أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سعد الشديدي - القنوات الإخبارية الفضائية.. بين فقدان المصداقية وفقدان المشاهدين















المزيد.....

القنوات الإخبارية الفضائية.. بين فقدان المصداقية وفقدان المشاهدين


سعد الشديدي

الحوار المتمدن-العدد: 2525 - 2009 / 1 / 13 - 00:15
المحور: الصحافة والاعلام
    


في الأعوام العشرة الأخيرة خطت بعض البلدان العربية خطوات واسعة نحو تأسيس مؤسسات إعلامية على مسوى عالٍ من الحرفية إستطاعت أن تصل الى جمهور يعدّ بعشرات الملايين في طول الوطن العربي وعرضه. حصل ذلك ربما بفضل تقنية الأقمار الصناعية التي جعلت ذلك الأمر ممكناً، ولكن أيضاً بفضل كوادر إعلامية تجيد لعبة إقتناص المعلومة ومنحها المصداقية المطلوبة ومن ثمّ بثها عبر الوسائل الإعلامية الفضائية. ومن المؤكد أن ذلك لم يكن ليتمّ لولا رؤوس أموالٍ ضخمة جرى توظيفها في حقل الإعلام لأهداف لم تكن واضحةً كل الوضوح بداية الأمر ولكنها تبدّت بعد ذلك بقوة حين اصبح من المعلوم للجميع أن رؤوس الأموال تلك أتت من الحسابات المصرفية وجيوب بعض صانعي القرار في بلدان الخليج العربي.
مع مرور الوقت حازت وسائل الإعلام تلك على بعض الرضا لدى المتلقي العربي، وعلى بعض المصداقية. فمستوى التقنيات البصرية والسمعية التي قدمتها لم يكن معهوداً من قبل في قنوات التلفزيون الحكومية، وتوازي تلك الموجودة في الغرب، وسرعة وصول المعلومة لم يكن هو الآخر معهودا أيضاًً. فلم يكن المشاهد العربي ليتنعم ببعض ساعات البث المباشر للحدث إلا في الأحداث السياسية الهامة ومباريات كرة القدم والفعاليات الرياضية ذات الصبغة العالمية، وأصبح الآن يرى على الهواء مباشرةً أحداثاً تجري في كل أصقاع العالم والكثير منها على أرض البلدان العربية نفسها.
رأى الملايين من العرب بثاً حياً مباشراً لأحداث لم يكن آباءهم ليحملوا بقراءة أخبارها على صفحات الصحف إلا في اليوم التالي في أحسن الأحوال، وبإقتضاب ودون الدخول في التفاصيل. أما اليوم فنحن نشاهد من على شاشات التلفزيون عشرات من الأحداث لحظة وقوعها بالصوت والصورة.
مشكلة التلفزيون، كوسيلة إعلامية، أنه يوحي بالمصداقية الكاملة. فههنا أشخاص – مثلك - يتحركون أمام عينيك تسمع أصواتهم التي قد تكون صرخات ألم أو ضحكاتهم التي تدخل الى قلبك الفرح وتشاهد أدق التفاصيل التي لم تكن الصحف اليومية قادرةً على نقلها بهذه السهولة، والمصداقية. فأي صحيفة أو مجلة لم تكن تستطيع أن تنقل لك لحظة نزول دمعة من عين طفل وهي تسيل على خدّه أو حركة وصوت تدفق اللافا من فوهات أحد البراكين الثائرة أو ربما غرق سيارة في مياه الفيضان. كل ذلك يجعلنا نحن البشر ندخل في حالةٍ من التماهي مع الشخوص التي تتحرك أمامنا على شاشة التلفزيون. وقد نصل في بعض الحالات الى حالة التماهي الكاملة معها فنشعر بأننا جزءاً في المشهد التلفزيوني.
الأكيد أن ذلك يحصل معنا في المسرح والسينما. ولكن تلك الوسيلتين الإعلاميتين تختلفان عن التلفزيون بأن لكلً منهما تقنياته المختلفة وطقوسه الخاصة وأن لكل منّا نحن أيضاً طقوسه الخاصة التي تتخذ طابعاً شخصياً في أحوال عديدة. فالبعض لايذهب الى المسرح إلا في أيام معلومة ليشاهد مسرحيات لمخرجين أو ممثلين يعرفهم مسبقاً. أما السينما، كمعايشة ومايتولد من شعور عن تلك المعايشة، فلا تكتمل لدى بعضنا إلا ربما بشراء المرطبات والبوب كورن قبل الدخول لمشاهدة الفيلم. والإختلاف الأكبر، والأكثر خطورة في هذا السياق، هو أن لاالمسرح ولاالسينما بما لهما من تقنيات سمعية وبصرية مؤثرة تستطيع الدخول الى غرف الجلوس أو غرف الطعام وأسرّة النوم في بيوتنا.
للتلفزيون سلطة لامحدودة علينا في أكثر الأماكن خصوصية. وهنا تكمن أهميته وخطورته. وهذا يعرفه رجال الإعلام التلفزيوني ويقومون بإستغلاله الى أقصى الحدود الممكنة، وبشكل قد يعّرض مصداقية هذه الوسيلة الإعلامية الفاعلة الى التقويض. وهذا بالضبط ما يفعله أعلاميو القنوات الفضائية العربية اليوم عند نقلهم لأحداث العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزّة.
فصور الضحايا، التي تنزف دماً في كل مشهدٍ من المشاهد تجاوزت كلّ الحدود. والوجوه الباكية وتلك التي تنطق بالرعب تغطي شاشات التلفزيون.
من الطبيعي أن تقوم وسائل الإعلام العربية بنقل معاناة أخوتنا العرب، أينما كانوا، حين يتعرضون للقتل اليومي الممنهج على يد آلة عسكرية تتفوق عليهم بمئات المرات. هذا من حق وسائل الإعلام، بل من واجبها. ولكن الإصرار على أعادة عرض تلك المشاهد لعشرات من المرات كلّ يوم يُفقدها قدرتها في التأثير علينا. هناك قاعدة تقول: قد أبكي معك عندما تبكي لمرة واحدة، ولكنني لاأستطيع أن أبكي معك كلّ يوم. أن ذلك الإصرار على إعادة بث ذات المشاهد لمرات متتالية في نفس اليوم يمنح المشاهدين فرصةً لتخطّي تلك المشاهد من الناحيتين العقلية - المنطقية – والشعورية. بعد ذلك يرمي المشاهد بتفاصيل تلك الصور المكررة وراء ظهره لأنها ربما تؤلمه أو لأنه بدأ يشعر بالضجر منها.
ألإصرار على إعادة المشاهد المؤلمة قد لايكون أذن في صالح الرسالة التي تريد وسيلة الإعلام أيصالها لنا.
أما التلاعب بالإحصاءات والأرقام فذلك أمر لامسوّغ له. خصوصاً حين تقوم أحدى القنوات الفضائية الإخبارية الأكثر إنتشاراً بعرض أرقام الضحايا على النحو التالية: (أرقام) نساء وأطفال (أرقام) شيوخ (أرقام) صحفيين (أرقام) أجانب وهؤلاء جميعاً لايمثلون سوى جزء من العدد الإجمالي للضحايا. مَن هم البقية الباقية من الضحايا التي لاتريد تلك القنوات الفضائية ذكرهم؟ ماهي هوية وجنس وأعمار الضحايا الآخرين؟ لا أحد يعرف. هل ماتبقى من عدد الضحايا هم من العسكريين والمجاميع المقاتلة التابعة للحكومة الفلسطينية المُقالة والفصائل الفلسطينية الأخرى أم أن هناك فئات من المدنيين لم يتم حسابهم؟ وهل أن العدد الإجمالي للضحايا يشمل العسكريين والمدنيين أم إن الأرقام المعروضة للضحايا تشمل المدنيين فحسب؟!
والحقيقة أن هذه هي المرة الأولى التي يتم عرض أرقام الضحايا بهذا الشكل في الحروب. المعهود هو أن تذكر الدوائر المدنية المتخصصة ذكر عدد الضحايا من المدنيين دون الدخول في التفاصيل. بينما تقوم الدوائر العسكرية بالإعلان عن حجم الخسائر بين صفوف منتسبيها. يبدو أن الرقم الإجمالي للضحايا الذين قُتلوا جرّاء العدوان الإسرائيلي على غزة والذي تعرضه وسائل الإعلام الفضائية هو مزيج من الضحايا بين المدنيين والعسكريين على حدٍّ سواء. والغريب أن الفضائيات الإخبارية العربية لاتشير الى ذلك.
من الجليّ أن تلك القنوات تعرض مايريد الشارع العربي الغاضب لما يحدث في غزّة في هذه الأيام أن يراه وهي تسير على إيقاع ذلك الشارع ولاتريد التضحية بأرقام المشاهدين الذين باتوا يشكلون حجر الزاوية لها ولوجودها المتأتي من ساعات الإعلان (الإشهار) العروضة وأمواله المتدفقة من المعلنين. ولكن على تلك الفضائيات أن تتذكر بأن الإعلام الموضوعي الذي تُعلن أنه يشكّل جزءاً هاماً من سلوكها ونظرتها للإحداث وموقفها منها يقتضي أولاً وأخيراً أن تقوم بتزويد المشاهدين بالمعلومات الصحيحة وبأسلوب إعلامي صحيح.
قد ترتكب فضائياتنا العربية أخطاءها تلك بحسن نية وقد ترى أن ذلك لايقوّض الرؤية الموضوعية للحدث، ولكن الطريق الى فقدان تلك الفضائيات لمصداقيتها وموثوقيتها وفي ما تقدمه لنا من أخبار قد يكون محفوفاً بالنوايا الحسنة، تماماً كما أن الطريق الى جهنم محفوف دائماً بنوايا مشابهة.



#سعد_الشديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البقية.. في المجزرة القادمة
- عصفورةٌ جناحُها وَطن
- أوباما.. الخطر القادم الى الشرق
- عجائبُ آخر الزمان: ملاكمة ٌ في البرلمان
- هل يأكل الحزب الشيوعي العراقي أبناءه؟ عن رحيل كامل شياع
- الجواهري، إنغمار بريغمان ومحمود درويش .. عن فضة الصمت والغيا ...
- قبلَ ان يموت الجسر
- تفجيرات الكوفة - أربيل ولغة القواسم المشتركة
- غورنيكا عراقية لسماءٍ بلونِ العقيق
- يومٌ يستحقُ أن يحتفى به
- جند السماء.. أولى شرارات ألمعارضة ألشعبية ألعراقية؟
- جند السماء وجند المنطقة الخضراء
- الصدريون يستعدون والسيستاني يرمي بمقتدى الى المحرقة
- لماذا لا يريدون لصدّام أن يموت؟
- أيها الشيعيّ لا تصمت هذه المرّة
- قرار اعدام الديكتاتور بداية أم نهاية؟
- يا يونس المحكومِ بالإعدام.. عدْ للحوتِ ثانيةً
- ولا داعٍ للقلق
- هل حقاً ان كركوك أغلى من البصرة؟
- انهم يقتلون أطفال العراق


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سعد الشديدي - القنوات الإخبارية الفضائية.. بين فقدان المصداقية وفقدان المشاهدين