية السيطرة الأبدية على كل مفاتيح الأمن بالوسائل العسكرية.
وفي سياق ذلك مارست إسرائيل لعبة ابتزاز تناقضات الأطراف العربية، فقد علمتنا تجارب السنوات الماضية أنّ إسرائيل تستخدم المسار الفلسطيني للضغط على المسار السوري، وعندما لا تحقق مراميها في هذا المسار تتحول إلى المسار السوري وتمارس الضغط نفسه.
وهكذا، فإنّ المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية افتقرت إلى رؤية واضحة محددة للهدف، مما دفع الطرفين إلى تناول المرحلة الانتقالية ليس على أنها مهلة للاستعداد لاتفاق نهائي بل مجرد تمهيد للمفاوضات النهائية، وليس على أنها فرصة لبناء الثقة بل لتحسين الموقف التفاوضي. النتيجة أنّ كلاً منهما حرص على الحفاظ على مكتسباته لحين الوصول إلى المفاوضات النهائية. وهكذا غذّى موقف كل من الطرفين تصلب الطرف المقابل، مما أدى إلى حلقة مفرغة من التهرب من الالتزامات، والانتهاكات الواضحة، والاتهامات المتبادلة.
ومع تزايد الالتزامات التي وافق عليها الطرفان أدت الاتفاقات المرحلية المتتابعة إلى تزايد إمكان المخالفات والتراجع عن المواعيد المحددة للتنفيذ، وأصبح كل اتفاق مؤقت محوراً للخلاف المقبل وصورة مصغرة للصراع في شموليته، وقاد ذلك إلى إعادة التفاوض مراراً وتكراراً وتراجع الاحترام لنصوص الاتفاقات نفسها. وأغرى ذلك قيادتي الطرفين باتخاذ مواقف تعويضية، مثل الخطب النارية من قبل الفلسطينيين مقابل إنشاء المزيد من المستوطنات من قبل الإسرائيليين، مع إعراض كل من القيادتين عن تهيئة شعبيهما للتنازلات التي لا بد منها في النهاية. وكان لهذه الخطوات التي هدفت إلى ترضية الرأي العام على الجانبين نتيجة غير مقصودة هي المزيد من نفور كل منهما من الآخر، وهو ما زاد من صعوبة التوصل إلى صفقة نهائية.
بل أنّ من بين أكثر المغالطات غرابة في قاموس السياسة الدولية‏,‏ ذلك الزعم الذي تردده إسرائيل‏,‏ بأنها مضطرة للتصرف بمفردها بشأن مستقبل الضفة الغربية‏,‏ نظرا لعدم وجود شريك فلسطيني قادر علي التفاوض معها‏,‏ بشأن ما تعتبره ـ من وجهة نظرها ـ أراضٍ متنازعاً عليها وليس أراضٍ محتلة.
والحقيقة أن التسليم بحق إسرائيل في أن تحدد ما إذا كان في الجانب الفلسطيني شريك تفاوضي أو لا يمثل ارتداداً عن كل ما تحقق ـ على مدى أكثر من عقدين ـ لنشر أجواء السلام وبناء روح الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين‏.‏ إنّ خطورة ما تصر عليه إسرائيل هو أنّ هناك ردة إسرائيلية عن خيار السلام الذي مازال يمثل خياراً استراتيجياً للفلسطينيين والأمة العربية بأكملها‏.
وهكذا، يبدو أنّ العرب كانوا حسني النية في تصورهم أنهم دخلوا عملية تنتهي بإغلاق ملف الصراع العربي - الإسرائيلي نهائياً.‏ لكنّ المشكلة لم تنشأ نتيجة أنّ لإسرائيل أطماعاً خفية‏,‏ أو لأنها ارتدت عما كانت قد تحركت في اتجاهه لأسباب كانت قائمة وقتها‏,‏ وإنما المشكلة نبعت من اختلاف النظرة إلى طريق بلوغ هدف السلام‏,‏ بين كل من العرب وإسرائيل.‏ فالعرب منذ دخلوا عملية السلام بانعقاد مؤتمر مدريد عام‏1991,‏ وضعوا في حساباتهم أنّ عجلة السلام تحركت‏,‏ وستواصل تحركها بتلقائية وبقوة الدفع‏,‏ وكل ما عليهم عمله هو أن ينتظروا بلوغها محطتها النهائية‏.‏
أما إسرائيل فقد اعتبرت عملية السلام نزالاً حاداً بين طرفين‏,‏ حتى ولو كان نزالاً من أجل السلام.‏ وهذا يعني أن تصيغ لنفسها استراتيجية تدير بها هذه العملية‏،‏ فإذا كان عليها أن تسلم للطرف الثاني بشيء عن طريق المفاوضات‏,‏ فليكن بأقل القليل‏,‏ وأن تستخلص منه أقصى ما تستطيع استخلاصه‏,‏ عن طريق الضغط السياسي والديبلوماسي‏,‏ والنفسي‏,‏ وخلق عقبات وعراقيل تحبط الطرف الآخر في المفاوضات‏،‏ وتضعضع مركزه التفاوضي‏.‏ أي أنها جهزت نفسها لما اعتبرته صراعا‏ً,‏ أو حسب الوصف الذي استخدمه شيمون بيريز في محاضرة بجامعة " جورج واشنطن " في عام ‏1998,‏ في تعريفه لعملية السلام بقوله‏:‏ نحن في حرب من أجل السلام.‏ وفي سياق ذلك استثمرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة " الرأي العام " لديها كوسيلة إضافية للضغط على المفاوض العربي على أساس أنها شديدة المرونة بالمقارنة بمواطنيها المتشددين الذين يقاومون " تنازلاتها "، في حين أنّ المساندة العربية للمفاوض العربي مفتقدة تماماً.
دور الأطراف
حيث لعبت الأطراف المعنية ( إسرائيل والقيادة الفلسطينية والحكومات العربية )، والمجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية، أدواراً معطلة لاستكمال عملية السلام العربي – الإسرائيلي.
(1) – الموقف الإسرائيلي
بانعقاد مؤتمر مدريد للسلام، صار السؤال المطروح: ما هو مضمون السلام الذي تريده إسرائيل ؟ ومع الوقت صار يتضح بأنّ السلام الذي تريده يقوم على قاعدة " جزء من الأرض في مقابل السلام الكامل ". أما القناعة التي كانت تقبع في خلفية هذا التصور للسلام، والتي شكلت إحدى ثوابت الفكرة الصهيونية على مدى تاريخها، فهي أنّ الأرض العربية التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 هي " ملك الشعب اليهودي " وأنّ تنازل إسرائيل عن جزء منها هو للخروج من المأزق ولضمان وجود إسرائيل ومستقبلها والحفاظ على طابعها اليهودي على المدى البعيد. وبينما كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتردد وتمانع في الاستجابة لشروط السلام الدائم والشامل والعادل، كان المجتمع الإسرائيلي، الذي تبين بأنه يخشى السلام أكثر مما يخشى الحرب، يتجه نحو التطرف أكثر فأكثر في ظل الدور المتزايد في حياته السياسية لقوى إثنية ودينية واجتماعية: اليهود الشرقيون، والمهاجرون الروس، والمتدينون الأرثوذكس والمستوطنون، يجمع بين أطرافها عدم الثقة بالسلام مع العرب، والاعتقاد بأنّ المواجهة الشاملة هي " البديل الأفضل " للصهيونية، وهي الوسيلة الفعالة التي تحافظ على متانة ووحدة " القلعة " وتمنع انفجار التناقضات الداخلية المعتملة داخل المجتمع الإسرائيلي.
وقد كان الفوز الساحق، الذي حققه نتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف، في الانتخابات الأخيرة دليلاً واضحاً على أنّ هذه القوة اليمينية المتطرفة التي صارت تتحكم بالسياسة الإسرائيلية قد استقطبت تأييد القسم الأعظم من الإسرائيليين، وأنّ حزب العمل، الذي أضاع نصف قوته الانتخابية، مقارنة مع الثمانينات، بات أسير هذه القوة اليمينية المتطرفة، وأسير حكومة " الوحدة الوطنية " التي تعززت مواقع اليمين المتطرف وغلاة المستوطنين فيها. مما جعل السلام الإسرائيلي في عهد نتنياهو يتميز بـ :
1 ـ رفض مفهوم السلام المتعارف عليه والقائم على " شروط " مدريد وأوسلو، لأنه حسب تصور نتنياهو يهدد الأمن الإسرائيلي وبالتالي يصبح المطلوب تأجيل هدف التوصل إلى اتفاقات سلام رسمية إلى أجل غير مسمى.
2 ـ تحقيق الأمن المطلق، فالقيادة الإسرائيلية الحالية لا تتطلع إلى إحداث تحول أو تغيير نوعي في العلاقات العربية ـ الإسرائيلية عكس ما طرحته قيادة حزب العمل، بل هي تتطلع إلى إحداث مزيد من التغيير النوعي في ميزان القوى العربي ـ الإسرائيلي. فالأمن، حسب هذه القيادة، يتحقق بواسطة سياسة الروادع وليس بواسطة سياسة الحوافز.
3 ـ يقود ذلك كله إلى ضرورة تحقيق سلام " الأمر الواقع " المبني على نظام من الروادع، وعلى تفاهمات مع الأطراف العربية المعنية وذلك بشكل مباشر أو بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وحدها أو مع غيرها من الأطراف الدولية والإقليمية القادرة والمعنية.
لقد بات واضحا أنّ نتنياهو جاء إلى الحكم بقرار صهيوني استراتيجي يهدف إلى تحقيق الأطماع والمخططات بقوة السلاح، بغض النظر عن مواقف الدول والاتفاقات المعقودة والشرعية الدولية ومبادئ حقوق الإنسان. وهكذا جاء ليعيد التاريخ إلى الوراء، أو إلى المربع رقم واحد وينفذ مخططاً يرتكز إلى:
- نسف مسيرة السلام بكاملها ودفن مرجعية مدريد بكل أسسها وبنودها والتزاماتها.
- الإلغاء الكامل لاتفاقات أوسلو وملحقاتها وتوابعها والتزاماتها.
- إثارة النعرات والفتن لإشعال نار حرب أهلية بين الفلسطينيين.
- تفتيت مناطق السلطة الوطنية إلى كانتونات وجزر منفصلة ومحاصرة وعدم تمكين سكانها من أي اتصال أو انتقال.
- تسريع وتيرة بناء المستعمرات الاستيطانية وتوسيع المستعمرات القائمة لفرض أمر واقع على الفلسطينيين والعالم.
- تفريغ القدس من المؤسسات الفلسطينية الرسمية والشعبية وإرهاب السكان لحملهم على الهجرة والرحيل لتأكيد مزاعم " العاصمة الموحدة الأبدية " ورفض أي بحث في مستقبل المدينة المقدسة أو المقدسات الإسلامية والمسيحية.
(2) – الموقف الفلسطيني
وجد الشعب الفلسطيني نفسه أمام معادلات قاهرة، في السياسة وفي الميدان، مع مجيء شارون أولاً، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 ثانياً، وبعد عودة نتنياهو إلى رئاسة الوزارة الإسرائيلية ثالثاً، وبعد ظهور العجز العربي رابعاً، وبعد جملة الوقائع الميدانية وما تشكل حولها من مناخ دولي خامساً. مما يجعلنا نقول: إنّ القضية الفلسطينية تمر بمرحلة من أسوأ مراحلها، فهي أسوأ من نكبة 1948 وهزيمة 1967.
فقد اختلفت الانتفاضة التي بدأها الشعب الفلسطيني يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000 عن الانتفاضة التي قام بها أواخر العام 1987. والاختلاف المشار إليه بين الانتفاضتين كان له تأثير واضح على المواقف من كل منهما، سواء داخل المجتمع الدولي أو داخل إسرائيل، وتالياً على نتائج الأولى وعلى نتائج الثانية . فالانتفاضة الأولى حققت، بواسطة الحجارة، اختراقاً مهما داخل إسرائيل تمثل في إبداء قوى حزبية مهمة تفهماً لدوافع نشوبها. وتمثل - في مرحلة تالية - في قيادة هذه القوى حركة مهمة في الأوساط الحزبية والشعبية داخل إسرائيل لوقف الانتفاضة، لا بالعنف بل بالمفاوضات المؤدية إلى تسوية سلمية مقبولة من الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. وهي حققت أيضاً اختراقاً مهماً داخل الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت مغلقة على مدى عقود، إدارةً وكونغرساً ووسائل إعلام ورأياً عاماً، على الفلسطينيين وقضيتهم.
وبسبب نتائج الانتفاضة السلمية - آنذاك - وما أحدثته من تفاعلات صاخبة في المجتمع الإسرائيلي، انتهي عهد حكومات اليمين الإسرائيلي حين تسلم حزب العمل بزعامة اسحق رابين مقاليد السلطة في انتخابات العام 1992 بغالبية كبيرة، وكانت الحكومة الأولى في إسرائيل التي يعطيها الناخب ثقته بسبب برنامجها للسلام، وسارت الأمور في مفاوضات واشنطن وانتهي الأمر باتفاقات أوسلو، حيث أقيمت سلطة فلسطينية لأول مرة، واستعاد الفلسطينيون جزءاً من الأرض وبدؤوا بناء مؤسسات كيانهم الوطني القادم وأخذ العالم بأسره يتعامل مع هذه الحقائق الجديدة، فيما أخذ الإسرائيليون يتعايشون معها أيضاً.
أما الانتفاضة الثانية التي جرى عسكرتها، فقد أدت، خصوصاً بعد انهيار مفاوضات عرفات - باراك في " كمب ديفيد "، إلى أمور سلبية عدة أبرزها ثلاثة: أولها، خسارة " فلسطين " ما ربحته في أمريكا منذ الانتفاضة الأولى وعلى امتداد السنين العشر لعملية السلام. وثانيها، خسارة التفهم وأحياناً التعاطف عند جهات إسرائيلية عدة ينتمي معظمها إلى اليسار. وثالثها، عودة سيادة منطق الأمن عند غالبية الإسرائيليين على منطق السلام.
إنّ جملة من الظروف الذاتية والموضوعية من جهة، والإقليمية والدولية من جهة أخرى، ساهمت في الحد من تطور الفعل المقاوم الفلسطيني. أما فيما يتعلق بالذاتية والموضوعية فتتلخص في التالي:
أولاً- شكل غياب التنسيق بين السلطة والقوى الفلسطينية الأخرى حالة من الخلل على كل المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا الخلل حجّم الفعل الانتفاضي العام، ورفع وتيرة الفعل الاستشهادي، مما أحدث فجوة داخلية، بدأت تأخذ طريقها باتجاه عسكرة المجتمع الفلسطيني، مما سهّل على إسرائيل إمكانية تفكيك هذه الظاهرة، قياساً بقدراتها العسكرية المذهلة.
ثانياً- ضبابية الهدف السياسي، فكل معركة أياً كان حجمها، لا بد وأنّ لها - في نهاية المطاف - سقفاً أو مطلباً سياسياً واضحاً ومتبلوراً إن كان لدى الجمهور أو السلطة والقوى في آن معا. وإذا ما تجاوز الأمر الهدف السياسي المنشود والمنظم والهادف، فستصبح القضية برمتها مجرد عبث قد يؤدي إلى وأد روح الانتفاضة.
عملياً، أدت العمليات الاستشهادية إلى جعل الانتفاضة خارج سكة المسار الدولي للأمور، وانحرافاً عنها، بخلاف ما كان عليه الوضع في الانتفاضة الأولى التي تلاقت مع الاتجاه الدولي إلى إطفاء المناطق المشتعلة في العالم وبالذات تلك التي يضع " القطب الواحد " يديه عليها. ولم تظهر عواقب اتجاه القيادة الفلسطينية، ومعها معارضوها، إلى الانحراف عن سكة العامل الدولي المقرر مع إدارة كلينتون الذاهبة، بل مع الإدارة الجديدة: ظهر ذلك من إشاحة بوش الابن وجهه عن العمل على تحريك المفاوضات من جديد، ورفضه استئنافها من النقطة التي توقفت عندها في " كامب ديفيد " منطلقا من الاقتناع الذي عبر عنه العديد من المسؤولين الأمريكيين بأنّ المشهد الشرق أوسطي، بعد عقد على " مدريد "، غير مهيأ للتسوية لدى الجانبين، مما دفعه للتركيز على إنشاء متغيّرات جديدة في اللوحة الإقليمية. في إطار هذا الاتجاه الأمريكي الجديد، تلاقت الولايات المتحدة مع اتجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي، الزائر لواشنطن في مارس/آذار 2001 إلى جعل الوقائع الميدانية متكلما وحيدا في الانتفاضة أو تقاطعت معه.
لقد كان جديرا بالمقاومين الفلسطينيين أن يعوا التغيير الذي طرأ على المجتمع الدولي بما جعله يتحول إلى رفض واستنكار العنف بكل صوره، ومن ثم كان ينبغي على الجهاديات الفلسطينية أن توقف أعمال العنف ضد المدنيين، مهما كانت ضراوة الاستفزاز الإسرائيلي. فلقد كانت المعركة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول هي معركة إعلامية بين صورة " الإرهاب " وصورة السلام، بين طفل يحتمي بحضن أبيه الأعزل من رصاص الجنود الإسرائيليين الذي أرداه قتيلا، في مقابل صورة أشلاء دامية لمدنيين تتدلى أطرافهم من الحافلات، ليراها العالم كله وهو يعرف أنهم مدنيون أبرياء، حيث ترتبط صورهم في أذهان الملايين بصور أولئك الأبرياء الذين اضطروا إلي القفز من أعلي برجي التجارة العالمية في نيويورك هربا من الموت حرقاً إلى الموت سقوطاً.
ومن المؤكد أنّ الفلسطينيين سيستعيدون موقع التفوق الأخلاقي عندما يعود التركيز على الاحتلال ونتائجه المدمرة، وعندما تدرك أعداد متزايدة من الإسرائيليين استحالة الاستمرار إلى ما لانهاية في الاحتلال.






#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (1/5)
- أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (3/3)
- أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (2/3)
- أزمة المشروع القومي العربي وآفاقه المستقبلية (1/3)
- حاجة العرب إلى التنمية المستدامة
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (5/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (4/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (3/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (2/5)
- أسس الحداثة ومعوقاتها في العالم العربي المعاصر (1/5)
- أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها ...
- أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها ...
- أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها ...
- في الدولة الأمنية
- في الثقافة السياسية
- العلمانية المؤمنة ضمانة للتقدم العربي
- تحديات الأمن الإنساني في العالم العربي
- نحو تجديد الثقافة السياسية العربية
- عبثية الانقسام الفلسطيني
- هل تعود الشرعية الديمقراطية إلى موريتانيا ؟


المزيد.....




- من الحرب العالمية الثانية.. العثور على بقايا 7 من المحاربين ...
- ظهور الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي غولدبرغ بولين في فيديو جديد ...
- بايدن بوقع قانون المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ويتعهد ...
- -قبل عملية رفح-.. موقع عبري يتحدث عن سماح إسرائيل لوفدين دول ...
- إسرائيل تعلن تصفية -نصف- قادة حزب الله وتشن عملية هجومية في ...
- ماذا يدخن سوناك؟.. مجلة بريطانية تهاجم رئيس الوزراء وسط فوضى ...
- وزير الخارجية الأوكراني يقارن بين إنجازات روسيا والغرب في مج ...
- الحوثيون يؤكدون فشل تحالف البحر الأحمر
- النيجر تعرب عن رغبتها في شراء أسلحة من روسيا
- كيف يؤثر فقدان الوزن على الشعر والبشرة؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - معوقات السلام العربي - الإسرائيلي وآفاقه (2/5)