أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - غسق الرشّاد البرّي














المزيد.....

غسق الرشّاد البرّي


محمود يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 2226 - 2008 / 3 / 20 - 05:35
المحور: الادب والفن
    


يسبقهم

الفضاء الخالي الفسيح ،يمتد ليأتي بالنسائم الطريّة الناعمة ، الثملة بعطر الأشواك والخبّاز ورشّاد البر . يمتدّ امام دكاني الصغير بسيطاً ، صافياً ، أليفاً ، وحنوناً مع الأطفال اللاّعبين ، الذين التحموا معه كالقلب والشغاف .
أراقبهم .. أتأملهم كل يوم .يلعبون في الغسق حتى يختلط الظلام بين اقدامهم . حين يتوقفون عن اللعب ، يقبلون على دكاني .. يقبلون لشراء الحلوى ، حاملين أحذيتهم المهترئة ، يمضغون سخريتهم ، يسبقهم زعيقهم . يقبلون بوجوه جافة متعبة .. بعيون لامعة ، كعيون القطط . يتفصد ملح العرق ، أبيضَ ، من خلف آذانهم نازلاً على رقابهم المتسخة . وأشمُّ في ثيابهم رائحة الزفر .
حين يلعبون ، كنت أرخي اليهم سمعي وبصري . أسمعهم يتشاتمون ، و أراهم يتشاجرون .مَهروا مهارةً عاليةً في اللعب . في كل يوم أحسُّ انهم يتزاعلون .. يلعن بعضهم بعضاً . انفرط عنقودهم الريّان ، وأمسوا فرقاً متناحرةً . لكني كلّما أمسكت
بخيط براءتهم راهنت عليهم كأفراس سباقٍ جامحةٍ .
هذا موسم اللعب . أحياء المدينة تفتخر بفرقها الكرويّة . لكل فريق لون وشعار ، وجوق طبّالين ومزمّرين . ماعدانا .. ماعدانا نحن في حيّنا النائي القديم .
فتياننا متخاصمون . في الفضاء الفسيح .. كانوا أربعة فرقٍ .. أربعة ألوان وشعارات .
يذهب كل فريق منهم يتبارى مع فرق الأحياء الأخرى ، ليعود مثخناً بالجراح ، يلعقها
ويمني نفسه بالنصر .
يقفون أمامي منكسرين ، تمتليء أفواههم الصغيرة بالأعذار . يقول أحدهم ( ان فريقه
تلزمه قوة دفاعية ) . ويقول آخر ( ان مهاجميهم تنقصهم الخبرة ) . ويتعلل البعض
بأفتقارهم الى حارس مرمى يقظ .
كانوا فقراءً طيبين ، قاسوا كثيراً من الهزائم . في الغسق البنفسجي كانوا يوحلون مزاجي ،يوقضون حبي الممظ ، يعتصرون قلبي الحافل بالشفقة عليهم . وسعيت مراراً لوحدتهم ، دون أن يكترث لي أحدٌ ..
أردت أن يكونوا فريقاً واحداً .. واحداً فقط ، مثل فرق الأحياء الأخرى . تلمست ذلك في صدورهم الطافحة بعبير الأشواك والخبّاز ورشّاد البرِ ،غير ان السبيل كان مليئاً بالعثرات !..
كالساعات الرمليّة ظلَّ حالهم ..ساعات تصب الرمل الى الأسفل ، وتُقلَب لتصب الرمل الى الأسفل أيضا ، ذات الرمل .. ذات الزمن ..لاتغييرٌ يذكر !..
رغبة دفينة في نفوسهم الطيبة لرفعة اسم الحي ، كانت تدغدغ أحلامهم . وهج الفوز الخاطف الّذي حصدته بعض الفرق ،سيل الهزائم والأنكسارات التي قيّدت أقدامهم ،
وجوقات الطبالين تسكب في رؤوسهم السخرية .. بكل هذا الوقود شبّت في بالهم الأفكار ..أفكار أكبر من عمر الصبيان .
في الغسق .. أسمعهم يتعاتبون ، يتوقفون عن اللعب ويتعاتبون . يتذاكرون انتصارات
خصومهم الخاطفة بحسرات ..حسراتٍ كاويةٍ تتساقط تساقط الشمع ،ويصفق أحدهم بيديّه كمداً .يتصاعد دخان البؤس شفيفاً ليحيل بنفسج الغسق الى حلكةٍ !..
لبثوا بضعة أيام هكذا قبل أن يفاجئوني بفريقهم الواحد .. ظهروا بفريقٍ واحدٍ !.. فريق
بثوبٍ أبيض ، نظيف خالٍ من رائحة الزفرِ ، وكانوا فرحين بالأرقام على قمصانهم .
أذهلني الأمر ، أخذتني موجة قشعريرة الأنفعالات التي تصاعدت من تحت عظام صدري الى شعر رأسي ..
وأمام عيوني ، رحت أشاهدهم يطيحون بالفرق الواحد تلو الأخر في الفضاء الفسيح ،
وأنا أصفق لهم طرباً ، حتى جاء اليوم الّذي تباروا فيه على لقب البطولة . في هذا اليوم
أمسكت قلبي بيدي ، كان خصومهم أطول باعاً منهم في لعب الكرة ، فتياناً أكبر سناً ،
وأكثر دهاءً .
لم أرَهُم خائفين ، لعبوا صفاً واحداً. . لعبوا بمواهب متوقدةٍ .. لعبوا مثل جنود حربٍ .
وكان الجذل يخفق في جوانحي حين أمدّ البصر اليهم وهم يطيرون سرباً واحداً من الهدف الى الهدف . سددوا ضربات موجعة ، وأمطروا خصمهم بوابل من الأهداف ،
جعلتهم يسكرون بخمرة الفوز البهي !.. ووجدت نفسي أتقافز نزقاً، وأنثر الحلوى بين أقدامهم ..
هادَ ألمي ، وجلست مرتاحاً ، أوسعُ صدري لنسيم الرشّاد البري ، واعياً فيما وعيت هذا الدرس الكبير .. الدرس الّذي حدث في شهرٍ وبضعة أيام فقط ..لا في خمس سنين
كما يحدث للبعض .



#محمود_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضريح السرو : قصة قصيرة
- كرابيت GRABEIT
- هكذا تكلمت (خميسة )وهكذا سكتت
- خلدون جاويد: قلب يغرد بالمحبة
- تفاح العجم
- احتباس
- الرجاء الصالح (الى استاذي د.شاكرخصباك )قصة قصيره
- أللوز ..من ذلك ألجبل أ لبعيد


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - غسق الرشّاد البرّي