|
في مساءلة دعوى شرق أوسط من دون سلاح نووي
إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي
(Driss Jandari)
الحوار المتمدن-العدد: 2787 - 2009 / 10 / 2 - 01:51
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
أثيرت في الأيام الأخيرة ضجة غير مسبوقة ؛ سياسيا و إعلاميا حول البرنامج النووي الإيراني ؛ الذي يتهمه الغرب بأنه برنامج عسكري ؛ يسعى إلى تقويض السلام في منطقة متأججة بالصراعات السياسية و الدينية . و يعتمد خصوم هذا البرنامج النووي في هجومهم على مفاهيم أممية؛ من قبيل الحد من التسلح النووي؛ أو وقف سباق التسلح؛ أو القطيعة مع مرحلة الحرب الباردة... و كلها –في الحقيقة – مفاهيم حقيقية ؛ لكن للأسف الكبير يراد بها باطل ؛ ما دامت الوقائع الجارية على الأرض تنفي كل هذه الادعاءات . فالقوى الكبرى التي اجتمعت مؤخرا ؛ أجمعت كلها على الحد من سباق التسلح النووي في العالم ؛ لأن ذلك يهدد السلام العالمي ؛ و كان من أبرز المناهضين لسباق التسلح هذا ؛ الرئيس الأمريكي –باراك أوباما - ؛ الذي يبدو أنه يقوم بتمثيل دورين متناقضين على خشبة واحدة ؛ فهو من جهة يقوم بدور المفكر و داعية السلام ؛ مستثمرا في ذلك كل مهاراته الأكاديمية ؛ في استغلال مفضوح للقيم الإنسانية المشتركة ؛ و لكنه في حقيقة الأمر يتزعم أكبر قوة نووية في العالم ؛ تهدد بأسلحتها النووية العالم كله ؛ كما أنه يتزعم الدولة التي تدعم صراحة و بشكل مباشر أكبر قوة استعمارية و عنصرية عرفها التاريخ البشري ؛ و هي إسرائيل التي تنتهك القرارات الدولية في واضحة النهار ؛ و بدعم أمريكي- أوربي غير محدود ؛ و هي تمتلك أكبر قوة نووية في منطقة الشرق الأوسط ؛ و هي قادرة في أية لحظة على الإبادة الجماعية لشعوب بأكملها . إن لعب الرئيس الأمريكي لهذين الدورين المتناقضين –في الحقيقة- لا يخدم الاستقرار و السلام العالمي ؛ بل على العكس من ذلك سيقوضهما ؛ خصوصا إذا استمرت أمريكا في دعم الحلفاء بالمساعدات العسكرية السنوية ( و منها ما يرتبط بالسلاح النووي) ؛ التي تقدر بمئات الملايير ؛ و في المقابل تسعى إلى فرض قيود غير عادلة على كل من يهدد دورها الاستراتيجي في العالم ؛ و في استغلال أكثر بشاعة لقرارات الأمم المتحدة ؛ هذه المؤسسة التي تحولت إلى ملحقة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية . في الحقيقة لا أحد يعترض على دفاع الولايات المتحدة الأمريكية عن خياراتها الإستراتيجية ؛ لأن الرئيس الأمريكي صرح في الاجتماع الأخير علانية بأنه يسعى إلى خدمة مصالح بلاده بشكل أولى ؛ قبل خدمة أية قضية عالمية أخرى . لكن في المقابل من حق جميع دول العالم أن تدافع عن مصالحها ؛ و من حقها كذلك أن تحمي نفسها من الأخطار الكبرى التي تداهمها من طرف الدول الكبرى ؛ و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ؛ التي دشنت في السنوات الأخيرة لإستراتيجية دفاعية جديدة تقوم على ما يسمى بالضربات الاستباقية ؛ و تبقى جميع الدول الغير قادرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة الضربات الاستباقية الأمريكية ؛ و لو كان ذلك بناء على معلومات استخباراتية خاطئة - البرنامج النووي العراقي نموذجا- . إن السياسة الأمريكية ؛ و امتدادا لها القرارات الأممية ؛ في الحقيقة لا تسعى إلى وقف سباق التسلح النووي في العالم ؛ و لكنها تسعى إلى التأسيس لسياسة جديدة ؛ تقوم على احتكار القوى الكبرى في العالم للسلاح النووي ؛ الذي يمتلك قوة الردع ؛ و التي تمكن هذه الدول من رفع الورقة الحمراء في وجه أية دولة تحاول الدخول إلى نادي الكبار . و إذا أخذنا على سبيل المثال منطقة الشرق الأوسط الغنية بثرواتها البترولية ؛ و التي تشكل الآن الباحة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية ؛ فإن أمريكا تواجه بشراسة غير مسبوقة البرنامج النووي الإيراني ؛ بدعوى أنه يؤسس لسباق التسلح النووي في المنطقة ؛ لكنها في الحقيقة تنظر إلى القوة الإستراتيجية الإيرانية المتنامية في المنطقة بعين التوجس ؛ باعتبار أنها تهدد مصالحها الآنية و المستقبلية ؛ سواء فيما يرتبط بإمدادات الطاقة ؛ أو فيما يرتبط بالحليف الاستراتيجي –فوق العادة- الإسرائيلي . و هذا ما يبدو واضحا من خلال العناية الفائقة التي يتلقاها البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي؛ الذي تأسس بخبرة أوربية-فرنسا- و يعيش على الرعاية الأمريكية. و يعلم جميع الخبراء في قضايا التسلح النووي –خصوصا- الخطر الذي يمثله هذا البرنامج على مستقبل منطقة الشرق الأوسط ؛ و خصوصا مع استمرار النزاعات الإقليمية بين إسرائيل والعالم العربي ؛ حول احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية ؛ و هضبة الجولان و مزارع شبعه . لكن ما يلاحظ هو أن الأمم المتحدة لم تثر في اجتماعها الأخير المخصص لقضايا التسلح النووي في العالم ؛ لم تثر أي نقاش بخصوص كل هذه الأخطار المتنامية التي يشكلها البرنامج النووي الإسرائيلي ؛ لأن ذلك –طبعا- يعتبر مسا مباشرا بالمصالح الأمريكية- الأوربية في المنطقة ؛ لأن إسرائيل لا وجود لها ككيان طبيعي بدون سلاح ردع نووي ؛ يمكنها من فرض إستراتيجيتها على المنطقة ؛ و التحكم في السلم و الحرب ؛ حسب إرادتها و أجندتها السياسية . إن ما يجب أن يفرض مستقبلا؛ على الأجندة الأممية ؛ هو في الحقيقة قضية ضم إسرائيل إلى الدول الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ؛ و الالتزام بجميع قرارات وكالة الطاقة ؛ الهادفة إلى الحد من توسع التسلح النووي في العالم ؛ وذلك عبر إخضاع منشآتها النووية إلى التفتيش و المراقبة ؛ و في نفس الآن فرض نفس الرقابة على البرنامج النووي الإيراني ؛ و هذا هو المدخل الحقيقي لولادة شرق أوسط خال من الأسلحة النووية . أما أن تستمر الأمم المتحدة من خلال أعضائها الأوربيين – الأمريكيين خصوصا في مسار الكيل بمكيالين ؛ فإن هذا لن يفضي إلا إلى سباق تسلح نووي ؛ لأن كل أمة تسعى إلى حماية نفسها من الأخطار التي يمكن أن تداهمها في أية لحظة ؛ تحت مبررات شتى ؛ لا تلتزم أقل درجات العدالة و القانون .
#إدريس_جنداري (هاشتاغ)
Driss_Jandari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إيران و إسرائيل- الخليج : التحديات الاستراتيجية القادمة
-
في الحاجة إلى حوار حضاري متعدد الأقطاب
-
في الحاجة إلى تعريب التشيع
-
الخصوصية الروحية المغربية : ما بين السنة و الشيعة
-
الوهابية و الخومينية صراع استراتيجي بطعم مذهبي
-
خطر التشيع و التحدي الاستراتيجي الإيراني
-
الشيعة و السنة : المذهبية الدينية في خدمة الإيديولوجيا السيا
...
-
مفهوم الأمن الأخلاقي : دفاعا عن القيم المغربية المشتركة
-
مفهوم الأمن الروحي و ترسيخ الخصوصية الروحية المغربية
-
في الحاجة إلى القراءة العلمية للظاهرة الدينية : حول المقاربة
...
-
في الحاجة إلى القراءة العلمية للظاهرة الدينية الإسلامية : ال
...
-
في الحاجة إلى القراءة العلمية للظاهرة الدينية - نقد مسلمة ال
...
-
القراءة العلمية للظاهرة الدينية مدخل نحو التأسيس للعلمانية
-
ما بين العلمانية و العلمانوية : في الحاجة إلى القراءة العلمي
...
-
في الحاجة إلى النقد المزدوج : ما بين التطرف اليساروي العلمان
...
-
في الحاجة إلى نبذ ثقافة الشيخ و المريد : تعقيبا على مريدي وف
...
-
بعد الحلقة الأخيرة من سلسلتها : وفاء سلطان امرأة عابرة في كل
...
-
الظاهرة الحمساوية و الظاهرة الليبرمانية : لا بد من تدارك الخ
...
-
العراق الجديد : الفينيق ينبعث من رماده
-
طابور الهزائم : تاريخ من الشعوذة و السحر
المزيد.....
-
ماذا قالت المصادر لـCNN عن كواليس الضربة الإسرائيلية داخل إي
...
-
صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل
-
CNN نقلا عن مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تهاجم مفاعلات إيران
-
إعلان إيراني بشأن المنشآت النووية بعد الهجوم الإسرائيلي
-
-تسنيم- تنفي وقوع أي انفجار في أصفهان
-
هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني - لحظة بلحظة
-
دوي انفجارات بأصفهان .. إيران تفعل دفاعاتها الجوية وتؤكد -سل
...
-
وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
-
صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات
...
-
انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر
...
المزيد.....
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
-
الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل
...
/ بشير النجاب
المزيد.....
|