المدنية الإلهية و النظم الإداري البهائي-النظم الإدراي و مرجعياته-4/5

راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2812 - 2009 / 10 / 27 - 22:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

إنَّ فكرة وجود أُنموذَجٍ إلهي يضمن الاستمرارية في إدارة الدين البهائي ونموّه، أمْرٌ مهم بالنسبة لتحديد معنى العقيدة البهائية شأنه في ذلك شأن التعاليم الروحيّة والاجتماعية التي جاء بها حضرة بهاء الله. فالنظام الإِداري البهائي ليس إلاّ تعبيراً حيّاً لما أَبرمه حضرة بهاء الله ميثاقاً بينه وبين أحبّائه وأتباعه المؤمنين. واعتنى حضرة عبد البهاء عناية خاصة بإِيضاح معالم النظام الإِداري الذي ابتدعه حضرة بهاء الله، وحدّد في ألواح وصاياه الوظائف والمسؤوليات والسّلطات والصلاحيات المتعلّقة بالمؤسّستين اللتين سوف تخلُفانِهِ، لضمان استمرار وحدة الدين البهائي وصيانة تكافله، وهما ولاية الأمر وبيت العدل الأعظم. عَيَّن حضرة عبد البهاء حفيده حضرة شوقي أفندي وليّاً للأمر البهائي من بعده متّبعاً الأسلوب نفسه الذي انتهجه حضرة بهاء الله في تعيينه هو مركزاً للعهد والميثاق. فأعلن حضرة عبد البهاء بصريح العبارة في ألواح وصاياه ما يلي: "يا أحباءَ عبد البهاء الأوفياء، يجب أنْ تحافظوا كل المحافظة على فرع الشجرتين المباركتين وثمرة السّدرتين الرّحمانيتين - شوقي أفندي - حتى لا يغبّر خاطره النوراني غبار الكدر والحزن ويزداد فرحه وسروره وروحانيته يوماً فيوماً، وحتى يصبح شجرة ذات ثمر، إذ أنه هو ولي أمر الدين البهائي بعد عبد البهاء وتجب على الأفنان والأيادي وأحباء الله إطاعته والتوجّه اليّه." (عبد البهاء، ألواح وصايا حضرة عبد البهاء المباركة، مترجمة عن الفارسية، لجنة النشر المركزية للمحفل الروحاني المركزي للبهائيين بمصر والسودان، 1948، ص25 )وأُعطِيت لوليّ الأمر وظيفةُ المبيّن الرسميّ للآيات المباركة والألواح المقدّسة، كما كُلّف بمسؤولية توسيع نطاق الجامعة البهائية العالمية وانتشارها طبقا للخطوط التي رسمها حضرة بهاء الله وشرحها مفصّلاً حضرة عبد البهاء. وفي هذا الصدد علّق أحد الكتّاب قائلاً: "عندما قام حضرة عبد البهاء بتعيين وليّ أمرٍ للدين البهائي أوجد بذلك منصباً رئاسياً للتنفيذ كان من المقدور له أنْ يصبح مركزاً محاطاً بالقداسة الأكيدة وقادراً على القيام بالمهمة العظيمة، ألا وهي دفعُ الجامعة البهائية العالمية النطاق نحو تنمية إمكاناتها في سبيل خدمة الإنسانيّة، وهو ما تميّزت به تلك الجامعة دوماً..." (Horace Holley, Introduction to Shoghi Effendi, Baha’i Administration, Selected Messages, 1922-1932, Baha’i Publishing Trust, Wilmette, 1974, p. viii )وخَوَّلت ألواح وصايا حضرة عبد البهاء حفيده حضرة شوقي أفندي حقّ تعيين مؤسّسة مُسَاعِدَة لوليّ أمر الدين البهائي تضم أيادي أمر الله الذين كُلفّوا بالاهتمام اهتماماً خاصاً بقضايا تبليغ أمر الله وحمايته. وحول هذا الموضوع كتب حضرة عبد البهاء ما يلي: "مجمع الأيادي هذا هو تحت إدارة حضرة ولي أمر الدين البهائي الذي عليه أنْ يحضّ المؤمنين دائماً على السّعي والجدّ والجهد في نشر نفحات الله وهداية مَنْ على الأرض، لأَنَّ جميع العوالم تضيء بنور الهداية."( عبد البهاء، ألواح وصايا، ص13)
كان أحد الأهداف الرئيسة لحضرة شوقي أفندي هو نموّ الجامعة البهائية بصورة مطردة بحيث يمكنها تأسيس بيت العدل الأعظم وتوفير الدّعم المتواصل له. وكان حضرة بهاء الله قد نصّ على تأسيس هذا المجلس العالمي المنتخَب، وفيما بعد بيّن حضرة عبد البهاء في بنود ألواح وصاياه كيف أنَّ هذا المجلس متمّم لولاية الأمر من حيث الغاية والمطلب.
أشار حضرة عبد البهاء إلى السلطات والوظائف الخاصة بالمؤسستين اللتين سوف تخلفانه، وهي الوظائف المكمّلة لبعضها البعض. فذكر في وصيته مضيفاً قوله: "والفرع المقدس - أي حضرة ولي أمر الدين البهائي - وبيت العدل العمومي الذي يُؤسّس ويُشكَّل بانتخاب العموم، كلاهما تحت حفظ وصيانة الجمال الأبهى وحراسة العصمة الفائضة من حضرة الأعلى، روحي لهما الفداء، كل ما يقرّرانه من عند الله. من خالفه وخالفهم فقد خالف الله! ومن عصاهم فقد عصى الله! ومن عارضه فقد عارض الله! ومن نازعهم فقد نازع الله!" (المصدر السابق، ص11)
حافظت الجامعة البهائية على وحدتها خلال السّنوات ال52 من عهد ولاية الأمر، وتمكنت من تحقيق النّمو السريع، وتم لها التوسع والانتشار عبر أقاليم شاسعة من العالم. فشُيِّدت الهيئات المحلية والمركزية والعالمية التي تُشكّل دعائم النظام الإِداري البهائي. وبالتدريج توافرت الشروط التي بموجبها أصبح في الإِمكان تشييد صرح بيت العدل الأعظم، وذلك بعد مرور خمس سنوات ونصف السنة على وفاة حضرة شوقي أفندي في عام 1957م.
حدّد حضرة عبد البهاء وظائف بيت العدل الأعظم في ألواح وصاياه، فنصّ على أنْ تؤسس بيوت عدل ثانوية (والتي يطلق عليها الان مؤقّتاً اسم المحافل الروحانية المركزية) في كلّ البلدان والأمصار، وأنْ يقوم أعضاء بيوت العدل الثانويّة هذه بانتخاب هيئة بيت العدل الأعظم. فتمّ انتخاب تلك الهيئة لأول مرة في عام 1963م من قِبَل أعضاء ستة وخمسين محفلاً روحانياً مركزياً. ولم يكن هذا الحدث بداية مرحلة جديدة في نموّ النظام الإِداري وتطوّره فحسب، بل سجّل أيضاً، ولأول مرة في التاريخ، خَلقَ سلطة عالمية على هذا الغرار، وهي الهيئة التي تمّ انتخابها انتخاباً ديمقراطياً دون إجراء أيّة ترشحيات أو قيام أية حملات انتخابية للدعاية والاعلام، وهو النمط الذي تجري به الانتخابات البهائية كافة. ومنذ ذلك التاريخ ازداد عدد المحافل الروحانية المركزية إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 1963م.
أما بخصوص وظائف بيت العدل الأعظم فقد بيّن حضرة عبد البهاء ذلك على النحو التالي: "يجتمع هؤلاء الأعضاء في مكان ويتذاكرون في كل ما وقع فيه الاختلاف أو في المسائل المبهمة أو في المسائل غير المنصوصة، وكل ما يقررونه هو كالنّص، وحيث أن بيت العدل هو واضع قوانين المعاملات غير المنصوصة فهو أيضاً يستطيع نسخ تلك القوانين."( المصدر السابق، ص20)
إِنَّ القرارات التي يتخذها بيت العدل الأعظم هي نتيجة المشورة المستفيضة حول كل المسائل المطروحة للبتّ فيها. والمشورة وسيلة استأثرت باهتمام حضرة بهاء الله بشكل خاص، فهي أساسية وضرورية بالنسبة لقيام النظام الإِداري. وهي أنجح الطرق لصيانة الوحدة والتعاضد في إدارة شؤون الجامعة البهائية في أنحاء العالم كافة.
بقي الميثاق دون أن يمسّه أَي تغيير في النظام الذي حدّده حضرة بهاء الله ووسّع مفاهيمه حضرة عبد البهاء. واستمر كالقناة التي تفيض منها أمواج الهداية الإلهيّة وتمنح المرونة المطلوبة في تسيير الشؤون الإنسانيّة، وبقي قناةً سليمةً دائمة الفيض خلال عهود متتالية. وهكذا كانت الحال في عهد حضرة عبد البهاء، ثم في عهد حضرة شوقي أفندي، ومن بعد ذلك في الأعوام التالية منذ انتخاب بيت العدل الأعظم الذي أسّسه حضرة بهاء الله وجعله مصدر السلطة العليا والهداية الدائمة، ووصفه حضرة عبد البهاء بأنَّه "مرجع كل الأمور." (المصدر السابق، ص 15 )
ومن الواضح الجليّ أَنَّ الميثاق كاملٌ في كل بنوده، ويرجع الفضل له في تأسيس النظم البديع. فالمؤسسات الإِدارية العالمية والمركزية والمحلية لهذا النظام بمثابة مراكز للوحدة والاتحاد يلتف حولها أفراد الجامعة البهائية. والتصريح التالي لحضرة شوقي أفندي يقدم لنا وصفاً للميزة الخاصة التي تتمتع بها هذه المؤسسات:
"عندما أنظر إلى المستقبل الآن، تملؤني الآمال في أنْ أرى [البهائيين] في كلّ زمان ومكان، ومن كلّ الاجناس والألوان شخصياتٍ وافكاراً، يلتفّون طوعاً بالسرور والحبور حول مراكز نشاطاتهم المحلية وخاصة المركزية منها. فيعملون على دعم مصالحها وخِدْمتها بتمام الاتحاد والرضا، وكامل التفاهم وخالص الحماس دون ان تَفتُر لهم عزيمة. إنَّ هذا وَحْده حقاً هو غاية الرجاء والسعادة في حياتي، فهو مصدر النّعم والبركات كلها التي سوف تفيض في المستقبل، بالإضافة إلى كونه الأساس العريض الذي يعتمد عليه في نهاية الأمر أمن الصرح الإلهي وسلامته."
Shoghi Effendi, Baha’i Administration, Baha’i Publishing Trust, Wilmette, 1968. p.67
إنَّ نقاط الالتقاء هذه التي يلتف حولها أعضاء الجامعة البهائية تتيح المجال لتفاعل مفيد، فيَقْوَى الإيمان وتثبت العزائم، وتنبعث من ذلك كلّه علاقات تشبه إلى حد بعيد ما يربط الدوائر ذات المركز المشترك، والتي تعتمد في كل توجهاتها على محور ميثاق حضرة بهاء الله الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
وفي هذا الصدد صرّح حضرة شوقي أفندي في رسالة كتبت بالنيابة عنه بما يلي:
"أما بالنسبة لمعنى الميثاق في الدّين البهائي فإِنَّ وليّ أمر الدين البهائي يعتبر الميثاق نوعين، وكلاهما مذكورٌ بصريح العبارة في الآثار البهائية. الأول هو الميثاق الذي يُبرمه كل رسول إِلهي مع البشرية جمعاء، أو مع أتباعه بمعنى أدق، فهو عهد بينه وبينهم بأنْ يعترفوا بالمظهر الإلهي القادم من بعده ويتّبعوه. فالمظهر القادم إنما هو بمثابة عودةٍ لظهور حقيقته [ويصرح حضرة بهاء الله بهذا الصدد بأن رسولاً سيظهر من بعده بعد ألف سنة على الأقل من ظهوره]. أما النوع الثاني فهو الميثاق الذي أبرمه حضرة بهاء الله مع أتباعه وذلك بأن يتّبعوا من استخلفه من بعده أي المولى [حضرة عبد البهاء]. وما هذا الإجراء سوى تثبيت للحقيقة ودعمها من قبل تلك النفوس النيّرة التي تتبع ظهور كل رسول. وبالمثل فإِنَّ الميثاق الذي أبرمه المولى حضرة عبد البهاء مع البهائيين للاعتراف بالنظام الإِداري الذي اقامه خلفاً له، ينتمي هو أيضاً إلى النوع الثاني." From a letter of the Guardian to an individual, October 21, 1932 اتسعت خلال القرن الماضي دائرة الوحدة والتآلف التي يحتضنها ميثاق حضرة بهاء الله اتساعاً مطّرداً. وقد تم ذلك والجامعة البهائية تزداد نمواً وانتشاراً في كل أنحاء العالم. أما الآن، وبعد مئة وخمسين عاماً من ظهور رسالة حضرة بهاء الله يستمر الملايين من أتباعه في مئات البلدان والمناطق بالتمسك بوحدتهم وتآزرهم وذلك بواسطة بنود ذلك الميثاق المتين الذي جاء به حضرة بهاء الله.

خصائص النظم الاداري العالمي لحضرة بهاء الله
اعتقد انه يجب ان نبدأ مناقشتنا بتذكر بعض كلمات حضرة بهاء الله بخصوص حيوية وعصرية ظهوره. بعض المقتطفات تكفينا لهذا الغرض. نقرأ على سبيل المثال :
" قَدْ نُفِخَتْ بِحَرَكَةٍ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى رُوحٌ جَدِيدَةٌ لِلْمَعَانِي فِي أَجْسَادِ الأَلْفَاظِ بِأَمْرٍ مِنَ الآمِرِ الْحَقِيقِيِّ. وَآثَارُهَا ظَاهِرَةٌ لاَئِحَةٌ فِي جَمِيعِ أَشْيَاءِ الْعَالَمِ... فَعَلَّمَ طُيورَ الأَفْئِدَةِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْعَالِيَاتِ طَيَرَانَاً جَدِيدَاً... إِنَّ الْعَالَمَ تَنَوَّرَ بِأَنْوَارِ نَيِّرِ الظُّهُورِ... وَالآنَ غَدَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ مُسْتَعِدِّينَ لِلإِصْغَآءِ إِلَى الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا الَّتِي أُنِيطَ بِهَا بَعْثُ النَّاسِ وَحَشْرُهُمْ جَمِيعَاً. " لوح الدنيا من ص 102-106( مجموعة الالواح)

يضيف حضرة عبد البهاء صوته إلى والده بقوله : " وفي كل عصر كان نور الهداية مسلطاً على موضوع أساسي واحد...في هذا الدور العجيب..أساس دين الله وطلعة شريعته النوراء معرفة وحدة البشر". (هدف الأمر الإلهي ص 13.)
الكلمة التي تظهر غالباً في النصوص الأصلية للدلالة على عصرية الدين وتفرد رسالته المدهشة هي كلمة ( بديع ). على سبيل المثال، العنوان الذي أعطي للتقويم البهائي الجديد هو التقويم البديع. نرى أيضاً أن حضرة بهاء الله يمنح لقب البديع لشاب بعمر 17 سنة الذي حمل لوحه إلى سلطان إيران. وبالإشارة إلى البديع وكما لو أنه شرح معنى هذا اللقب ، كتب في أحد ألواحه بأن " نفخنا فيه بروح القوة والقدرة" . هذه الكلمة ترجمت إلى الانجليزية بواسطة حضرة شوقي أفندي بطرق مختلفة اعتمادا على السياق. الكلمات المعادلة التي أعطاها هي " الجديد " " الرائع " " لا يضاهى " " المدهش " . على سبيل المثال إن كلمة " النظام العالمي الجديد " في الأصل هي "النظام العالمي البديع".

من المناسب إلقاء لمحة سريعة على العناوين الموجودة في الكتب المقدسة السابقة، التي تُعّرف مقام حضرة بهاء الله وامتياز يومه. على سبيل المثال يشير إشعيا إلى حضرته بـأنه " مجد الرب" و "رئيس السلام " . ويشير حجي بأنه " مشتهى كل الأمم " . ومجده زكريا بـ " يكون الرب ملكا على كل الأرض".وتنبأ زرادشت بأنه الشخص الموعود الذي " يفتح عصر البركة والسلام".
يصلي حضرة المسيح في صلاة الرب إلى الأب " ليأتي ملكوتك " ويشير إلى يومه بفترة (التجديد) ، يشير بطرس حواري السيد المسيح الرئيسي الى يومه بـ " يوم الرب الذي به تنحل السموات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب". القديس يوحنا اللاهوتي يشير إلى ظهوره وأيضاً إلى ناموسه بـ " السماء الجديدة والأرض الجديدة ".

ويصف حضرة محمد (صلعم) يومه باليوم الذي " أشرقت الأرض بنور ربها" " و " عندما تصبح الأرض أرضا أخرى".

ويشير حضرة بهاء الله بنفسه إلى يومه بـ " الربيع الذي لن يعقبه الخريف" و " اليوم الذي لا يعقبه ليل" و انه " بمثابة البصر للقرون والاعصار ". ويمنح مدينة طهران، المكان الذي ولد فيه، لقب "أم العالم" وأيضا " مطلع فرح العالمين". جميع الألقاب من القرن البديع صفحات 123-127.

وكما يعلن أكثر من ذلك بقوله : " أشهد بين يدي الله بعظمة هذا الظهور عظمة فائقة، وكم شهدنا في أكثر ألواحنا مرة بعد مرة بهذا لعل الناس ينهضون عن رقد الغفلة". النظام البديع لدورة بهاء الله ص 14 . " و" قد أقامت يد القدرة أمره على أساس باق منيع بحيث تعجز عواصف المنازعات البشرية عن تقويض أساسه وأوهام العالم عن هدم هيكله " المرجع السابق ص 21. " " سوف يأتي يوم فيه يبعث الله بإرادته قوما مكنون أمرهم عن ما سوى الله المهيمن القيوم".(المرجع السابق ص 22.)

إن كلمات حضرة عبد البهاء تؤكد أيضا على هذا الموضوع المهم ، حيث يتفضل قائلا: " لقد أحاط إشراق رحمة الله البهي شعوب الأرض وقبائلها بحيث يسطع على العالم كله مجده المنير.." دورة حضرة بهاء الله ص24. و " قد تمضي القرون والعصور من قبل أن تشرق شمس الحقيقة في صيف بهائها مرة اخرى او تبدو في ربيع مجدها... فما أولانا بالشكر أن قد جعلنا الله في هذا اليوم مهبطاً لهذا الفضل العظيم" دورة حضرة بهاء الله ص 23. " سوف ينكشف ويظهر تدريجيا كل ما هو مكنون في خزائن هذا الدور المقدس إذ الآن بداية نموه ومطلع بروز آياته". دورة حضرة بهاء الله ص 24.

ويمجد حضرة شوقي أفندي بهذه الالقاب مثل : " منبع العدل الاعظم " و " معلن بلوغ النوع الانساني سن الرشد" و " منظم الكوكب كله " . القرن البديع.

مقابل هذه الرؤى البانورامية الواسعة والعظمة والتفرد لهذا الدور الذي فتحه حضرة بهاء الله ، يجب أن ننظر بعقولنا المحدودة إلى النظم المدهش الذي أورثه للبشرية. يجب أن نتذكر الجملة الأولى في كتاب عهدي لحضرة بهاء الله : " تَرَكْنَا فِي خَزَائِنِ التَّوَكُّلِ وَالتَّفْوِيضِ مِيرَاثَاً مَرْغُوبَاً لاَ عِدْلَ لَهُ لِلْوَارِثِينَ" ص 195 مجموعة الالواح. من المهم أن ندرك بأننا " ورثة " و "ميراث " حضرة بهاء الله الذي أورثه لنا في ميثاقه.

إن النظم الإداري هو طفل ذلك الميثاق، وإثمار ميثاق الله لهذا اليوم. لقد كان الميثاق البهائي فريداً حيث يتفضل حضرة عبدالبهاء بانه الميثاق " الذي اختصه لهذا الظهور إظهارا لقدرته وإثباتا لعظمته" وهي الوثيقة " التي لا شبيه لها ولا مثيل في كتب الدورات السابقة" . القرن البديع – فصل 14.

ان اعلان الميزة المدهشة والفريدة لهذا النظام ، كتبه حضرة بهاء الله في كتاب الأقدس: " قد اضطرب النظم من هذا النظم الاعظم ، واختلف الترتيب بهذا البديع الذي ما شهدت عين الابداع شبهه" الأقدس آية 181.

من بين كل الأديان الحية في العالم ، المسيحية والإسلام هما الدينان اللذان يعز في قلوب مؤمنيهم تطلع لفتح قلوب البشرية وترويج دينهم لجعله الدين المهيمن في كافة أنحاء الكوكب. لديهم نظام متقن من العمل التبشيري في أكثر بلدان العالم الثالث. يتضمن هذا النشاط على سبيل المثال بناء المدارس والمستشفيات ، التي تكون مفتوحة فقط لهؤلاء المستعدين للتحويل، يمنحوا الثقافة المجانية للدراسات المتقدمة في الخارج، توزيع الأدب المجاني وبناء أماكن للصلاة مثل الكنائس والمساجد.

في العقود الأخيرة نجحت البوذيه في كسب المتحولين، خاصة في الغرب، ولكنهم أبعد ما يكون أن يتابعوا بشدة الأنشطة التي تهدف نحو نظام توحيدي في عالم البوذية، يبقى مجرد فلسفة لطيفة، تهتم أولياً بالتنقية الذاتية الأخلاقية والعقلية. يبدو لي أنه بسبب الملاحظة أعلاه، يحصر حضرة شوقي أفندي نفسه في مقارنه النظام البهائي للتضامن العالمي فقط بالنسبة للمجموعات الدينية التي نجدها في المسيحية والإسلام.
بالنسبة لمقارنة النظم الإداري للدين مع الأنظمة الإدارية التي أسست في المسيحية والإسلام، حضرة شوقي إفندي يدعو أحباء الغرب في رسالته المؤرخة في مارس سنة 1930م للنظر في المسائل التالية: " إن نظام حضرة بهاء الله حسب الظاهر شبيهة بالمؤسسات الموجودة في الاسلام والمسيحية، كيف تختلف عنهم ؟ أليست المؤسستان التوأمان ( ولاية الأمر وبيت العدل الاعظم ) ومؤسسة أيادي أمر الله والمحافل الروحانية المركزية والمحلية و مشرق الأذكار ، هي شبيهة بالمؤسسات الموجودة ولكن بأسماء مختلفة في البابوية والخلافة ؟ كيف يمكن للمؤسسات البهائية المحافظة بحيث لا يتزعزع أساسها ، ولا تنهزم وحدتها ولا تزول نفوذها؟ كيف تحافظ التشكيلات البهائية كي لا يكون مصيرها مثل مؤسسات أتباع حضرة المسيح وحضرة محمد ؟ " مترجم من الفارسية – نظم جهاني بهائي ص 24

يلتفت عقله الحاد إلى ضعف الدور المسيحي ويكتب حضرة شوقي أفندي التالي :
" بدون شك إن العلة الأصلية ، التي حطمت وحدة كنيسة السيد المسيح ، وقوض تأثيرها بمرور الزمن، كان بسبب أن البناء الذي بناه آباء الكنيسة بعد وفاة أول حواري ، لم يكن مبنياً على الاتجاهات الصريحة لحضرة المسيح أبداً، وقد ارتبطت سندية وكيفية سلطة الكنيسة بإشارات غير مباشرة من التي اقتبست من توجيهات بعض الأقوال المبهمة والمختصرة لحضرة المسيح والمنقولة في الإنجيل ، ويمكن القول أنه ، ولا أحد المناسك والمراسيم المتداولة اليوم في الكنيسة أو العادات والتقاليد التي ابتكرها المسيحيون الأوائل بشكل متقن، ولا عناصر الانضباط الحاد الذي فرضوها بصرامة على المسيحيين البسطاء ، ولا واحدة من تلك تصل منبعها إلى حضرة المسيح ولم يقتبس من كلماته الموثقة ولم يقرر السيد المسيح أي أحد منها ولم يفوضها لأحد كي يفسر كلماته أو يضيف إلى ما شرع حضرته". نظم جهاني بهائي ص 26 – مترجم من الفارسيه

وتعليقا على العيوب المتأصلة في إدارة الدورة المحمدية كتب حضرة شوقي أفندي التالي:
" في الظهور المحمدي ، بالرغم انه من حيث الإدارة الدينية معينة وكاملة ودقيقه في بنودها أكثر مما جاء في الدين المسيحي، إلا أن فيما يتعلق بخليفة الرسول لا يوجد أي سند مكتوب أو دستور قاطع لهداية أتباع أمر حضرة محمد. رغم أنه خلال مدة 1300 سنة بقيت آيات القرآن والأحكام المرتبطة بالصلاة والصوم والزواج و الطلاق والإرث والحج سليمة وفعالة بدون تغيير ، ولكنها لن تعطي أي توجيه مؤكد بخصوص خليفة حضرة الرسول، ولهذا السبب كان مصدر كل الخلافات و التشعبات الدينية التي سببت تجزئة الإسلام ". مترجم من الفارسية – نظم جهاني بهائي ص 28.

تلخيصاً لأفكاره عن الموضوع، كتب حضرة ولي أمر الله التالي:
" ينبغي لنا أن نلاحظ أن النظام الإداري....هو بأصله وطبيعته فريد في تواريخ الأديان العالمية. ومما يمكننا الجزم به عن ثقة و باطمئنان أنه لا مظهر من المظاهر الإلهية السابقة لحضرة بهاء الله على الإطلاق... قد وضع أي نص جازم يماثل النظام الإداري الذي أسسه مفسر تعاليم حضرة بهاء الله المختار، وهو نظام من شأنه أن يحمي الدين من التصدع والانشقاق حماية لا شبيه لها في أي دين سابق ، وذلك بفضل المبادئ الإدارية التي أحكم مؤسسه صياغتها والهيئات التي أنشأها و حق التفسير الذي زوّد به ولي أمره." (القرن البديع ص 384)

إن الكلمات التالية لحضرة شوقي افندي هي تلك الأسلحة والأدوات التي يمكننا بها أن نعلن الأمر، وندافع عن مصالحه، فيذكر حضرته:
" بعكس الأدوار الماضية فإن أتباع حضرة بهاء الله، على خلاف المسيحيين والمسلمين وآخرين، في أي مكان قائمين على خدمة أمره ، يوجد أمامهم بكل وضوح جميع الأحكام والقوانين والأصول والإرشادات والمؤسسات التي تلزمهم لأداء وإتمام وظائفهم. ويمكنهم بخصوص التشكيلات البهائية وأيضا بشأن خليفة حضرة بهاء الله والتي جسدت في المؤسستين التوأمين بيت العدل وولاية الأمر، أن يعرضوا أدلة غير قابلة للدحض من آثارهم المقدسة، بحيث لن يبقى مجال لأحد للإنكار. هنا يبرز الامتياز الذاتي للأمر البهائي. هنا يكمن أصل قوة ووحدة الأمر البهائي، هنا تثبت صحة و شرعية إدعاء الظهور البهائي ، ذلك الظهور الذي هدفه ليس انهدام أو تقليل شأن الظهورات السابقة ، بل مقصده إيجاد الارتباط والاتحاد بين الأديان"( نظم جهاني بهائي ص 29 ). وقد كتب حضرة الباب في البيان الفارسي الحقيقة الاساسيه: " ان سبيل الهداية هو الحب والرأفة ، وليس الشدة والسطوة، هذا سنة الله من قبل ومن بعد ". منتخبات آيات از آثار حضرة نقطة أولى ص 52.
لسوء الحظ في تاريخ الأديان السابقة، شاهدنا استخدام كل أشكال الإجبار من قبل القادة الدينيين، ومن قبل الحكام الذين تأثروا بهم. السبب الرئيسي هو أنه لم يوجد ميثاقا معينا، وما وجدت سلطة مركزية موثوقة لإبقاء المخلصين على الطريق المستقيم.النتيجة الأخرى لغياب ميثاق موثق في الأدوار السابقة، أن الزعماء الدينيين لجئوا إلى إنتاج وترويج التفسيرات الفردية ، غالباً مثل هذه التفسيرات كانت متناقضة وأدت إلى الطائفية، والنزاع الديني ، وحتى الحرب ضمن قادة نفس الدين.
إن الميزة المتميزة لدورة حضرة بهاء الله هو ميراثه الذي أورثنا، وهو ميثاقه، حضرة عبد البهاء، سر الله ، ومركز عهده ، ومنه اصدر فصاعدا وكالتان متتاليتان ، ولاية الأمر وبيت العدل الأعظم. هذان الكيانان، بينما يدوران حول مركز الميثاق، يستلمان الإلهامات المباشرة من حضرة بهاء الله وحضرة الباب كما نص بشكل واضح في ألواح وصايا حضرة عبد البهاء.
ربما يمكننا أن نستنتج بالقول إن " ظهور " الله مثل السماء. وممثل بظهور المظهران التوأمان أو شموس هذه الدورة، المركز الواحد يكون حضرة بهاء الله. كل سماء لها أرض، وأرض ظهور الله في عالمه من " الخلق " أو جالية مؤيديه وأتباعه.
بين عالمي " الظهور " و " الخلق " هناك عالم " الإلهام" . في هذه الدورة " الإلهام" ممثل أولاً وقبل كل شيء من قبل حضرة عبد البهاء، " قمر فلك هذا الدور الأقدس" والوجود الذي " تطوف حوله كل الأسماء". (النظام البديع لدورة بهاء الله ص 49.)
إن الأقمار الصناعية التي تدور حول " القمر " هي ولاية أمر الله وبيت العدل الأعظم. هذان الكيانان في حين دورانهما حول القمر يستمدان إلهامهما، كما قلت للتو مباشرة من حضرة بهاء الله ، وكما هو منصوص في ألواح الوصايا. يمكن أن نعطي أنفسنا الشجاعة أخيراً للاستنتاج مما ذكر ، بأن العالم المتوسط للإلهام، الذي بين السماء و الأرض، هو العالم الذي يكمن بينهما، والذي أشار إليها مراراً في بيانات حضرة الباب.
الآن يجب أن نوجه أفكارنا إلى أشكال العلمانية من الحكومة التي تأسست في العالم. سنبين أوجه الشبه والاختلاقات الموجودة بينهم وبين النظام الإداري البهائي. لحسن الحظ كتب حضرة شوقي أفندي على نطاق واسع حول هذا الموضوع. يشير حضرته في كتاب ( دورة بهاء الله ) إلى ثلاثة أنواع من الحكومات التي أشار إليها من قبل أرسطو في أعماله. أي الديمقراطية والارستقراطية والاوثوقراطية ( الحكومة المطلقة ) ، من ثم يذهب ليبين العناصر المفيدة لهذه الأشكال من الحكومات وأين عيوبهم المتأصلة التي أزيلت.

وقد كتب حضرته : " إن هذا النظام الإداري الوليد يحمل في طياته بعض المقومات الموجودة في كل من أنظمة الحكومات الزمنية الثلاثة المعروفة دون أن يكون حاكياً عن واحدة منها بأي صورة، وبغير أن يدمج في سيره أية ناحية غير مستساغة من النواحي المتضمنة فيها، إلا أنه يربط ويوحد بين الحقائق المسلم بها التي لا شك في وجودها في كل من تلك الأنظمة دون مساس بسلامة الحقائق الإلهية، التي هي أساس بنائه بما لم يسبق أن ابدعت مثله الأوضاع البشرية إلى اليوم." (النظام البديع لدورة بهاء الله ص 73)

يعلق حضرة شوقي أفندي على الميزة الفريدة للنظام الإداري ، وقد أعطانا بعد النظر بقوله:
"لا يمكن بأية حال من الأحوال أن يقال بأن نظام دين حضرة بهاء الله الإداري يطابق في شكله أو يتفق في نظريته مع أي نوع من أنواع النظم الديمقراطية أو الاستبدادية المطلقة {الأوتقراطية} أو الارستقراطية الخالصة... تلك السلطة الوراثية التي يستدعي ولي أمر النظام الإداري لمباشرتها، وحق تفسير الآثار المقدسة المقتصر به وحده، ومنها حقوق بيت العدل الأعظم وسلطاته، وهو الهيئة المتفردة بالحق المطلق في تشريع الشؤون التي لم يرد بها نص صريح في الكتاب الأقدس، ومنها الحكم القاضي بإعفاء أعضاء بيت العدل هذا من المسؤولية تجاه من يمثلونهم ومن الاضطرار إلى العمل بموجب آراء هؤلاء أو معتقداتهم أو عواطفهم أو ميولهم ومنها المواد الخاصة التي تقضي بانتخاب المؤمنين لهذه الهيئة التي تكّون الأداة التشريعية الوحيدة في الجامعة البهائية العالمية انتخابا ديمقراطياً حراً - هذه من بين المعالم التي تصطلح على تمييز النظام الماثل في ظهور حضرة بهاء الله عن أي نظام حكومي بشري قائم" (القرن البديع ص 401)

من المفيد الاخذ في الاعتبار تعريف المصطلحات التي تصف أشكال الحكومة العلمانية العادية، كما حددها أرسطو:
الديمقراطية – حكومة تختار بواسطة الناس وللناس.
الارستقراطية – حكومة اختيرت من قبل البعض ، استنادا إلى امتيازاتهم العالية جداً ، تتصرف بشكل مستقل عن وجهات نظر وآراء الناس.
الأوتوقراطية ( الحكومة المطلقة ) – حكومة من قبل شخص واحد أو وكالة واحدة، والذي قرارها لا يعتمد على السلطة أو سيطرة الأخرين. هكذا نجد منطقة السلطة للأشكال الثلاثة للحكومة، تصنف من كل الناس ، إلى اختيار قلة منهم وأخيرا الكيان الواحد.
ما تبقى للفحص هو تعريف مثل هذه الخصائص للنظام الاداري كما هي في الأشكال الثلاثة للحكومة العلمانية، تلك التي تعتبر ملائمة ومفيدة ، أما السمات التي تعتبر سيئة لم تدمج في النظام البهائي.
أتذكر المناقشات عن هذا الموضوع أثناء ولاية حضرة شوقي افندي ، والأسلوب الذي فيه ميز الباحثين ومحققي الأمر المبارك لهذه الخصائص.
الاوتقراطية ( الحكومة المطلقة ) ، تحقق في شكله التعيين المقدس، في مؤسسة أيادي أمر الله، و الديمقراطية ، ارتبطت بانتخاب أعضاء بيت العدل الأعظم.

على أية حال بعد صعود حضرة شوقي أفندي، وإدراك بأن ولاية الأمر لن تستمر معنا كمؤسسة، وعلاوة على ذلك عندما قرر بيت العدل بأنه لا يستطيع التعيين، أو جعله ممكناً تعيين أيادي أمر الله، أصبح وضحاً أن هذه عناصر النظام الإداري كما وجدت أثناء ولاية أمر حضرة شوقي أفندي ، ولا يمكن أن تكرر بعد صعوده.
بكلمة أخرى ، مثل مبادئ النظام الادراي، الذي وجدت أثناء ولاية حضرة عبد البهاء وكانت مؤقتة، على نفس النمط فان مخطط النظام البهائي عندما كان فعالاً أثناء ولاية حضرة شوقي افندي لا يمكن أن يتكرر.
ظهرت هذه النقطة أشد بروزاً عندما كتب حضرة شوقي افندي في ( دورة بهاء الله ) بالأخص قبل تقديم موضوعه عن الاختلافات بين النظام الإداري والأشكال الثلاثة للحكومة العلمانية، كتب بوضوح أن نيته كانت أن توضح ( النظرية ) التي يستند عليها النظام الإداري.
على سبيل المثال يشير حضرة شوقي افندي بشكل واضح في ( دورة بهاء الله ) بأن القواعد الأساسيه التي بنيت عليها النظام الاداري البهائي ، يجعله يميل إلى الديمقراطية ( في ممارسة شؤونه بالوسائل الديمقراطية ) ص 75 دورة بهاء الله . على آية حال عندما يقرأ المرء ألواح وصايا حضرة عبد البهاء ، عن موضوع مدى سلطة ولي أمر الله ، يستطيع أن يلاحظ بسهولة بأنه استثمر بالسلطات غير قابلة للتحدي، في علاقاته مع أيادي أمر الله الذي يعينهم ويمكن أن يطردهم في تقديره الخاص، بالإضافة إلى الأعضاء المنتخبين لبيت العدل الأعظم مطلوب منهم " كمال الطاعة والتمكين والانقياد والتوجه والخضوع والخشوع لولي أمر الله " (الواح الوصايا ص 27.) ان فعل الطاعة، طبقا لالواح الوصايا يشمل جميع الأحباء ، وفي الحقيقة تشترط ألواح الوصايا بأنه يجب على " جميع الأغصان والأفنان وأيادي أمر الله " أن يلتزموا بقرارات وإرشاد ولي أمر الله"ص 27". كما خول لولي الأمر أبعد من ذلك ،طبقا لشروط ألواح الوصايا بأنه يطرد أي عضو لبيت العدل في تقديره إذا ارتكب ذنبا. " اذا اقترف أحد الأعضاء ذنباً يلحق ضره العموم، فأمرُ إخراجه لولي أمر الله خاصة" (ص 30 ألواح الوصايا.) بالتاكيد مثل هذا السيناريوالذي يميز النظام الإداري فهو يميل ليس نحو الممارسات الديمقراطية، بل مال بشدة نحو الطرق الاستبدادية ( الأوتقراطية ) في إدارة الأمر.

يجب أن نتذكر أيضاً أن حضرة شوقي أفندي كتب في " دورة بهاء الله " بأن حضرة عبد البهاء لا يمتلك مقام النبوة ، بل وُهب مقام " المثل الاعلى للانسان في الفضل والكمال " (دورة بهاء الله ص 49.) في ضوء هذا البيان، بينما نواجه غياب الهيكل البشري لولي الأمر في النظام الإداري، ألا يمكننا أن نخاطر في الافتراض بأن حضرة عبدالبهاء كان لديه في الحقيقة تصور لمرحلتين من تطور النظام الإداري بعده ؟ : المرحلة الأولى ، المرحلة المؤقتة حيث ولي أمر الله رئيسه، وبعنصر الحكومة المطلقة كخاصيته المهيمنة. والمرحلة الأخرى كامتداد للمستقبل ، بوجود بيت العدل الأعظم كأعلى هيكل إداري وبعنصر الديمقراطية كخاصيته المهيمنة.
دعنا الآن نضع النظام الإداري في مقارنة مع الحكومات الزمنية. على سبيل المثال انتخاب أعضاء بيت العدل الأعظم بالإضافة إلى انتخاب أعضاء المحافل المركزية والمحلية ( بالرغم من أنه خالٍ من حملات الترشيح ) فهو ديمقراطي خالص في طبيعته. على نفس النمط طريقة المشورة البهائية ( بالرغم من بعد المناقشات البرلمانية في المجالس التشريعية في العالم عن الوقار والانسجام ) فلها ميزة ديمقراطية أخرى دمجت في النظام الإداري البهائي. الميزة الثالثة هي درجة الحكم الذاتي التي زودت في انتخاب المجالس على المستوى المركزي والمحلي . هذا عنصر اللامركزية في الشؤون الإدارية ، والتي يطبق على نحو متزايد في العديد من البلدان الديمقراطية من العالم . الفرق الواضح هو أن في النظام البهائي المنتخبون ليسوا مسؤولين أمام الذين انتخبوهم ، فالمسؤولية الأخلاقية والروحانية مرتبطة بعمل الأعضاء المنتخبين. لذا مسؤوليتهم الواعية تكون أمام الله ولله وحده، كما هو مصرح ومشدد عليه في تعاليم ديننا.

بالنسبة للارستقراطية ، أثر التشابه يوجد في مؤسسة المستشارين على المستويات العالمية والقارية، بالإضافة إلى أعضاء هيئة المعاونة ومساعديهم، للمناطق الجغرافية المحددة. على آية حال هؤلاء الأفراد المعينين لا يمتلكون سلطة اتخاذ القرارات ووظيفتهم في التحليل النهائي له طابع استشاري تماما ، على خلاف النظام الارستقراطي الذي يعطي مجموعات مختارة أرستقراطية صغيرة السلطات والامتيازات الخاصة. التشابه الواضح في الحقيقة هو أن سلطة اتخاذ القرارات في النظام الإداري يتوقف على القلة القليلة لأعضاء المحافل المحلية والمركزية، وبالطبع الهيكل الأعلى – جميعهم ليسوا مسؤولين أمام الذين انتخبوهم بالأخص. على آية حال الاختلاف هو أن الأعضاء المنتخبين في هذه المجالس ليسوا من صنف طبقة النبلاء، ولا يعتبرون مواقعهم على أساس الولادة أو الميراث. فإن في النظام الإداري هم في موقعهم من السلطة بسبب الإجراء الديمقراطي للانتخابات البهائية.
أخيرا ، بالنسبة للحكومة المطلقة، فالتشابه يكون ، كما جاء في دستور بيت العدل الأعظم الذي يشترط بشكل واضح:
" إن مصدر سلطة بيت العدل الأعظم ووظائفه ونطاق أعماله كلها منبعثة من الآيات المنزلة من يراع حضرة بهاء الله ، فهذه الآيات الباهرات وما بينّه ووضحّه مركز الميثاق وحضرة ولي أمر الله ، الذي هو المبين الوحيد المنصوص عليه بعد حضرة عبد البهاء، كل ذلك يعتبر مرجعاً مطاعاً لبيت العدل الاعظم وأس أساسه. إن سلطة هذه النصوص المباركة سلطة مطلقة وقاطعة وهي المرجع الثابت الذي لن يتغير حتى يظهر في العالم مظهر أمر الهي جديد بمشيئة الله، ويوضع يومئذ زمام الأمر والحكم في قبضة قدرته". (دستور بيت العدل الأعظم ص 10.)
لذا فان الخاصية الاستبدادية للنظام الاداري هي السلطة المقدسة الموكلة في السفر المقدس لشارع الدين والمبينان المخولان لكلمته المنزلة. الاختلاف يكمن في الحقيقة بان هناك ميدان غير محدود من التشريع في الشؤون الفرعية ليكمل القوانين المنزلة من قبل حضرة بهاء الله ، ليتم تطبيق هذه القوانين والأنظمة عالميا ، ولتشريع المسائل التي لم يغطى بشكل واضح بالنص المقدس وفي تبايناته الموثوقة. هذه المسؤوليات موكلة لبيت العدل الأعظم، الذي هو المجلس التشريعي الأعلى للاتحاد العالمي البهائي.
أود أن انهي عرضي ، بالتأكيد المطلق الذي أعطاه حضرة ولي أمر الله ، عندما ينظر إلى المستقبل بينما النظام الإداري لأمر حضرة بهاء الله يتوسع ويتطور ليواجه تحديات حضارة دائمة التقدم والتطور. حيث يكتب حضرة شوقي افندي :
" لقد تستثنى بشدة وعلى الدوام ، المساوئ الموجودة الكامنة في تلك الأنظمة.. إن هذا النظام البديع الفريد مهما طال به الأمد ومهما تشعبت نواحيه ، لا يمكن أن ينقلب إلى حكم " استبدادي" أو حكم " فردي " أو حكم " شعبي" وهو ما من شأنه أن عاجلا أو آجلا أن يلحق الفساد في كل نظام سياسي غير كامل وضعته يد الإنسان" (دورة بهاء الله ص 76. )

الكلمات الثلاثة : الاستبدادي، الفردي والشعبي ، يحتاج الى بعض التوضيح:
الاستبدادي : الدكتاتورية أو الحكومة العدوانية من قبل حاكم مستبد.
الفردي : سيطرة حكومة من قبل زمرة صغيرة من الحكام الانانيين والفاسدين.
الشعبي : حكومة من قبل القادة السياسيين المنتخبين النفعيين الذين يوعدون وعود كاذبة للناخبين، ويتغذوا على الاجحاف وجهل الناس.

حضرة شوقي افندي المبين الملهم لتعاليمنا، يطمئننا بأن المساوئ الضارة لكل الأشكال التي ذكرت من الحكومات ، لن تهاجم أبدا ليفسد النظام الإداري المقدر والمسّير إلهيا ، ليوقف نضجه إلى النظام الإداري ، أو يعيق ثمرته النهائية وهي رابطة الاتحاد البهائي المستقبلي.

هناك رسالة رائعة من حضرة ولي أمر الله المحبوب ، كتبها بالفارسية لأحباء إيران عام 1929م، حيث حدث بعض الاضطهادات المفجعة في مهد الأمر. في هذه الرسالة يدعو حضرة شوقي أفندي الأحباء الإيرانيين لكي يكونوا صبورين وأن يواصلوا التمسك بذيل دين الله المقدس، فالله يقظ ويده الخفية تعمل. في الوقت المعين سوف يقوم الأكاديميون المتنورين المنصفين ( بالرغم من أنهم ليسوا بهائيين ) ، بالدفاع عن الأمر ويطالبوا بحقوق المؤمنين الشرعية.
علمنا حضرة شوقي أفندي كيف نقدم الأمر وخصائصه المتميزة لنظامه العالمي إلى العالم الخارجي. يجب على الشباب البهائي كطلاب جادين ومحققين في الأمر أن يكونوا قادرين على الشرح بطريقة حكيمة للأساتذة المتفتحي العقول ، ويسعوا زملاء الطلبة بشكل جدي لبراعة وكمال النظام البهائي للنظام العالمي، بدون إعطاء الانطباع بأنهم يريدون أن يكسبوا هؤلاء الأفراد إلى الأمر المبارك. لأنه سيكون من بين هؤلاء الأكاديميين والمثقفين غير المتحيزين والنزهاء المطلعين والقادة الشجعان للفكر، الذين يتحركون بإيجابية وإنصاف للدفاع عن الأمر، ويبرءوا حق الدين في الوجود بإيران ، وكذلك البلدان الأخرى التي تضطهد أتباع الأمر.
إن العالم الآن يمر في فترة اللادينية. ولن يستمر طويلا لان يدير ظهره تدريجيا للمادية ، ليعترف بحاجته للدين، بالطبع كبهائيين نلعب دور رئيسي في جلب هذا الوعي، ذلك الوعي الذي سيؤدي بالتأكيد في النهاية إلى روحنة الجماهير، وفي الأخير القبول المتحمس لصلاحية وحقيقة دين الجمال المبارك. ما ألخّصه هنا مستند على فهمي من التعاليم المباركة بخصوص هذا الموضوع.
وتابعوا معنا الجزء الخامس والأخير القادم...تحياتي ومحبتي

#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات