أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الشديدي - قبلَ ان يموت الجسر














المزيد.....

قبلَ ان يموت الجسر


سعد الشديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1913 - 2007 / 5 / 12 - 07:08
المحور: الادب والفن
    


قبل أن تصل قدماه ماء النهر أحسّ بوخزةٍ في خاصرته ورأى كرة اللهب تدور مستغيثةً على صدره. تحوّل نورُ الصباح الباكر الى ظلمةٍ ذكرّتهُ بيوم القيامة، وتساءلَ إن كانت قيامته قد جاءت هكذا فجأة دونما علامات. رددّ الشهادتين على عجل وحاول أن يستذكرَ، وعلى عجلٍ أيضاً، وجوه أولئك الذين عبروه، تحت قيضِ الشمس المحرقةِ وفي ضوء المصابيح التي حملها على راحتيه برفقٍ لينير طريقهم لأكثر من سبعينَ عاماً. سمع رجعَ خطاهم.. واحداً واحدا وأصوات الضحكات وغمرَهُ صمت الهمسات التي طالما تطايرت على جنبه مع ماء المطر وبرد كانون. وعليه هبطت من أعالي السماوات أرقام السيارات ورائحة إطاراتها المنهكة وهي تعبره مسرعة حتى دون أن تلقي عليه التحية.

نظر الى الحروف التي خطتها أنامل البشر على أضلاعهِ المعدنية. بعضها مازال مشرقاً ينبض بدفأ العاشقِ وبعضهاالآخر أكلهُ الصدأ. أدار وجههُ متفقداً أعشاشَ العصافيرِ المسمّرة في مخابئ زواياه وأسعده أن كثيراً منها مازالت ترقدُ بهدوءٍ في أماكنها. في الأعالي تحلّق طائرةٌ سمتية. أزعجهُ صوتُها. وفكّر بقلق: ألم أصلِ الماءَ بعد؟

لسببٍ لا يعرفه فكّر أن تاريخه لم يكن حافلاً بحدثٍ زلزلَ الدنيا وشغلَ الناس، فلم يسقط عليه جعفر ولا سال عليه دمُّ شمران. ولكنه كان يشعرُ مع ذلك بالرضى. فهو يصلُ بين الضفتينِ ناقلاً رحيق بغداد من ميسمها الى تاجها، ومن تاجها الى ثغورها فاتحاً ذراعيه حتى لصغارِ النملِ وهي تعود متعبَةً الى قراها النائيةِ تحتَ الأرضِ.

قبل أن يصلَ الماءَ تلقتهُ كلماتُ "ابسو" اله المياه العميقة وأمتدت يدانِ من عشبٍ أخضرٍ تحملُ شموعَ الأحتفاءِ بالعودةِ منَ الموتِ على كَرَبةٍ من سعفِ نخلةٍ بابلية. تنّفس عميقاً وأحس بصدرهِ يرتطمُ محترقاً بماءِ النهر. وغابَ بين موجتين.

ثمةَ صوت لم يسمعه من قبل، خالهُ في البداية غناءَ الملائكةِ التي تحتفي بأرواح الغرقى. ولكنهُ تأكدّ أن ذلك لم يكن سوى صراخَ الأمواجِ التي تلقته على الراحات كيلا يشعر بالألم. غمرهُ شعورٌ باهتٌ بالخجلِ، أن يكونَ قد آذى ماءَ النهرِ وكسّر أمواجَه على الضفتين. أرادَ الإعتذار. فتحَ فمه المتفحّم وحاولَ أن يقولَ شيئاً ما. لكنه لم يستطع.
- حاولْ مرةً أخرى وإن لم تنجح فمرة ثالثة. وهكذا فعل. فماخرجت من فمه كلمةٌ واحدة.
عندما تيقنّ أنه لم يعد قادراً على الكلام تحسسّ جسده الممزق وأقدامه التي تمتدّ عميقاً في الماء.... وعرفَ أنه قد مات.

نظر الى بغداد ودارت عينيه في سماواتها وساحاتها وغابات نخيلها الواجمة وتساءل بجزع: كيف سيبلغها بخبر موته!





#سعد_الشديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفجيرات الكوفة - أربيل ولغة القواسم المشتركة
- غورنيكا عراقية لسماءٍ بلونِ العقيق
- يومٌ يستحقُ أن يحتفى به
- جند السماء.. أولى شرارات ألمعارضة ألشعبية ألعراقية؟
- جند السماء وجند المنطقة الخضراء
- الصدريون يستعدون والسيستاني يرمي بمقتدى الى المحرقة
- لماذا لا يريدون لصدّام أن يموت؟
- أيها الشيعيّ لا تصمت هذه المرّة
- قرار اعدام الديكتاتور بداية أم نهاية؟
- يا يونس المحكومِ بالإعدام.. عدْ للحوتِ ثانيةً
- ولا داعٍ للقلق
- هل حقاً ان كركوك أغلى من البصرة؟
- انهم يقتلون أطفال العراق
- الفيدرالية حقٌ يُراد به باطل
- موطني.. حتى إشعارٍ آخر
- ايها العراقي انت نملة.. فكن سعيداً
- الزرقاوي.. نحروه أم انتحر؟
- اسرائيلي واحد بألف عربي؟ يا بلاش
- وزير الدفاع العراقي يعلن الحرب على الشيوعية
- انقلاب عسكري في بغداد.. قريباً


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الشديدي - قبلَ ان يموت الجسر