أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الشديدي - بغدادنا.. أحياءها شهداء














المزيد.....

بغدادنا.. أحياءها شهداء


سعد الشديدي

الحوار المتمدن-العدد: 2814 - 2009 / 10 / 29 - 16:19
المحور: الادب والفن
    


بالأمس حلمنا، نحنُ وأنتم، بغدٍّ لايشبه بقية الأيام. شمسه، التي لاتشبهها شمسٌ في مجرّةٍ أخرى، تضئُ لتغسل بفورةِ نورها أشجارَ نخيلٍ كانت ستظللّنا بقلبٍ أين منه ظلال الدنيا كلّها. كنّا أنتظرنا أن تخرج مدننا رافعة شوارعها عالياً لترقص به وبنا على حوّاف النهرين العظيمين.
كان حلمنا فيما وراء الزمن والحلم .. أن تصحو الزقّورة من نومها لتعود طيورُ الشقّراقِ تبني أعشاشها في ضفائرِ القمح وفي حبرِ كلماتِ القراءة الخلدونية. حلمٌ راوَدنا، أن ترمحَ خطواتُنا في وطن لا نعرفه ولكنه يعرفُ أسماءنا واحداً واحدا ويحفظُ أسماءَ حبيباتنا عن ظهرِ قلب. كنّا حلمنا طويلاً بيومِ غدّ، الذي جاء.
جاءنا ولكن ليس كما إنتظرنا. فهو حقّاً لايشبه بقية الأيام التي وُلدت وغابت على سهول أور وأكد وصحت عليها حانات بابل ومعابدها الغائبة في رائحة البخور والماوَرد، وليس كالأيام المشتعلة ناراً حيناً والنافخة ثلجاً حيناً آخر وطوت بستائرها الضافية مآذن مدينة السلام، ولايحمل ملامح الأيام التي كانت تُدفأُ قدميها قرب مواقد الرعاة وتختبأ في أكواخ الفلاحين لترى بفضول ما يفعله أبناء إنليل وبنات إينانا بعد أن تنطفئ قناديل المساء.
لم يكن غدُنا كما تلك الأيام. جاء أصفر اغبر يجرّ ورائه عربة خيبته.. خيبتنا. حاملاً معه وعداً بموتٍ لاتسعهُ حتى عباءة أرشيجكال ونجومٍ ستنطفئ تاركةً لنا سماءً سوداءَ نكتبُ عليها بالطباشير قصائدَ رثاء.
أكان غدُنا هكذا لأننا ماخرجنا باحثين عنه كما خرجَ جلجامش ينشدُ الأبدية؟ هل كان هكذا لأننا مافعلنا من أجله شيئاً سوى إننا إنتظرنا ولم نخلقه ولابنيناه كما بنى نوحُ العراقيّ فُلكه لينقذ به سلالة البشر؟
قال كتاب التاريخ: الغدّ الذي لاتصنعه يصنعك.. وإقبل به أنّى يكون.
فمن يقبل بيومٍ بعد يومٍ بعد يوم مليئة كلها بغمام الدم؟
هل نعتذر لشهداء الصالحية وقبلهم شهداء الأربعاء الدامي وقبلهم شهداء الكاظمية وقبلهم شهداء الألف مجزة ومجزرة أم نحرسُ قبور من بقيّ في قيد الأحياء؟
* * *
هكذا ترحلونَ، كما يرحلُ الغيمُ فوقَ سطوحِ المدينةِ. ما أسرع الغيم حين يمرُّ على شارعٍ ميّتٍ يحتفي بعصافيرهِ الباقية. أشرقتِ الشمسُ فوق السبيلِ وفوقَ حبالِ الغسيلِ. ولكّنكم لم تعودوا هنا! لهذا تحوّلَ شارُعنا نخلةً كتبتْ إسمها في سجلِّ الوفيّاتِ.. وانكسرتْ.
أيفاجئنا أن هذا الصباح انزوى في دخانِ الحقول، وبعضُ الوجوهِ ارتمتْ في نظامٍ جميلٍ على الناصية؟
* * *
يحقّ لنا أن نقول بعد غيابكم أن الغدّ الذي أنتظرناه سيأتي؟ ربما! فهانحن، رغم رحيلكم، نتهجى أول حروفه، نضع أحجار بناءه الأولى، نختار حتى ألوان فساتين نسائنا التي سيخرجن بها للقائه، ونخبأُ بعناية العاشق وشوقه بذوره في أرض بدت كما لو إنها ضجرت من عجزنا ولاأُباليتنا. ربما سيطلع ورقةَ آس، أو شمعة تطفو على موجِ النهر، غابةُ طرفاء أو صوت أبوذيّة يسافر بعيداً الى أوتار عود إسحق الموصليّ.
ربما سيكون له لون الورد ورائحة المسك والقهوة والهال, وسيكون هذه المرّة لنا ولكم. لن نستعيره من أحد ولن نفاخر به أحدا لإننا نصنعه لنا ولكم أنتم. وسترونه
من غرفةٍ أو شرفةٍ في السماءْ.
فأخرجوا حيث كنتم، وأجمعوا العشبَ في زورقِ الشهداءْ.
وإزرعوا شجرَ البرتقالِ الذي تعرفون، وغنّوا النشيدَ الذي تعرفون.
ربما يسمعُ الأنبياءْ،
ويقتربون
من اللهِ في نومهم.
لتعودوا إلينا.



[email protected]
المدونة الخاصة - جلجامش 2000
http://alshadidi.blogspot.com/






#سعد_الشديدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حجرٌ.. شمعةٌ..وجنوب
- مسكينٌ هذا الفتى.. مسكينٌ منتظر الزيدي
- الأرهاب يخدمهم فلماذا يحاربوه؟
- سعر العراقي: 2500 دولاراً فقط لاغير
- الكوفةُ والوردة
- لنعتذر لضحايا ثورة 14 تموز
- من قتلَ روبن هود؟
- أصدقاؤنا الليبراليون.. ماذا يريدون حقاً؟
- نعم.. نحن قادرون
- أربع سنوات أخرى مع نجاد؟
- عمو بابا ... عراقٌ لوحده
- الكاظمية.. غصن الدمار النظير
- وردٌ لتاجِ البابلية
- مسوّدة ناقصة لصلاة الغائب
- القنوات الإخبارية الفضائية.. بين فقدان المصداقية وفقدان المش ...
- البقية.. في المجزرة القادمة
- عصفورةٌ جناحُها وَطن
- أوباما.. الخطر القادم الى الشرق
- عجائبُ آخر الزمان: ملاكمة ٌ في البرلمان
- هل يأكل الحزب الشيوعي العراقي أبناءه؟ عن رحيل كامل شياع


المزيد.....




- نساء غانا المنفيات إلى -مخيمات الساحرات-
- شاب من الأنبار يصارع التحديات لإحياء الثقافة والكتاب
- -الشامي- يرد على نوال الزغبي بعد تعليقها على أغانيه
- وثائقي -المنكوبون- التأملي.. سؤال الهروب من المكسيك أم عودة ...
- فيلم -صوت هند رجب-.. حكاية طفلة فلسطينية من غزة يعرض في صالا ...
- الأطفال في غزة يجدون السكينة في دروس الموسيقى
- قرع جدران الخزّان في غزة.. قصيدة حب تقاوم الإبادة الجماعية ا ...
- رعب بلا موسيقى ولا مطاردات.. فيلم -بطش الطبيعة- يبتكر لغة خو ...
- -صوت هند رجب-: فيلم عن جريمة هزت ضمير العالم
- وزارة الثقافة تنظم فعالية


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الشديدي - بغدادنا.. أحياءها شهداء