أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد العزيز محمد المعموري - طبيب من بلادي - الدكتور شاكر محمود الجنابي















المزيد.....

طبيب من بلادي - الدكتور شاكر محمود الجنابي


عبد العزيز محمد المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 24 - 07:19
المحور: سيرة ذاتية
    


طبيب من بلادي .. الدكتور شاكر محمود الجنابي
الكاتب والمعلم المتقاعد عبد العزيز محمد المعموري - ناحية العبارة - بعقوبة -محافظة ديالى
ـــــــــــــــــــــــــ
عرفته فتى طويلاً نحيفاً .. ابيض السحنة ، يلبس عوينات طبية ، حين يكلمك فان عينيه لا يرفعهما عن الارض حياءً ، والبسمة الخجولة لاتفارق شفتيه .. وحين تعرفت عليه كان في الصف المنتهي أي الخامس العلمي قبل ان يستحدث الصف السادس في الدراسة ، كان من طلاب الاعدادية المركزية في بغداد ، رغم انه من سكنة احدى بلدات الفرات الاوسط ، اما الهندية او الاسكندرية . وكان انحداره من عائلة فلاحية كريمة ، ولم يكن الوحيد من ابنائها الاذكياء ، فله اخ اخر يعمل طبيباً ايضاً ، وكان ( شاكر محمود الجنابي ) ، وهو اسم صاحبي ، كان يفكر بعائلته واهله اكثر مما يفكر بنفسه ، ولهذا لك يكن ينعم نفسه بتـرف العيش كما يفعل زملائه من طلاب بغداد . لقد استأجر مع المرحوم ( محمود الريفي ) وكان طالباً فقيراً مثله ينحدر من محافظة ديالى ( قرية خرنابات ) ، استأجر غرفة في جامع ( المصلوب ) في ( الدهانة ) يدفع كل واحد منهما نصف دينار شهرياً ، اما ( محمود الريفي ) فقدر له ان يكون اروع مدرس للغة العربية وصار شاعراً بشار له بالبنان كما يقال وخلف طبيباً يدعى ( ناصر ) وطبيبة تدعى (فدوى) كنت آنذاك عام 1948 طالباً في دار المعلمين الابتدائية في الاعظمية وكنت منظماً الى حزب الشعب الذي تحول من حزب علني اجيز سنة 1946 ضمن خمسة احزاب وطنية من قبل وزارة ( توفيق السويدي) ووزير داخليته ( سعد صالح جربو) وحين اعقبتها وزارة ( ارشد العمري ) كان اول انجاز لها الغاء حزبي الاتحاد الوطني والشعب باعتبارهما حزبيين شيوعيين بواجهة وطنية ، كما الغيت عصبة مكافحة الصهيونية ! لقد ترك حزب الاتحاد الوطني النضال وتفرق مؤسسوه على الاحزاب الاخرى وكان برئاسة المناضل ( عبد الفتاح ابراهيم ) رحمه الله ، اما حزب الشعب فقد تحول الى حزب ثوري يعمل بصورة سرية برئاسة المناضل الوطني ( عزيز شريف) الذي اصبح فيما بعد السكرتير العام لمجلس السلم في العراق ، ووزير العدل في عهد ما سمي ( الجبهة الوطنية والقومية ) مع حزب العفالقة بعد انقلاب 1968 ، وكان في لجنته المركزية المحامون ( توفيق منير) و( عامر عبدالله ) و( عبد الرحيم شريف) وكانوا جميعاً من اهالي مدينة ( عنة ) وحيت تعرفت على هذا الطالب المختار قلت في نفسي هذا مكسب ثمين عليَ ان لا أضيعه ! وظللت اتردد على غرفة صاحبي ( شاكر الجنابي ) و ( محمود الريفي) الذي كان في يوم ما زميلي في دار المعلمين الريفية في بعقوبة وفصل منها لاسباب سياسية وهو من قرية خرنابات التي اكملت فيها دراستي الابتدائية لانني من اهالي قرية ( العبارة ) التي لم تفتح فيها مدرسة ابتدائية الا بعد ثورة تموز 1958 ، اما الطالب ( شاكر الجنابي) فكنت متلهفاً لكسبه في تنظيمي فهو كسب ثمين ، وكنت احرك زميله محمود الريفي ليحبب له النضال والعمل لتحرير الوطن من العملاء والاذناب ، فيجيبه شاكر : وهل تراني اذهب الى معسكر الاقطاع والرأسمالية ، ان طريقي هو طريقكم ولكني اريد ان أكون طبيباً اخدم الفقراء وانقذ اهلي من واقع البؤس والفاقة ، ومرت الاعوام واذا بشاكر الجنابي من ابرز طلاب كلية الطب والذي قبل على نفقة وزارة الدفاع ، وكان يبعث بمخصصاته البسيطة الى العائلة الكريمة وفاءً لتضحيتها وبراً بالوالدين ، ودارت عجلة الزمن واذا بشاكر الجنابي آمر مستشفى سعد العسكري في بعقوبة ، وعادت علاقتي به تتجدد وتقوى ، وكنت ابعث بمعارفي المرضى الى عيادته تشجيعاً واملاً بتقديم افضل الخدمات لهم وكانت المفاجأة : ان كل من يقدم نفسه له قائلاً : ارسلني صاحبك فلان يمتنع عن استلام اجور الفحص ! وهنا شعرت بالذنب وذهبت لاستفسر عن هذا الوضع الغريب ، فما كان منه الا ان استقبلني باتسامته الملائكية الحلوة قائلاً : ما قيمة ربع الدينار فانا اتقاضى من الدولة راتباً ولست مدخناً ولا اعرف المسكرات ولاحاجة لي بالمال فقد وسعت على الوالدين واحمد الله على كل حال ولا يهمني غير خدمة المواطنين !
وقد علمت ان كثيراً من مرضاه ممن كانوا يبدو عليهم الفقر يحلفهم ان كانوا يستطيعون شراء الدواء ام لا ؟ وقد فتح صفحة بأسمه في صيدلية قرب عيادته لدفع اثمان الادوية التي يعجز مرضاه عن شراءها . لقد كانت عيادته بجانب مقر الحزب الشيوعي حالياً قرب نهر خريسان وقد اصبح خلال مدة قصيرة مشهوراً في بعقوبة وقرى المركز للطفه ووداعته وزهده بالمادة .
اذكر قصة جرت له مع مريض من سكنة قرية ( الهويدر ) كان المريض بحاجة الى تناول حقنة وريدية ، وقد اوصاه صاحبنا بان يأتي عصر كل يوم الى العيادة ليقوم الدكتور بنفسه بزرقها خوفاً عليه من جهل المضمدين ، قائلاً له : انا لا اتناول اجراً على ذلك فقط لحمايتك من الخطر ، وفي احد الايام وكان الجو عاصفا وممطرا" فكر المريض بصعوبة الوصول الى العيادة في بعقوبة وماذا لو تأخر زرق احدى الابر .
لكن الدكتور كان يفكر بشكل آخر ، كان يفكر بمنطق العلم ويعرف بان الجرعة لاتعطي مفعولها الا يومياً ، وظل الدكتور في عيادته بانتظار مريضه ولكن مريضه لم يأت فاستأجر الدكتور عربة ( ربل ) يجرها الحصان لان الشارع لم يكن مبلطاً وتوجه الى قرية (الهويدر ) دون ان يبالي بالعاصفة والمطر ، ولم يكن يعرف ان يقع مسكن مريضه ، فلجأ الى مركز شرطة القرية يسأل : هل تعرفون مريضاً بهذا الاسم ؟ ولم يكن في المخفر شرطي من اهالي ( الهويدر) بل كانوا جميعاً من الغرباء ! وهنا استنجد احد رجال الشرطة بحارس ليلي من اهالي القرية ليدلهم على كوخ مريضنا ! وحين رأى المريض طبيبه لم يصدق عينيه ، فهذا امر لم يحدث سابقاً في العراق وربما في كل دنيا العرب ، طبيب يسعى وراء مريضه في جو عاصف وظروف صعب دون مطمع او كسب .
نظر صاحبنا الدكتور الى مريضه بحنو وابتسامة مشعة وسأله : كيف تريدني ان انام دون زرق ابرتك ؟ هيا مد لي ذراعك فصاحب العربة مستعجل ، وبعد زرق الابر نظر الدكتور الى الحارس الاهلي والمريض وجيران المريض معتذراً : لقد ازعجتكم فاعذروني يا أخوان ، انه الواجب الانساني !
وظل الجميع ينظرون اليه غير مصدقين ، وقال بعضهم : ( لو خليت قلبت ) اللهم كثر من امثال هذا الطبيب الرائع .
وفي صبيحة الثامن من شباط 1963 وهو اليوم الاول لعروس الثورات تكرموا باحالته على التقاعد وايداعه موقف شرطة بعقوبة وكنت قد سبقته اليه وحين وقعت عيناي على محياه وجدت الابتسامة الحلوة لا زالت تضيء وجهه ، وحين اردت ان اقدم له خدمة ولو بكلمات المجاملة اجابني : لاشيء يهزني انهم هم الخاسرون . وبعد اطلاق سراحه غادر الى لندن وعمل هناك في مستشفى البحرية البريطانية ، واكمل دراسته العليا في الباطنية والقلبية ، وبعد انقلاب 1968 وما سموه بالثورة البيضاء ، قام احد رؤوسهم مكلفا من حزب البعث بمحاولة تحسين سمعته التي تمرغت في الوحل بعد عروس الثورات .. قام احدهم زيارة اصحاب العقول المهاجرة في أوربا لتحبيب العودة لاوطانهم مغرياً اياهم باراضي سكنية في العاصمة وبوظائف مناسبة لاختصاصهم .. الخ واقتنع صاحبنا بالعرض لاسيما ان الحنين الى الوطن كان يؤرقه .
له بنتان كادتا تنسيا لغتهما ومن المهم ان تعودا الى الوطن وتفكر ببناء وكر يغمره الحنان العراقي ، وارسل زوجته وابنته الى بغداد ، وفي اليوم التالي كان في المطار بانتظار الطائرة التي ستقلع الى العراق بعد ساعة او يزيد واذا برجل مهيب يحمل بيده حقيبة دبلوماسية ويتوجه نحو صاحبنا مسلماً : كيف حال الدكتور شاكر الجنابي ؟ اهلاً وسهلاً ولكني لم اتشرف بمعرفتك سابقاً ؟ ولكني اعرفك من تاريخ ولادتك وحتى اليوم وعلمت بان مبعوث حكومتك قد اقنعك بالسفر الى العراق ، ولكني احذرك بان الذين فصلوك سنة 1963 واودعوك السجن هم انفسهم عادوا الى السلطة ولكنهم فقط غيروا من مظاهرهم وازيائهم وانا اعرض عليك ان تعمل معنا في المستشفى الذي امثله في نيويورك وبخاصة في كلية الطب هناك وبالراتب الذي تريده وتعينه انت لانحن؟ ولكن عائلتي وصلت الى بغداد فكيف اتدارك الامر ؟ بكل سهولة فالطائرة التي أوصلتهم الى بغداد ستعيدهم الى لندن وعلى نفقة مستشفانا فما رأيك ؟ على بركة الله ووقع العقد وذهب الى امريكا وظل يعمل هناك مع أكابر أطباء القلب في العالم وبأحدث الأجهزة العلمية .
ولكن الحنين الى الوطن ينتصر في النهاية ويعود شاكر الجنابي الى بغداد والى مستشفى اليرموك وأستاذا في كلية الطب في الجامعة المستنصرية واذهب للسلام عليه ويخرج من عيادته ملهوفاً لمعانقتي وكأني أخوه المفقود وقد عثر عليه وسألته عن أحواله وكيف كان كان في بلاد الكفار ؟! قال : والله كنت ملكاً بلا تاج ، فقد كنت اتمتع بأرقى سكن وبسيارة من احدث الموديلات وسائقها كما استفيد من كل نعم التكنولوجيا وثمار الحضارة ولا أحد يسأل عن افكاري الهدامة ولا ديانتي ، انهم هناك لايفكرون بغير الاخلاض مع العمل ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، ولم يستطع هذا الرجل المعتز برجولته وكرامته ان ينسجم مع الجو الملوث في الثمانينات جو الشعارات الوطنية الكاذبة والهتاف باسم القائد الضرورة فرجع من حيث اتى .
فتحية لك يا أخي الطبيب الانسان اينما كنت من ديار الكفر كما يسميهم ضعاف العقول هنا ، لقد كنت شاباً رالئعا منذ دراستك الاعدادية وحتى اصبحت استاذا عالماً في الطب وامراض القلب ومع ذلك لايذكر زميل لك الا قلت : هذا رجل علم واخلاق ونادراً تجتمع هاتان الخصلتان ، لم نسمعك تذكر أي زميل من زملائك الا بالخير والذكر الجميل ، وهذه سمات الادب الرفيع .
لقد كنت محباً للناس ، محباً لمهنتك ، ولقد احبك كل من عرفك ، فتحية لك يا أخي وكثر الله من أمثالك من أبناء العراق والعاقبة أولا وأخيرا للطيبين .



#عبد_العزيز_محمد_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شخصيات فولكلورية- ملا نجم يقاطع الحلاقين
- من ذكريات معلم متقاعد 00 ( عدونا الأكبر )
- بداياتي
- التلقيح الاصطناعي في الأبقار
- ذكريات عمرها نصف قرن ( دورة الضباط الاحتياط العاشرة )
- عبد الحسين جليل ..أين أنت الآن ؟
- ذكرياتي عن الشاعرين بدر شاكر السياب وحسين مردان
- قبل الرحيل 00 أو من أحاديث الشيخوخة
- علي بابا كان أبي
- كيف غزا الشاي بيوتنا
- من ذكريات الطفولة -خرنابات وما حولها
- فلنذكر حسنات موتانا
- كيف كنا نكرم ضيوفنا في الثلاثينيات من القرن الماضي
- وجوه وذكريات ..ابن خرنابات ..الشاعر المبدع محمود الريفي
- ذكريات عمرها أربعين سنة في قرية كردية
- خواطر وذكريات من وحي الثمانين_مذكرات الكاتب والمعلم المتقاعد ...
- خواطر وذكريات من وحي الثمانين_مذكرات الكاتب والمعلم المتقاعد ...
- ذكريات عن الشامية


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد العزيز محمد المعموري - طبيب من بلادي - الدكتور شاكر محمود الجنابي