أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - الحاجة إلى تحديث العلمانية والإسلام العربيين















المزيد.....

الحاجة إلى تحديث العلمانية والإسلام العربيين


محمد شرينة

الحوار المتمدن-العدد: 2847 - 2009 / 12 / 3 - 14:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في المعمة الدائرة حول كيفية تبني العالم الإسلامي للفكر العلماني والذي هو الشرط الذي لا بد منه من أجل أي تحديث للشعوب الإسلامية لطالما كنت مقتنع بعدة أفكار أهمها هي ضرورة تحديث الإسلام كدين فبدون ذلك لا يمكن عمل شيء وفي الفقرات أدناه تبرز عدة جوانب غاية في الأهمية أحببت التطرق إليها بعد سرد هذه الفقرات المنقولة من مقالة بعنوان: (مستقبل القيم العلمانية) تأليف: وانغ غونغو (ترجمة عبدالله حسين( منشورة على موقع تنوير نقلا عن موقع الأوان. الفقرات كما أوردتها أدناه منقولة من المقال المشار إليه مع الرجوع أحيانا إلى النص الانكليزي الأصلي المنشور على الرابط : (http://essays.ssrc.org/sept11/essays/wang.htm ) الذي تفضل المترجم بتثبيته أسفل ترجمته للمقالة المذكورة ومع بعض التصرف في الترجمة وبعض الإضافات التي وضعتها بين قوسين. الفقرات المنقولة تحتها خط وهي مرقمة من 1 إلى 3:
[[[[[ 1 - " أما بالنسبة للعلمانيّة الأخلاقيّة الكونفوشيوسيّة، فقد تبين أنّ فكرة شيشو «كينونة هذا العالم» كانت ضعيفة بنهاية سلالة هان «القرن الثالث بعد الميلاد». هذا تطلب أيضا تجديد هذه العلمانية بالدين وذلك لتلبية حاجات الناس الروحية. وبالتالي تم تعديل واغناء هذه العلمانية بماهاتيا البوذية التي جاءت من الهند، بالإضافة إلى عقائد كانت لا تزال تحظى بشعبية كبيرة بين أغلبيّة الناس الذين عاشوا تحت المبادئ الكونفوشيوسيّة للحكم العلماني. الكوزمولوجيا البوذيّة - الكونفوشيوسيّة تنطوي على أساس فكرة الحكم بالفضيلة(الحاكم الفاضل) مما نفى الحاجة إلى الانفصال بين السماء والقيصر (الدين والسياسة) وبالتالي فان غياب هذه الثنائية(الانقسام الثنائي بين السماء والحاكم) هو ما ميز نظام القيم الصيني عن مثيله في أوربا.هذه الثنائية هي التي قادت ملهمة بالقيم العلمانية إلى قيام مختلف أنواع المؤسسات التي تم تطويرها في سبيل تحقيق ذلك(هذه الثنائية القائمة بين السماء والقيصر هي التي قادت إلى قيام المؤسسات الحديثة في أوربا بهدف تحقيق هذه الغاية – الفصل بين السماء والحاكم- بينما أدى قيام العلمانية الصينية على فكرة الحاكم الفاضل إلى غياب هذه الثنائية وبالتالي غياب المؤسسات). "
2 - " من الواضح أنّه ليس هناك قيم علمانيّة صرفه. لأنه على العلمانية أن تلبي الاحتياجات الروحية للناس، وعلى الأقل هناك دينين أسهما في هذه المهمة (تعزيز العلمانية من خلال تلبية حاجات الناس الروحية) وهما: المسيحيّة والبوذيّة. لكن السؤال هو ما إذا ما كان العلمانيون الذين ينتمون إلى هذين الدينين سيرتفعون فوق انقساماتهم( أو انتماءاتهم) الدينية لأديانهم التي كانت مصدر الهام ووحي لعلمانيتهم(أي المسيحيون والبوذيون)أم أنهم سيظلون منقسمين وفقا لأديانهم الأصلية(لانتمائهم الديني)."
3 - " أخيراً، إلى أين يتوجّه مستقبل القيم العلمانيّة؟ أحيانا قد تكون العلمانية موجودة أكثر من اللازم(أكثر مما يتحمله الناس) فقد فشلت كلُّ من القيم العلمانية الكونفوشيوسيّة والرومانيّة - الإغريقية عندما كانت كل منهما مسيطرة في مناطقها الخاصة بشكل صرف(علماني بحت). كان يمكن للإسلام إحياء السابقة(الرومانية الإغريقية) لكن ذلك لم يحدث وهي تجددت فقط بالمسيحية بعد انقسامها(المسيحية)."(لقد فشلت كل من العلمانية الرومانية – الإغريقية وكذلك العلمانية الكنفوشيوسية في القديم بسبب غياب قيم روحية تلبي حاجات الناس ومع أنه كان يمكن للإسلام في بداياته أن يقوم بدور تلبية هذه الحاجات(الروحية) وبالتالي يشكل دافعا لإحياء العلمانية الرومانية – الإغريقية إلا أنه لم يحقق ذلك وكان لا بد من الانتظار إلى أن قامت المسيحية بهذا الدور بعد انقسامها خلال حركة الإصلاح الديني) ]]]]]]]
فالمطلوب بوضوح هو أن يتحول الإسلام كدين إلى الوضع الذي يسمح له بتحقيق المهمة التي سبق لكل من البوذية والمسيحية القيام بها وهذا بتقديري ليس مستحيل. لكن النقطة الأكثر أهمية برأيي هي أن الإسلام لن يتحول إلى دين علماني وليس هذا هو المطلوب لأنه ليس هناك دين علماني فالقضيتين متناقضتان في الجوهر، أعني الدين والعلمانية، لأنه إذا كان هناك اله يتحكم بهذا العالم فكيف نتصور أنه جاهل بشؤون الدنيا؟ ولم لا نعتمد عليه في شؤون الدنيا كما نعتمد عليه في شؤون الدين؟ حتى المسيحية بعد أكثر من ثلاثة قرون من التعايش مع العلمانية لا تزال تناهض الإجهاض وتتدخل في كثير من الشؤون الدنيوية. الواقع أن هناك توترا مستمرا سيظل قائم بين الدين والعلمانية، هذه الثنائية والتي أعتقد أن المقال أشار إليه في القول: ((الكوزمولوجيا البوذيّة - الكونفوشيوسيّة تنطوي على أساس فكرة الحكم بالفضيلة(الحاكم الفاضل) مما نفى الحاجة إلى الانفصال بين السماء والقيصر (الدين والسياسة) وبالتالي فان غياب هذه الثنائية (الانقسام الثنائي بين السماء والحاكم) هو ما ميز نظام القيم الصيني عن مثيله في أوربا.هذه الثنائية هي التي قادت ملهمةً بالقيم العلمانية إلى قيام مختلف أنواع المؤسسات التي تم تطويرها في سبيل تحقيق ذلك)) هذه الثنائية هي التي أدت إلى التطور الذي حصل في أوربا من خلال التوتر المستمر الذي ولدته فمن غير الصحيح أن أوربا أنجزت نهضتها اعتمادا على علمانية رومانية – إغريقية فقط، بل اعتمادا على تلك العلمانية مضافا إليها الفكر اليهومسيحي ، فكما يذكر المقال كان العالم كله تقريبا شرقا وغربا علمانيا لقرون طويلة وهو لا شك كان في حال أفضل من الحال التي صار إليها عندما صار دينيا بحتا في القرون الوسطى ولكن ذلك العالم العلماني عجز عن تحقيق ما حققه الغرب الحديث لأن ذلك العالم القديم كان ينقصه القيم الروحية أو الغذاء الروحي كما أن عالم القرون الوسطى كان ينقصه القيم العقلية وكلا العاملين أساسي لأي تقدم. نحن نعرف من الفيزياء الحرارية ومن الكهرباء أنه لا يمكننا أن نولد عمل بدون نوع من التناقض الذي يسبب توترا كحالة القطبين السالب والموجب في الكهرباء وأن هذا التوتر مطلوب وأساسي للحصول على أي عمل. لكن المهم أن لا يكون هذا التوتر شديدا للحد الذي يؤدي إلى انفجار الحالة وبالتالي؛ إما تدمير كامل المنظومة أو العودة إلى حالة أحادية. أميل للقول أن المسيحية في مرحلتها الأولى كانت تطورا وليس تراجعا للحالة البشرية بهدف سد النقص الروحي الذي سيطر نهايات الحقبة الرومانية وذلك بعد أن تطورت مدارك البشر للحد الذي لم تعد الأديان القديمة كافية لإقناعها، لكن المسيحية نمت بشكل سرطاني مبالغ فيه جرفت في طريقها كل قيم المادية والعقلانية. بل إن الإسلام الأول كان نوع من رد الفعل الجزئي على تلك المسيحية المفرطة في الروحانية لكنه سرعان ما ذاب في تلك المسيحية وتحول إلى شكل كأنه نسخة عنها وهذا موضوع لا يتسع له البحث هنا. لطالما ملت إلى الاعتقاد أن التاريخ البشري تصرف بشكل دوري(دوراني) خلال الثلاثة آلاف سنة الماضية حيث انتقل من طور علماني إلى ديني ثم هو يعود أو يحاول العودة إلى الطور العلماني لكنني أظن أن هذا غير دقيق فالعالم يبدو وكأنه يسير بخط صاعد فيه الكثير من الانهباطات فبدون المسيحية لم تكن النهضة الحديثة لتكون، بالطبع بدون اليهودية فان المسيحية هي الأخرى لم تكن لتتكون، الإسلام دون شك إذا أردنا أن نكون منصفين لعب دورا هاما في ذلك ولكن الذي يصعب علي تقريره هو: هل الدور الذي لعبه الإسلام جوهري بحيث يمكننا القول أنه لولا الإسلام لما تكونت الحضارة الحديثة أم أنه مجرد دور هام ولكنه ليس أساسي، بمعنى أن الحضارة الحديثة كانت ستتكون حتى بدون وجوده وهو ربما سهل أو سرع ذلك وأضفى عليه بعض الصفات الإضافية، شخصيا أنا أميل للتفسير الأخير.
من الممكن أن يفسر هذا الكلام على أن تطور معارف البشر قد يصل إلى مرحلة لا تكون فيه الأديان الحالية بما فيها الإسلام والمسيحية قادرة على إقناع البشر وتلبية حاجاتهم الروحية وهذا ممكن بل هو حاصل ولكن الحل أبدا لن يكون علمانية صرفة فللبشر حاجات روحية لا بد من تلبيتها والأهم أن العالم كما هو ليس عقلاني وعندما يصير الإنسان عقلانيا أكثر من العالم ينهار الإنسان كما حدث في نهاية الحقبة الرومانية فمن قال أن عالم طاغي غريب كالذي نعيش فيه ينتهي بفناء حتمي تبدو معه الحياة الإنسانية أقل من تافهة هو عالم عقلاني؟ ومن يستطيع القول أن عالم يولد فيه شاب أو فتاة في غاية الجمال والصحة والذكاء لعائلة مكونة من أبوين فتيين ميسورين مثقفين متزنين ذوي مكانة اجتماعية مرموقة تسود أسرتهما علاقات أسرية سوية في دولة متقدمة بينما يولد فيه شاب أو فتاة لا يملك أحدهما أي جمال وذو ذكاء أقل من المتوسط معتل الصحة في عائلة فقيرة غير متعلمة مفككة لأبوين مسنين ذوي سمعة سيئة في دولة شديدة الفقر، ثم يتم الحديث فيه(العالم) عن المساواة بين البشر، فإذا كنا نستطيع أن نلوم البشر على بعض تلك الصفات ونعزوها إلى توزيعهم غير العادل لثروات الكوكب فمن الواضح أن هناك مجموعة من الصفات السابقة وربما تكون الأهم لا يمكننا أن نلوم عليها أحد؛ من قال أن مثل هذا العالم عقلاني وأنه لا يحتاج إلى أن يمزج ببعض المخدر؟! خاصة في البلدان الفقيرة كما أشار المقال: (. فبدون انتباهٍ كافٍ إلى الحاجات الروحيّة للناس، خصوصاً في الأمم الأكثر فقراً في العالم، فان العلمانية لا تستحق الاحترام الذي نالته حتّى الآن. ") .
لأنني أعرف كيف نفكر فمن المهم التنبيه إلى أننا نجد من يقول أنه من المكن أن يحقق من ولد في الظروف السيئة أفضل مما يحقق من ولد في الظروف الجيدة وهذا يحدث صدفة لكن الإحصاءات تشير إلى أن القاعدة هي العكس. هذه الملاحظة هامة فما أكثر ما يعتمد حتى بعض المفكرين لدينا على الاستثناءات لإثبات وجهات نظرهم فيكفي أن يشفي دجال مريض سرطان واحد وهو ما يحدث صدفة، فالأبحاث العلمية تقول أن 1% من مرضى السرطان يشفون تلقائيا دون سبب معروف، يكفي أن يحدث ذلك حتى يصبح ذلك الدجال أفضل من الطب الحديث برمته. كما يكفي أن يحدث علاج معين ضرر لمريض واحد ليصير كل الطب الحديث ومنتجاته مجرد مؤامرة كما هو الحال في الضجة التي أثيرت مؤخرا حول لقاحات أنفلونزا الخنازير.
بتجرد عندما يفكر المرء في النازية يجد أنها تحتوي على عقلانية زائدة عن المحتمل، هل ننسى أننا نحن العرب لا نكف عن الشعور بالفخر لدرجة النشوة بأجدادنا فماذا لو كنا مكان الألمان وحققنا في الماضي والحاضر ما حققوا أليس هذا دافع واقعي للفخر والغرور القومي. مسألة ثانية كان متوسط إدرار البقرة الحلوب في أميركا في خمسينيات القرن الماضي ثلاثة آلاف ليتر وهو الآن حوالي تسعة آلاف ليتر أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه. هذا كله تم عن طريق الانتخاب، تلقح فقط الأبقار ذات الإدرار العالي من ثيران أمهاتها ذات إدرار مرتفع ثم بعد أن تتحول العجلات الوليدة إلى أبقار حلوبة تستبعد على الفور إذا لم تكن كمية حليبها عالية. أليس من الواضح أنه يمكن تطبيق مثل هذه الأشياء على البشر وهو ما فكرت فيه النازية وهل يمكن القول أن هذا العمل ليس علمي ولا يتفق مع العقلانية؟ انه يتفق معها ولكنه لا يتفق مع الروح البشرية.
في اليوم الذي تعجز فيه الأديان الحالية عن تلبية حاجات الناس لن يكون الحل هو التخلي عن الدين بل البحث عن أديان أكثر حداثة وهذا ما يراه الكثيرون في البوذية خاصة في بعض النسخات الحديثة منها. ولكن حتى يحين ذلك اليوم علينا أن نطور الإسلام إلى شكل يكون فيه قابل للتعايش مع العلمانية كما أن علينا أن نتحاشى الأصولية العلمانية التي أشار إليها الكاتب بقوله: ) والأهم من ذلك كلّه، هو أنّ العلمانيين يجب أن يعترفوا أنّ هناك أصوليين بينهم أيضاً، هؤلاء الأصوليون العلمانيون هم الذين يعبّرون عن معتقداتهم من ناحية مصالحهم القومية السياديّة أو يصرّون على أنهم هم المخلصين وعلى الجميع أن يسيروا وفقاً لمعاييرهم ). أما أذا كنا مقتنعين أو وصلنا إلى نتيجة بعد المحاولة بأن الإسلام لا يمكنه ولا بأي شكل التحول إلى دين قادر على التعايش مع العلمانية وهذا ما لا أعتقده، فان الحل سيكون عندها ليس التحول الكامل إلى العلمانية اللادينية بل البحث عن دين قادر على التوافق مع العلمانية.
إحدى أكبر مشاكل العلمانية العربية وربما تكون أكبرها على الإطلاق هي أنها علمانية أوربية بحتة، بالتحديد فرنسية مع قليل من الألمانية وربما الروسية، هذا إذا اعتبرنا أن الماركسية ليست فلسفة ألمانية. بينما العالم الذي نعيش فيه منذ أكثر من قرن المنتج الأعظم فيه للمعرفة والتكنولوجيا هو الولايات المتحدة تليها الأمم الناطقة بالانكليزية. هل نستعمل الكمبيوتر كجهاز وبرامجه كسوفت وير ؟ هل نقضي الساعات أما الفضائيات؟ هل تنخر رؤوسنا مشاكل الأسلحة والطاقة النووية؟ هل نعمل في مصانع أو نزور مصانع تعتمد على خطوط الإنتاج الآلية؟ بالتأكيد نعم. فهل نعلم أن هذه منتجات أميركية صرفة وأن أكثر من تسعين بالمائة من التكنولوجيا التي تم تطويرها منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى هي بدع أميركية وان أسهم في تطويرها الآخرون لاحقا؟ هل نعرف أنه حتى إسهام الأمم الأخرى في تطوير الاختراعات التي تمت في الولايات المتحدة الأمريكية ليس بالكبير وأنها هي نفسها - الولايات المتحدة – تقوم بتطوير اكتشافاتها أكثر ما يفعل البقية مجتمعين؟ الكمبيوتر وبرامج الويندوز والأوفيس التي أستخدمها لكتابة هذا المقال هي أكبر دليل.
ماذا يعني هذا؟ علينا أن نفكر بطريقة مختلفة، فبتقديري الطرق الأوربية قديمة وهناك ما هو أحدث منها بكثير، لعل الطرق الأميركية تساعدنا على تفهم أن العالم حتى يظل يعمل بحاجة إلى توتر شريطة أن يكون هذا التوتر ليس شديدا للحد المدمر لكنه لا يجب أن يكون خفيفا للحد الذي لا يكون مؤثر. فالعالم الأحادي هو عالم ميت. محاولة صنع عالم أحادي ديني أو علماني هي كمحاولة تشكيل أسرة من نساء فقط أو رجال فقط ومع أنة هذا ممكن إلا أنه غير منتج. إن أي محاولة للقول أن الرجال يفكرون كالنساء هي غير صحيحة كما أن الحل ليس هو في نفي أي من الطرفين ولا في سيطرة أي منهما، الحل هو في تعايش ناجح لا يلغي أي منهما ولا يترك سيطرة كاملة لأي منهما لأننا نعترف بأنه لا بأس ببعض السيطرة للطرف الأنسب رجلا كان أم امرأة وهنا أنا أظن أن العلمانية يجب أن تكون هي الأكثر سيطرة.
العلمانية الصرفة أو الزائدة عن اللزوم ليس بالضرورة تنعكس على شكل قوة بل قد يكون العكس، فرنسا أفضل مثال، رغم أنها دولة عظمى ويفترض أنها مثيلة لألمانيا إن لم تكن أقوى إلا أنها فشلت بشكل ذريع منذ عام 1870 وفي ثلاثة حروب مع ألمانيا في مجرد الدفاع عن أراضيها، لا يمكن التقليل من الدور الذي لعبته فرنسا في إنتاج الثقافة لكن دورها في إنتاج التكنولوجيا مقارنة ببقية الأمم العظمى متدني والتكنولوجيا هي مولدة القوة المادية التي تشكل رافعة التقدم العالمي المادي والفكري وحامية العلمانية ذاتها، التاريخ يقول لنا بوضوح أنه لولا التطور التكنولوجي المتسارع في أوربا فان الأتراك العثمانيون كانوا سيسيطرون على كامل أوربا. لنتصور أن بريطانيا والولايات المتحدة لم تكونان موجودتان للدفاع عن فرنسا فماذا كان سيكون وضع فرنسا؟ أعتقد أن النموذج الأميركي يقدم حلولا علمانية وروحانية أكثر توازنا بكثير مما يفعل الأوربي وخاصة الفرنسي وبالتالي في عملية البحث عن تحديث للدين وللعلمانية العربية أعتقد أنه من المفيد جدا النظر والتمعن فيه. النموذج شديد الأهمية فلقد وضعت كوريا الشمالية نصب عينييها النموذج الروسي ثم الصيني القديم بينما نظرت كوريا الجنوبية إلى النموذجين الياباني والأمريكي وكانت النتائج متوافقة مع النموذج الذي تم التطلع إليه وشديدة الاختلاف رغم أنهما أمة واحدة. لا أعتقد أني أبالغ إذا قلت أن العرب بافتتانهم بالنموذج الفرنسي يكررون نفس غلطة الافتتان المبالغ فيه بالنموذج السوفييتي. العلمانية الصرفة لم تفلح في تحديث روسيا. يجب علينا نحن العلمانيين الخروج من أفكارنا إلى الواقع وإلا كنا لا نختلف كثيرا عن الدينيين، فليس مهماً ما هو النظام الذي نحبه ونعتقد أنه الصحيح بل المهم ما هو النظام الفعال والمنتج واقعيا.
لا أعتقد أن النماذج الأوربية وخاصة الفرنسي مناسبة فهو قديم مقارنة بالأميركي وقومي ضيق علاوة على إغراقه الزائد في العلمانية البحتة للدرجة الذي يكاد يكون نظريا أكثر من اللازم كما كانت الماركسية السياسية. لقد جعلت القضية الفلسطينية العرب يحملون عداء أيديولوجيا لكل ما هو أميركي مفوتين على أنفسهم الاستفادة من أفضل المتوفر عالميا وهذا شيء يجب التخلص منه لأنه من أكبر الأسباب التي ألحقت الضرر بالعرب بعد الحرب العالمية الثانية. السبب الثاني في نفور العرب من النموذج الأميركي هو العلاقات التاريخية الراسخة بين فرنسا ومعظم الدول العربية المنتجة للفكر العلماني كالمغرب العربي وسوريا ولبنان وحتى مصر، لكن هذه أيضا غلطة فيجب أن ننظر إلى الأمام لا كما اعتدنا دائما إلى الخلف.
يميل العرب إلى التفكير العاطفي فهم يتعلقون بالذي يحبونه وليس بالذي ينفعهم وكل نافع فيه شيء من المرارة. هذا يجعلنا عادة نميل للأفكار الأكثر حلاوة أقصد الأفكار المثالية. والمفارقة أن القواعد الشعبية العربية أكثر واقعية من المثقفين العرب الذين هم أكثر ميلا للمثالية، فهل السبب هو أن الغالبية الساحقة من مفكرينا تاريخيا( وللأسف لا يزال الوضع دون تغيير كبير في الحاضر) هم من الطبقات المنعمة إما التي هي في كنف السلطة أو التي أتت أصلا من الطبقات الأكثر غنى؟



#محمد_شرينة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل البيض أم السود هم أهل النار؟
- الإيمان والوهم
- العوامل الحاسمة في تقدم الغرب والثورة الصناعية
- العرب والطيران
- تحرير جسد المرأة بل أجساد النساء والرجال
- حيرني البوذي
- أنا والله
- الضمير والشبق؟
- المسلمون والغنائم
- تقييد حرية المرأة الجنسية
- أهدى الشرائع
- حية في الشتاء
- في المحطة الأخيرة
- حتى لا يموت الإسلام
- الله امرأة
- المرأة الناقصة
- نحن الخالدون
- شبق السماء
- قتل الأنثى وتدمير المثنوية
- لقد عشت لمدة مائة عام


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - الحاجة إلى تحديث العلمانية والإسلام العربيين