|
مدينتي العربيّة المسلمة....؟!
باهي صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2790 - 2009 / 10 / 5 - 20:53
المحور:
كتابات ساخرة
على مشارف مدينتي العربيّة المسلمة (الّتي أعيش فيها) و أنت قادم إليها راجلا أو راكبا، و عوض أن تحمل لك نسائم الصّباح أو المساء رائحة الأشجار و البساتين، و عوض أن ترى المساحات الخضراء الّتي عادة ما تراها داخل مدن العالم و ضواحيها و شوارعها وعلى طول طرقها العابرة أو السّيارة...ترى تلك الطّرق و هي محفوفة مهما طالت و مهما كبرت بالاخضرار و الأزهار من كلّ لون...تراها أثناء تنقلك أو سفرك فتمتّع بصرك و تشيع الرّاحة و البهجة في نفسك...عوض ذلك، ترى البشاعة و القذارة و الحفر و المطبّات و تعبق خياشيمك و تلافيف و دهاليز أنفك و دماغك برائحة الخراء النّافذة بنوعيه الطّازج و المدوّر أو ما لفظته شبكة المجاري و قنوات الصّرف الصّحي...! مدينتي مدينة الحفّارين بامتياز، فسكّانها مولعون أو مهووسون بالحَفْرِ على مدار السّنة، النّاس و مؤسّسات الدّولة على حدّ سواء، الجميع لديهم هواية الحَفر و ترك ما حفروه دون ردم أو إصلاح...كل طرقاتها و شوارعها و أحيائها هي عبارة عن مطبّات و حُفر و تكسّرات و أكوام ترابيّة حديثة و قديمة، و كأنّ المدينة في حالة حرب أو تعرّضت لقصف جوّي مباغت، و الأولى لمن يستخدم سيّارة فيها أن لا يقتني غير ذات الدّفع الرّباعي المصمّمة للسّير في الصّحاري و الجبال و الوديان...المدينة كما عهدتها على هذه الحال منذ استوطنت فيها...أحيانا تأتيهم الحماسة فيعبّدون شارعا أو جزءا من طريق و قبل أن تكتمل فرحتنا نراهم يعودون إليه بعد يوم أو يومين و يباشرون بحفره و ركم ترابه و حجارته و تركها هناك إلى أنّ تتحوّل المنطقة أو الشّارع أو الطّريق السّيار إلى ما يشبه المنطقة الجبليّة من كثرة ما تشكّل عليها من هضبات و جزر ترابيّة متكلّسة هنا و هناك...أضف إليها تسرّبات دائمة و مستديمة لقنوات المياه و الصّرف الصّحي الّتي قد يتجاوز عمر البعض منها حتّى العشر سنوات، و تخيّل أيّها القارئ الكريم خاصّة إن أنعم اللّه عليك بالعيش بعيدا من هنا...حاول أن تتخيّل المشهد الّذي نُرغم في هذه المدينة على رؤيته صباحا مساء و نحن نغدو و نروح من و إلى بيوتنا... ألا يؤدّي هذا إلى الإصابة بالكآبة أو حتّى بالانهيار العصبي...؟! ميزة عدد من المدن و القرى الهولنديّة مثلا إنتاج الورود و مشتقّات الحليب من زبدة و جبن ذو نوعيات و ماركات عالميّة رفيعة و مشهورة و تصديرهما إلى كثير من دول العالم، أمّا ميزة مدينتي العربيّة المسلمة (الّتي لا تختلف على ما أظنّ عن كثير من مدننا العربيّة) الأساسيّة فهي إنتاج الخراء و مشتقّاته و هذا الإنتاج الهامّ يلمسه كلّ زائر من خلال الرّائحة الّتي تحملها إليه النّسمات و تيّارات الهواء كما قلنا حتّى و هو لا زال على مشارف المدينة...؟! تلمسها أيضا و أنت تدخل ميضأة للتوضّؤ فتستقبلك على بعد أمتار رائحة مراحيضها النّفاذة من بول و خراء المتوضّئين، و تبقى معك تلك الرّائحة لترافقك في صلاتك و أنت واقف وسط جمهور المصلّين الّذين اعتاد كثير منهم على إدخال أحذيتهم إلى داخل المسجد و الدّخول إليه بجواربهم و دون أن يبذلوا جهدا في تنظيف أنفسهم...! مراحيض الحرم الجامعي في الولاية ( سلك التّعليم بما فيه الجامعات يستهلك الشّطر الأكبر من موارد الجزائر الماليّة) تعطيك صورة حقيقيّة عن المستوى الفكري و العلمي لطلاّبنا و تقرّب إلى ذهن من اضطرّ إلى دخولها لقضاء حاجته فيها أكرمكم اللّه أو حتّى بدافع الفضول...تقرّب إلى ذهنه نوعيّة العقليّة الّتي تتميّز بها هذه الفئة الّتي تأتي في طليعة من يُعوّل عليهم فَرَضًا لنهضة البلاد و تقدّمها...على اعتبار أنّهم الأثقف و الأكثر علما و حكمة و الأوسع فكرا...الفئة الّتي تعدّها مجتمعاتنا و تصرف عليها دم قلوبها ليتخرّج منها خيرة أبنائها من المفكّرين و الكتّاب و المبدعين و الأطبّاء و المهندسين و القادة و السّياسيين و غيرهم...مراحيض هذه الجامعات تعطيك فكرة عن أخلاق و مستوى طلاّبنا الخرائيّة....كيف...؟! عندما التحقت بالجامعة لأوّل مرّة أصبت بصدمة بقيت آثارها على نفسي إلى يومنا هذا...و أنا الّذي كنت أرسم في ذهني صورة ورديّة رائعة مختلفة تماما عمّا شهدته و لمسته بنفسي خلال الشّهرين الأوّلين فقط....و الحقيقة أنّ أشياء كثيرة سيّئة و مثبّطة علِقت بذاكرتي لكنّ أبرزها حال دورات المياه لحرم الجامعة عندنا...! لا أخفيكم أنّي فوجئت كثيرا بكمّية الخراء المكوّم داخلها و برائحته الخانقة الّتي تصدمك و تصفعك صفعا فتصيبك بالغثيان و تدفعك دفعا لقذف ما حوته بطنك....طلاّبنا ما شاء اللّه عليهم و على تربيتهم لا يحلو لهم التّواصل فيما بينهم و لا ممارسة هواياتهم الغريبة في الرّسم و كتابة خواطرهم الخرائيّة إلاّ بمداد مؤخّراتهم على حيطان و أرضيات دورات المياه تلك ...أي نعم بالخراء....!! خراء في خراء، الحبر كما قلنا من خراء، الجُمل و الكلمات و التّعليقات البذيئة و السّوقية و حتّى الشِّعر الماجن و صور إباحيّة غريبة للأطياز و الزّبوب متراكبة أو منفصلة و أخرى للخلائق و هي تنيك في بعضها البعض مثل الدّواب، العجيب أنّهم يستخدمون أصابعهم بدل الأقلام للكتابة بخرائهم...تصوّر أخي القارئ...؟! و ما أكثر ما يعجز عمّال و عاملات النّظافة كلّ صباح عن صرف ما تكدّس في دورات المياه الجامعيّة تلك من أطنان إنتاج طلبتنا الأذكياء الحاذقين (الخراء..!) بسبب ما يتعمّدون تركه و رميه هناك فيسدّون به المجارير... سراويل، كلسونات، قوارير، صحف، أكياس بلاستيكية و كرتونيّة، أوراق، أكواب، زجاج مكسور، و حتّى الكتب و الكراريس...عندما يعجز طقم عمّال النّظافة التّابع للجامعة يستنجد المشرفون عليها بعمّال البلديّة و المواسير و المجاري المختصّين لفتح الانسدادات و تصريف الانتاج المكدّس...!! أمّا في مراحيض الجامعة المخصّصة لطالباتنا و أغلبهنّ متحجّبات و يغطّين رؤوسهنّ و للّه الحمد، فالحال لا يختلف كثيرا، فبالإضافة إلى كلّ ما ذُكر تجد أيضا فوطاتهنّ و حفّاظاتهنّ و كثيرا من أغراضهنّ الأنثويّة مرميّة أو محشوّة حشوا في مواسير الصّرف (هذا ما يتداوله عمّال و عاملات النّظافة خاصّة عنهنّ)....؟! هذا حال دورات المياه في الحرم الجامعي لمدينتي العربيّة المسلمة...؟!! و هذا إن تغاضينا عن مواهب الإفساد و التّخريب الّتي وهبها اللّه لطلبتنا ذكورا و إناثا فهي لا تعدّ و لا تعصى و تحتاج لوحدها إلى بحث مستفيض، فليس في الجامعة شيئ طالتهم أيديهم إلاّ سرقوه أو أفسدوه أو أتلفوه أو خرّبوه... الأبواب، الأفرشة و الأغطية، النّوافذ، الكراسي و المقاعد، أجهزة و أدوات و عتاد المخابر، حتّى الجدران و المساحات و السّاحات داخل الحرم و خارجه...إلخ بحيث تضطرّ الدّولة من سنة لأخرى إلى تخصيص ميزانيّات بملايير الدّينارات بغرض إصلاح و ترميم جامعاتنا و تعويض التّالف و المسروق منها...! و إن أهملنا أيضا أخلاق الطّلبة و تصرّفاتهم الّتي أصبحت حديث الخاصّ و العامّ على مستوى البلد كلّه (فجامعاتنا كلّها لا تختلف كثيرا عن بعضها البعض) بسبب انتشار الفاحشة و تعاطي المخدّرات و غيرها من الشّرور و الموبقات بحيث أصبح الآباء يتردّدون في إرسال خاصّة بناتهم للدّراسة هناك...فإنّ النّتيجة المنتظرة من جامعة مدينتي الّتي ربّما فاق عدد طلبتها العشرة آلاف طالب و هذا عدد قليل بالمقارنة مع عدد من جامعات و معاهد الولايات و المدن الكبرى الّتي يتجاوز بعضها الخمسة و عشرون ألفا...أقول ماهي النّتيجة المنتظرة و الحصاد الّذي يأمله الوطن من كلّ هؤلاء...أقول لا شيئ، ما عدا أموال مهدورة و إنتاج معتبر للمقدّمات والمؤخّرات الطلاّبيّة...!! من المعالم التّاريخيّة الّتي تركتها الحضارة الرّومانيّة العظيمة في مدينتي قوس كاركالا و السّور البيزنطي و المدرّج المسرحي وغيرهم...كلّ هذا التّراث الإنساني العظيم يتعرّض إلى التّآكل بسبب الإهمال و غرقه في الأوساخ و القمامة... النّاس في هذه المدينة مسلمون و النّظافة عندهم من أولويات دينهم و الجوامع خاصّة يوم الجمعة رغم كثرتها و رحابتها مملوءة و مكتظّة عن آخرها بهم و يصعب عليك أن تجد مكانا إن لم تبكّر بالقدوم... لكن عندما ترى حال هؤلاء الّناس المتبتّلون الورعون تصاب بالاندهاش، فأحيائهم و طرقاتهم و عماراتهم و شوارعهم و حتّى داخل بيوتهم كلّها على ما يبدو لي تغرق في القذارة و الأوساخ...حتّى الآثار و المعالم التّاريخيّة الّي شرّفتهم بهم و تركتهم لهم الحضارات البائدة لم تسلم من آذاهم و وسخهم، فأنت تراهم لا يكفّون عن رمي قاذوراتهم و زبالتهم هناك إلى أن حوّلوا جدران و زوايا الآثار الرّومانيّة إلى مراحيض للتبوّل و طرح فضلاتهم....و أنت مارّ من هناك تستطيع أن تمتّع نظرك بمشاهد انتشار برك و جداول البول و هي تنخر في الحجارة و الأساسات الأثريّة بحيث تستطيع فضلا عن ذلك إمتاع حاسّة الشّم لديك بالعطر الآدمي الفوّاح و هو يلفّ تلك الآثار و يخنقها، و لا يكتفي العباد هنا بذلك بل يبقّعون تلك النّواحي و الأجزاء الخافية لتلك المعالم بفضلاتهم البشريّة الكريهة من كلّ حجم و لون، و لك أن تتخيّل عزيزي القارئ المشهد و طبيعة الرّائحة الّتي تعطّر تلك الأماكن و ما حولها...و أَحْمَدُ اللّه أنّ السّواح لا يأتون إلينا و إلاّ كانوا اشتكونا إلى إحدى منظّمات الأمم المتّحدة أو رفعوا ضدّنا دعوى قضائيّة في محكمة العدل الدّوليّة...! فهل نحن نعيش في مدينة أم في مزبلة أم في مصرف للخراء و القذارة...أم نحن جالسون فوق خرية كبيرة و لا ندري...؟!
#باهي_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كان لي رأي حين أبديته، ساقوا عليّ الملامة و قالوا أنت حمارُ.
...
-
عقيدة الولاء و البراء هل تصلح للعصر الحالي....؟
-
تيسون....
-
رغم التّدليس و التّزييف إلاّ أنّ الّتاريخ لا يرحم و لا يجامل
...
-
مرض التّفكير، أعراضه، علاجه و طرق الوقاية منه...!
-
هل من أمل في نهضة المسلمين و المرأة عندهم عورة و شيطان يُبطل
...
-
خسئتم مشيخة الجهل و النّفاق، فأنتم مصيبة الأمّة و بلاءها الأ
...
-
لدين الإسلام دور يصعب إنكاره أو المرور فوقه...!
-
سطور من الفصل الثّاني عشر من رواية كرة الثلج
-
هل إسلام الغالبيّة ممسوخ أم منسوخ....؟!
-
على من يكذب أمين منظّمة المؤتمر الإسلامي....؟!
-
احتقان، شغب..و سخط عامّ! الفصل الأوّل (2)
-
نعم أنا مسلم و لكن....؟!
-
احتقان، شغب..و سخط عامّ! (1)
-
مقدّمة رواية كرة الثلج الصّادرة في سنة 2006
-
تُرى هل العين حقّ أم مجرّد خرافة و ظاهرة غباء و تخلّف...؟!
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|