أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - تعامل مصر -الخشن-.. مع قوتها -الناعمة- .. محمد صالح .....الآخر















المزيد.....

تعامل مصر -الخشن-.. مع قوتها -الناعمة- .. محمد صالح .....الآخر


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2886 - 2010 / 1 / 12 - 18:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كم شخصاً من الثمانين مليون مصري يعرف الشاعر محمد صالح، وكم شخصاً يعرف لاعب الكرة أبو تريكه؟!
الإجابة ليست صعبة، فالملايين تعرف لاعب الكرة بينما الشاعر لا يعرفه سوى عدد لا يزيد – فى أحسن الأحوال- عن بضعة آلاف معظمهم من النخبة. بل إن كثيرا من هؤلاء ربما يخلطون بينه وبين الناقد السينمائي محمد صالح أطال الله فى عمره.
والشاعر محمد صالح ليس حالة استثنائية بهذا الصدد، بل إن هذا هو حال معظم المبدعين الحقيقيين فى مصر، الذين يحترمون أنفسهم ويترفعون عن الصغائر وألاعيب العلاقات العامة، بما تشتمل عليه من "بيزنس" رائج يحول أنصاف الموهوبين، وربما أيضاً عديمي الموهبة، إلى نجوم ساطعة بينما الموهوبين الحقيقيين – من أمثال محمد صالح- يعيشون ويموتون فى كهف التجاهل والإهمال.
حتى عندما تجئ الفرصة للحديث عنهم بعد رحليهم – غيلة وكمداً فى الأغلب الأعم- تستمر مؤامرة الصمت والتعتيم مع سبق الإصرار والترصّد
وهذا هو ما حدث بالضبط بأتيليه القاهرة يوم الأربعاء الماضي حيث تجمع عدد لا بأس به من المثقفين الجادين والمحترمين لتأبين الشاعر الكبير محمد صالح الذى رحل عنا صباح أول أيام عيد الأضحى الماضي.
وانظروا لتروا من تحدث عنه أمام هذه الكوكبة قليلة العدد كبيرة القيمة عظيمة الوفاء:
الدكتور جابر عصفور، والشاعر محمد عفيفي مطر، والمفكر الدكتور نصر حامد أبو زيد، والأديب سعيد الكفراوى، والشاعر محمد فريد أبو سعده، والناقد الدكتور محمد بدوى.
كل واحد من هؤلاء مرجع وحجة فى مجاله، لذلك يمثل رأيه "شهادة" أهم من شهادة "الايزو"، فما بالك أن يجمعوا كلهم على رأى واحد خلاصته أن محمد صالح شاعر رائد عملاق تمثل دواوينه الخمسة، التى تركها لنا، بصمة وعلامة فريدة فى "ديوان العرب"، ناهيك عن أنه إنسان نادر فى بساطته وتواضعه وصدقه وعفويته الساخرة وسخريته الفلسفية.
وكان من الممكن أن تتحول هذه الندوة الثرية، والدافئة، والحافلة بالمشاعر الإنسانية الراقية، إلى بداية لرد الاعتبار إلى هذا الشاعر المظلوم وإخراجه من بئر الظلمات إلى دائرة النور، وإلقاء الضوء الساطع على "نقلة" مهمة فى حركة الشعر والأدب مازالت كثير من خصائصها المميزة مجهولة.
*****
لكن هذه المناسبة مرت مرور الكرام وسط تجاهل مذهل من معظم وسائل الإعلام، رغم أن كلا من الفرسان الخمسة الذين تحدثوا قدم فى كلمته معلومات وأسراراً جديدة ومهمة جداً، فضلا عن أفكار نقدية مضيئة.
وتبقي الحقيقة المرة - التى يؤكدها الموقف من محمد صالح والكثيرين غيره من الموهوبين- هى مخاصمة معظم وسائل الإعلام – المقروءة والمسموعة والمرئية- للإبداع والمبدعين، اللهم إلا استثناءات محدودة للغاية.
******
والحقيقة المرة الثانية هى أن معظم أفراد الصفوة الثقافية، البعيدة عن "المؤسسة " أو "الحظيرة" الرسمية محشورة بين شقي الرحى. فمن ينجو منهم من بطش البيروقراطية الحاكمة والمتحكمة يقع فريسة لإرهاب الأصولية الدينية التى دأب رموزها فى السنوات الأخيرة على ترويع المثقفين بزعم الغيرة على الدين الحنيف من أجل فرض وصايتهم وشروطهم لما يقال وما لا يقال فى ساحة الأدب والفن والفكر.
وليست هناك ذرة من المبالغة فى المقولة السابقة، بل إنها حقيقة مؤسفة وأمر واقع مرير. ولنأخذ المشاركين فى تأبين شاعرنا الرائع محمد صالح كعينة عشوائية وسنجد الأتي:
• نصر حامد أبو زيد... تم تكفيره واستصدار حكم قضائي بالتفريق بينه وبين زوجته، الأمر الذى اضطره إلى مغادرة الوطن والعيش فى هولندا.
• محمد عفيفي مطر.. تعرض للاعتقال والتعذيب البشع.
• محمد فريد أبو سعده.. تعرض للاعتقال والترويع.
• جابر عصفور... رغم قربه من السلطة وشغله مناصب مرموقة فى قمة السلم الوظيفي لوزارة الثقافة، تعرض لهجوم عنيف من جانب جهات أصولية. ومن المصادفات التى لا تخلو من دلالة أنه فى صباح نفس يوم مشاركته فى تأبين محمد صالح صدر ضده حكم قضائي بدفع غرامة قيمتها خمسون ألف جنيه فى القضية التى رفعها ضده أحد مشايخ هذا الزمان!!
إذن.. المثقفون والمبدعون المصريون.. مطاردون، ومحاصرون بين مطرقة سلطة وإدارة بيروقراطية تريد إخصاء المثقف وتحويله إلى بوق لها وخادم فى حظيرتها، وبين سلطة دينية أصولية تريد تدجينه وتحويله إلى كاهن يحرق لها البخور.
وبين " الإخصاء" و"الإقصاء"... أين المفر؟!
*****
الحقيقة المرة الثالثة... هى أن جذور التخلف والتزمت والتطرف عميقة جداً، وربما أعمق مما كنا نتصور، بحيث أن مغامرة الحداثة – باعتبارها المشروع الحضاري للنهضة المرتكز على مبادئ العقلانية والحرية- والتى حاولت شق طريقها على ضفاف النيل منذ عصر محمد على، تبدو الآن مغامرة مهزومة كما لو كانت حرثا فى البحر أو كأنها فى أفضل الأحوال مجرد "خربشة" فوق القشرة الخارجية لواقع غارق فى التخلف والجهل والتعصب والركود.
فبعد كل هذا الحفر فى الصخر الذى التهم أعمار الطهطاوي وعلى مبارك واحمد لطفي السيد وطه حسين وقاسم أمين وعلى عبد الرازق ومصطفى عبد الرزاق وطابور طويل من حملة مصابيح التنوير والعقلانية ودعاة حرية العقيدة والرأي والتعبير وأنصار تحرير المرأة، نجح خفافيش الظلام ومروجي الخرافة واللاعقلانية والاستبداد فى اختطاف الوطن والهيمنة على البلاد والعباد، ولم يبق خارج حظيرتهم سوى كتيبة المبدعين والمثقفين المحشورين بينهم وبين البيروقراطية الحاكمة والمتحكمة.
وأتذكر أن الدكتور جابر عصفور قال فى أحد لقاءاتنا بمكتبة الإسكندرية منذ ما يقرب من ثلاث سنوات أن الجماعات المصرية، رغم إنجازاتها منذ نشأتها، مازالت عضواً غريباً فى جسد يلفظه.
فى ذلك الحين كنت أرى مبالغة قاتمة فى مقولة جابر عصفور، واليوم وبعد أن تكسرت النصال على النصال أعترف بأنه كان أقرب إلى الصواب.
فرغم كل محاولات التحديث، التى حاولت باستماتة تحويل المجتمع المصرى التقليدي إلى مجتمع عصري انطلاقاً من مبادئ الحداثة، مازالت الغلبة للنقل على العقل، والتقليد على التجديد، والامتثال على الاجتهاد، والخرافة على العلم، والماضى على المستقبل.
والنتيجة هى هذا الخواء الثقافي والتخلف الفكري الذى يفاقمه الاستمرار غير المنطقى لهذه النسبة المرتفعة من الأمية الأبجدية، والتردي المذهل للتعليم بكل مستوياته، ووقوع المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية فى أيدي المتطرفين والظلاميين، فضلا عن الدور المروع الذى تلعبه معظم وسائل الإعلام فى الترويج للسطحية والتفاهة من جانب، وثقافة الكراهية والتعصب من جانب آخر.
وهذه الحالة الثقافية البائسة مصدر خطر كبير على تطور البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
فالأمة التى يتم فيها تغريم رموز ثقافية كبرى مثل أحمد عبد المعطى حجازى وجابر عصفور يجب أن تتحسس رأسها.
الأمة التى يتم فيها التفريق بين مفكر كبير، مثل نصر حامد أبو زيد، وزوجته يجب أن تخشى على مستقبلها.
الأمة التى يجرى فيها اغتيال مفكر مثل الدكتور فرج فودة ومحاولة اغتيال أديب عظيم مثل نجيب محفوظ أو كاتب صحفي كبير مثل مكرم محمد احمد هى أمة في خطر.
الأمة التي يتوارى فيها دور العلم والعلماء والمفكرين والمبدعين لصالح دعاة الفضائيات ولاعبي الكرة وأباطرة المال تصبح أمة فاقدة للعقل والاتجاه وتحتاج إلى استراتيجية ثقافية جديدة.
** الأمة التي تنجب شاعراً كبيرا مثل محمد صالح، ويعيش ويموت فيها دون تقدير لإبداعه وتميزه، أمة تهدر ثروتها الحقيقية من البشر الذين هم قوتها الناعمة.. أمس واليوم وغداً.




#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجع حمادى.. - حقل الأرز- الذى أصبح -مزرعة ذئاب-!
- مبادرة «شق» الإخوان (1)
- مبادرة «شق» الإخوان (2)
- ممنوع الدخول: توارد الخواطر بين -الإمارة- و-الحارة- و-النقاب ...
- علاقة مسمومة: ظلم عواطف حميمة.. واستفزاز مجتمع فقير
- الدعائم الأربع لحرية الصحافة فى مصر
- هل كان مفروضاً أن يكون مصر حامد أبوزيد.. لاعب كرة؟!
- قبل أن نسير فى جنازة الصحافة التى أحببناها
- الأذان فى مالطة.. وسويسرا!
- ضمائر حية.. وقلوب مازالت تنبض.. في الجامعة العربية
- هل يأتى حل عقدة خلافة الرئيس على يد الدكتور يسرى الجمل؟!
- إعلام لا يعلم ولا يتعلم:استنساخ الفشل والغوغائية وابتذال الو ...
- سائق حافظ المرازى.. الفيلسوف
- مصابيح التنوير والابداع التى تنطفئ
- نتائج خطيرة لدراسة ميدانية مهداة للنخبة الحاكمة والمحكومة:«ا ...
- السائرون نياماً .. على أرض -المريخ-؟!
- درس من أوباما فى مسئولية الدولة عن صحة أبنائها
- هل يتساوى الشهيد الذى ضحى بحياته مع لاعب الكرة الذى سيتقاضى ...
- إنها مجرد لعبة.. فلماذا كل هذا الصخب؟!
- قطار -الخصخصة- وصل إلى تاريخ الحركة الوطنية!


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - تعامل مصر -الخشن-.. مع قوتها -الناعمة- .. محمد صالح .....الآخر