أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - في أرض رجل ليس مريضاً :قصة قصيرة














المزيد.....

في أرض رجل ليس مريضاً :قصة قصيرة


محمود يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 2251 - 2008 / 4 / 14 - 08:37
المحور: الادب والفن
    



أوقدت مصابيحي قاطبةً، وجلست لأول مرة أدخن تحت الضوء الساطع ملء رئتيّ. مسترجعاً في ذهني شكوكاً كثيرة حول هذه القصة... إذ يترتب علي القول أنني لم اجزم حتى هذه اللحظة، مَن ربّ هذه الحكاية ومن جلاها؟ فلعلها رويت لي من قبل شخص معين، او كنت قرأتها في مكان ما، او لربما انا مؤلفها الفعلي، او قد تكون من صنع هذا المزيج جميعاً..

في تاريخ الكدر المعاصر، وفي مكان سامٍ، حيث محرار وبارومتر الجسد يقرآن بشكل آخر، حاكت اللقالق عشاً ورقدت على بيضها. وكانت تترك العش قليلاً في فترات متناوبة، بحثاً عن الغذاء، وتسبح في الشمس والهواء.. تمط أجسادها المسترخية..
ومن بضع زوايا شخصت قرب المكان غربان راحت تتربص بالعش وتتدبر له، حتى استفردت به يوماً ما. وفي غفلة استبدلت بيضها ببيوض اللقالق نفسها. وعادت اللقالق لتستغرق في رقادها، حتى خرجت الى الدنيا فراخ أثارت جدلاً حماسياً وشكوكاً حارقة لكل اللقالق!.. فقد كانت ورغم صغرها غريبة بعض الشيء، وقد استعر الجدل واحتدم الشك مع نمو هذه الفراخ. حتى لاح اليوم الذي ُضربت فيه خيمة اليقين، وبات جلياً انها ليست من نسل اللقالق.
فتوقدت في كوامنها الظنون وتوهجت الاوهام.. وعلى الفور اجتمعت اللقالق صوناً للعرض وهاجمت الانثى وقتلتها، بينما افرد قرينها جنحيّه وشهق غائراً في السماء بمرارةٍ رهيبةٍ، ثم أطبق جنحيّه وهوى كالبرق على رأسه منتحراً!..
مذ هذا اليوم لم يعد أحد يتمتع بمثل ذلك المشهد السماوي، حيث تأتي الفصول بهذه الطيور الكبيرة مثل نثار غيوم تدفعها ريح لينة في سماء مشمسة.. لم يعد احد يراها ثانية، فقد هاجرت ثكلى يمزقها الانكسار، لتترك السماء خالية، مغبرة يمزق سكونها نعيق الغربان المنتشية بشراب المكر. وتغدو الاشجار اوكاراً لها وقد ثلت اغصانها وتهدلت كالشعر المنثور وسال الصمغ على خدودها..

وهاجرت خلفها سنين مهللة، مجرحة الاقدام، تحمل على ظهرها حطب الاوهام والرجاء، وتجرنا خلفها اجيالاً من السبايا، نجتر المرارة والقلق والخوف، بل والخجل من افعال لم نجترحها!.. حتى انبلج صبح باهر راح يقشع الغيوم.
وعادت اللقالق مرة اخرى، وبزغت اعشاشها في الاعالي، ورقدت على بيضها بثقة وطمأنينة. ونحن نمر وابصارنا المتلألئة بالفرح مسمّرة إليها، نصفر لها بمودةٍ وحبور. ومن مخابئ معتمة واوكار فغرت أفواهها السوداء، ما لبثت ان توافدت الغربان وراحت تتجاسر بوقاحة تريد النيل من اللقالق. فركضنا نحوها مصعوقين، وأثخناها وآلمناها.. وكانت تهرب مذعورة.. حتى قدر لي ان امسك بأحدها رفعته أمام عيني مطبقاً على رقبته وصارخاً بوجهه مؤنباً:
- لماذا تفعل هذا يا صاح؟..

لقد قرعني كجرس حديدي حين رد عليّ وكان ينطق بالعربي الفصيح!..
كما أسلفت.. لا يمكنني الجزم حول من كتب هذه القصة.. غير أني استطيع القول دون تردد، بأني أمسكت بيدي العاريتين هذه بواحد من تلك الغربان وحملته بعيداً حتى اوصلته الى الحدود، وهناك قعدت ووضعته بين قدمي ورحت أنتفه نتفاً لم يبق عليه ريشاً ولا زغباً، حتى ألفته طيراً من اللحم بين يدي.. بحماس ووجه صارم نهضت وقذفت به خلف الحدود وراح ينكفئ على وجهه كلما حاول السير. أدرت له ظهري وقفلت عائداً تريحني نشوة الانتصار... وما إن خطوت مبتعداً حتى سمعته يجهش ويصيح خلفي:
- ماذا فعلت بي يا أخي؟..

كان يفترض ان لا ألتفت إليه لولا سماعي عبارة (يا أخي)، لذا استدرت إليه بتثاقل، وكان يبدو بائساً، كتلة من اللحم مرمياً في البرية.. وجسداً مقشعراً من لفح الريح وعينين حمراوين هاملتين، ولساناً يصطك لا يقوى على النطق، وصار على هذا النحو يستثير الشفقة. رفعت يدي وانا اخاطبه وأقول: حتى ينبت على جلدك ريش الحكمة سوف لن تطأ مخالبك عشاً وهاك خذ ما يسترك.. ووضعت عليه كوفيته وعقاله ومضيت بعيداً..
_____________________
جريدة طريق الشعب 15 شباط 2005



#محمود_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غسق الرشّاد البرّي (قصة قصيرة )
- غسق الرشّاد البرّي
- ضريح السرو : قصة قصيرة
- كرابيت GRABEIT
- هكذا تكلمت (خميسة )وهكذا سكتت
- خلدون جاويد: قلب يغرد بالمحبة
- تفاح العجم
- احتباس
- الرجاء الصالح (الى استاذي د.شاكرخصباك )قصة قصيره
- أللوز ..من ذلك ألجبل أ لبعيد


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - في أرض رجل ليس مريضاً :قصة قصيرة