أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رزاق عبود - اطفال ابو الخصيب في ضواحي ستوكهولم















المزيد.....

اطفال ابو الخصيب في ضواحي ستوكهولم


رزاق عبود

الحوار المتمدن-العدد: 2833 - 2009 / 11 / 19 - 00:21
المحور: الادب والفن
    



قطعة الجنة الملحقة بارض العراق والمسماة ابي الخصيب تبقى في الذهن خضراء ملونة فرحة عذبة عطرة مقدسة تفوح رياحين وقداح، تحمل تمرا، وتسيل عسلا احمرا، تثمرعنبا ورمانا، وتسبح اسماكا، ترفل طيورا، وقصصا لايعرفها اهل العراق الاخرين. تموج مياها، وتسطع ضوءا، تنطق بالشعر، والادب، وتطرب بالغناء، والبستات، وصوت الخشابة، وقرع الخشبة، وتتشح باردية السحر، والاصيل. اصوات شجية، واحلام وردية، وامان غضة. رسوما واشكالا وردية تفيض بالالوان، والاشجان، والمعاني، وذاكرة حية يقظة لايؤثر فيها تبدل الملامح، تغير الموقع، او امتدادات المكان. الوان قوس قزح ارتداها اطفال الفقراء خرقا لاتميزالواحد عن الاخر فكل شئ مشترك الفقر، والهموم، والالعاب، وطرق اللعب، والدرابين المتسخة. اطفال تلطخت سيقانهم، ووجوههم باتربة الازقة، واطيان الترع، و"تعطرت" ملابسهم بدخان المواقد. وجه الوطن، واسماء الاهل، وصوراصدقاء واتراب الطفولة، والاراجيح المشدودة الى سيقان النخيل. الجيران، والمدرسة، ولمة العصر، وملاعب الصبا، وبقايا تحدثك عما كان، وما حل بالانسان. الملاية ام محمود يميزها عن الاخريات هدوئها، وحزمها، وغياب الخيزرانة. اطارات السيارات، و"ويلات البايسكلات" الدراجات القديمة تدور، تتسابق مع حصان السعفة بسرعة انطلاق السيقان المتسخة المتعبة، والجائعة في اغلب الاحيان. تقافز الصغيرات فوق الحبال المصنوعة من ليف النخل، متعة اللعب، ومشاركة الاخرين تنسيهم مغص الجوع، وقرصات اذن الوالدة، وعضات الاخ الاكبر، وسخرية الاخت، و"راجديات" الاب العاطل الغاضب. طيارات الورق تصارع الريح، تقاوم في الفضاء رغم كل اغصان الاشجار، وسعف النخيل، وورق الجرائد، والمجلات الثقيل. قليلون هم من يستطيعوا شراء، او صناعة طيارة ورقية "اصلية" يشاركه فيها الجميع، ويصفق الكل لارتفاعها، ويحزن، ويصرخ لانحدارها السريع، او يتسلقون الاشجار لتخليص طيارتهم الورقية من اسرالاغصان، وسعف النخيل. غابات النخل، وعرائش الكرم، وسوباط العنب، وانواع الاشجار تحيط بالبيوت الخربة الهرمة بين تغريد البلبل وتقافز الهدهد، وكانها قرى لشعوب بدائية في اعماق غابات الامازون. لكن الحضارة معهم هناك دائما. الراديو العتيق، والمدرسة البعيدة، وضوء المصباح الخافت، الدكاكين القديمة، و"زواغير" لمهن منقرضة، واخرى لازالت تقاوم. لقد استحضر شاكر بدر العطية في معرضه الصور القديمة الحزينة، الفرحة، الجميلة، الاحلام، والامال، الصعوبات، والاحباطات، والامهات، والاخوات، حبيبات الامس المنسيات، القبلات، والصفعات. الاطارات القديمة، والدراجات الجديدة، "السيارات" المصنوعة من النفايات. الكتاتيب والمدرسة، العشق البرئ، والحب الممنوع، معاناة المراة، جهدها،حضورها الدائم، توق الشباب، عفوية الاطفال، وهموم الكبار، وفطرية المحيط. جمعها اطار الطفولة البريئة.

عندما تستحضر الريشة ارواح من رحلوا، وامال من قتلوا، والساعات الجميلة عند شاطئ شط العرب في بلم الكبار، او "سلية" الصياد، او تسلق نخلة، محاولة قفز "طوفة"، او التجمهر حول تنور الوالدة، او معاكسة الجيران. الالوان هي ذاتها شاحبة، او قوية كتقاسيم وجوه اصحابها، هي ذاتها بساتين القرى البعيدة عن صخب السيارات، والمزدحمة بملاعيب العراة، والاعيب الحفاة. فم مفتوح بصرخة الام تنادي للغداء، وقطة جائعة تنتظرفضلات الطعام، وكلب نحيف ينتظرالصدقات، وطلاب منهمكون بالواجبات البيتية. ما اجمل الحياة وانت تعيشها، كما هي، كما كانت، لا كما تريد. عندما يهرع المرأ الى طفولته لاستعادة الماضي الذي لا يعود، والبحث عن ليلاه، التي تزوجت بعد طول انتظار. تطير حمامات الامس في سماء الذكرى ويسبح بط الالوان في انهر البساتين، ويصطاد النورس اسماكه في المياه العذبة. تنساب نسائم العطر شجية بهية. تاخذك غصة، غفوة، تمسح دمعة، وجع مستطاب، تتامل، تتحسر، نحيب خافت، تطلق اهة، وتسمع ضحكات الطفولة، والكركرات البريئة، والقهقهات المشاكسة من باحات البيوت، وتعاون "النسوان" في مهام البيت، والعزف على مكانس النظافة، والتلصلص على زائر غريب، اوالتنصت لقصة لم يسمع بها احد. شواطئ الانهر التي تفيض خيرا، تستعيد صورالصبايا يعدن من الشط، اوالقطاف، يتلفتن بخجل، وحذر بحثا عن الحبيب، او العريس الموعود، او يرفلن بملابس العيد او حقائب المدارس. مع اشرطة ملونه من الملابس العتيقة تطرزرؤوسهن الفرحة. تلك الساعات التي رحلت عادت بالوان، جميلة وريشة ذكية. بساطة التكنيك، وحدة الخطوط، وقوة الالوان، ونجم سهيل ساطعا يضئ الصور، واللوحات، فوق سقوف الاماسي الصيفية الرطبة، فتتحول قاعة المعرض الى رحلة على ظهر"مهيلة" تمخر عباب بحر الذكريات، تستمتع بهدوء الليل، وتستضئ بالنجم الحنين. الظلال المتمناة تصاحبك اينما ذهبت. فالشمس هناك تبعث الدفأ، وتطلق الشعر، وتحرك الاصابع، وتصقل الحناجر، وترسم الوجوه، والظلال، والبيوت العتيقة، والنخيل الباسقة، والاشجار الحانية توفر الظلال الحبيبة ل "سفرة" وجبة نهرية. كل شئ كان هناك حتى "ماي اللگاح" والمعسل. ظلت اصابعنا تغرف في المدبس، وتترطب، افواهنا بالتمرالاشرسي، ولبن "روبة" الفلاحات. تصافحنا مع السعف، والعيون الجميلة، والسحن السمراء، ورقصات الهيوة، وضربات الطار. علي ابن محمد كان هناك. السياب، وسعدي كانا هناك!

شدة حمدان "ربيع" الكاسور، ابو خميس، وابو عتيگة بصوته الشجي. شدة السبيليات، وخليف السعيد، وهو يصرخ، يتشكى معاتبا زمانه. ملابس الراقص المنهوب، وربابة الغجري، ونياق البدوي. كان بستان ابي الخصيب الذي زرعه شاكر بدر العطية في اطراف ستوكهولم مثلما انزرعت الذاكرة، والامال، والاحلام، وتجسدت في صور بسيطة هادئة حالمة صادقة رغم صرخات الامهات، وضجيج الاطفال، وقرقعة "الگاريات" العجلات الحديدية، والبايسكلات المهترئة، ودورات دولاب الهوا. تظل لقمة الامس الشحيحة اشهى من ارقى الاكلات، وملابس الفقر الرثة "اكشخ" من بدلات "المغايز" والشعور العكشة المتربة المجعدة اجمل من تسريحات نجوم السينما. قرصات النمل صارت عزيزة، والطيور الاسيرة الجريحة تداريها الايدى الغضة، وحكايات الاحبة تدور على الالسن. استحضرت ريشة شاكر بدر العطية بمهارة الزمان، والمكان، واعادتنا لايام الحنين الراقد ابدا في القلب، المتسمر خالدا في الذاكرة. كأنه كان يحمل طفولته معه على كتفه، ويتجول بها، كما تحمل الام الحنون وليدها، والشيخ مسبحته الاثيرة. رحل بايام طفولته الى هنا ليجعل منها نصبا خالدا لذاكرة الطفولة، وحلم الوطن البعيد!

رزاق عبود
15/11/2009



#رزاق_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النبي الاثول
- برلمان الجوازات الديبلوماسية يمنح الفوضى والارهاب في العراق ...
- صداميون يتحدثون باسم الاكراد
- التيار الديمقراطي والاعصار الاسلامي القومي
- ابو اسراء خلصنا من هؤلاء العملاء
- من دولة ائتلاف القانون الى امارة التحاف الذقون
- هل حقا لا يعرف الصديق جاسم الحلفي من قتل وغيّب رفاقه؟!
- الكراسي الذهبية للوزراء وحال العراقيين الفقراء
- كيف تغرب يا ابو شروق؟؟!
- هم سادة وهم حرامية وهم عيونهم وكحة!
- اشرب ماي والعن خامنئي!
- الجيش العراقي هو الذي اسقط صدام واعاد الامن وليس الجيش الامر ...
- شط العرب (التنومة) وعذاب الاعمى وامور اخرى
- في العراق لا يوجد شئ اسمه -اقليم كردستان- او -قضية- اسمها كر ...
- خامنئي صدام ايران
- ندى اغا سلطاني شهيدة الاسلام الفاشي
- الشيخ البصري يشتم الشعب العراقي من قناة العراقيين
- السجينة السويدية والحكومة العراقية وسجن الكفاءات
- لماذا ينشغل الطالباني بعشرات الاسرى الكويتيين، ويتجاهل الاف ...
- نساء العراق: الاغلبية المهضومة!


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رزاق عبود - اطفال ابو الخصيب في ضواحي ستوكهولم