راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 2771 - 2009 / 9 / 16 - 17:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل دراسة الآيات القرآنية الخاصة بـ "خاتَم النبيين" وجب علينا اختبار تلك العقيدة بمقياس الحجة والمنطق.
"....أَفَلَا تَعْقِلُونَ" ؟ (سورة الأنبياء آية 10).
"..... أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ" ؟ (سورة هود آية24).
"...... أَفَلَا يُبْصِرُونَ ؟ (سورة السجدة آية 27).
هلمّ نتحاجج يقول الرّبّ. (سفر إشعياء 1: 18).
إذا نظرنا إلى تاريخ الأديان السماوية التي نعرفها منذ بداية التاريخ (أي منذ حوالي 4500 سنة) حتى ظهور سيدنا محمد عليه السلام فنجد أن الله سبحانه وتعالى تكلّم إلى البشر ثمانية مرّات عن طريق الرسل أو الأنبياء المذكورة في القرآن الكريم:
1) آدم 2) نوح 3) هود 4) صالح 5) إبراهيم 6) موسى 7) يسوع المسيح 8) محمد
أي يرسل الله سبحانه وتعالى المرسلين بمعدّل كل 600 سنة تقريبًا. إذًا، فلماذا يتوقّف إرسال المرسلين فجأةً؟ وبالاضافة إلى المرسلين المذكورة أسمائهم، يقول القرآن الكريم:
وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا. (سورة النساء آية 164).
إن من المقدّر أن تستمر الشمس ساطعة لمدّة ثلاثة أو أربعة آلاف مليون سنة. هل في مقدور أي شخص أن يتصوّر أو يتخيّل ما سوف تكون عليه حالة الانسان على الأرض بعد ألف سنة؟ فما بالك بعد ثلاثة أو أربعة آلاف مليون سنة من الآن؟ هل يكون من المعقول أو من الممكن أن يترك الله البشر طوال هذه العصور دون هداية أو وحي جديد من عنده؟
كمال الخطّة الإلهية لخلقه
علينا أن ننظر الآن لما يقوله القرآن الكريم وإذا كان هناك مبررات تجعل الله تغيير سنّته ولا يبعث رسل بعد سيدنا محمد. هناك عدة آيات قرآنية تقول أن الله له نظام أو ترتيب معيّن مع مخلوقاته، فيقول القرآن الكريم:
"سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا". (سورة الفتح آية 23).
تعلّمنا الآية السابقة أن الله سبحانه وتعالى لا يغيّر أو يبدّل قوانينه أو النظام الذي خلقه، فالخالق هو جوهر أو أصل الكمال وكل ما يخلقه كامل:
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ. (سورة الملك آية 3).
ويشهد الكتاب المقدّس بكمال خلق الله فيقول:
إله أمانة لا جور فيه صديق وعادل هو (تثنية 32: 4).
الله طريقه كامل. قول الرّبّ نقي (مزامير 18: 30).
كثيرًا من المؤمنون يستشهدون بالآية التالية التي تشير إلى أن الاسلام دين كامل فكيف يكون من الممكن إدخال تحسينات أو اضافات لشيء كامل؟
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا". (سورة المائدة آية 3).
وبما أن القرآن الكريم له إجابة على كل سؤال فإذا رجعنا إلى الآيات القرآنية نرى أن لكل دين مُنزل له فترة أو مدّة معيّنة. فهل أنزل الله وحيًا على سيدنا موسى غير كاملاً أو به خلل أو نقص؟
ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ... (سورة الأنعام آية 154).
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ... (سورة الأعراف آية 145).
فإذا كان كتاب التوراة كاملاً وشرح فيه كل شيء فلماذا أنزل الله بعد ذلك الإنجيل ثم القرآن؟
فلننظر الآن في هذه المسألة من الناحية المنطقية. إن الكمال على مستويين: كمال كامل وكمال نسبي. فالكمال الكامل يختص به الله وحده، والكمال النسبي يختص بخلقه، والتغيير والنمو هما من مقتضيات الكمال النسبي. مثال ذلك، الطعام الكامل للطفل عند الولادة هو الحليب أو لبن الأم، ولكن هل يكون الحليب فقط هو الطعام الكامل لنفس الطفل عند بلوغه السنة الرابعة من عمره؟ ما أنزله الله لبني إسرائيل كان كاملاً في وقته، وما أنزل لكل رسولٍ كان كاملاً في وقته، كما يؤكد القرآن الكريم بخصوص ما أنزل على سيدنا موسى.
إن صفة النمو هي من سمات خلق الله للوصول إلى الكمال، فهي تزيد من جمال وتنوّع وعظمة مخلوقاته. مثلاً، إذا خلقنا بالغين، فإننا نحرم أنفسنا من بهجة التعليم والحصول على العلوم! يقول القرآن الكريم:
" وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ". (سورة الحجر آية 21).
أنظر أيضًا
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ".(سورة المائدة آية 101).
1. " قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ".(سورة المائدة آية 102).
إن كلمة "ننزله" تشير إلى الوحي أو الرسائل المنزلة من عند الله، ويعلّمنا الله سبحانه وتعالى أنه هو مصدر أو منبع الكمال المطلق والعلوم والحكمة الإلهية التي لا أول لها ولا نهاية. ولكنه لا ينزل الوحي إلا بقدر محدود وبتدرّج معلوم، فيقول القرآن الكريم:
" سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا". (سورة الفتح 23).
ربّما يكون أفضل معنى لكلمة "سنّة" الله في القرآن الكريم هي قانون الله في عمل شيء– أي أن الله سبحانه وتعالى لا يغيّر سنّته أي قانونه الثابت – وهذه العبارة تكررت عدة مرّات في القرآن الكريم نظرًا لأهميّتها. والماضي هو مرآة المستقبل، فكما كانت "سنّة الله" مع الأجيال السابقة في إرسال المرسلين كذلك يكون المستقبل:
" ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا ...". (سورة المؤمنين44).
فالأسئلة الحاسمة أو الخطيرة في هذه المسألة: لماذا يغير الله فجأةً سنّته في القرن السابع الميلادي؟ لماذا يقطع فجأةً صلته بالعباد؟ لماذا يبطل سنّته في إرسال تعاليمه السماوية لعباده عن طريق رسله؟ لماذا يتوقف عن إرسال وحيه من خزائن علمه؟ فحرمان البشر من بدائع فضله ليس بتغيير بسيط في "سنّة الله" وطريقته المعتادة. هل من الممكن تخيّل تغير أكثر أهميّة من ذلك؟
وبمقارنة رسل الله بمُعلمي المدرسة، نجد أن من ضروريّات المدرسة أن يكون لها مُعلمين لتدريس التلاميذ. ولنفترض أن مُعلم الفصل الرابع قال: أن تلاميذي سوف لا يحتاجون لمعلمٍ آخر، وإذا سألوه عن السبب قال: لأني أعطيتهم كتاب كامل فيه كل شيء ودرّسهم مُعلم ممتاز وتعلّموا منه كل ما هو في الكتاب. فإدّعاء مثل هذا هو مشابه للإدّعاء الذي يدّعيه البعض بأننا تعلمنا ما نريده لأن الله سبحانه وتعالى أعطانا كتاب كامل وصالح لكل زمان ومكان ولا داعي لأي مُعلّمٍ آخر.
مرّة أخرى يرشدنا القرآن الكريم إلى أن نظام إرسال الرسل هي "سنّة الله" وأن سنّة الله لا تتغيّر فيقول القرآن الكريم:
" سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً". (سورة الاسراء آية 77).
وهذه القاعدة الأساسية التي تقول أن سنّة الله لا تتغيّر ولا تتبدّل منصوص عليها أيضًا في التوراة كما نرى:
ما كان فهو ما يكون والذي صنع فهو الذي يصنع ... (سفر الجامعة 1: 9).
أسئلة: ما هي أهم "سنّة" بين الله والبشر؟ هل من الممكن أن نتصوّر أي "سنّة" أهم من ضرورة إرسال الرسائل بين الحبيب والمحب؟ ولماذا يبُطل الله فجأةً هذه السنّة الإلهيّة الحاسمة؟ إن من الممكن مقارنة الرسل والأنبياء بجهاز الإستقبال مثل التليفون أو الراديو، فبواسطتهم يتلقّى الإنسان الرسائل من عند الله، مصدر كل الرسائل. فهل من الممكن أن يبطل الله سبحانه وتعالى إرسال رُسُله وتعاليمه الغير متناهية لهداية البشر حتى يعيشوا في سلام وتآلف؟ أليس للخالق أي تعاليم أخرى؟ وهل نفذت كلماته؟
" وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"...". (سورة لقمان آية 27).
" قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا". (سورة الكهف آية 109).
نتابع معاً الجزء الأخير القادم....
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟