أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تنزيه العقيلي - قراءة أخرى للتاريخ بعد استبعاد العصمة















المزيد.....

قراءة أخرى للتاريخ بعد استبعاد العصمة


تنزيه العقيلي

الحوار المتمدن-العدد: 2789 - 2009 / 10 / 4 - 18:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما ننتزع العصمة عن أهل بيت النبي (فاطمة والأئمة الاثني عشر) فيما يتبناه الشيعة، ورفض تخطيء الصحابة والخلفاء فيما يتبناه السنة، بل وعندما نحتمل بشرية الدعوة المحمدية عموما، سيختلف بكل تأكيد تحليلنا لكثير من وقائع التاريخ، بل ستكون مجمل قراءتنا للتاريخ غير قراءتنا من موقع القطع بإلهية أو عصمة أو قداسة تلك الشخصيات، وستكون قراءتنا موضوعية محضة، ومجردة من موقف مسبق، ومنتزعا عنها القداسة، التي تضطر من يؤمن بها ألا يقرأ التاريخ إلا من خلال نظارتي القداسة تلك.



عندئذ سندرس العلاقة بين فاطمة والشيخين أي الخليفتين الأول والثاني، بشكل أكثر موضوعية، وبعيدا عن فرض مسبق لقداسة أو عصمة أي من الطرفين. فنجد أن الحب الأبوي المفرط للنبي تجاه ابنته، وإيمانه بطهرها دفعه ليجعل منها معيارا لرضا الله وسخطه. طبعا المعيار المباشر هو نفس النبي «من أطاع الرسول فقد أطاع الله»، «من أرضاني فقد أرضى الله، ومن أسخطني فقد أسخط الله». والمعيار غير المباشر أو الطولي للرضا والسخط جعلت فاطمة، كما جعل علي وولدا فاطمة وعلي الحسن والحسين معيارا لذلك. فعن فاطمة نقرأ الحديث النبوي «من أرضاها فقد أرضاني، ومن أرضاني فقد أرضى الله، ومن أسخطها فقد أسخطني، ومن أسخطني فقد أسخط الله، ومن أسخط الله أكبه في النار». وهذا الذي جعل الشيخين يبذلان مسعى حثيثا من أجل مصالحتها وإرضائها قبل وفاتها، واختلفت الروايات، فذهبت روايات شيعية إلى كونها فارقت الحياة ساخطة عليهما، بينما ذهبت روايات سنية إلى كونهما قد صالحاها قبيل وفاتها. فإذا ما جردنا هذه الحوادث التاريخية من قداسة أو عصمة أي من شخوصها، سننتهي إلى تحليل آخر، غير الذي يعتمده الشيعة من عصمة فاطمة، وغير الذي يعتمده السنة من علو شأن الشيخين، وغير ما يذهب إليه كل من السنة والشيعة من عدّ أقوال وأفعال وإقرارات محمد وحيا إلهيا، وإن اختلفا في التفاصيل، واختلف كل فريق منهما اختلافا داخليا، سنيا سنيا هنا، وشيعيا شيعيا هنا في فهم عصمة النبي؛ فيمَ هي وعمَّ تكون. وهكذا بالنسبة لعلي وتفاوت موقفه من الشيخين في حياتها، وموقفه منهما بعد مماتها، حيث كان موقفه الأول أقرب للمقاطعة والثاني أقرب للانفتاح والمرونة. وبالتجرد عن مفهوم العصمة، سنقرأ مواقف الحسن والحسين قراءة مختلفة، فصحيح إن هناك ثمة تفاوت في ظرف كل منهما، إلا أن التفاوت في الموقفين سنجده ليس حصرا بسبب تفاوت الظروف، بل ربما لثمة تفاوت في شخصية ونفسية ومزاج كل منهما. والتجرد عن إلهية الموقف سنجد أنفسنا نفهم موقف أبي سفيان فهما آخر، لا على أنه موقف معاد للإسلام ونبي الإسلام، ولا على أنه يمثل النفاق بالضرورة، بل هو نابع من عدم اقتناعه بنبوة محمد، وإن اقتنع مؤخرا بفكرة التوحيد التي جاء بها ابن أخيه، وبالتالي لا يمثل عدم القناعة في شيء، حتى لو كان حقا محضا، وكان مصدره الله سبحانه، لا يمثل موقف المعاداة بالضرورة، ولا يمثل عدم الجرأة على الإفصاح عن عدم القناعة بالضرورة نفاقا، فلعله تقية، عندما لم يبق له خيار آخر غير إشهار الإسلام أو التعرض للقتل، وهذا نفسه ينطبق ربما عندها على أكثر من سماهم القرآن بالمنافقين، فالمنافق ليس من يخاف على حياته، أو حتى الإبادة المعنوية لكرامته الاجتماعية، بل النفاق هو عندما يظهر الإنسان غير ما يضمر، لا لشيء، إلا لتحقيق مصالح ومآرب شخصية، من مال أو منصب أو حبوة أو غير ذلك مما لا يمثل قيمة تستحق أن يضمر الإنسان غير ما يفصحح به، أو لنقل ما يسكت عنه، عندما لا يكون مضطرا للإفصاح إيجابا أو سلبا تجاه ما يعتقده هو وما يعتقده محيطه، فحتى مع وجود الخطر الجدي، يكون النفاق نفاقا عندما يفصح الإنسان خلاف قناعته غير مضطر لذلك، فالتقية هي السكوت عما يعتقده، ولا يجب أن تكون بالإفصاح نفاقا خلاف ما يعتقده من غير اضطرار.



وهناك أمثلة كثيرة لشخصيات مشركة أو مسلمة، أو مختلف في إسلامها، سننظر إليها ونحلل سيرتها برؤية مختلفة تماما، إذا جردنا دعوة محمد من البعد الإلهي، وتحررنا عصبيات التمذهب، تَسَنُّناً هنا، وتَشَيُّعاً هناك، فسيكون لنا موقف مغاير تجاه عبد العزى بن عبد المطلب المكنى بأبي عتبة، والمنعوت من محمد بأبي لهب، وعَمْر (عمرو) بن هشام بن المغيرة المكنى بأبي الحكم، والمنعوت من محمد بأبي جهل، وعبد مناف بن هشام بن عبد مناف، المشهور بأبي طالب، وجندب بن جنادة الغفاري، المكنى بأبي ذر، وعبد الله بن أُبيّ بن سلول، وأبي سفيان. وهكذا هو الأمر مع فاطمة وخديجة وعائشة، ومع أبي بكر وعمر وعلي، والحسن والحسين.



ربما سنكتشف ثمة عقلانية واعتدال لدى أبي سفيان، منعاه من تصديق ابن أخيه في دعوى النبوة، وإن اقتنع مؤخر بفكرة توحيد الله صدقا، واضطر للتظاهر بالإيمان بنبوة ابن أخيه تقية، أو نفاقا. وربما سنجد المبررات للموقف الحاد، ولعله العنيف والمتطرف لأبي لهب، لما احتمل من آثار ومردودات، من خلال تصديق الناس بدعوى ابن أخيه. وربما سنجد أبا ذر رغم تألقه في إنسانيته، ومبدئيته، شيئا من المثالية غير الواقعية، والحدة المتطرفة. وربما سنعثر في شخصية الحسين على قدر مبالغ به من الثورية المبدئية ككل المتأدلجين، وإن كانت منطلقاته سليمة. وربما لن نجد ابن سلول منافقا سيئا، بل شاكّا بنبوة محمد، وله مبرراته في هذا الشك، أو مشخِّصا لطموح محمد في تأسيس إمبراطورية مترامية الأطراف، وما سيدفع العرب وغيرهم من ثمن باهض من أجله. وربما سنجد فاطمة الشابة، التي لم تبلغ العشرين، مغرمة فوق المعقول بأبيها، ومعجبة به إعجابا أعمى، وهكذا سنجد عائشة، التي تزوجها محمد طفلة، صحيح عاشقة لزوجها، الذي كان أكبر سنا بقليل من أبيها، من بعد ذلك، خاصة لما أحاطها من رعاية ودلال خاصين، وما تميز به في الحياة الجنسية؛ كل ذلك لكن ليس دون أن يعتريها الشك في نبوته أحيانا، مما جعلها تعيش في صراع في داخلها بين التصديق والشك، وربما سنجدها أيضا صريعة غيرتها تجاه علي وفاطمة وخديجة، التي لم ترها، ولكن سئمت كثرة ذكر زوجها لها، ولعل لبعض غيرتها مبرراتها، أو لا أقل ما يمكن أن نتفهمه، لو تعرفنا على حقيقة مشاعرها. وربما سنجد في أبي بكر وعمر شخصيتين معتدلتين، صحيح صدّقا محمدا في نبوته، أحدهما منذ البداية، والثاني لاحقا، لكن لعلهما قد ساورهما بعد طول معايشة، ودقة مراقبة لسوكياته صاحبهما، شيء من الشك، مما جعلهما يسمحان لأنفسهما أن يجتهدا في كثير من المواقف في مقابل النص المحمدي القرآني أو الحديثي. وربما سنكتشف أن عليا رغم تألقه في كثير من مزاياه الإنسانية والعقلانية والإيمانية، قد لا يخلو من ثمة تطرف من جهة، وربما من شك من جهة أخرى. وهكذا سنجد خديجة تلك المرأة متوسطة العمر، أو متقدمته نسبيا، العاشقة لزوجها الأصغر منها سنا بخمسة عشر أو عشرين أو ربما خمسة وعشرين عاما، لا تخلو من هلوسة غيبية، عبر تأثرها بابن عمها الحنيف اللاهوتي العرفاني ورقة بن نوفل.



بكل تأكيد سنجد كل شخصية تتوفر على جانبين خفيين من شخصياتهم، فنجد عنصر القوة فيمن لنا موقف مضاد تجاهها، ذلك من موقع الإيمان بالإسلام، إن كانت تلك الشخصية غير مؤمنة بالإسلام (كافرة)، أو من موقع الاقتناع بالتشيع تارة، وبالتسنن تارة أخرى، إن كان التمذهب بهذا أو ذاك الاتجاه يجعلنا نتخذ موقفا سلبيا، أو موقفا إيجابيا من هذه أو تلك الشخصية.



عندما نجرد القضية من البعد الإلهي، ومن النبوة، والإمامة، والعصمة، ونتجرد من التعصب الديني والمذهبي، وندرس كل ذلك دراسة موضوعية محضة، تاريخية علمية، بعيدا عن كل المشاعر الإيجابية أو السلبية، ومن المواقف الإيديولوجية المسبقة، سنكتشف الكثير مما يخالف مسلماتنا.



ولكن ما هي جدوى كل ذلك الجهد يا ترى؟ شخصيا، لا أجد الكثير من الجدوى من ذلك، ولكن قد لا تخلو هكذا دراسة من ثمة فائدة. لكن أقول لا جدوى كثيرة، لأننا نستطيع أن نشخّص ما نحتاجه لواقعنا الراهن، ما هو صحيح أو خطأ، ما هو مفيد أو مضر، ما هو معتدل أو متطرف، ما هو عقلاني أو لاعقلاني، ما هو إنساني أو لاإنساني، ما هو عدل أو ظلم؛ كل ذلك دون الحاجة إلى الرجوع إلى كتب مقدسة، وسيرة لنبي، أو لخليفة، أو صحابي، أو تابعي، أو إمام، معصوم أو غير معصوم، أو قديس، أو صديق، أو آية، أو حجة، أو صاحب سماحة، أو صاحب فضيلة، أو من هو ذو ظل مديد، أو سر مقدس أو غير مقدس، أو مرجع أو مجتهد، ولا إلى كتاب فقهي، أو رسالة عملية، أو كتاب تفسير، أو كتاب حديث، أو غير ذلك.



كتبت في وقت سابق

روجعت وأكملت في 02/10/2009





#تنزيه_العقيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من عقائد الإيمان العقلي أو عقيدة التنزيه
- أتقع المسؤولية على القرآن أم على قراءة وفهم القرآن؟
- عصمة الأئمة وعدالة الصحابة وقداسة المراجع وعصمة الپاپوات
- العصمة بين الحقيقة والوهم
- لماذا يستثنى المؤمنون اللادينيون من حوار الأديان؟
- الثغرة في أدلة كل من الإلهيين والماديين
- دعاء ما بعد الاهتداء إلى الإيمان اللاديني
- مع وجود الله، هل وجود الدين واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 3/3
- مع وجود الله، هل وجود الدين واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 2/3
- مع وجود الله، هل وجود الدين واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 1/3
- كلمات من وحي عقيدة التنزيه
- العقليون في التوحيد نقليون في النبوة والإمامة
- دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
- الدينية واللادينية والإلهية واللاإلهية
- ما هي مصادر المعرفة للإنسان؟
- التلاوة العلنية للقرآن مساس صارخ بكرامة الآخرين
- بين تنزيه الله وتنزيه الدين
- خاطرة ستبقى تحوم حولي الشبهات
- تسبيحة من وحي عقيدة التنزيه
- عقيدة التنزيه ومراتب التنزيه في الأديان


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تنزيه العقيلي - قراءة أخرى للتاريخ بعد استبعاد العصمة