أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها 3/3















المزيد.....

أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها 3/3


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 2753 - 2009 / 8 / 29 - 07:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ديمومة الاستبداد والأزمات التي ولّدها
يبدو العالم العربي عالماً مفككاً، لا يحافظ على وجوده الهش إلا الاستبداد السياسي المتزايد عنفاً، ويجد نفسه أسير معادلات سياسية مستحيلة، إذ أنّ الإدراك السياسي لحكامه والجزء الأكبر من معارضيهم يبدو مقتصراً على الإدانة الخطابية للمؤامرات الخارجية. ولهذا ـ أساساً ـ آلت الحالة العربية إلى التوصيف الذي ورد في تقارير التنمية الإنسانية العربية للأعوام 2002 و 2003 و 2004، و 2007، و 2009 وأُمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تحتل العراق، كما أُمكن لإسرائيل أن تستفرد بالشعب العربي الفلسطيني.
إنّ جوهر العلاقة بين السلطة والشعب، في الغالبية الساحقة من الأقطار العربية، يقوم على قانون القوة والقهر، وعلى التغييب شبه الكامل لدور الشعب والقانون، وإلغاء حقوق المواطنة، وتفتيت المجتمع وتطويعه وإخراجه من عالم السياسة، وتعطيل أية إمكانية للتغيير والإصلاح، وقمع أي عمل معارض. بالإضافة إلى الاعتماد شبه الكلي على الأجهزة الأمنية وتحويل مؤسسات الدولة، الرسمية والشعبية، إلى واجهات صورية مسخرة لخدمة الفئات الحاكمة وطبقاتها السياسية النافذة، التي تتعارض توجهاتها ـ أكثر فأكثر ـ مع مصالح شعوبنا وتطلعاتها، وهي تقيم من مكاسبها الكبيرة ومصالحها الضخمة سداً منيعاً في وجه التغيير أو أية مراجعة أو محاسبة أو إصلاح. وإزاء كل ذلك، يبدو واضحاً أنّ الحاجة التي يحس بها بعض الزعماء للدفاع عن مصالح أقلوية ـ نخبوية تجعل من الصعب خلق مناخ يفضي إلى سياسات للتنافس الديمقراطي.
وإذا كانت الأزمة العامة في أقطارنا العربية، بديمومتها واستعصائها، تشكل كابحاً لتطلعات شعوبنا، وتضع وطننا أمام طريق العجز عن مواجهة المخاطر والتحديات حاضراً ومستقبلاً، فهي أيضاً تزيد وتفاقم من مأزق الحكومات في التلاؤم مع استحقاقات مرحلة ما بعد احتلال العراق وتداعياتها، والتغيّرات الكبيرة في موازين القوى والأوضاع الدولية. لقد أفقدت الأحداث العديد من الحكومات العديد من مصادر شرعيتها، وأوضحت مدى ضعف المؤسسات السياسية في الأقطار العربية، وأبرزت أبعاد الأزمة على النحو التالي:
1 - غياب المشاركة السياسية من قبل الجماهير العربية في الحياة السياسية، إما نتيجة اللامبالاة السياسية وضعف الوعي السياسي، وإما لعدم الثقة في الأنظمة السياسية، وإما نتيجة تضييق قنوات المشاركة من قبل هذه الأنظمة، وإما لتوافر هذه الأسباب مجتمعة.
2 - سيطرة شخص الحاكم تسانده نخبة محدودة على مقاليد الأمور، وإحكام إغلاق الدائرة السياسية، لدرجة لا تسمح بدخول أية عناصر جديدة إلا في ظل ظروف وشروط بالغة التعقيد.
3 - الانفصال بين الحاكم والمحكوم، وعدم وجود تفاعل بين قيم وأمنيات ومطالب المحكومين والسلوك السياسي للحاكم، الأمر الذي يؤثر في مدى توافر شرطي الرضا والقبول من جانب المحكومين، وهما الشرطان اللازمان لاستمرار الأداء السياسي للسلطة وفعاليته في المجتمع.
4 - يؤدي وضع كهذا إلى اتجاه النظام السياسي إلى استخدام كافة أساليب العنف تجاه معارضيه، الأمر الذي يؤدي إلى إهدار كافة الحريات والحقوق المتعلقة بالإنسان، كما يؤدي إلى اتساع دائرة العنف في المجتمع.
5 - غياب المؤسسات السياسية الفاعلة القادرة على إعداد وتدريب وتجنيد المواطنين بالأسلوب الديمقراطي الذي يقوم على الحوار والمناقشة الموضوعية.
6 - شيوع قيم الاتكالية والفردية والانتهازية السياسية في المجتمع.
7 - غياب البنى الاقتصادية والاجتماعية والإطار الثقافي والفكري اللازمين للممارسة الديمقراطية.
8 - عدم الاعتراف بالتعددية السياسية، وعدم إمكانية تداول السلطة بأسلوب ديمقراطي منظم.
وهكذا، فإنّ التفكير في الديمقراطية كضرورة ملحة يتطلب البحث عن عوائقها التي تحول دون تأسيس مجتمعات عربية ديمقراطية، فإذا رجعنا إلى المنظومة الفكرية التي كرستها المرجعية الثقافية العربية، نجد أنها مرتكزة على بنية التشابه، بما يعنيه هذا المصطلح من تأسيس للنمطية، وتكريس لما هو قائم بالفعل. وهذا التصور الوظيفي يتعارض مع مفهوم الديمقراطية القائم على بنية الاختلاف.
ومن العوائق الأخرى التي تحول دون بناء الديمقراطية في العالم العربي أيضاً سيادة مبدأ الإجماع، وخطورة هذا التصور تكمن في إقصائه لمبدأ العمل بالأغلبية، والأدهى من ذلك أنّ ديمقراطية التزييف في العديد من الأقطار العربية تستغل مفهوم الإجماع باعتباره موروثاً للبنية الذهنية العربية، وتمرر من خلاله نتائج انتخاب الحكام ( 100 % أو 99,99 %)، أو نتائج استفتاءات الرأي حول قضايا الوطن المصيرية.
وثمة عوائق موضوعية تجد مرجعيتها لا في البنية الذهنية، أو الموروث اللاشعوري، وإنما في الوضع الداخلي الملموس، أو في الظرفية الخارجية وطبيعة النظام الدولي الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة الأمريكية التي لها يد طولى في الاستفراد بصياغة مصير الشعوب:
1 - على صعيد البنية الداخلية للبلاد العربية، نجد أنّ الذي يسود في أغلبها اقتصاد ريعي، فالمداخيل التي تفعّل دواليب الاقتصاد العربي مصدرها ليس نتيجة لمجهود بشري فعال، وإنما بمثابة هدية من باطن الأرض. لقد تحول النفط من أداة لتسهيل الديمقراطية في الوطن العربي إلى معوّق لها، من أداة لتحقيق كرامة الإنسان إلى أداة لتركيعه وإذلاله.
2 - أما على صعيد الظرفية الخارجية، فعلى الرغم مما يروج له عالمياً من كون النظام الدولي الجديد، الذي تطبل به وسائل الإعلام الغربية، يبشر ويدعو إلى احترام حقوق الإنسان، ويسهر على انتشار الديمقراطية في كافة أرجاء المعمورة، بل ويمارس ضغوطاً على الحكومات التي يعتبرها ديكتاتورية، فإنه وللأسف الشديد نجد أنّ الدول الكبرى، في كثير من الأحيان، إنما تستعمل مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان للضغط على الشعوب وإذلالها عوض تحقيق الكرامة الإنسانية، فهي تتلاعب بالقيم الإنسانية لتمرير مخططاتها، وتحقيق مصالح جديدة في بقاع أخرى من العالم أو على الأقل للحفاظ على مصالحها القديمة.
إنّ البنى، الموصوفة أعلاه، التي تقف موقف العداء من التنوير والفكر والثقافة وتلجأ للمصادرة والاعتقال والنفي والتشريد والقتل، تعمل جاهدة على إشاعة روح الخوف والترهيب لإضعاف دور المثقفين " ضمير الأمة "، فيتحول بعض منهم إلى مسوخ تضرب على كل دف، وتنفخ في كل مزمار ما دام ذلك في رحاب السلطة وحمايتها. وتصطاد السلطة هؤلاء الذين ضعف بنيانهم، فيتحولون في الشكل العشائري إلى مداجن يتتطلعون إلى رضى السلطان، همهم الإشادة بكرم السلطة ولطفها وحنوها، فهي صاحبة القدرة على المنح والمنع، وهؤلاء المداحون يقايضون بضاعتهم بالوظائف ذات الدخل العالي أو المكافآت المالية السخية. وفي الشكل المركزي البيروقراطي التسلطي يتحولون إلى أبواق مهنتهم العمل الدعائي وتسويق السلطة للناس ليقنعوا بها، وهم بمثابة البطانة التي تزيّن للسلطة أفعالها مهما كانت قبيحة الشكل أو المضمون، وهم يقبضون ثمن ذلك مواقع ونفوذاً وتأثيراً، ويتحول من يسقط في وهدة الدعاية الفجة إلى أدوات لتزييف الوعي ووسائل لخداع الناس.
وإذا كان سقوط نظام صدام حسين هو بالفعل بداية مرحلة جديدة تنطوي على تحديات وفرص عديدة، فإنها تتطلب من العرب سياسات جديدة. فالمهم أن تفهم القيادات العربية أنّ لا مناصَّ من تغيير جذري في نوعية حكمها وتحكمها، وأن تفهم الشعوب العربية أنّ حقبة التذمر ولوم الآخرين حان زوالها، وأن تفهم تيارات التطرف أنها لن تكون قادرة على إلحاق الهزيمة، بل حتى المواجهة الفاعلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تفهم تيارات الاعتدال أنّ هناك فرصة لها لتوظيف المنطقة الرمادية بين الانبطاح والمناطحة.
هل يمكن أن تتأسس فاعلية عربية جديدة ؟
إنّ العالم كله يعيد، في هذا الزمن الصعب، حساباته وتوقعاته وتوجهاته. فأين هي مصالح العالم العربي ؟ وكيف يمكن تحقيقها ؟ وماذا تعني عملية إعادة الحسابات والتوجهات ؟
نحن أمام تحديات حقيقية تستوجب تفعيل الخيارات الممكنة، من خلال إرادة سياسية صلبة، وإدارة عقلانية لكل إمكانياتنا المتوفرة، بهدف التعامل مع الوقائع القائمة كما هي لا كما تتخيلها رؤى إيديولوجية مبسطة. فليس من الواقعية والعقلانية والاعتدال أن نغمض أعيننا عن مختلف الخيارات والقدرات التي تمتلكها شعوبنا وأمتنا العربية، وذلك من خلال إعادة صياغة كل أسس القوة، بترتيب أوضاعنا الوطنية والقومية، وإعادة ترتيب العلاقات مع العالم والموازين الدولية.
العالم العربي في أزمة حقيقية، بل وفي أزمات متعددة، في هذه المرحلة من تطوره، إلا أنّ خروجه منها هو مسؤوليته وحده: مسؤولية شعوبه وقواه الحية ونخبه السياسية والفكرية والعلمية المتعددة والكثيرة. والطريق يمر حتماً، ومن دون أي جدال، في تجاوزه للتأخر التاريخي واندراجه في التاريخ العالمي المعاصر، وفي تحرره من الهيمنة الاستعمارية وتحرير أراضيه من الاحتلال الصهيوني.
لقد حان الوقت لكي نفكر في المستقبل بطريقة تختلف عن الماضي وتتقدم على الحاضر، فما كان ممكناً من قبل لم يعد مقبولاً اليوم، كذلك فإنّ ما كان مستحيلاً قبل الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 أصبح وارداً حاليا، والأمم العاقلة والشعوب الواعية هي التي تراجع سياساتها وتعيد ترتيب أوضاعها وتجدد نمط تفكيرها ولا تظل عاجزة مكتوفة الأيدي. والمسؤولية الحقيقية هي مسؤولية جماعية للحكومات والشعوب والنخب الفكرية والسياسية، فإذا لم تتوفر الإرادة أولاً، ثم الرؤية الواضحة والأطر والوسائل الضرورية لوضعها موضع التنفيذ ثانياً، والحكمة وحسن التدبير ثالثاً، فإنّ الكل سيدفع الثمن، وسيكون باهظاً جداً. ولن يكون الواقع العربي الهزلي الراهن أكثر من مجرد شرارة بسيطة، مقارنة بالجحيم الموعود إذا ظل الوضع على ما نراه ونعيشه اليوم من انعدام المناعة والعجز المزمن.
لقد كان غياب الديمقراطية عن الحياة السياسية والاجتماعية العربية العثرة الكبرى أمام تحديث الأقطار العربية، والثغرة الأساسية في عدم تقدم الأمة، وفي عدم تحقيق الاندماج الوطني لشعوبها وحريتها ووحدتها. فمازال التحدي الديمقراطي قائما، وما زالت شرعية العديد من الحكومات العربية موضع شك وتساؤل، والشعوب العربية تسعى للوصول إلى أخذ مكانتها الطبيعية في مؤسسات دولها وممارسة الديمقراطية الحقيقية، القائمة على التعددية وحق الاختلاف، باعتبارها حاجة تاريخية ذات قدرات كبيرة على تحريك الطاقات الشعبية، وعلى تجسير العلاقة بين الحكومات والشعوب. ولن يتم ذلك إلا بقيام دولة الحق والقانون، التي تضمن سريان القانون على جميع مواطنيها دون أي تمييز، وتضمن أيضاً تداول السلطة بشكل سلمي ديمقراطي، باعتبارها تأكيداً لحق الشعوب في اختيار حكامها.
وفي الوقت نفسه، سيصبح ضرورياً إعادة تحديد الأولويات ومراجعة الأهداف المزمع تحقيقها، ليتم التركيز على متطلبات الإصلاح السياسي وتكريس القواعد الديمقراطية وبناء المؤسسات الدستورية ومعالجة المشاكل المعيشية وتحديث الهياكل والبنى الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق التنمية والارتقاء بمستويات القدرة العربية على الانفتاح على العالم الخارجي والتعامل معها من موقع المساواة والشراكة، في ظل توجهات العولمة التي لم يعد هناك مجال لتجاهل آثارها على الأقطار العربية.
إنّ الحاجة ماسة إلى نظام إقليمي عربي جديد يتكيف إيجابياً مع المتغيّرات الدولية، ويستند إلى دول عربية عصرية تقوم على أسس الحق والقانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويدرك عناصر القوة الكامنة لدى الدول العربية ويفعّلها لما يخدم الأهداف المشتركة. إذ ثمة أهمية كبرى لصياغة استراتيجية عربية، تقوم على: أولاً، الاستيعاب النقدي لفكر الآخر، بمعنى المتابعة الدقيقة للحوار الفكري العميق الذي يدور في مراكز التفكير العالمية، وفي العواصم الثقافية الكبرى. وثانياً، النقد الذاتي للأنا العربية، بما يعنيه ذلك من ضرورة أن نمارس النقد الذاتي لممارساتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عقود مرحلة استقلالاتنا الوطنية على الأقل. وثالثاً، إحياء فكرة الإعمار التي هي من أهم الأرصدة الثقافية للحضارة العربية - الإسلامية، بما هي واجب الإنسان في الكون. خاصة وأنّ القول قد حل محل الفعل في أداء رسالة الدور الحضاري في ثقافتنا العربية، حين اطمأن العرب إلى دورهم في الماضي، فعكفوا على تمجيده، دون الإضافة إليه.
وليس أمام العرب، إذا أرادوا التعاطي المجدي مع التحديات المطروحة عليهم وتفعيل دورهم خلال القرن الحادي والعشرين، إلا أن يعيدوا الروح إلى فكرة الوحدة العربية، لا تلك القائمة على الشعارات والأيديولوجيات التي ثبت فشلها، بل الوحدة التي تحفزها الإرادة الذاتية الحرة للشعوب العربية انطلاقاً من وحدة اللغة وما تعنيه من تراث روحي مشترك بين العرب، ومن المصالح الاقتصادية المشتركة، ومن ضرورة مواجهة الخطر الصهيوني الذي يتهدد العرب جميعاً. ودمقرطة المجتمع العربي بتفعيل المجتمع المدني وأنشطته ومؤسساته واحترام استقلاليته، بما يؤدي إلى الاعتراف بحقوق الإنسان وإلغاء القطيعة والعدائية بين السلطة والناس. وإطلاق حرية التفكير والنظر العقلاني النقدي ورفض تكفير المثقفين والمفكرين، وتقبل الرأي الآخر، مما يؤسس للإبداع الثقافي والحضاري.
إنّ انخراط العرب في العالم المعاصر يتطلب منهم البحث عن مضمون جديد لحركتهم القومية التحررية، بما يؤهلهم لـ " التكيّف الإيجابي " مع معطيات هذا العالم، وبالتالي الانخراط في مقتضياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بما يقلل من الخسائر التي عليهم أن يدفعوها نتيجة فواتهم التاريخي، لريثما تتوفر شروط عامة للتحرر في المستقبل. فالعرب ليسوا المبدأ والمركز والغاية والنهاية، هم أمة من جملة أمم وحضارات وثقافات، لا يمكن أن ينعزلوا عن تأثيرات وتطورات العالم الذي يعيشون فيه.
ومن أجل ذلك، تبدو الديمقراطية في رأس أولويات التجديد العربي، والمسألة القومية تستدعي مقولات جديدة: المجتمع المدني، الديمقراطية، الدولة الحديثة، المواطنة. وتبدو أهمية ذلك إذا أدركنا أننا، بشكل عام، لا نملك لغة سياسية حديثة، منظمة وممأسسة، في بنانا السياسية والثقافية، إذ بقينا خارج تسلسل وتاريخ الأحداث، فماضينا مازال ملقى على هامش حاضرنا، بل يهدد مستقبلنا.
لذلك، فإنّ الأمة يجب أن تتجه نحو البحث عن حل تمديني ـ ديمقراطي، مما يعمق المحتوى الإنساني والمضمون الديمقراطي للحركة العربية، على مستوى الفكر كما على مستوى الممارسة. ففي مجتمع واسع متعدد الجماعات العرقية والدينية والمذهبية كعالمنا العربي الكبير، لا يمكن لحركته الجامعة إلا أنّ تكون حركة ديمقراطية تعترف بالتنوع وتُثرى به، وتحترم تعدد الجماعات المكونة للأمة وتسعى إلى تحقيق التكامل بينها، بل تحترم السيادات الوطنية لأقطارها وتسعى لأن تحقق تكاملها القومي بعد أن ترسخ إحساس أبناء هذه الأقطار بهذه السيادة.
فمن المؤكد أنه لا يجوز القفز عن واقع الدولة الوطنية/القطرية تحت أي عنوان، بما فيه الطموح المشروع إلى دولة عربية واحدة. فالأمة العربية لن تكون أمة " قبائل "، وإنما أمة دول حديثة تطمح إلى توحيد جهودها للبحث عن مصالحها المشتركة وتعظيمها. إنّ المشكلة الأهم المطروحة أمام الحركة العربية هي بناء الدولة الحديثة، وما يتفرع عنها من أدوات مفاهيمية تنتمي إلى المجال التداولي المعاصر: الأمة، المجتمع المدني، المواطنة، الديمقراطية، حقوق الإنسان ، التعاقد الاجتماعي، الشرعية الدستورية والقانونية .
إنّ بين عروبة الخمسينيات من القرن العشرين وعروبة اليوم نصف قرن استُهلكت خلاله القيم الشمولية، وبرزت فيه الديمقراطية مفهوما يستعاض به عن العصبوية الموحِّدة والمكوِّنة للدول والمجتمعات، وأظهرت التعددية قدرتها على أن تكون فعل انسجام ودافعاً محركاً للوحدة الوطنية تحت رعاية الدولة والمؤسسات، ولم يعد الصراع مع العدو الصهيوني يشكل وحده دافعاً كافياً لإرادة التوحد، بل باتت شروط الوحدة أكثر تعقيداً.
فعلى العروبة اليوم أن تفعّل التثاقف الحضاري وأن تميّز بين القيم الغربية كجزء من القيم الإنسانية العامة وبين التدخل الغربي كمشروع سيطرة على مصادر الثروة يخدم التراكم الرأسمالي في الغرب. على العروبة اليوم أن تكون مشروعاً تنموياً اقتصادياً واجتماعياً ومشروعاً علمياً تكنولوجياً، وعليها أن تكون مشروع حرية في مجالات الإعلام والثقافة والفكر، وعليها حماية واحتضان المجتمع المدني.






#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها ...
- أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها ...
- في الدولة الأمنية
- في الثقافة السياسية
- العلمانية المؤمنة ضمانة للتقدم العربي
- تحديات الأمن الإنساني في العالم العربي
- نحو تجديد الثقافة السياسية العربية
- عبثية الانقسام الفلسطيني
- هل تعود الشرعية الديمقراطية إلى موريتانيا ؟
- العراق على طريق الاستقلال
- خصائص الإسلام السياسي الديمقراطي
- ما الجديد في خطاب - حماس - ؟
- إيران .. إلى أين ؟
- التنشئة السياسية وأدواتها
- نحو تصويب العلاقات العربية - الأمريكية
- المكان العربي وتفاعلاته في القرن العشرين (3)
- المكان العربي وتفاعلاته في القرن العشرين (2)
- المكان العربي وتفاعلاته في القرن العشرين (1)
- أي لبنان بعد الانتخابات ؟
- اليمن ليس سعيداً


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - أصول إشكاليات الحالة العربية في التاريخ المعاصر وآفاق تطورها 3/3