أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رياض سبتي - التورابوراويون ( * )















المزيد.....

التورابوراويون ( * )


رياض سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 2786 - 2009 / 10 / 1 - 08:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لانستطيع أن ننكر أن النظام السياسي في العراق منذ نشوء الدولة العراقية وحتى سقوطها في عام 2003 قد أضرّ بالمجتمع العراقي بكل تنوعاته بشكلٍ أو بآخر لكننا في الوقت نفسه أيضاً لا يمكننا أن ننكر ان الدولة العراقية ( الجهاز الاداري ) تحاول التقدم للأمام بغضّ النظر عن النظام الحاكم الذي يقودها ، مثلا ، لا يمكن ان تدير الدولة ظهرها لتترك المدن بلا إسالات للماء وتجعل رعاياها يشربون من الآبار البدائية سواء كانت هذه الدولة دولة نوري السعيد أو دولة صدام حسين ، ولا تستطيع هذه الدولة أيضاً أن يكون سلاحها السيف وتترك الأسلحة الحديثة ، أو إنها تترك الجسور وتستخدم (القفف) أو لا تستحدث دائرة ما لتنظيم التعاملات المالية الداخلية أو الخارجية بمعنى آخر أن يهتم (الجهاز الاداري) للدولة بقضايا الصحة والتعليم والدفاع وهذا مُتّبع منذ العهدين الأموي والعباسي حينما كان يسند هذا الجهاز لوزير الخليفة ، هذه هي نصف الحقيقة التي يحاول التورابوراويون أن يتجاهلوها .
إن الفصائل التورابوراوية ما زالت تُلزم نفسها بتقاليدها البالية الراكدة التي تجاوزتها الحضارة لأنها ما زالت لم تخرج من الكهوف التي إرتضتها أن تكون حاضنة لها ومكانا لإجترار ثقافتها واستمرار نزاعاتها التي أدّت بها الى تشرذمها وتحوّلها الى كيانات، ومازالت لم تنفض الغبار الاسود الذي ملأ أدمغتها ومنعها من التفكير السليم ،هؤلاء لا يؤمنون بالتطور الطبيعي للحياة أو الفرد و لايؤمنون بأن التعليم الموجود في العراق ، افغانستان ، المغرب ، الصومال أو اسبانيا هو من واجب الدولة لا النظام ، بغض النظر عن الحاكم سواء كان بابراك كارمل ، نجيب الله ، الجنرال فرانكو ، سياد بري ، حامد قرضاي أو الملك غازي ،لا يؤمنون بشيء اسمه التطور المعرفي والعقلي والروحي عند الانسان، والدليل إنعزالهم الابدي في منطقة عقلية متحجرة أو جودوها لانفسهم ، وانحيازهم التام لها والدفاع عنها . ولكن اذا ما خرجوا منها ورأوا إن العالم من حولهم كان قد تغير إلّا هُمْ ، أبوا إلّا أن يبقوا بعيدين عن فهم أسرار ذلك التطور في المجتمع أو الحياة المدنية لإعتقادهم بأنهم قادرين على تجزئة مكونات هذا التطور وتحويله الى جانبهم طبقاً لما يحملوه من أفكار أصبحت منتهية الصلاحية نتيجة وجودهم خارج نطاق الحضارة .
ينسحب هذا التصنيف أيضاً على أولئك الذين يقرأون ما في ادمغتهم فقط (**) ، فمثلاً عندما تكتب عن بغداد وتقول إنها أول وآخر المدن المقدسة بإعتبارها مدينة العلم والثقافة والأدب ،والمزدهرة من العهد العباسي حتى تعثّرها في الأربعين سنة الأخيرة ، وإنها الرمز السياسي والسيادي لبلدك بإعتبارها عاصمته أو لأنك تحبها لأنها تمثل لك مركزاً للفنون كلها أو لأنها جميلة بأبنيتها لأنها العاصمة أيضاً ، ينبري أحد التورابوراويون ليسقط كل ماعنده من حقد على المدينة وعلى البلد نفسه ، ويقول لك ان الطاغية هرب وسلمّ البلد الى الغزاة ، فاته إنك تتحدث عن مدينة تحبها لتاريخها وخصوصيتها ، فاته إنك تتحدث عن ضريح الإمام الكاظم وتمثال السعدون وساعة القشلة ومرقد أبي حنيفة النعمان و بناية معهد الفنون الجميلة والشيخ عبد القادر ونصب جواد سليم وتمثال ابي نؤاس وجامع الحيدرخانه والرصافي والشيخ عمر والعلاوي وبراثا والمدرسة المستنصرية وشارع المتنبي، فاته كل ذلك لأنه لم يرَ فيما قلت ما تراه أنت فيها، لم يرَ سوى فشله الذي كشفته مرحلة ما بعد الغزو وبَيَنَتْ الحجم الحقيقي والضئيل لكيانه ، فشلهُ الذي فاض به ولا يستطيع أن يداريه أو يتخلص منه إلا ليصُبَهُ على بغداد وعلى البلد الذي يدّعي حبه والدفاع عنه، وتصل به درجة السذاجة الى حد وصفك بالجاهل لأنك ذكرت إن التلفزيون لغته عراقية بحته ولا يدري إنما يصف نفسه بذاك ، لأن التلفزيون كانت له خصوصيته العراقية أيضاً (قبل ان تصبح لكنته ايراينة بعد الاحتلال ) فكان التلفزيون الكردي والتركماني والعربي وهذا كله يكوّن اللغة العراقية بالمعنى الوطني لتلك المكونات، وهنا تنتفي الحاجة الى السعي لتكوين خطاب فكري عام مشترك مع هؤلاء لما يمتلكون من جهل مزمن بعقلية المواطن البسيط الذي يودون قيادته يوماً ما ،واقتناعهم بأنهم الفريق الوحيد المؤهل للسيطرة على الساحة السياسية العراقية مما جعل جنون العظمة يسيطر على عقول بعض فصائلهم والتي أدّتْ بهم الى خسارتهم الفاضحة في الانتخابات رغم الإئتلافات التي جمعتهم بما كانوا يسمّونهم بالرجعيين ، و أيضاً محاولتهم السيطرة على كل ما هو وطني عام وتجييره لصالحهم كفرقة فئوية متطرفة تحاول الإستحواذ على ما يمكن أن نُسميه التطور الحياتي الطبيعي ، لإيمانهم بأن الشيء لا يتغير وهو قائم بذاته ومنفصل عن الآخر ، ومن يعترض على أهدافهم أو محاولتهم تلك يكون غير وطني حتى لو كان معارضاً ومحارباً للطاغية أو كان نزيل أحد معتقلاته ، هكذا كان يفكر التورابوراويون تجاه العراقي الآخر الهارب من جحيم القائد القاتل ، فبالنتيجة إنك إن لم تكن منهم فأنت ضدهم .
القسوة التي تعرضت لها هذه الكيانات على يد طاغية قاسي وفاشيستي ونظامه السلطوي القمعي، جعلتهم يتعالون و ينكرون إن هناك كيانات أخرى ( كانت تعارضهم فكرياً لكنها تلتقي معهم بأهداف مماثلة عدة ) تعرضت تماماً لما تعرضوا إليه أو ربما أكثر من تلك القسوة التي نالتهم، هذا التعالي أو النكران جعل الشارع العراقي لا يتعاطف معهم بل إنقلب عليهم وحاربهم في بعض الأحيان ، ولتضمحل بعدها تلك القاعدة الكبيرة التي كانوا يستندون عليها وليتعكزوا على دماء شهدائهم التي لم يصنوها بتحالفهم البائس مع ( الإستعمار والامبريالية العالمية ).
هؤلاء الآن يمرون بمرحلة إنتقالية ( من حياتهم ) شديدة القسوة وتمثّل لهم منعطفاً حاسماً سيشكل وسيساعد قطعاً على بلورة جديدة لأفكارهم ، لأنهم ، مكانياً قد خرجوا من كهوفهم وفوجئوا أن الحياة الاخرى التي خارج تلك الكهوف و المفتوحة على كل الاتجاهات قد تجاوزت (مرحلتهم الكهفية ) بعصور طويلة وهذا خلقَ عندهم ما يشبه الصدمة لانهم اصبحوا بلا قاعدة يرتكزون عليها تقريبا، ولأن ادمغتهم ما زالت هناك ، تعيش وتفكر بنفس المنطق القديم الذي تأسس عليه تطرفهم ، هذا الإنتقال سيؤدي بهم إما الى التحول الى الرجعية بكل معانيها من خلال التحالف السياسي معها، وبالتالي ذوبانهم فيها لكونهم أقليّة ، أو تفكك كيانهم نهائياً وهذا ماهو حاصل الآن ولكن بدرجة أقل من خلال الإنشطارات والإنشقاقات التي حدثت وستحدث نتيجة للرؤية الصائبة التي وصلتها بعض هذه الكيانات المنشقة وإبتعادهم سياسيا عن الكيان الاصلي باخطائه وتحالفاته المعيبة .
وما يميز هؤلاء الجهلة عن باقي خلق الله من العراقيين إنهم لا يميزون ما بين الدولة العراقية كنظام إدراي وما بين النظام السياسي الذي يحكم هذه الدولة ، فالعراق الحديث منذ نشوءه وحتى الآن باقٍ وسيبقى الى ما شاء القدر له أن يبقى ، لكن الانظمة السياسية فيه كانت تتغير تبعا لظروف كل فترة كان يعيش فيها أي نظام من تلك الانظمة، وهذا معروف ومثبت تاريخياً أيضاً ،
وقضية خلطهم للأمرهذه تتوضح عندما تكتب عن الأدب في العراق السابق أو تتذكر لحظة جميلة عشتها في بغداد ، تبدأ الاقلام المسمومة بنعتك بأبشع الأوصاف لا لشيء إلا لأنك لم تتفق مع أفكارهم المريضة التي لاتريد للآخر أن يقرأ عن ساحة النصر وازدحامها عصر كل يوم ،أو عن شارع الرشيد وحركة الناس الطبيعية فيه ، أو باصات بغداد التي تتنقل بين أحيائها أو اغنية ما لفؤاد سالم تنطلق من محل لبيع الملابس في شارع النهر ، لايريدونك أن تكتب عن الجانب الآخر من الحياة ، يريدون فقط أن تكتب عن الطاغية وما فعله بالعراق وكأن لا حياة كانت هناك في زمنه ولا زواج ولا ولادات ولا وفيات ولا مدارس ولا أطفال ينجحون الى المتوسطة ، ولا علاقات حب في سن المراهقة البريء ،ولا أدب جيد كان يكتب بعيداً عن الأدب البعثي ولا حتى اغنيات جميلة لطالب القره غولي كنا نتداولها في جلساتنا ، يريدون أن ننكر كل ذلك ونكتب عن السوداوية التي في عقولهم ، وإن لم تكتب فالإتهام جاهز لك ،عدو الإنسانية أو مناهض لـ ( الثورية) .
اللاإستقرار أوالمحسوبية السياسية التي يعيشونها جعلتهم يغضّون الطرف عن رفاق دربهم الذين يتبجحون بهم بانهم لم يبعوا انفسهم للشيطان وهذا صحيح، لكنهم باعوا انفسهم للطاغية عندما كانوا في مناسبة ما يسمى بـ (يوم المحافظة ) يهرولون من أجل مكرمة القائد، كان الرفاق يرقصون (الهجع ) ويغررون بأطفال المدارس الابتدائية للمشاركة بيوم (القائد – ميلاد الطاغية ) ، ناهيك عن بعض الشعراء الأُميين الذين كانوا يستلمون مكافآتهم من الكسيح عدي المقبور(200 ألف دينار ) شهريا لتمجيدهم الطاغية الأكبرخلال سني الحصار بخواطر هزيلة مثل (هو الذي فَطَمَ الأمّة وعلّمها المسير ) لينتهي بهم المطاف الى التسول في محطات الباصات بعد سقوط وليّ نعمتهم وتوقف المكافآت، التورابورايون لم يكتبوا عن هؤلاء الأمعات ولن يكتبوا والسبب بسيط جدا : إنهم ينحدرون من نفس الفصيلة الحاقدة على الاشياء القليلة الجميلة التي كنّا نستلّها من وسط اكوام الحروب والدخان والدمار والفقر والخوف والتشرد التي كانت تلفُّ العراق تحت حكم الديكتاتور المقبور ومازالت تحيق به كبلد واقع تحت الاحتلال .
الدولة العراقية سقطت برمّتها في عام 2003 ، والطاغية سقط أيضاً وأُعدِم ، والعصر التكريتي الدموي إنتهى الى غير رجعة وأصبح تاريخاً محكياً ومكتوباً من وجهات نظر عدة، متى يا ترى سينفض التورابوراويون الغبار الاسود من على أدمغتهم وينظروا الى المستقبل ليصنعوا فِكرة ؟ .
(*) تورا بورا تعني الغبار الاسود (موسوعة ويكيبيديا ) .
(**) العلامة الراحل الدكتور علي الوردي رحمه الله (( القراء الذين يفهمون غير اولئك الذين يقرأون ما هو مكتوب في ادمغتهم فقط )) .





#رياض_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاد ئذٍ
- بعثيٌّ تكفيريٌّ صفويٌّ
- بوش الشبيه البشع لصدام
- حقأ يا حلو .. كيف يكتب التاريخ ؟
- وداعا ً رائحة ُ المسك , وداعا ً عزيز عبد الصاحب
- حروفئذ ٍ
- رؤى
- وزير السخافة
- اغلقوا زنزانات مطار عمان الدولي
- استشهاد مسرح بهو بلدية الناصرية
- عبد الرزاق سكر ويوم المسرح العالمي
- الى كمال سبتي
- قداس الرمل


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رياض سبتي - التورابوراويون ( * )