أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ادم عربي - الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق5















المزيد.....



الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق5


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 2784 - 2009 / 9 / 29 - 04:15
المحور: المجتمع المدني
    


تكمله لما سلف في تحليل الواقع العربي ومحاولة الخروج من النفق باتي هزا الموضوع تكمله لما ننشر في هذا السياق مساهمه في ايجاد مكان يمكن التحدث اليه

معضلة الدين في الواقع العربي

في قضية التسويغ

من قبيل الأسئلة المحيرة السؤال عن الدين والدولة في الواقع العربي.. أيهما استخدم الآخر؟

قد نجد إحدى الإجابات السهلة فيما أشار إليه حليم بركات أن الدولة، منذ عصور الإسلام الأولى، أدركت "أهمية استخدام الدين في تثبيت شرعيتها وفرض هيمنتها.

ولكننا، لسنا أمام دين عادي، فالرأى الغالب لدى الكثيرين أن الإسلام يختلف عن كل الأديان الأخرى لأنه "يريد أن يكون دينا ودولة في آن معاً.


القرآن لم يأت مؤيدا للاستبداد. لكن الذى وقع، في الفكر الإسلامي، هو أنه جرى خلط متعمد بين "الحاجة إلى وجود سلطة" وهي من مقتضيات الوجود الإنساني، وبين قبول السلطة حتى لو كانت استبدادية، وفقا لقاعدة "أنه يفضل وجود طاغية لمدة عام على مرور ليلة واحدة من دون حكومة"


ولأن الواقع التاريخي الإسلامي شهد نماذج للحكم قامت على الحرية والعدالة والمساواة بين الحاكم والمحكوم في الرأى والنصيحة والكسب والمال (الخلفاء الراشدون، عمر بن عبد العزيز، المهدي العباسي، نور الدين الشهيد) وهي النماذج الممثلة للصورة الأولية المترسبة في اللاوعي الجماعي مما يطلق عليه "النموذج الأصلي" Archetype، فإن دعوة الجمع (دين ودولة) ظلت تتقوى عبر الزمن مع تغير العصور والأزمان والحكام والأصول.

وفي حقيقة الأمر فإن المحصلة، كان يمكن أن تختلف تماماً لو أن قضايا مثل الحكم أو مصدر السلطة ونوعها، وشكل الدولة، أخذت حظها من البحث والتمحيص والممارسات خاصة وأن النص الأصلي (القرآن) لم يأت مؤيدا للاستبداد. لكن الذي وقع، في الفكر الإسلامي، هو أنه جرى خلط متعمد بين "الحاجة إلى وجود سلطة" وهي من مقتضيات الوجود الإنساني، وبين قبول السلطة حتى لو كانت استبدادية، وذلك وفقا لقاعدة "أنه يفضل وجود طاغية لمدة عام على مرور ليلة واحدة من دون حكومة.

وكانت النتيجة أن الكل وقع، بوعي أو بدون وعي في براثن المقولة أو القاعدة الذهبية وهي "إنما ينهض بالشرق مستبد عادل.

وقد لا نجد غضاضة كبيرة في التعادل الذى يقع في الذهن بين "المستبد العادل" و"الزعيم البطل"، من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصلاح الدين، وجمال عبد الناصر،ولكن الإشكالية الأعمق تتأتى من "حضور" المستبد العادل لتسويغ الحكم والتحكم كهدف في ذاته.

ويتبدى هدف "التسويغ" واضحاً حينما عمدت الطبقات الحاكمة إلى توظيف النصوص والمقولات لتأكيد شرعيتها وترسيخ سيطرتها. ومن هذه المقولات "إمام عادل خير من مطر وابل، وإمام غشوم خير من فتنة تدوم"، وأن الحكام "هم وسائل الله في عمله" و"أن الحاكم الظالم خير من انعدامه أصلاً" و"أن السلطة من الله، ويجب أن تطاع" وأن "الحاكم ظل الله على الأرض"، وأن "الحاكم ولو كان ظالما، لخير من الفتنة وانحلال المجتمعفطاعة أولي الأمر واجبة لأنها مسكونة نصا، وعامة العلماء يقفون إلى جانب السلطان وذلك خوفا من "الفتنة" التي يعبر عنها حديثا بضرورات الحفاظ على "الوحدة الوطنية".

ومن هنا يأتي تبرير كل أنماط السلطة مادامت تضمن الدين والمصالح، حتى في ظل "إمام جائر". والمبدأ العام يسير على ألا يهتم "المسلم" بشؤون السلطان مادام لا ينطوي ذلك على ما لا يحول دون شؤون دينه.

وفي إطار ذلك يضيق هامش الخلاف والمعارضة والمراجعة خوفا من "الفراغ السياسي"، "فستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان.

وطبعاً يبدو الأمر، في مجال الممارسة العملية، أكثر أهمية حينما نكون بصدد الحالات الاستبدادية الصريحة عندما نلاحظ محاولة إيهام العوام "بأنه لا فرق بين صفات الله وصفات السلطان.

أما الانعكاس العملي المعاصر لهذا المنحى فيتمثل في استخدام "الشعارات" الدينية لترسيخ أبوية السلطة. فالرئيس السادات أخذ لقب "الرئيس المؤمن" و"رب العائلة المصرية" وبالتالي فإن الخلاف في الرأى هو خروج عن "القيم" في "دولة العلم والإيمان.

وعندما تم تعديل المادة الثانية من الدستور المصري في أبريل/نيسان 1980 بحيث ينص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، فإن ذلك جاء في إطار "الترضية الدينية" لأهداف سياسية.

وفي الواقع العربي، نجد أيضاً النموذج الذي حرص على ضمان "الطاعة المطلقة" و"الخضوع الكامل" لشخص "الملك" عندما أخذ العاهل المغربي الحسن الثانى لقب "أمير المؤمنين" مشدداً على مقام الأسرة العلوية كأبناء البيت، وإحياء طقوس "البيعة" لتحصين شرعيته، والاستحواذ على سلطات إضافية لم يمنحه إياها الدستور المغربي .

أما النظام السعودي، ووفقا للأدبيات السعودية، فإن "المملكة من حيث المنهج والتطبيق تقوم على الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.. لذا فإن المطلع على تاريخ هذه البلاد يلحظ وجود الارتباط الكبير والمتين بين الدولة والدين دون انفكاك منذ الاتفاق التاريخي المعروف بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب.. في عام 1157 هـ/1744 م.

وفي سياق علاقات "التحالف" بين الحكم والمؤسسة الدينية، فإن النتائج تتعدد وفقا للمشيئة السياسية، فمثلا أفتى المفتي السعودي بحق المملكة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل عام 1994، ثم رجع عن فتواه بعد أن عارضه الشيخ يوسف القرضاوي.
وقبل ذلك كان السادات قد حصل على فتوى من الأزهر بتأييد اتفاقات كامب دفيد. وقبل ذلك كان الأزهر قد أصدر فتوى عام 1956 بعدم الصلح مع إسرائيل، ويذكر صادق جلال العظم أن كل نظام حكم عربي، لا تنقصه المؤسسة الإسلامية التي تفتي بأن سياسته تتفق مع الإسلام .

والخلاصة في المعنى والمبدأ أن "كل سلطان ظالم مستبد كان دائما يجد من يدعو له بالتوفيق".

كذلك من النتائج أيضا تشجيع الدولة ورعايتها لبناء المساجد فى كل مدينة وقرية وحي.

وفي نطاق بحثنا الراهن، نركز على قضيتين أساسيتين هما:

الموقف من السياسة.
وقضية الخطاب.
بالنسبة للموقف من السياسة أو بمعنى أصح من قضية الديمقراطية لنضرب مثلاً يبرز موقف المملكة السعودية من الأحزاب السياسية، إذ ذكر كاتب سعودي "من الحماقة الفكرية القصوى أن يقال إن نظام الحزبين أو التعدد الحزبي القائم على التطاحن هو السبيل الوحيد لتسيير دفة بلد ما لمصلحة مواطنيه، أو أنه هو فعلا السبيل الوحيد لإعطاء الشعب صوتا في كيفية إدارة بلاده.

وفي عام 1992 جاء في حديث للملك فهد أن "نظام الديمقراطيات السائد في العالم نظام لا يصلح لنا في هذه المنطقة، شعوبنا في تكويناتها، وخصوصيتها تختلف عن خصوصيات ذلك العالم، نحن لا نستطيع أن نستورد طريقة تعامل تلك الشعوب لتطبيقها على شعوبنا (.. ) إن نظام الانتخاب الحر لا يصلح لبلادنا في المملكة العربية السعودية، فهذه البلاد لها خاصية يجب أن ندركها".

وهكذا نتبين كيف يمكن أن تتضافر ذرائع الدين والثقافة والاستثناء والخصوصية بهدف إبقاء الأمر على ما هو عليه ورفض التغيير. والحقيقة أن رفض التغيير يأتي من باب الاقتناع بعدم الحاجة إليه أصلا، وعدم وجود مبرر في نظر الحكم. ويفسر ذلك، على سبيل المثال الصورة المعطاة عن الحياة الداخلية في السعودية، وكما جاءت في كتاب وزارة الإعلام السعودية تفصيلا كالتالي "ليس في المملكة السعودية مشكلات سياسية كما هو الحال في بلاد أخرى"، "ليس في المملكة ضرائب على الإطلاق"، "الدولة والشعب يسيران في طريق واحد في ضوء الشريعة الإسلامية"، "ليس في المملكة مشكلات اجتماعية، لأن الدولة تكفل المجتمع بأكمله.. "، "ليس في المملكة الثلاثي الشهير: الفقر والجهل والمرض...

على كل، كانت هذه بعض النتائج التى تترتب على علاقة التحالف بين الحكم واستخدام الدين أو المؤسسات الدينية للمحافظة على الوضع القائم وإعادة إنتاجه. ولكننا مع ذلك مازلنا في حاجة لمزيد من التفسير حول الخطاب الديني.
ولنبدأ بطرح سؤال محدد:

هل حقا يؤدى الإسلام إلى تضخيم إحساس المسلم بالسلطة؟

لننظر إلى ما يقوله أحد الرموز الإسلاميين من الموصوفين بالاعتدال. يقول الدكتور أحمد كمال أبو المجد "أول عناصر الخطاب الديني المعاصر وأكثرها انتشارا، وأشدها حاجة للمراجعة، الدعوة للإسلام عن طريق الترهيب والتخويف، وإغفال الدعوة إليه عن طريق الترغيب والتبشير"، ويصف أبو المجد الثمرة التى تترتب على هذا "الخلل" مشيراً إلى الذعر والخوف وصيحات الوعيد التى تملأ الناس قلقا، أمام ما ينتظرهم يوم القيامة من عذاب أليم.. وينتهى إلى أن "الخائفين المذعورين لا يصلحون لبناء الحضارات العظيمة.

وطبعا هنا لابد من التفرقة الدقيقة بين الإسلام والخطاب الإسلامي، أي بين الإسلام كدين حرر الإنسان وأطلق طاقاته، وبين نوع من الخطاب يختصر "علاقة الإنسان بالله في بعد واحد فقط هو العبودية

وفي هذا السياق نجد حلقة الوصل مع "الاستبداد" وبتعبير حسن حنفي عن الكواكبي يقول "المستبد السياسي يقوم على هذا البناء النفسي للدين ويتمثل الله بحيث لا يعود فرق بين الله والسلطان.

وفي ضوء هذه البنية تتولد لدى "المؤمنين" "الخاضعين" روح الانسجام مع الأوضاع القائمة مهما كانت مجحفة وظالمة، ويعاد إنتاج الاستبداد دون مقاومة، فيتم تسويغ الفقر باعتباره ظاهرة طبيعية ومقبولة لأنها تجعل الفقراء من أهل الجنة. ويذكر عضيبات مقولة عن الشيخ عبد الحليم محمود، وكان شيخاً للأزهر حول الغنى والفقر، جاء فيها أن أصحاب الملايين من الصحابة كانوا من المبشرين بالجنة، ولكن "لم يكن أبو ذر أو بلال أو صهيب من المبشرين بالجنة" ويفسر محمود أمين العالم ذلك باعتباره من قبيل التوظيف الأيديولوجى للدين "لخدمة سياسة الانفتاح الاقتصادي" التي بدأها السادات في مصر لتبرير الغنى الفاحش الذى حققه الانفتاح لبعض رجال الحكم وحلفائهم .

فالخطاب استخدم مرة لتبرير الفقر، ومرة لتبرير الثراء، طالما أن الهدف النهائي إبراء ذمة "المستبد العادل"، سواء كان حاكماً أو نظاما أو نخبة.

وليس ببعيد عن خدمة هذا الهدف ما يشير إليه أبو المجد من نوع الخطاب الذى يبعد الناس عن الواقع الاجتماعي والظروف المعيشية التى يعيشون في ظلها، وذلك عندما ينصرف الخطاب إلى قضايا تملأ الساحة جدلا "لا طائل من ورائه ولا نفع فيه.

وهذا النوع من الخطاب ليس أخطر ما فيه شيوع "الإسلام الشكلي" "والتدين الطقوسي"، وإنما الأمر يمتد إلى تزييف الوعي والهروب الديني أو الهروب إلى الدين بعيدا عن الواقع الاجتماعي، وهو ما يتفق مع المناخ الذي لا يشارك فيه الناس في الأمور السياسية ويواجهون التهميش والاستبعاد عن المشاركة السياسية والاجتماعية بالمعنى الواسع.

وفي هذا الإطار تستخدم خديجة صفوت مفهوم "الدين السياسي" وترى أن غايته "الاستيلاء على أجهزة الدولة والدولة نفسها كأداة لتنفيذ برامجه الملخصة في إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الحدود.."، وترى أنه في هذه الحالة، فإن المشكلات الاجتماعية التى يتضمنها "البرنامج" حينذاك تنحصر في "مفهوم العلاقة بين الجنسين" ليلهي هذا الشعار أو هذه القضية الناس عن الأمور والمشاكل الأكثر أهمية، أو القضايا الأكثر أهمية في الدين نفسه ومنها "تخريب الاقتصاد والربح الحرام". وتستهجن الكاتبة التركيز على مناقشة العلاقة بين الجنسين وكأنها "العمود الفقري للقضية الوطنية.

في عملية الإقصاء

من المقولات التى أؤيدها مقولة غسان سلامة إنه "من العسير على المسلم أن يقبل فكرة أن دينه لا يضفى مشروعية إلا على الاستبداد (.. ) إن كون المرء مسلما صادقاً وديمقراطيا صادقاً في آن معا، ليس من الزيغ في شيء.

ولكن في اعتقادي أن المسألة أعقد من ذلك بكثير، وهي تنطوي على مواقف متشابكة ومعقدة، خاصة في ضوء السجال الدائر بين السلطة والحركة الإسلامية.

ولا يخفف من حدة هذا التعقيد الاعتراف بعدم علمية مصطلح "الحركة الإسلامية" ذلك أنها من التنوع والتعدد والاختلاف حتى أنها تضم ألوان الطيف. وإذا كان المجال لا يتسع لتبيان هذا التنوع فإنه يمكن التقاط بعض الإشارات الدالة على ذلك. منها مقولة تحمل الكثير من الدلالة على واقع الحال العربي والإسلامي حاليا، وهي مقولة راشد الغنوشى إذ يقول: "إن الإسلامي بصفة عامة واقع في مفارقة عجيبة، فهو من ناحية ضحية القمع والإقصاء العلماني ولذلك فهو يطالب بالحرية وقد يعتمد حتى على مبادئ حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية في الضغط على الحكام المستبدين، ولكن كأني به هو الآخر يحمل عقلية إقصائية لخصومه أو هو يخشى تلك الحرية التي يطالب بها ولذلك بمجرد أن يظفر بها حتى يخنقها ويضيق نطاقها.

والغنوشى هنا، وهو رئيس حركة "النهضة الإسلامية" في تونس يمارس نوعا من النقد الذاتي. وكما يذكر وليد نويهض أن هذا النقد يفتح نقاشا حول الديمقراطية على مستوى مختلف، وهو مختلف بالفعل عندما نعرض مثلا لمقولة العلامة حسين فضل الله والتي جاء فيها "أننا كإسلاميين لا نعتبر أن الديمقراطية هي الخط الذى يعطي الشرعية للقضايا المطروحة في حياة الناس ولا سيما إذا كانت هذه القضايا تتصل بالتشريع لأننا نعتبر أن الناس لا دخل لهم في مسألة التشريع...


نواجه على أرض الواقع مجتمعات إسلامية وأنظمة سياسية ترى خطرا كبيرا في أي انفتاح ديمقراطي لأنه يهدد "بإنهاء سلطانها الاستبدادي" أو حتى يؤدى إلى انهيار الدولة


هذه المقدمات لابد أن تثير لدينا تساؤلات عديدة عندما نعرف وفقا لتوجهات الجماعات الإسلامية، أن شرط قيام الديمقراطية هو قيام "دولة إسلامية"، ارتكازاً على أن النظام الإسلامي هو "الأول" وهو "الأصل" وهو في نظرهم "الأوحد.

هذا بينما تتعدد مستويات الموقف الإسلامي من الديمقراطية والحريات، فهناك من يفترض أن التقوى والالتزام لابد أن يكونا على درجة واحدة بالنسبة لكل الناس، وهناك الاختلاف في فهم الشريعة ومناهج تطبيقها، وهناك من يرفض الانتخابات كأسلوب للتداول والاختيار، وهناك من يرفض الدولة ويجّهلها. وحتى في حالة تفضيل "البيعة" فليس ثمة صورة محددة لضمان مشروعيتها .

إذا هبطنا بهذا التفكير إلى أرض الواقع، فإن المسألة تبدو أكثر تعقيداً، حيث نواجه مجتمعات إسلامية وأنظمة سياسية ترى خطراً كبير في أي انفتاح ديمقراطي لأنه يهدد "بإنهاء سلطانها الاستبدادي" أو حتى يؤدي إلى انهيار الدولة "فالعصبيات الخاضعة ترى أن أي ظاهرة انفتاح في النظم الاستبدادية هي في الواقع علامة على ضعف العصبية المهيمنة يصعب عليها أن تتفادى الانزلاق نحو اتجاهات الطرد والانفلات من المركز وبذلك تنتقل من مجرد رفض النظام الدكتاتوري إلى رفض الدولة التي ترسم حدوده الجغرافية وتغذيه وتزوده بالمشروعية القانونية.

مبادرة الإخوان المسلمين فى مصر
في الآونة الأخيرة، طرحت جماعة الإخوان المسلمين في مصر مبادرة "للإصلاح السياسي" تضمنت ما يلي فيما يتعلق بالموقف من الديمقراطية وقضية الحريات:

التأكيد على حرية الاعتقاد الخاص.
حرية إقامة الشعائر الدينية لجميع الأديان السماوية المعترف بها.
تأكيد حرية تشكيل الأحزاب السياسية وألا يكون لأية جهة إدارية حق التدخل بالمنع أو الحد من هذا الحق، وأن تكون السلطة القضائية المستقلة هي المرجع لتقرير ما هو مخالف للنظام العام والآداب العامة والمقومات الأساسية للمجتمع أو ما يعتبر إخلالا بالتزام العمل السلمي وعدم الالتجاء للعنف أو التهديد به.
ويقول أحمد راسم النفيس إن "مشكلة الإخوان التي صنعوها لنا ولأنفسهم (أنهم يرون أنفسهم أقل قليلا من أمة وأكثر كثيرا من مجرد حزب سياسي) وهم من ناحية يريدون التحول إلى حزب سياسي ويتصرفون فعلا على هذا الأساس (.. ).

في حين يبقى التنظيم مصراً في نفس الوقت على اجترار تلك الادعاءات الكبرى عن "شمولية الإسلام"، "وعالمية الدعوة الإخوانية...

والمهم في ذلك كله، أن إشكالية الإخوان في مصر، لا تقتصر فقط على أنهم يتعرضون للإقصاء من جانب النظام السياسي، ولكن أيضاً، تمتد المشكلة إلى عدم وضوح العلاقة بين المرجعيات الإسلامية المتعددة على الساحة، وتعدد توجهاتها السياسية بحيث أنه يصعب -إن لم يستحيل- الإِشارة إلى إحداها باعتبارها المرجعية الإسلامية المعتمدة.

وختاماً فإننا يمكن أن نجمع أطراف الموضوع على سبيل الاستنتاج النهائي في حقيقتين أساسيتين:

أولا: أن الجمع بين السلطة السياسية والسلطة الدينية، بما يعني قوة الدولة وقوة الدين، يجعل الإنسان "ريشة في مهب الريح" ويمهد "لتسكين الإنسان في جب السلطة، أية سلطة.

ثانيا: أنه مثلما ترتكز "المعارضة" في غالبيتها على المقدس، فإن النظام أيضا يستخدم المقدس ويخلق "مقدسه"، وفي غمار الصراع على "السلطة" فإنه ليس ثمة فروق كبيرة بين السلطة/الحكم والمعارضة .

والمحصلة النهائية تتمثل في إعادة إنتاج الاستبداد وسد منافذ التغيير والتحرر من براثنه.

الفقر وامتصاص طاقة المجتمع

في دول العسر

جعل الاستبداد البشر طعمة للظالمين، وشرعية امتصاص حياة الزراع والعمال وأكل ثمار الغير واغتصاب الأموال والجهد والعمل، فلا فرق بين آكل لحوم البشر في الماضي ونهب الأعمار وإزهاق الأرواح وسلب العمل إلا في الشكل.

الاستبداد الاقتصادي من صاحب رأس المال للعامل صورة من صور الاستبداد السياسي

في البلدان العربية بوجه عام، هناك فجوة واسعة تفصل بين الأغنياء والفقراء، وبينهما طبقة صغيرة مهددة.

وأيا كانت المقاييس، فهناك فئة قليلة تستأثر بملكية الأراضي والعقارات والثروات والجاه والنفوذ، وقد يضاف إلى ذلك السلطة والمكانة، بينما تعاني الغالبية الفقر بدرجات متفاوتة .

مع فشل مشروعات التنمية وتعثر تحديث الدولة العربية، وتفاقم المشكلة الاقتصادية وإخفاق خطط الخصخصة وإعادة التكيف، وتواضع نتائجها، واقتران التحول إلى الانفتاح واقتصاد السوق بظواهر مرضية منها: الرشوة والمحسوبية والزبونية والمضاربة والاختلاس، وإهدار الأموال العامة، فقد بدا النظام السياسي وكأنه "إقطاعيات ومراكز نفوذ موزعة بين الأقرباء والحاشية والزبائن الذين يستعملهم الحاكم في إستراتيجية عامة هدفها المحافظة على السلطة والامتيازات المرتبطة بها.

إن حقائق الواقع ومؤشراته المؤسفة ساطعة سطوع الشمس. وتقول هذه الحقائق إن العمالة العربية قدرت في بداية عام 2002 بحوالي 100 مليون عامل، منهم 20 مليون عامل عاطل عن العمل، أي بنسبة 20% من مجموع القوة العاملة العربية، معظمهم فى البلدان غير النفطية، وكما يقول عادل الصوراني فإن ذلك يعني تزايد مساحة (مساحات) الفقر وانتشاره بحيث يزيد مجموع الفقراء ومن هم دون خط الفقر (أقل من دولار واحد للفرد يوميا) عن 90 مليون نسمة معظمهم في مصر والأردن والمغرب والسودان وسوريا وفلسطين واليمن .

ولمزيد من التوضيح فقد يفيدنا الاستعانة ببعض المؤشرات، فمثلا على صعيد الأداء الاقتصادي في البلدان العربية فإن معدل نمو متوسط دخل الفرد الممكن في الدول العربيـة يتراوح بين 2.6 و3.2% (في التسعينيات)، بينما يصل في آسيا والباسفيك إلى 5%.

أما عن معدلات البطالة، فقد قفزت بشكل ملحوظ لتصل إلى 13.4% كمتوسط خلال عقد التسعينيات، وتقول المؤشرات إن هذا المعدل يرتفع إلى 25% إذا تم استبعاد دول مجلس التعاون الخليجي. كذلك تشير المؤشرات إلى أن مستوى الفقر، في بلدان مثل مصر والأردن، ازداد في السنوات الأخيرة، وإن تراجع مستوى العدالة في توزيع الدخول لعب دورا أساسيا في زيادة مستويات الفقر .

وفي موضوعنا الراهن: ماذا يعنى الفقر بالنسبة لقضية الاستبداد؟

إن الفقر يعني التهميش والحرمان من التمثيل السياسي وعدم القدرة على تفويض الآخرين للتعبير عن المصالح، وبوجه عام الخروج من دائرة النظام السياسي .

وليس من قبيل المبالغة القول بأن جماعات الفقراء المتزايدين في المجتمعات العربية تعيش مغيبة الوعي، تقوم أو تنخرط في أنشطة تقليدية وهامشية خارج نطاق العمل الاجتماعي المنتج. وهؤلاء يفرض عليهم نوع من "الحجر" عن المشاركة السياسية نتيجة تركز السلطة.

ويتبين حجم المشكلة عندما نعرف أن الفقراء العرب تصل نسبتهم، وفقا لتقرير حال الأمة لعام 1999، إلى ثلث السكان.

فعندما يذكر مثلا على الكنز وعبد الناصر جابي أن 14 مليون جزائري في حاجة إلى مساعدة اجتماعية، وأن 4.5 ملايين دون أدنى دخل، فإن لذلك دلالة عميقة بالنسبة لـ "مجتمع التهميش" الذي تتسع دائرته بفعل عنصر البطالة (خريجي الجامعات)، هذا المجتمع المهمش يتكون من فئات بعيدة عن العملية الانتخابية.

وعموماً فإن الفئات المهمشة تتسم بالضعف بالمقارنة بالفئات الاجتماعية الأخرى، وافتقادها للقدرة على التفاعل على قدم المساواة، وهي تضطر لذلك لقبول أوضاع غير متكافئة، وتخضع وتمتثل للقوة المسيطرة حتى مع الحرمان من حقوقها.

وفي هذا الإطار ينقل إسماعيل قيرة قولا لأحد هؤلاء الفقراء المهمشين جاء فيها "نحن ضحايا الحقرة واللامساواة وما تحول بعضنا إلى إرهابيين إلا تعبيراً عن هذا الوضع المتسم بالتردي في كل شيء، وانغلاق جميع السبل أمامنا. ماذا عسانا أن نفعل؟ قل لي، صبرنا كثيراً من أجل أسرنا وبلادنا لكن لن نصبر أكثر على من يتحمل مسؤولية فقرنا وإذلالنا.

ويشير قيرة إلى أن عدد المهمشين يزداد طالما ظلت ظروف التحكم والاستغلال كما هي "وطالما ظلت ظروف تنشئة المجتمع لأفراده قائمة على عبادة النظم.

ويلاحظ عزت حجازي في دراسته عن "الفقر في مصر" أن نمو اتجاهات السلبية واللامبالاة لدى المواطنين تجاه الشأن العام تعود إلى تهميش قطاعات كبيرة من المجتمع، وحرمانهم من فرص المشاركة في وضع السياسة العامة واتخاذ القرارات ومتابعة تنفيذها .

ويتعمق حجازي في تحليل العلاقة بين الدولة والطبقات الاجتماعية، ويستخلص في دراسته نتائج محددة حول تطور الأوضاع في مصر في المراحل التاريخية المختلفة وصولا إلى التاريخ الحديث والمعاصر. ولعل أهم ما توصل إليه من نتائج أن الدولة (في مصر) لم تغب أبداً عن "حلبة الصراع على الثروة"، وأن نشاط الدولة في هذا الشأن اتجه إلى "الاستغلال أو "الاستنزاف" سواء لمصلحتها أو بالوكالة عن طبقات بالذات، وأن الدولة تتوصل لتحقيق أهدافها لإقرار التوزيع غير العادل للثروة بطرق غير اقتصادية (تزييف الوعي للتسليم بالفقر قضاء وقدر (الإعلام) أو عن طريق التشريع والإطار القانوني، وصولا إلى أساليب القهر والقمع من خلال الجهاز القضائي المنحاز للدولة، والجهاز البوليسي.

هذا الخلل في هيكل القوة، تكون من أهم نتائجه أن يظل الفقراء مهمشين صامتين لا يشاركون في أي إستراتيجية تنموية "وطالما ظل المهمشون (مفعولا به) في هيكل القوة المختل فلن يجدي كثيرا الحديث عن التمكين أو الأحقية

ويرى عمار علي حسن أنه لا يكاد يمر يوم على مصر إلا ويزيد حجم المهمشين تحت وطأة التفاوت الطبقي، لنرى فئات كانت ميسورة أو يجري تصنيفها ضمن الطبقة الوسطى، تتهاوى للقاع وتقترب من خط الفقر .

وتلاحظ أماني مسعود الحديني في دراستها عن "المهمشين والسياسة فى مصر" والتي طبقت على عدة مناطق منها "عرب الحصن" و "المنيرة"، أن الثقافة السياسية لدى سكان هذه المناطق هي ثقافة (لقمة العيش)، فهم لا يهتمون بالموضوعات السياسية أو الاقتصادية، ويركزون على ما يمس حياتهم مباشرة، ولوحظ انخفاض وعيهم السياسي والخلط بين الحزب والنقابة والمجالس المحلية. وتركز أماني مسعود على أن مشاعر الضعف (والإفقار من قبل الدولة) خلقت أزمة ثقة بين الناس والحكومة وهو ما يجعلهم يتشككون دائماً في نزاهة الانتخابات وجدوى التصويت، هذا بالإضافة إلى مشاعر الاغتراب الاجتماعي السائد بينهم.

في دول اليسر

تقارير دولية تستخلص أن "وضع حقوق الإنسان فى دول مجلس التعاون غير مقبول على كل المستويات ولا يصل إلى مستوى الحد الأدنى عالمياً"، فهى غير ديمقراطية ولا تحترم حقوق الإنسان ولا تسمح بالحريات السياسية


فى هذا الإطار، يطرح عبد الخالق عبد الله مقولة لها ألف مغزى، إذ يقول "ليس هناك أي سبب يدعو دول مجلس التعاون الخليجي لكي لا تتمتع بقدر أكبر من الديمقراطية والشفافية كبقية دول العالم".

ويعود سبب هذه المقولة، وفقا لعبد الله، إلى أن المؤشرات العلمية أثبتت أن سكان منطقة مجلس التعاون "بحاجة ماسة إلى جرعة كبيرة من الحرية والديمقراطية والشفافية في حياتها السياسية" بعد أن حققت نجاحات في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والرفاهية الاجتماعية، فهي مع ذلك تفتقر إلى وجود الأحزاب السياسية، والنقابات العمالية والمهنية (تغيب المنظمات المهنية في عمان وقطر والسعودية، وفي الكويت بها 16 منظمة تليها البحرين والإمارات حيث توجد عشر جمعيات مهنية في كل منها). ويشير عبد الخالق عبد الله إلى تقارير دولية تستخلص أن "وضع حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون غير مقبول على كل المستويات ولا يصل إلى مستوى الحد الأدنى عالمياً"، فهي غير ديمقراطية ولا تحترم حقوق الإنسان ولا تسمح بالحريات السياسية.

والحقيقة أن المقولة التي طرحها عبد الخالق عبد الله يفسرها ويجيب عليها علي خليفة الكواري حينما يتناول العقبات والعوامل المعيقة للتحول الديمقراطي في دول الخليج، إذ يشير إلى "ضخامة مصالح الأسر الحاكمة وما يعود عليها من المال العام كرواتب ومخصصات وعطايا وخدمات وما يتمتع به بعض أفرادها من قدرة على استملاك الأراضي الشاسعة.

وفي هذا الإطار يهتم الكواري بمفهوم النخبة "المستفيدة" بالمعنى الواسع وهي تشمل كذلك الوزراء وكبار الموظفين والممارسين لأعمال السمسرة، ومن يتولون عضوية مجالس إدارة الشركات الكبرى، فيما يوضح العلاقة بين السلطة والثروة وتحقيق المصالح الشخصية حتى ولو كانت على حساب المصلحة العامة، والمشروعية القانونية.

إذا أضفنا إلى ما تقدم نوعية البنية الاجتماعية في دول الخليج، وظواهر الخلل السكاني المتفاقمة، لتبين لنا أبرز ملامح "النسق الريعي– السلطوي" في المنطقة. وفي هذا السياق يتبين أن نسبة قوة العمل المواطنة عام 1997 انخفضت عما كانت عليه عام 1981 (السعودية من 57.1 إلى 35%، عمان من 46 إلى 35%، البحرين من 56 إلى 38%، الكويت من 21 إلى 17%، قطر من 15 إلى 10%، في الإمارات من 13.9 إلى 9.5%).

إن الأمر المؤكد، في منطقة الخليج أن هناك علاقة وثيقة بين صيغة الحكم الاستبدادي، وضعف البنية الاجتماعية، والخلل السكاني بين مواطنين ووافدين وهو ما يحد من قدرة المجتمع على حشد وتفعيل طاقته في العمل العام. ويعبر الكواري عن هذا المعنى بقوله "لا يشكل المواطنون فى أغلب دول المنطقة، ولاسيما الصغيرة منها، كل المجتمع أو أغلبيته. وفي الوقت نفسه لا يشكل كل السكان مجتمعا ترتبط مصائر أفراده وجماعاته ببعضها أكثر مما ترتبط بأي مجتمع خارج حدوده.

إذا اعتبرنا أن الدول الخليجية النفطية هي تجسيد مباشر وواضح لفكرة الدولة الريعية، المعتمدة أساساً في اقتصادها على تصدير النفط، فإن شواهد الواقع تؤكد أن هذه الدولة التي وضعت تحت تصرفها معظم مصادر الثروة الوطنية أصبحت وظيفتها الأساسية "توزيع المزايا والمنافع على أفراد المجتمع" أي أن الدولة تقوم بمثابة مؤسسة لتوزيع المنافع.

ويمكن القول بكثير من الثقة إن أهم النتائج السلبية التي ترتبت على هذا الواقع هي ظهور فكرة المواطنة المرتبطة بعناصر الثروة ومصادر الكسب الاقتصادي وهو ما يبرر –في بعض الأحيان- سياسة عدم التوسع في منح الجنسية والتمييز بين فئات المواطنين (بين المواطن الأصلي والمتجنس).

وفي هذا السياق يتم تعزيز المواطنة بالثروة على حساب المواطنة بالقانون. ولأن الثروة منحة من الحاكم فإنه لا يقابلها مطالبة بالحقوق أو المشاركة السياسية أو مقاومة المغالاة في السلطوية .

ولا أدل على تصوير هذا الواقع من كلمات عبد الله جناحي والتى تشير إلى "العقلية الريعية"، فالراعى "يعمل على تدبير الطعام لقطيعة بينما قطيعة نائم لا ينتج" والراعي يسهر على حماية الرعية ولا يغفل عنها، حتى إذا اقتضى الأمر استخدام القوة ضدها لحمايتها.وهذه الصورة لا تنطبق فقط على منطقة الخليج، بل نجد تطبيقات لها في الواقع العربي بوجه عام.

وطالما أن هناك من يقرر للناس كل ما يتعلق بشؤون حياتهم ومصيرهم ومستقبلهم، فإنه هنا لا مجال للحديث عن "خيارات الناس"، أو الحديث عن ما تتمتع به شعوب أخرى عندما تتطلع إلى "العيش حياة طويلة وصحية والحصول على المعرفة وتوافر الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق.

بل لا مجال للحديث عن تنمية أصلا، إذ إن التنمية تتطلب، حتى تحقق إنجازات حقيقية تضيف إلى طاقة المجتمع وقدراته، استبعاد الأسباب الأهم لمصادرة الحرية، وهذه الأسباب هى الفقر والاستبداد. وهنا نقصد بالفقر غياب "الفرص الاقتصادية، والحرمان الاجتماعي وإهمال الخدمات العامة.

استنتاجات ختامية

لا مبالغة بالقول إن المحصلة النهائية للاستبداد المزمن وإعادة إنتاجه هي مجتمعات تعاني الركود والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والتفاوت الخطير في توزيع الثروة الوطنية وفجوة تتسع يوميا بين الأغنياء والفقراء، وفقرا يتنامى يوما بعد يوم، ومزيدا من الجماهير المهمشة التي تفقد تدريجيا حسها الوطني والسياسي. وفي إطار ذلك كله، فإن السمة الوحيدة الباقية للمجتمع هي أنه مجتمع يفقد تدريجيا السيطرة على شروط بقائه واستمراره .

فإذا ما وسعنا مجال النظر إلى ظاهرة "التهميش" في حد ذاتها بما تعنيه من احتكار السلطة والانفراد بعملية اتخاذ القرار، واستبعاد باقي فئات المجتمع من دائرة المشاركة، ومصادرة حقوق الإنسان فإن المحصلة العامة تتمثل في إصابة الفعل السياسي بالشلل والعجز والضمور وعدم مواكبة متغيرات الحياة بسبب عدم تجديد الرؤية السياسية والاجتماعية التي تحتكرها "جماعة الحكم" أيا كان سند الشرعية التي ترتكز عليها.

ومع اقتران ظاهرة التهميش الاجتماعي والسياسي ببقاء "الحاكم" على مقعد الحكم بصفة مؤبدة وليست مقيدة، وفي إطار لا يعترف بالتعددية السياسية أو يسمح بتعددية مقيدة وغير مجدية، مع انعدام فرصة تداول السلطة، فإن هذه الحالة من شأنها تنمية مشاعر "تقديس الذات وعصمتها لدى جماعات الحكممما يفضي في التحليل النهائي إلى ضحالة الأداء السياسي والاجتماعي وانصراف الجماهير عن الاهتمام بشؤون الوطن وتفشي الاستبداد في أكثر صوره عنوة وصرامة.

إن الأنظمة السياسية والاجتماعية في الواقع العربي تأخذ المظهر الحداثي، مع أنها تنطوي على كل ما يتناقض مع حرية المواطن. وفي هذا الإطار تستمر المنظومة السلطوية موزعة بين النظم الحاكمة والاستخدام المشوه للدين بالإضافة إلى الذراع الإعلامي. فالنظم تصادر الحرية أو تحجر عليها بذريعة الأمن والاستقرار وحفظ النظام العام والحقيقة أنها تعني استمرار الأمر الواقع. والحريات الدينية المتطرفة تصادر الحرية تحت دعاوى التكفير وتهمة الضلال..

وإذا ما أضيف إلى ذلك علاقات الارتباط أو التحالف بين نخب الحكم والهياكل التقليدية (طائفية– عشائرية) لوجدنا أن أرضية التسلط تستمر فى إنتاج ذاتها، مما يفضى إلى إضاعة كل فرص التغيير الإيجابي واختناق روح الاستنارة والنهضة والإصلاح والتحديث.

وإذا كانت هناك، في نهاية المطاف، فسحة من الأمل يتعين التمسك بها، مهما كان الأمر، فلن تكون إلا من خلال من تتوفر لديهم إرادة دفع الثمن.. أعني ثمن الحرية.




#ادم_عربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق4
- الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق3
- الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق2
- الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق
- منتدى البحث عن حلول في الفلسفه
- يهودية دولة اسرائيل
- الأزمة الاجتماعية في بلدان الوطن العربي وغياب الأسس المادية ...
- الاسلام السياسي مصلحه فؤويه
- المفتي يقول انا مسلم علماني
- الله و التغيير هما الثابتان في الكون
- المشهد الفلسطيني
- دور منظمات المجتمع المدني في اقامة مجتمع ديموقراطي علماني عا ...
- القناع الديني العبثي
- هل الخطاب الديني انعكاس لازمة الاخلاق
- المرأة عند الاغريق
- هل هناك علاقه للثراء بالتطور
- الإلحاد في اللغة العربیة


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ادم عربي - الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق5