|
تقرير كولدستون : المخاض العسير
إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي
(Driss Jandari)
الحوار المتمدن-العدد: 2796 - 2009 / 10 / 11 - 01:02
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
صدر تقرير كولدستون أخيرا ؛ بعد مرور عقود طويلة من الإرهاب الصهيوني على الشعب الفلسطيني الأعزل . و لا ندري لحد الآن هل صدر هذا التقرير بمبادرة دولية قصد التكفير عن عن الجرائم المتواطإ حولها دوليا لعقود من الزمن ؛ أم هو فقط مبادرة شجاعة من رجل شجاع يحمل التقرير اسمه ؛ هذا الاسم الذي سيسجله تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني . المهم هو أن التقرير صدر؛ لكن النقاش الحقيقي الذي يمكن أن نثيره ؛ هو حول ما بعد صدور هذا التقرير ؛ الذي صدم أصحاب القضية قبل أن يصدم الأعداء . فقد شن الكيان الصهيوني حربا إعلامية و سياسية شرسة على هذا التقرير ؛ متهما إياه تارة بالتقصير ؛ و تارة بانعدام الحيادية و الموضوعية ؛ لأن إسرائيل في رأي قادة الإجرام الصهيوني لم تفعل شيئا يمكن للتقرير أن يسجله للتحقيق فيه ؛ ما عدا مواجهة (الإرهاب) الفلسطيني الذي يهدد وجودها !! لكن الزلة الكبرى؛ و التي تخفي أكثر مما تعلن هو قرار السلطة الفلسطينية ؛ بزعامة الرئيس محمود عباس ؛ و التي دعت إلى تأجيل البث في هذا التقرير ؛ لا ندري لماذا ؟ هل هناك فيتو أمريكي ؛ مر تحت الطاولة ؛ يهدد السلطة الفلسطينية في الأجل القريب قبل المتوسط و البعيد بهيجان حمساوي ؛ سيأتي على الأخضر و اليابس ؟ و لذلك يجب عليها أن تحمي الفتى المدلل للأمريكيين في المنطقة ؛ حماية لنفسها ؟ و حتى في هذه الحالة ؛ ما هي الخطوة التي ستقدم عليها الولايات المتحدة ؛ بعد اختلاط أوراقها في المنطقة قبل إسرائيل ؟ هل ستقدم كمقابل لهذا التأجيل تأجيلا مماتثلا للانتخابات؟ و بالتالي ستفتح المجال بشكل أوسع أمام السيد محمود عباس ؛ ليقود المفاوضات مع حكومة يمينية متطرفة ؛ لا تعترف بأية حقوق للفلسطينيين على أرضهم ؛ بل و على أنفسهم حتى ؟ و حتى إذا تحقق تأجيل الانتخابات ؛ في مقابل تحقق تأجيل التقرير –طبعا- إلى أجل غير مسمى ؛ هل هذا القرار يخدم السلطة الفلسطينية ؛ التي ستصبح سلطة غير شرعية في هذه الحالة ؛ و بالتالي ليس من حقها قيادة المفاوصات مع الحكومة الصهيونية ؟ إن السلطة الفلسطينية بإقدامها على الدعوة إلى تأجيل تقرير كولدستون أتت على ما تبقى من هيبتها أمام الشعب الفلسطيني ؛ و أمام الرأي العام العربي عامة ؛ ما يهددها في وجودها مستقبلا . لكن ماذا بعد تراجع السلطة الفلسطينية عن دعمها لتأجيل تقرير كولدستون على لسان ممثلها في الأمم المتحدة ؛ و ماذا بعد تنويه الاتحاد الأوربي بالتقرير و بصاحبه ؟ هناك خطوتان مفاجئتان الآن ؛ صدرتا بشكل متزامن ؛ لا ندري ماهي الخطوة التي ولدت الـأخرى ؟! لكن الأكيد هو أن السلطة الفلسطينية في تراجعها عن التأجيل تكون قد أنقدت الموقف في آخر لحظة ؛ رغم إنها فقدت الكثير من مشروعيتها في الأيام السابقة ؛ و هذا التراجع نفسه يؤكد الورطة الكبرى التي سقطت فيها السلطة الفلسطينية ؛ و على الخصوص زعيمها محمود عباس ؛ الذي يبدو أنه أصبح مهددا في مستقبله السيتاسي ؛ خدمة لأجندة خارجية ؛ لا تخدم لا السلطة و لا القضية الفلسطينية بشكل عام ؛ بقدر ما تخدم القرار الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة . و يمكن لأي ملاحظ أن يشم رائحة الضغط الذي يمكن أن يشكله قرار الاتحاد الأوربي الأخير القاصي بدعم التقرير ؛ على قرار السلطة الداعي للتأجيل ؛ الشيء الذي ظهرت نتائجه بشكل متسارع ؛ إلى درجة أن القرارين معا جاءا متزامنين . فقد تعرصت السلطة الفلسطينية في الأيام الأخيرة لضغوط كبيرة جدا ؛ من محيطها العربي و الإسلامي ؛ الذي نفى أي تدخل له في التأجيل ؛ سواء على لسان مصر أو قطر أو الجامعة العربية ؛ أو منظمة المؤتمر الإسلامي ؛ و في هذا السياق كان الموقف السوري أكثر وضوحا و قوة ؛ حين دعا الرئيس بشار الأسد نظيره الفلسطيني إلى تأجيل زياته إلى سوريا كلها ضغوطات كبيرة لا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تتحملها ؛ خصوصا و قد جاء الدعم الأوربي للتقرير ليضيف ضغطا جديدا من العيار الثقيل هذه المرة . هكذا نجد السلطة الفلسطينية أخيرا ؛ تعيد حساباتها على ضوء الربح و الخسارة ؛ و تقرر التراجع عن دعم تأجيل التقرير؛ داعية إلى عرضه على لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة . إن الأسئلة الحقيقة هي التي ستلي هذا القرار الفلسطيني ؛ الذي يتزامن مع القرار الأوربي ؛ هل سيكون له أثر مباشر على تسريع عرض التقرير على لجنة حقوق الإنسان ؛ للبث في الجرائم الصهيونية على غزة ؛ أم إننا ننتظر فيتو أمريكي في الطريق ؛ يدعو إلى حل وسط بعدما فشل الحل الجذري . و هنا يمكن للضغط العربي –الإسلامي أن يبدأ في اتجاهات مختلفة ؛ أولا الضغط على السلطة الفلسطينية ؛ كطرف معني بدعم هذا التقرير ؛ و ثانيا الضغط على الولايات المتحدة ؛ التي تسعى إلى حماية إسرائيل ؛ و الهدف الذي يجب أن يطرح على الطاولة هو جرجرة مجرمي الكيان الصهيوني سياسيين و عسكريين أمام المحاكم الدولية . و ذلك قصد الحد من تكرار هذه الجرائم البشعة ؛ التي مارسها الكيان الصهيوني العنصري في حق شعب أعزل ؛ يدافع عن حقه في الحياة و الكرامة الإنسانية . و لعل هذا هو أول اختبار يواجهه الرئيس الأمريكي (باراك أوبا ما) في تنزيل خطابه على أرض الواقع ؛ فقد دعا في خطابات كثيرة ؛ آخرها خطابه الأخير في الأمم المتحدة إلى طي صفحة الماضي ؛ و تحقيق العدالة ؛ و تطبيق القانون الدولي ؛ و هذه كلها مبادئ نبيلة ؛ إن قرنت بالتطبيق و الممارسة . سنرى هل يمتلك الرئيس الأمريكي وضوح الرؤية و الشجاعة السياسية الكافية ؛ أم إن خطاباته لن تتجاوز أحلام نائم ؛ سرعان ما سيستفيق على كوابيس اللوبي الصهيوني ؛ الذي يضغط بكل ثقله ؛ بخصوص جميع القضايا التي تخص إسرائيل . إن لباراك أوبا ما شعبية ؛ سواء في الداخل أو في الخارج ؛ ليس لها مثيل في التاريخ الأمريكي ؛ و لذلك وجب عليه حماية صورته ؛ ومعها حماية صورة أمريكا في العالم ؛ من التسلط الصهيوني ؛ الذي نهش بما فيه الكفاية الجسد الأمريكي لعقود طويلة و ما يزال ؛ خدمة ليوتوبيات لا علاقة لها بالواقع . و لذلك وجب عليه أن يبرهن عن مغايرته للسياسات الأمريكية السابقة ؛ و ذلك عبر الانتصار للعدالة و القانون و منطق حقوق الإنسان . و إذا كان يريد فتح صفحة جديدة مع العالم العربي و الإسلامي ؛ فهذه هي الفرصة الملائمة لذلك ؛ خصوصا و إن هناك توجه عالمي يقوده الاتحاد الأوربي لمعاقبة إسرائيل على الجرائم التي اقترفتها في قطاع غزة ؛ حتى تعود للقرار الدولي هيبته المفقودة . أخيرا هناك تقرير كولدستون ؛ و هناك لاعبون دوليون يجب أن يحترموا قوانين اللعب ؛ و هناك نتيجة يجب أن ندافع بكل قوة لتحقيقها ؛ و هي معاقبة المجرمين الصهاينة سياسيين و عسكريين على الجرائم البشعة التي اقترفوها في قطاع غزة ؛ في حق أطفال و شيوخ و نساء ؛ و هذا اختبار جديد للشرعية الدولية ؛ يجب أن تنجح فيه .
#إدريس_جنداري (هاشتاغ)
Driss_Jandari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في مساءلة دعوى شرق أوسط من دون سلاح نووي
-
إيران و إسرائيل- الخليج : التحديات الاستراتيجية القادمة
-
في الحاجة إلى حوار حضاري متعدد الأقطاب
-
في الحاجة إلى تعريب التشيع
-
الخصوصية الروحية المغربية : ما بين السنة و الشيعة
-
الوهابية و الخومينية صراع استراتيجي بطعم مذهبي
-
خطر التشيع و التحدي الاستراتيجي الإيراني
-
الشيعة و السنة : المذهبية الدينية في خدمة الإيديولوجيا السيا
...
-
مفهوم الأمن الأخلاقي : دفاعا عن القيم المغربية المشتركة
-
مفهوم الأمن الروحي و ترسيخ الخصوصية الروحية المغربية
-
في الحاجة إلى القراءة العلمية للظاهرة الدينية : حول المقاربة
...
-
في الحاجة إلى القراءة العلمية للظاهرة الدينية الإسلامية : ال
...
-
في الحاجة إلى القراءة العلمية للظاهرة الدينية - نقد مسلمة ال
...
-
القراءة العلمية للظاهرة الدينية مدخل نحو التأسيس للعلمانية
-
ما بين العلمانية و العلمانوية : في الحاجة إلى القراءة العلمي
...
-
في الحاجة إلى النقد المزدوج : ما بين التطرف اليساروي العلمان
...
-
في الحاجة إلى نبذ ثقافة الشيخ و المريد : تعقيبا على مريدي وف
...
-
بعد الحلقة الأخيرة من سلسلتها : وفاء سلطان امرأة عابرة في كل
...
-
الظاهرة الحمساوية و الظاهرة الليبرمانية : لا بد من تدارك الخ
...
-
العراق الجديد : الفينيق ينبعث من رماده
المزيد.....
-
هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي
...
-
خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف
...
-
خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
-
الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
-
قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
-
بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
-
خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
-
أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر
...
-
وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس
...
-
قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)
المزيد.....
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
-
الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل
...
/ بشير النجاب
المزيد.....
|