أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - قصة كفاحي : قصة قصيرة















المزيد.....

قصة كفاحي : قصة قصيرة


محمود يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 2825 - 2009 / 11 / 10 - 21:51
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
(لست وحدك من يكتب قصة كفاحه أيها السيد أدولف هتلر)


لم يكتبها أحد ٌ ، إنما كتبتها السماء .. كتبتها السماء ، وانتهى الأمر.. مـُرّة ورهيبة ، كتبتها في خطوط راحة الكفين ، لا تراجع عنها .. لا تَراجع أبدا ً . كلمة ُ دقيقة ولاصقة مثل بصقة الأدرد. كــُتِبَ عليّ الكفاح .. الكفاح .. الكفاح ، والويل لمن ابتلته السماء بلعنة الكفاح .

في قلب المحافظة القريبة من مدينتي الصغيرة, ثمة أمور غريبة ، غير مألوفة ٍ طرأت في العقود الأخيرة ,كان لها وقع ٌ عجيب ٌ في حياتي.فإزاء التغيرات الحضرية التي شهدتها هذه المدينة,وما رافقها من وعي اقتصادي بعض الشيء ,انجذبت إليها مأخوذا ً بوميضها البرّاق ,لأعثر فيها على الدواء الناجع و المُسَكـِن السحري لشرود روحي وعذابات طفولتي . ففي التاريخ المعاصر لهذه المدينة تَوَجَهَت بعض الاستثمارات المالية إلى ميدان ٍ خدمي ٍ كان مغمورا ً جدا,ميدان رحب ، مضمون ، و سهل غاية السهولة ,ذلك هو تشييد دورات المياه الصحّية في الأماكن العامة – وسط الأسواق المكتظة , أو بين عيادات الأطباء , أو إلى جنب أمكنة التسلية والمطاعم ــ كانت وما زالت تدرّ ريعا ً وفيرا ً, بعيدا ً عن فضول الآخرين ونظرات الحسد التي يتطاير منها سكان المدينة قاطبة ً، التي يدرؤونها بتعليق الخزف الأزرق على الواجهات .
ساقتني الأقدار إلى واحدة من هذه المرافق الصحية ,صبيا ًفي الثانية عشر من عمري ,مفرط النباهة والحساسية,كان صاحبها مقاولا ً عصاميا ً ، متشعب الأعمال بشكل ٍ لا يوصف , شغوفا ً بالعمل لا يدركه الكلل, سرعان ما ترسّخت قناعته بمؤهلاتي وذكائي على القيادة في مبناه هذا حتى ترك زمام العمل طوع يدي ..
وهكذا وجدت نفسي جالسا ً بثبات ٍ على كنز ٍ لا يفنى!.. هناك ، رغم كل الأشياء التي تعرفونها ورغم كل الأسرار التي لا تعرفونها ، قعدت سنينَ لم أتزعزع خلالها ، ساعيا ً بلا هوادة ٍ لبناء مجد ٍ تليد ٍ. كان ذلك المقاول منار هدايتي ,وكتاب معارفي وعلومي الذي أوقد بين جوانحي شعلة الطموح المتأججة . كنت مثل المتطوع الجديد في الجيش ، يد ٌ تمسك بالمكنسة ، ويد ٌ تمسك بالنقود . نجحت في عملي وجنيت ثروة لابأس بها.. وفي اليوم الذي قرر ذلك المقاول التخلص من هذه المرافق وجدني أفضل من تقدم لشرائها..
وعلى حين غرة,أصبحت في مطلع شبابي مالكا ً لدورة مياه في أكثر الأماكن ازدحاما ً في وسط المدينة , في ذلك الوقت الذي بلغ الاهتمام بتشييد مثل هذه الغرف الخدمية ذروته وصار أصحابها يطلون واجهاتها بالدهان الملوّن و يلصقون عليها لافتات مميزة كما هو الأمر بالنسبة للمحال التجارية الأخرى .
وعبر وقت ٍ ليس بالطويل , تبدل حالي من صبي ٍ يتضور جوعا ً إلى شاب يجلس خلف الموائد العامرة , ويعرف آدابها جيدا ً, بل وصار له طبقه المفضل في المطاعم المعروفة.ويوم بعد آخر، أتاحت لي مواردي التوسع في المشاريع الخدمية هذه والتي باتت تتكاثر لتضم الكثير من الصبية و الشبان الذين يعملون عندي و اللذين راح أغلبهم يقتفون خطواتي في سلم الثراء بتعثر ٍ و بطء واضحين ، تقودهم أحلامهم التعسة ولعابهم يسيل بغزارة ٍ خلفي ..

لقد جاءني الثراء بأقدامه الراسخة ليقف جنبي ويصوب سهام شهرتي في كبد المال والأعمال.
لم أغتن ِ فقط ، إنما انقلبت هويتي من نكرة ٍ إلى سيد .. سيد يُشار إليه بالبنان . حياتي كلها أصبحت ذات قيمة ٍ ، حياة تنهمر فيها الأنوار النابضة .. أنوار مثيرة تخطف الأبصار . إن الثراء يسلب اللب ويحيّر العقول . وطالما غدوت محط الأنظار والإعجاب .. الإعجاب المحروق بنيران الحسد . في الثراء يصعب تمييز الحسّاد عن الأصدقاء . شرع الحسّاد يدققون النظر في هويتي ، ومع أنني وافد ٌ إلى هذه المدينة من مكان آخر ، إلا ّ أنهم نجحوا في حفر تاريخي ونبش أجداد أجدادي .. نبشوا سلالة الجوع والفقر بأكملها ..سلالة خبز الشعير وحشف التمر .. عاد الحسّاد ببشارة فقري وضآلة حسبي ، الكل عرفوا ذلك ، أولئك الحسّاد الكسالى الذين لا يصلحون لشيء ٍ سوى الثرثرة ، لم يوقفوا عزمي الموطد في المضي إلى الأمام ، إلا ّ أنهم أخذوا يطعنون في ثرائي كما لو أنني كنت رجلا ً مختلسا ً أو تاجر مخدرات ، وبكثير ٍ من الخذلان باتوا لا يذكرون أسمي إلا ّمقرونا ً بوضاعة دورات المياه تلك !.. جعلوا لي الكثير من الألقاب الخرائية المضحكة ،تداولوها بينهم إلى الحد الذي نسوا فيه إسمي الحقيقي . إن خواءهم وغيرتهم تدفعهم إلى التشفي مني دائما ً ، والنظر إلي وكأنني جزء ٌ لا يتجزأ من تلك الأوضار !.. أحسَستُ بأنني نجحت نجاحا ً مُذِلا ً.. نجاحا ً اندحاريا ً.. نجاحا ً غير معتبر ٍ كما يُقال .نغــّص ذلك عليّ راحتي ، وأقـضّ كابوسه المزعج مضجعي ، وأرقني طويلا ً . غير أنني لم أستسلم ولم أفقد أ ثر طريقي .استغرقت في التفكير بدقة وعمق متناهيين ، لأجل التخلص من هذه المهنة واستبدالها بأخرى تلجم الأفواه البلهاء المفتوحة على مصاريعها وتخرسها إلى الأبد ، وتــُعمي العيون الشوساء وتردم غرورها !... إذن كانت لي أسبابي المقنعة حين انعطفت بأعمالي وكفاحي منعطفا ً جديدا ومختلفا ً ، مستنيرا ً بألق معلمي وأستاذي السابق ونجاحاته الساحقة في ميادين المقاولات.. قذفت بكل ممتلكاتي و ثروتي في هذه الميادين الرحبة ، لأصبح بعد حين علما ً من أعلامهم الخفــّاقة ، وباباً رحبا يسطع عبره وهج الرفاه . في ذلك الوقت حزمت أمري لبقاء نجم سعدي شاهقا قرب السهى وكواكب العلا ، في سماء ٍ خُــُلـُقت ُ لها , كنت قد سعيت بجرأة لبناء مجد اجتماعي أيضا ً يكفل لي محو تلك المسحة الوضيعة من تاريخ أسمي الملطـّخ . وهكذا وجدت نفسي في خضم كفاح من نوع آخر . رحت أغدق الأموال للناس بمناسبة أو أخرى , وأشاركهم كل همومهم , وكتبت في تاريخهم مواقف مضيئة .. وكان آخر عمل ٍ كبيرٍ أنجزته وعلى نفقتي الخاصة هو تشييد بيت عبادة ٍ ، كلـّـفتني فخامته ونيافته الكثير من الجهد والأموال ، ولم انسَ على سبيل التذكير أن أبني إلى جنبه دورات مياه مريحة ومجـّانية لا تحمل أية تسمية!.. وهكذا سار قطار كفاحي على سِكته المـُمَهدة آمنا ً ، وقد توّجته بزواج ٍ ناجح ٍ من ذلك الزواج الذي يوصف بأنه زواج مصالح. وصار عندي فصيلا ً من البنين والبنات الذين يحسدهم الجميع .. وأغرقت نفسي في أتون الحياة الاجتماعية رغم ضيق وقتي ونفوري منها .
كنت أعوم في الألوان الطاووسية .. في الوميض القزحي .. في البهرجة الباهرة لنجاحاتي المتلاحقة التي غمرتني بطعم بهجتها وفيوض رخائها .. أيام ٌ حلوة ٌ لا تنسى في حياة مرخمة الألوان .. أيام ٌ هززت فيها جذع السعادة فتساقطت رطبا ً شهيا !.. إن الصداقة الحقــّة في الثراء قليلة ، السليم الطوية من التجار نادر ، من الصعوبة بمكان أن تلقاه ، إنهم أناس مشحونين بالشك والتردد ، لا يتمكنون من التصرف على سجيتهم حتى لو قامت القيامة .. إنهم بقلب ٍ وعقل ٍ وروح ٍ ونفس ٍ وشكل ٍ غير ذلك الذي اندفق خارجا ً من أرحام أمهاتهم .. أولئك التجار الذين لم يلحقوا بي ، راحوا يتسلـّلون إلى ألقابي القديمة ، ليجدوا السلوان فيها . أخذوا يتهامسون بها ، واخترعوا الكثير من الكلمات المشينة المجحفة الأخرى ، كانوا يلضمونها بخيوط كلام فج ٍويعلقونها في رقابهم رمزا ً للخساسة .. أستدنيتهم مني فكانوا يجلسون معي مبسبسين متغامزين ، وعلى جانبي أنوفهم الكبيرة تتفصد حبـّات الخباثة كالعرق .. هؤلاء اللكعاء يتطلعون طويلا ً في وجهي ، يحدقون بي ، أكاد أموت من طول تحديقهم . يطفئون أعقاب أحاديثهم الغادرة في صدري ، يريدون تحطيمي وإيلامي !.. صادفت الكثير منهم ومن سماسرتهم ، وكم كان بودّي أن أدفنهم في مراحيضي القديمة تلك وأسحب حبل السيفون لذكراهم . صبرت على مضض ٍ ، وطال صبري .كافحت لكي ينسون تلك اللوثة ، وطال كفاحي ، وعشت معلولا ً وعلـّتي مخبوءة في صدري !..
السيد ( أدولف هتلر ) :

قد تبدو قصة كفاحي إلى هذا الحد سمجة , ترّهات لا معنى لها , بل قد أبدوا لك و للكثير من الناس محض شخص ٍ هرائي ، أتكلم بسخافة ٍ عن حكاية خالية من عناصر المغامرة والتشويق .. فانا لم اعبر الراين ولم اكسر طوق الحلفاء أو أحرق الأرض خلفي و ما شابه ذلك في كفاحكم الشائك الطويل , وأعتقد بكل يقين بأن ذلك شيء وهذا الذي أقوله شيء آخر قطعا ً.. شيء لا يشبه شيئا.. إن الفارق كبير والبون شاسع ، غير انك في نهاية النفق المظلم و برصاصة واحدة في الرأس وضعت خاتمة مثيرة لقصة كفاحك المرير, وتمرّغت بطول جسدك في دم الراحة الأبدية ، وأنا وضعت أكواما من العتاد الحي لقتل ذلك الشبح الذي يغرس مخالبه في أسمي و لحمي وتاريخي ، فلم افلح ، حتى ظلّ نسلي و نسل نسلي يعيش طول المدى قصة كفاح لا تنتهي أبدا ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشطرة ـــــ 2005



#محمود_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القافز بعصا الزانة(قصة قصيرة)
- حفلة ذبابات آيار القصيرة
- أسطورة الجندي شيبوب : قصة
- نخيل العراق يتمايل طربا ً لأشعاركم . ( بمناسبة تكريم الشاعري ...
- الفراشة الميتة : قصة قصيرة
- تشابيه
- الشَطريّون : قصة
- حكاية ابن ( علي بابا ) : قصة قصيرة
- أثناء الحُمّى
- أغنية صديقي البَبَّغاء
- ورد الساعة الرابعة
- نبيذ العشق العرفاني من كوز الأمام الخميني
- درس في الرسم :قصة قصيرة
- الندّاف
- تهيؤات : قصة قصيرة
- الحب من آخر نظرة : قصة قصيرة
- برعم وردة على صدر العجوز
- اسقربوط البحر المظلم
- في أرض رجل ليس مريضاً :قصة قصيرة
- غسق الرشّاد البرّي (قصة قصيرة )


المزيد.....




- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...
- أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب ...
- ابنة رئيس جمهورية الشيشان توجه رسالة -بالليزر- إلى المجتمع ا ...
- موسيقى الراب في إيران: -قد تتحول إلى هدف في اللحظة التي تتجا ...
- فتاة بيلاروسية تتعرض للضرب في وارسو لتحدثها باللغة الروسية ( ...
- الموسم الخامس من المؤسس عثمان الحلقة 158 قصة عشق  وقناة الفج ...
- يونيفرسال ميوزيك تعيد محتواها الموسيقي إلى منصة تيك توك


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - قصة كفاحي : قصة قصيرة