أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تنزيه العقيلي - تأويل ممكن لقصة آدم وحواء القرآنية















المزيد.....

تأويل ممكن لقصة آدم وحواء القرآنية


تنزيه العقيلي

الحوار المتمدن-العدد: 2840 - 2009 / 11 / 26 - 23:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لنتساءل في حال التسليم بأن القرآن كتاب الله، على قاعدة أن فرض المحال ليس بمحال، ألا يمكن يا ترى تأويل قصة آدم وحواء على أنها قصة رمزية؟ فآدم يرمز للإنسان الذكر، وليس هو شخصا محددا يمثل الإنسان الأول، وحواء تمثل الإنسان الأنثى، وهما باعتبارهما الإنسان الأول بطرفي الزوجية الجنسية (ذكر/أنثى) لا يمثلان فعلا أول إنسان على وجه الأرض، بل يرمز الإنسان الأول هنا إلى النوع الإنساني الأول، إذا ما سلمنا بنظرية التطور؛ هذا النوع الإنساني الأول، الذي يكون قد بلغ من الرشد العقلي ما يؤهله أن يكون مسؤولا بحكم عقله وضميره؛ هذه المسؤولية التي تنعت بالمصطلح الديني بالتكليف، أي إن الإنسان الأول يمثل بداية تحول الإنسان من حيوان بشري غير مسؤول إلى إنسان مسؤول مكلف، مسؤول أمام ضميره، مكلف من الله بتكاليف الوجوب والحرمة والإباحة والاستحباب والكراهة؛ هذه المسؤولية التي تتجسد بالرقابة الذاتية، التي يصطلح عليها على وفق المصطلح الديني بالتقوى، وبالمصطلح العام بالضمير، وتارة بالرقابة الاجتماعية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، والرقابة القانونية (الأحكام)، وكل ذلك في عصر قيادة الرجال للمجتمع الإنساني، أو قوامة الرجال على النساء، أي قبل عصر المساواة الذي نعيش مخاضات ولادته، دون أن تكتمل بعد هذه المخاضات بشكل نهائي. أما الجنة، ليست جنة الثواب بعد الحياة الدنيا، بل جنة آدم وحواء المشار إليها في القرآن، فهي ترمز إلى ما أودع الله في الطبيعة من إمكانات تتمثل بالمواد الطبيعية والقوانين الطبيعية وفي الإنسان من ملكات عقلية، يجعل بالإمكان تحويل الأرض نفسها إلى جنة نعيم خالد، يرفل الإنسان فيها بالسعادة والرفاهية، ويتمتع بالأمن والسلام، ويسود بين أفراده ومجموعاته الوئام والمحبة، لولا ظلم الإنسان للإنسان، وبالتالي ظلمه لنفسه. والشجرة الممنوعة عنه هي ليست شجرة تفاح، أو أي ثمرة أخرى، ولا هي شجرة الممارسة الجنسية، بل هي «الشجرة الخبيثة»، شجرة الجشع والطمع والحسد والأنانية، وشجرة العداوة والبغضاء، والظلم والعدوان، والإفساد في الأرض وسفك الدماء، وكل ما يترتب على ذلك وما يتفرع عنه.

وهكذا هي قصة هابيل وقابيل «وَاتلُ عَلـَيهِم نَبَأَ ابنـَي آدَمَ بالحَقِّ إِذ قَرَّبا قُرباناً، فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِما وَلـَم يُتَقَبَّل مِنَ الآخَرِ»، فهذه القصة لعلها ليست من جهة إلا رمزا لإنسان العنف والبغضاء والاحتراب الذي «قالَ لَأَقتُلَنـَّكَ»، ومن جهة أخرى إنسان الرفق والمحبة والسلام الذي «قالَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقتُلَني ما أَنا بِباسـِطٍ يـَدي إِلَيكَ لَأَقتُلـَكَ، إِنـّي أَخافُ اللهَ رَبَّ العالَمينَ»، مع إن إنسان الرفق هذا لم يكن مثاليا في عقلانيته وحكمته، فهو لم يكن حكيما في الإجابة، إذ استفز أخاه فـ «قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقينَ»، ولأنه كان من الناحية الأخلاقية مثاليا أكثر من المعقول، كونه حتى لم يحاول أن يدافع عن نفسه، بل اكتفى بقوله «لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقتُلَني ما أَنا بِباسـِطٍ يَدِيَ إِلَيكَ لَأَقتُلـَكَ» حتى إنه لم يحاول أقلها أن يدرأ عن نفسه الخطر، حتى لو بالهروب، ثم الاختفاء، أو حتى الهجرة. لا بل حتى لم يكن مثاليا في إنسانيته، بل نراه ناقض نفسه عندما تحلى بمواجهة العدوان والعنف من أخيه بالعفو والرفق من جهته، لكنه كان عفوا ورفقا سلوكيا وليس نفسيا، وكان عفوا عاجلا وليس آجلا، إذ نراه تمنى لأخيه أن يقتله، لينال عذاب الله الخالد «إِنـّي أُريدُ أَن تَبوءَ بـِإِثمي وَإِثمِكَ، فَتَكونَ مِن أَصحابِ النّارِ وَذَلِكَ جَزاء الظّالِمينَ»، مما يشير إلى بغض دفين عنده ورغبة في الانتقام، لكنها موكلة إلى الله، وهو انتقام أشد قسوة وأدوم بقاءً، بحسب الوصف الديني لله، مما يجعل عفوه، أي عفو هابيل، الظاهري العاجل فاقد القيمة الحقيقية. نعم، كل ما في الموضوع إنه استطاع كظم غيظه المنبعث من ذلك البغض بموقفه: «ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيكَ لَأَقتُلَكَ». وكذلك قابيل لم يكن شرا محضا، لأنه عبر عن ندمه بعد قتل أخيه «فَطَوَّعَت لـَهُ نَفسُهُ قَتلَ أَخيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصبَحَ مِنَ الخاسـِرينَ، فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبحَثُ في الأَرضِ لِيُرِيَهُ كَيفَ يُواري سَوءَةَ أَخيهِ، قالَ يا وَيلَتا، أَعَجَزتُ أَن أَكونَ مِثلَ هَـذا الغُرابِ فَأُوارِيَ سَوءَةَ أَخي، فَأَصبَحَ مـِنَ النـّادِمينَ». وهذا كله يشير إلى إن ثمة بذور خير في الأشرار، وثمة بذور شر في الأخيار، مما يؤكد النسبية عند الإنسان، النسبية في أدراكاته الذهنية، والنسبية في أحاسيسه الإنسانية وأخلاقه. وهنا يأتي الصراع الذاتي في داخل الإنسان، وما الشيطان إلا رمزا لتلك القوى التي تُفعِّل نوازع الشر وتُغلِّبها على نوازع الخير التي هي انعكاس للروح التي نفخها الله من عنده في الإنسان، أو ما يعبر عنها بالفطرة التي فطره عليها. فهناك نفس أمّارة بالسوء والشر، وهي شيطان كل إنسان من لدن نفسه، وليس من خارجها، وإن كانت عوامل خارجية من قبل المجتمع والأسرة وغيرهما تؤثر فيها تقوية أو تضعيفا، إقواءً أو إضعافا. والملائكة هي رمز الطهر والسمو الروحي والألق العقلي، اللذين يمكن للإنسان أن يبلغهما لو سعى حق سعيه في تزكية نفسه وتعليم عقله، ومع هذا فالملائكة هم أنفسهم ليسوا إلا نسبيين، وإن كانت نسبيتهم دونها عند الإنسان، فهم يقرون لله أنهم لا يعلمون إلا ما علمهم، فعقولوهم وإدراكاتها هي الأخرى ذات حدود، وحتى الجانب النفسي أو الروحي أو قل الأخلاقي أيضا ليس كاملا كمالا مطلقا عندهم، فقد ترشحت من كلماتهم ثمة رائحة للحسد، (وَنَحنُ نُسـَبِّحُ لكَ وَنُقـَدِّسُ لـَكَ).

هذا التأويل هو من الممكنات في حال اعتبرنا القرآن كتاب الله، ولكن دون دعوى أن هذا التأويل يمثل تفسيرا لتلك الآيات، بقدر ما هو محاولة فهم على نحو احتمال الرمزية لهذه الآيات، ثم احتمال أن ترمز إلى هذه المعاني كواحد من الاحتمالات، وليس الاحتمال الوحيد. أما إذا كان القرآن من تأليف البشر، وهو ما تفرضه الدراسة المعمقة عبر الفهم الدقيق لعقيدة وفلسفة التنزيه الإلهي، فهنا أيضا تأتي مجموعة احتمالات لتأويل ما أراد المؤلف من ذلك، وعما إذا كان مجرد ناقل لأسطورة توارثها، أو وجدها في كتب ملل أخرى أو حكايات أقوام آخرين، ثم أجرى عليها بعض التنقيح، فأضاف وحذف وعدّل حسبما رأى أحيانا، أو اقتُرح عليه أو أوحِيَ به له من البعض أحيانا أخرى.

كتبت في فترة سابقة منه 2009
روجعت في 26/11/2009



#تنزيه_العقيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة أخرى لنصوص القرآن
- مطابقة دائرة الوجود والعدم ودائرة أحكام العقل الثلاثة 2/2
- مطابقة دائرة الوجود والعدم ودائرة أحكام العقل الثلاثة 1/2
- الصراع بين الأنا الحقيقية والأنا المتوهمة
- مناقشة لرسالة في إخوان الصفا
- مقدمة الطبعة الكاملة طبعة بلا تقية
- موضوعات قصيرة في ضرر الدين على الإنسان
- طريقتان في محاولة فهم الخالقية وعلاقتها بالحكمة والعدل
- العقل والدين والإيمان
- كتاب عقائد محايد دينيا
- تأسيس قاعدة البحث في العقائد
- فكرة مقدمة لكتاب عقائد
- مقدمة الكتاب
- الحريات الشخصية في الشرائع الدينية
- ما هي ثمرة التمسك بالإمامة؟
- الإمامة والنبوة والعصمة
- الإمامة والخلافة في عقائد السنة والشيعة
- رؤى في النبوة والإمامة
- مقترح بعث نبية رسولة
- قراءة أخرى للتاريخ بعد استبعاد العصمة


المزيد.....




- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تنزيه العقيلي - تأويل ممكن لقصة آدم وحواء القرآنية