أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ادم عربي - الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق4















المزيد.....



الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق4


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 2782 - 2009 / 9 / 27 - 16:54
المحور: المجتمع المدني
    


كمله لما سلف في تحليل الواقع العربي ومحاولة الخروج من النفق باتي هزا الموضوع تكمله لما ننشر في هذا السياق مساهمه في ايجاد مكان يمكن التحدث اليه

ثانيا: تشخيص الحالة العربية

المجتمع العربي.. سمات عامة

يمثل المجتمع العربي نموذجا للتعدد والتنوع على كافة المستويات.

فمن ناحية هناك التنوع في الانتماءات الدينية والقبلية والطائفية والعرقية. ومن ناحية أخرى هناك التعدد في أنماط الإنتاج. وأخيراً، فإن المجتمع العربي يعيش في ظل خليط من المؤسسات السياسية التي تتراوح بين الجمهورية والملكية والإمارة.

والحقيقة أنه ليس من السهل وصف الأنظمة الإنتاجية في الدول العربية بأنها إقطاعية أو رأسمالية أو اشتراكية، لأنها في الواقع تجمع بين هذه الأنظمة في ظل صيغة مركبة، مع ملاحظة أن "العائلة" تشكل "عصب الإنتاج الاقتصادي.

ويعتبر حليم بركات أن المجتمع العربي "يقوم على بنية إنتاجية تجارية– زراعية متمركزة حول العائلة، يرافقها نظام ريعي في البلدان المنتجة للنفط.

كذلك من سمات التنوع في المجتمع العربي أن بعض مناطقه تتمتع بالثراء والغنى في الموارد والثروات، ولكن هناك مناطق تعاني من الفقر والندرة في الموارد.

والمجتمع العربي ينفتح على العصر وينقل أحدث التقنيات والتكنولوجيا، ولكنه يتمسك ببنياته التقليدية. وفي عبارة جامعة يصفه بركات بأنه "سلفي تقليدي غيبي في منطلقاته ومستقبلي متجدد علماني مستحدث في تطلعاته.

مراحل بناء الدولة التسلطية.. أشكال التسلط

في سياق بحثنا الراهن حول مراحل بناء الدولة التسلطية يلاحظ أن فترة الستينيات والسبعينيات (1965-1975) مثلت مرحلة حاسمة في "تطور مؤسسات الدولة التسلطية وتبلورها في جميع البلدان العربية" عبر العديد من الأطر التشريعية والقوانين والإجراءات التي سمحت للدولة بالتوسع والتدخل واسع النطاق في الاقتصاد والمجتمع:

القطاع العام.
قوانين الإصلاح الزراعي.
قوانين التأميم.
وللدلالة على مدى تسلطية الدولة يشير خلدون النقيب إلى أن قبضة الدولة امتدت إلى تحديد أرزاق الناس وماذا يأكلون ويشربون، حيث أصبحت المواجهة بين الدولة والمواطنين مواجهة معيشية يومية متصلة وغير متكافئة .

وما يهمنا التركيز عليه في هذا السياق أن توسع دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع، وما اقترن به من تحسن في مستوى المعيشة لدى بعض الفئات، وتطوير البنى التحتية، والتوسع في مجالات التعليم والرعاية الصحية، وإدخال بعض المشروعات الصناعية، هذه التغييرات الإيجابية لم تقترن بتحسين أساليب الحكم، ولم يصحبها تطور نحو الديمقراطية. على العكس من ذلك فقد اقترنت بإجراءات ضد الديمقراطية على طول الخط منها:

إلغاء الدساتير.
حل البرلمانات.
الحكم بموجب قوانين الطوارئ.
إلغاء الأحزاب أو التضييق على حركتها.
محاصرة المجتمع المدني برمته.
إننا في هذا الإطار إزاء "دولة لا تثق في المجتمع، ومجتمع لا يثق في الدولة"، وحتى في الحالات التي تعترف فيها الدولة بأهمية مؤسسات المجتمع المدني، فإنها تبادر بوضع القوانين والقيود القانونية والإدارية ما يمكنها من مراقبة حركة هذه المؤسسات والحد من نشاطها مما يؤثر سلبيا عليها.

وتذكر أماني قنديل أن الدول العربية شهدت ردة أو تراجعا في تعاملها مع "الجمعيات الأهلية" وهي من مؤسسات المجتمع المدني التي بدأت في بعض الأقطار العربية في مطلع القرن التاسع عشر.

ولقد أدى تشدد الدولة إزاء المجتمع المدني إلى خسارة الطرفين. فالفرد لم تتوفر له "الحصانة" التي تقيه ضد سطوة الدولة، كذلك الدولة لم تتوفر لها الحصانة ضد الاضطرابات الاجتماعية العنيفة، وبالتالي لم تتوفر في "البيئة العربية خاصية إدارة الصراع الاجتماعي بصورة سلمية منظمة
وفى المرحلة الراهنة، يعيش المجتمع العربي في ظل حالة مزمنة من احتكار السلطة في كل بلد عربي من قبل قلة مسيطرة مترسخة في أجهزة ومؤسسات الحكم، ويقترن ذلك بإقصاء القوى الاجتماعية والسياسية ذات التوجهات المغايرة.

وسواء قامت هذه السيطرة من قبل القلة، استناداً إلى علاقات القرابة أو استنادا إلى الجهوية أو الزبونية ، فإنها تؤدى إلى انغلاق المجال السياسي ومنع ظهور نُخبٍ سياسية جديدة.

في هذا الإطار، لا مجال لممارسة حقوق المواطنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يسود المناخ العام حالة من الانسداد والتضييق على الحريات العامة وفي مقدمتها حرية التعبير.

وفي نطاقنا العربي، يجرى التسليم بمسلمات العولمة اقتصاديا، وقبول شروط الخصخصة واقتصاد السوق ونقل التقانة خاصة الإعلامية، ولكن بدون التسليم بخلخلة سلطات العسكر أو العشائر أو الطوائف.

وفي الإطار العام، فقد كانت أزمة السبعينيات وما بعدها في الدول العربية لحظة فارقة في تاريخ النظم السياسية العربية. فتحت وطأة الركود الاقتصادي، وفشل الخطط التنموية، وافتقاد المؤسسات للفاعلية، والفساد الإداري، وتفاقم الأزمة المجتمعية بوجه عام، اضطرت النظم العربية لاتخاذ خطوات "التصحيح الاقتصادي" في إطار مواكبتها "للسياسات النيوليبرالية العالمية" وفقا لشروط صندوق النقد الدولي (برامج التثبيت والتكيف الهيكلي). وقد جاء ذلك تحت "وهم" أن فتح المجال أمام اقتصاد السوق، وإطلاق المبادرة الفردية، ومجاراة تطور الاقتصاديات العالمية، هي خطوات كافية لإخراج الدول العربية من أزمتها .

في سياق هذه الترتيبات، جاءت مساحة الانفتاح السياسي محدودة وهامشية وغامضة، وتراوحت بين إتاحة تعددية حزبية مقيدة (مصر 1976– تونس 1989– الأردن 1992)، والسماح بهامش محدود لحريات التعبير وبعض صيغ المجتمع المدني، بالإضافة إلى تغير المناخ الحقوقي للسماح للقطاع الخاص بدور مؤثر في العملية الإنتاجية.

في ضوء هذه الترتيبات، تحدث البعض عن تحقيق "تسوية سلمية" بين النظم والشعوب بما يتضمن إنهاء عصر الاستبداد وزيادة فرص التغيير السياسي السلمي. إلا أن تصاعد المواجهة الدامية بين النظم السياسية والمعارضة الإسلامية المسلحة، وزيادة الاحتقان السياسي في صفوف القوى الاجتماعية المهمشة واصطدامها مع السلطة، ومحدودية المردود الاقتصادي والاجتماعي للخطوات التي أقدمت عليها النخب الحاكمة، كل ذلك أكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأزمة لن تحل بمجرد اتخاذ إجراءات اقتصادية أو سياسية محدودة، وإنما تتطلب "إجراء تعديلات جوهرية على قواعد عمل النظام السياسي والقانوني والقضائي والإداري، أي يستدعى تغييرا في قواعد بناء السلطة العمومية وممارساتها.

لقد أثبتت شواهد الواقع أن هامش الانفتاح السياسي في بعض الدول العربية (مصر – تونس– الجزائر– الأردن– المغرب– اليمن)، والذي وصفه البعض "بالإصلاح الليبرالي" لم يكن سوى "إدارة لتناقضات المجتمع السياسي"، ولم تفقد أي نخبة حاكمة سيطرتها على السلطة، ولم تتغير إلا قواعد وأساليب ممارسة هذه السلطة.وفي هذا الإطار، وقفت حدود الديمقراطية عند مشهد فرز الأصوات الانتخابية بعد تزويرها لتتحول إلى "مجرد تقنية انتهازية مستوردة" لإبقاء الاستبداد وعدم المساس بهأو كما يسميها البعض مجرد التغيير في آلية الفن الاستبدادي، والانتقال من القهر السلطوي دفعة واحدة إلى القهر على دفعات أو مراحل غير مباشرة.


إن ما يمر به العالم العربي مما يمكن أن نطلق عليه "محنة الدستور" أو "المحنة السياسية" تعود إلى أن النخب الحاكمة ليست مقتنعة في قرارة نفسها بأن الحكومات يجب أن تخضع للمراقبة، وأن الحكام يجب أن يخضعوا للمساءلة وأن الأمة هي مصدر السلطات

لقد تواكبت هذه التطورات في الدول العربية مع موجة انسحاب الشمولية في العالم بعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي، واتجاه العديد من الدول نحو "الدمقرطة" وانحسار التسلطية.

ولكن هذه الموجة لم تؤت ثمارها في العالم العربي حيث اقتصر الأمر على استخدام الآلية الانتخابية وتصميم الدساتير لا لشيء سوى تقنين الحكم التسلطي أو بعبارة خلدون النقيب "التسلطية بوجه ديمقراطي.

إن ما يمر به العالم العربي مما يمكن أن نطلق عليه "محنة الدستور" أو "المحنة السياسية" تعود إلى أن النخب الحاكمة ليست مقتنعة في قرارة نفسها بأن الحكومات يجب أن تخضع للمراقبة، وأن الحكام يجب أن يخضعوا للمساءلة، وأن الأمة هي مصدر السلطات، وأنه لابد من وجود صيغة تعاقدية بين الحاكم والمحكومين لتحديد الحقوق والواجبات. ومن هنا فإنه في ظل هذه الظروف وعندما يجرى إضعاف الدستور، وإضعاف الحكم الدستوري، فإن المحصلة هي إضعاف حكم القانون وبالتالي تكريس الحكم المطلق.

ولا أدل على محنة الدساتير العربية من أن أربعة دساتير عربية فقط هي التي تقدم ضمانات لإطلاق حرية الفكر أو الرأي دون قيود واضحة في نصوصها (الجزائر: المادة 36، البحرين: المادة 23، مصر: المادة 47، موريتانيا: المادة 10). وعندما تضمن الدساتير العربية الحق في التعبير عن الرأي فإنها تضمنه "بعبارات بسيطة نادرا ما تشمل أي تفصيل أو إسهاب في تحديد أفق تلك الحرية. أما عن حرية تكوين الجمعيات، فإن الدساتير العربية تميل إلى إضافة القيود التي تؤدي في مجملها إلى تضييق حاد لنطاق هذا الحق، خاصة عندما يقترب نشاط الجمعيات من المجال السياسي.

أما عن التعذيب، فإنه محرم في نصف الدساتير العربية فقط، وبدرجات متفاوتة من التحديد والوضوح، وهناك عدد من الدساتير العربية لا ترد بها أية إشارة للتعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة .

وليس أدل على استبداد أي نسق للحكم وفساده من التضييق على الحريات (حريات التعبير والتنظيم) وانتهاك الحقوق والحريات الإنسانية دون خشية أو حياء.

وبالاستناد إلى المؤشرات التي تنشرها بعض المؤسسات الدولية حول حالة الحرية في العالم، يستنتج نادر فرجاني أن البلدان العربية "تتسم بمستوى أدنى من توافر الحريات بالمقارنة مع دول أفريقيا وآسيا غير العربية"، بل أدنى حتى من باقي دول العالم.

وبالطبع فإن حالة حقوق الإنسان في الدول العربية هي بحق مفزعة، كما يراها فرجاني ونتفق معه، حينما تشمل انتهاكات خطيرة مثل اعتقال سجناء الرأي، وانتشار التعذيب خاصة عندما تتم هذه الممارسات في طي الكتمان .

المحصلة والمخاطر

بعد مرحلة "التحرر الاقتصادي" الشكلي و"الانفتاح السياسي المحدود" خرجت الدولة العربية أكثر تسلطا عما كانت عليه. لقد ترعرعت المصالح الشخصية البيروقراطية الكمبرادورية الطفيلية في ظل آليات الخصخصة والانفتاح، وانفتح الباب على الغارب لسيطرة رأس المال الطفيلي، واستشرت ظاهرة الثراء المفاجئ غير المشروع، وتضخمت ظاهرة الفساد بكل أنواعه في السياسية والاقتصاد والإدارة والعلاقات الاجتماعية.

لقد وجدت النخب الحاكمة والتحالفات الاجتماعية المتضامنة معها "الزبائنية" أنه ليس من مصلحتها إجراء تحولات ديمقراطية طالما أن مؤسسات الحكم لا تنفصل عن آليات توزيع العوائد المالية.

لقد جرى تخليق صيغة عربية تجمع بين التحرر الاقتصادي والتسلط السياسي "باستقطاب بعض أعضاء النخبة الداخلية، من خلال نحت أدوار مزعومة لهم برئاسة أحزاب سياسية أو مؤسسات أو حتى الاكتفاء بغض النظر عن آرائهم وانتقاداتهم طالما أنها لا تتعدى الخط الأحمر الشفاهي الذي رسمته الحكومة.

في إطار ذلك ظلت السلطة في الدول العربية على رفضها القاطع لقبول مبدأ الشريك في الحكم. وغاب تماماً في الواقع العربي مبدأ التداول على السلطة.

فالتغيير السياسي إما بالوفاة الطبيعية، أو خلع الأمير لسابقه، أو الأزمات السياسية الحادة (الجزائر)، وأخيراً يجرى التمهيد لصيغة "توريث الحكم في الجمهوريات.


"المشروع الديمقراطي العربي" لم يحقق أي نصيب من النجاح الحقيقي، لأن المبدأ الذي جرى اعتماده وتسويقه والمزايدة عليه هو 60 سنة من ديمقراطية جائرة مستبدة أهون وأصلح من ليلة بلا ديمقراطية على الإطلاق


ولم تستهدف التحسينات الشكلية التي أجريت على شكل الحكم (تعددية– برلمانات– انتخابات) إجراء أي تغيير في جوهر السلطة، كما لم يستهدف الانفتاح المشوه تحقيق عدالة التوزيع ومشاركة الأغلبية الاجتماعية في عمليات الإنتاج والحكم، ومع تزايد تراكم الثروات لدى التحالفات القريبة من الحكم، اتسعت الفجوة بين القلة من الأثرياء والأغلبية الساحقة من الفقراء المهمشين سياسيا واجتماعياً. وقد ثبت بالدليل القاطع أن "الانفراج" المحدود وفقا لتوجهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كان عملية مدروسة أسفرت عن "تآكل القاعدة الاجتماعية" وتعرض الجماهير الشعبية الفقيرة لمزيد من الحرمان والإفقار والتهميش .

لقد تم فرض وصفة التثبيت والتكيف الهيكلي على الدول العربية وفقا لشروط النظام الرأسمالي العالمي في طوره "الإمبريالي المعولم". في هذا السياق، تتحول وضعية "المنطقة العربية" من التبعية إلى مزيد من التبعية والتهميش.

أما على الصعيد الداخلي، فإن "المشروع الديمقراطي العربي" -إذا صح التعبير- لم يحقق أي نصيب من النجاح الحقيقي، لأن المبدأ الذي جرى اعتماده وتسويقه والمزايدة عليه هو 60 سنة من ديمقراطية جائرة مستبدة أهون وأصلح من ليلة بلا ديمقراطية على الإطلاق.

ثالثاً: آليات إعادة إنتاج الاستبداد في الواقع العربي

في الصفحات السابقة تناولنا مظاهر الاستبداد في الواقع العربي بوجه عام. والآن نطرح السؤال التالي:

ما هي آليات إعادة إنتاج الاستبداد في الواقع العربي؟

بعبارة أخرى، ما هي الأسباب التي تمنع وتعوق تغيير "الحالة الاستبدادية العربية"؟
في تقديرنا أن ذلك يعود إلى ثلاثة عوامل متشابكة ومتداخلة، وهي:

أولا: الدولة وتداعياتها كحالة حصارية.
ثانيا: الدين وذرائع الاستخدام المراوغ.
ثالثا: الفقر وامتصاص طاقة المجتمع.

ونتناول الآن كلا منها بالتفصيل:

الدولة وتداعياتها كحالة حصارية

من ثوابت هذه الدراسة الإقرار بالرابطة الوثيقة بين الدولة والفعل السياسي باعتبارها حاملة له. كذلك، أن المجتمع لا يقوم خارج نطاق العلاقة مع الدولة لأن أصول المجتمع، وهي تكمن في العملية السياسية، تكمن في الدولة نفسها. يترتب على ذلك أن معالجة مشاكل المجتمع المدني تتحقق وتحتاج إلى الدولة ولكن:

أي نوع من الدولة تلك التي تساهم وتطلق طاقات المجتمع المادية والفكرية وتسمح له بالحركة والإنجاز والنهضة؟

دولة الإكراه
إذا كان علماء السياسة يقررون بأن سمة الإكراه هي سمة غالبة على الدولة، مما يدفع بالتسليم بالقاعدة التي ترى أنه "لا دولة من دون سلطة ولا سلطة من دون تسلط" فإن قضية "الإكراه" تبقى هي محور الخلاف في التمييز بين دولة استبدادية ودولة ديمقراطية.

من الصحيح أن الدولة تجسد السلطة (كعلاقات للقوة) والتي تتولى إصدار الأوامر وفرض الإلزام بالطاعة .

ولكن علاقات السلطة/القوة لا تقصد إلا بلورة وحدة المجتمع السياسي القومي، والدفاع عنها ضد المخاطر الداخلية والخارجية، والحفاظ على الذاكرة الجماعية، وإحاطة المواطنين وضبطهم، ورسم حدود الدولة بالمعنى القومي، وتأهيل بنيتها التحتية دون مغالاة في التدخل.

هنا نجد، حسبما يرى عماد شعيبي أن الإكراه "بمعناه الضابط اجتماعيا هو وظيفة صلبية لدولة الإكراه". ومع ذلك فإن شعيبي يصل بنا لنتيجة أساسية وهي "أن الغلو في دور دولة الإكراه كارثة على الدولة نفسها، ولم يعد مقبولا التغاضي عنه في سياق حركة كرة الثلج (الديمقراطية.

إن الإكراه المغالى فيه يصبح خطرا على الدولة نفسها لأنه يكون قد استنفد أغراضه، لنصبح آنذاك أمام سلطة تعتدي على الدولة نفسها، أي دولة تنهش ذاتها، وبدلا من أن تكون الدولة سياجا "لموازين القوى" فإنها تصبح ساحة "لمراكز قوى" متصارعة.

إن تحليلنا الراهن، لا يقصد بحال من الأحوال تصعيد "المواجهة" ضد الدولة ولا زيادة حدة التوتر بين "الدولة" و"المجتمع"، وإنما يكمن الهدف في لفت الانتباه إلى أن الإصلاح يتطلب في المقام الأول "تغيير الدولة ذاتها من الداخل" أي "تبديل نمط الإرادة التي تسيرها" لتتحول من عصبة أو عصابة لإرادة نابعة وتابعة ومصالحة للمجتمع .

في الواقع العربي، نحن إزاء دولة "تفترس" المجتمع بكل أشكال الإكراه الممكنة.

كان خلدون النقيب قد أشار إلى "الإرهاب الشامل" الذي تمارسه الدولة التسلطية من خلال هيمنتها على الاقتصاد والمجتمع. ولا غرابة هنا في صفة "الإرهاب: عندما يؤدى ذلك في الحالة المصرية مثلا إلى" انسداد أفق التغيير السياسي بأي معنى، ومنع تشكيل أي حزب جديد، واستمرار القيود على نشاط الأحزاب القائمة، واحتكار الحزب الوطني (حزب الدولة) للسلطة إلى أجل غير مسمى، واستمرار تزييف إرادة الشعب من خلال انتخابات مزورة، واستمرار سريان قانون الطوارئ دون مبرر، وجموح ظاهرة أصحاب السلطة والثروة والنفوذ وفئة من هم فوق القانون، وانتشار الفساد والتربح وتعدد حالات الهروب وتهريب الأموال لدرجة أن كاتباً مصريا تساءل صراحة: "هل نحن أمام عملية جديدة من عمليات (نهب مصر) والتي تحدثنا عنها في القرن التاسع عشر وربما في فترات لاحقة أيضا.. وإلا ماذا يعنى الاستيلاء على أموال بالمليارات دون أمل كبير في العودة

كانت قرارات الانفتاح الاقتصادي والسياسي التي اتخذها السادات قد ولدت الانطباع بأن مصر تتحول من "السلطوية الناصرية" إلى الانفتاح الديمقراطي، ثم أطلق البعض على الحالة المصرية الراهنة نمط "التعددية المقيدة" أو "المنضبطة"، ولكن انسداد أفق التطور أو التغيير أمام هذا النمط التعددي المقيد، ينبئ بأن مصر لم تغادر بعد مرحلة الحكم السلطوي، وأن كل ما حدث أنها تحولت من نموذج تسلطي إلى نموذج تسلطي آخر.

كان نزيه الأيوبي لا يخفى "اعتزازه" بالدولة في مصر عندما اعتبرها –رغم عيوبها وخطاياها- "تراث وإنجاز قيم لابد من الحفاظ عليه" ولكن ذلك لم يمنعه من طرح السؤال الحائر: ماذا نفعل بالدولة المصرية؟ هل نقويها أم نحد من قوتها؟

وفى حالة الاعتراف بميزة الدولة "القوية" فإن الأمر يتعدى مسألة محاولة تصحيح مسارها. ذلك أن واقع الدولة في مصر أنها سعت إلى إيجاد "خواء سياسي حولها" فمن حزب يتطابق مع الدولة أو الحكومة، إلى مجالس تابعة، ونقابات خاضعة، وجمعيات تنشأ بواسطة الدولة ومن أجلها.

فمثلاً، عندما صدر القانون رقم 100 لسنة 1993، صدر تحت اسم "قانون ضمانات ديمقراطية النقابات المهنية" ولكن الحقيقة أن القانون شكل قيدا على الحريات وعلى حرية النقابات المهنية وحرية أعضائها في من يريدون انتخابهم.

كما خالف القانون المواد "4" و "5" و "40" و "47" و "56" من الدستور. وفـرض وصايـة قضائية على النقابات المهنية. فإذا ألقينا الضوء على "مسيرة" هذا القانون لعرفنا نوعية "المناخ" التشريعي الجاري في مصر. فالمشروع تقدم به ثلاثة أعضاء من الحزب الوطني الحاكم في مجلس الشعب وذلك في 12/2/1993، وتم إقراره في 16/2/1993 وصدق عليه رئيس الجمهورية في 17/2/1993 ونشر بالجريدة الرسمية في 18/2/1993.

وكما يقول علي عوض المحامي بالنقض والمحكم الدولي أن القانون يجب إلغاؤه لما فيه من مثالب وقيود، وذلك من أجل "رفع يد السلطة عن النقابات إذ ليس من المصلحة إضعاف النقابات المهنية التي تشكل صفوة المثقفين في المجتمع.

ويظل السؤال ماثلا.. ما هي آليات إعادة إنتاج الاستبداد– والتسلطية والتحكم؟

هنا لابد من الإشارة إلى هيكل قوة القهر التي تتمثل في النمو السرطاني لأجهزة الحماية (الأمن): الجيش والشرطة، والتي تحولت وظيفتها إلى حماية من هم في سدة الحكم، ولم أدى الأمر إلى "ترويع المجتمع". لقد أصبحت مؤسستا الجيش والشرطة من أهم دعائم نسق الحكم الفاسد .

إن صورة دولة المخابرات هي حالة عربية شائعة وهي تجسد حالة "مخلوق ضخم" يقوم على القوة والعنف والاستبداد، ويستمد أسباب استمراره من الخوف وليس من الشرعية .

ويستفحل الأمر، عندما يستقر في ذهن المجتمع أن "العنف" هو سيد الموقف، وهو السبيل الوحيد لأي نشاط سياسي بين السلطة والمعارضة (يسارية أو إسلامية). ومع أن السلطة صورت في الآونة الراهنة معركتها على أنها أساساً ضد الإسلام الراديكالي، إلا أن الموقف لا يختلف تجاه أي معارضة أو نقد، فالمعارضة خروج على الدولة والنقد خيانة وعصيان مما يستوجب العقاب، وسجون الدولة هي "مأوى الخائنين.

وبالطبع فإن الجهاز السلطوي يعضده إعلام موال، هو في حقيقته ابن السلطة وربيبها، وأداة رئيسية للتعبئة، والشحن العاطفي من خلال آليات تزييف الوعي وإفساده إن أمكن. فالقضايا التي يتم طرحها تكون بما يتفق وتوجهات الحكم والنخبة والحكومة، والقضايا التي يتم حجبها، وتجاهلها تكون مما لا يحسن فتح ملفاتها "توخياً للصالح العام".

أما ممارسة حرية الرأي والتعبير، فإذا لم تكن في حدود "الأدب أو بعبارة أخرى "الخطوط الحمراء" فإن المصير يتراوح بين الطرد أو الفصل أو الحرمان من الممارسة أو النقل الإداري وصولاً إلى السجن والتعذيب بأنواعه.

ولا غرابة في ظل هذه الأجواء أن يعيش الإنسان العربي مغربا ومغترباً عن ذاته، مستباحا ومعرضاً لمختلف المخاطر. فهو على الهامش تشغله لقمة العيش، لا يجد مخرجا سوى "الخضوع أو الامتثال القسري"، يجتر هزائمه الخاصة والعامة وهو مغلوب على أمره، عاجز عن التغيير أو تحدي قوى الاستبداد .

في هذا الإطار، يحذر برهان غليون من التصور الساذج والمضلل الذي يمكن أن يذهب إلى الاعتقاد بأن المعركة من أجل الديمقراطية تقتصر على مقاومة القوى المستبدة ومعارضتها. وحسب غليون، فإن هذا الاعتقاد الخاطئ -من وجهة نظره- يقود إلى "الاستهتار بعملية التعليم (الديمقراطي) والتربية والنضال السياسي وتعديل موازين القوى الأساسية المرتبطة بمسارها واللازمة لتحقيقها".


طبيعة الحكم العربي لا تترك فرصة لأي حركة سياسية لأن تنمو بشكل طبيعي وتعبر عن نفسها بشكل علني مفتوح وشفاف، وإنما يقفل الحكم التسلطي كل الأبواب ولا يعود هناك مجال للتغيير إلا عن طريق الانقلابات والتآمر على الحكم وإزاحته بالقوة وتأسيس حكم يقوم على مبدأ الغلبة

وبرهان غليون في ذلك يشير إلى أهمية وضرورة إعداد المجتمع والمؤسسات لتصبح ناضجة للتحول الديمقراطي الحقيقي، وحتى تتجنب نتائج أكثر سوءا إذا ما تم إسقاط حكم استبدادي، وتولى الحكم استبداد آخر.

وهذا الحديث صحيح ومعقول ولا غبار عليه، إلا أنه لا يلتفت إلى "العقبة الكبرى" التي تقف في طريق أي "تحول" أو "إصلاح" أو دفع ولو محدود في طريق "ديمقراطية حقيقة" إن مخالب الاستبداد تدمي الجميع، وتجهض كل محاولة لإنضاج التربية الديمقراطية مما يؤدي إلى إعادة إنتاج الاستبداد. ويكشف علي خليفة الكواري الحقيقة دون مواربة بقوله إن "طبيعة الحكم العربي لا تترك فرصة لأي حركة سياسية لأن تنمو بشكل طبيعي وتعبر عن نفسها بشكل علني مفتوح وشفاف، وإنما يقفل الحكم التسلطي كل الأبواب، ولا يعود هناك مجال للتغيير إلا عن طريق الانقلابات والتآمر على الحكم وإزاحته بالقوة، وتأسيس حكم يقوم على مبدأ الغلبة، ويستمر بفضل غلبته على مقدرات الناس إلى أن يأتي من يغلبه بالقوة والعنف.. .

الفساد.. الابن الشرعي للاستبداد
من المعروف أنه خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، استجد في الواقع العربي نوع جديد من "العمليات الاستشارية" لتوجيه الخدمات من خلال "هيئات المعونة الأميركية" والشركات الأجنبية نحو مكاتب استشارية محلية، وذلك بهدف تكوين طبقة أو نخبة من المهنيين الجدد ورجال الأعمال ممن يقبلون مسايرة برامج المؤسسات الدولية الهادفة إلى نشر برامج الخصخصة ودمج الاقتصاد العربي في شبكة الاقتصاد العالمي.

وفي هذا الإطار تقوم الهيئات المعنية بمنح العقود الاستشارية والتوكيلات لأقارب المسؤولين وأصهارهم وأصحاب النفوذ السياسي لتسهيل عمل الشركات الأجنبية، دون النظر إلى ما تقتضيه مصلحة مشروعات التنمية المحلية.

ومع اقتران هذه الظواهر، بضعف الرقابة والمساءلة في المجالس التشريعية والنيابية وأجهزة الرقابة في "الدولة" العربية، فإننا نكون إزاء ما يطلق عليه محمود عبد الفضيل "الفساد الكبير"، وهو نوع من الفساد الذي يضاعف من خطورته ضعف أو انعدام فرصة تداول السلطة مما يؤدى إلى أن يعشش الفساد لمدد طويلة ويتم توارثه.

ويشير عبد الفضيل إلى أن "الفساد الكبير" يحدث على المستويين السياسي والبيروقراطي، حيث يمكن أن يكون بينهما تداخل كبير إذ يرتبط الفساد السياسي عادة بتفصيل القوانين الانتخابية وإدارة الحملات الانتخابية وتمويلها.

ومع انتشار الفساد والمفسدين، واتساع نطاق "الدخول الخفية" الناجمة عنه، فإن العمل الشريف الجاد يفقد قيمته، بل إن القانون نفسه يفقد هيبته واحترامه. هذا، فضلاً عن أن للفساد تكلفته الاجتماعية التي تتمثل في انخفاض معدلات الكفاءة في تخصيص الموارد الاقتصادية، وهو ما يؤدى إلى تخفيض معدلات التنمية الاقتصادية وعدالة التوزيع للدخل القومي.

على أن العلاقة المباشرة بين الفساد والاستبداد تتمثل في أن الفساد عندما يستشري ويترسخ فإنه يعمل على حماية نفسه، وذلك بإبقاء كل الهياكل التي أنتجته على حالها، فلا تغيير في القوانين ولا تعديل في اللوائح ولا تطوير في السياسات، لذلك نجد أن المسؤولين الحكوميين غير مبالين بالتغيير وذلك ضمانا لاستمرار المناخ الذي يضمن لهم المزيد من التربح واستغلال النفوذ، وهو ما يصفه البعض بانتشار نمط "ثقافة الفساد.

في الحالة المصرية

في إطار من "التسلط المركزي" تقع السلطة السياسية في مصر في أيدي التحالف الثلاثي بين بيروقراطية الدولة، والمؤسسة العسكرية، والحزب الوطني الحاكم.
ويستند هذا التحالف التسلطي على حماية القانون والجيش والشرطة.

ويجذب هذا التحالف إليه وكلاء العولمة الاقتصادية ووكلاء الشركات الأجنبية والاستيراد، ويعمل الجميع على إضفاء ليبرالية اقتصادية مشوهة لم تسمح بحال من الأحوال بفتح مجال الليبرالية السياسية أمام النظام السياسي المصري.

المهم أن تسلطية الدولة تتجسد في هيكل قانوني استبدادي بغطاء ليبرالي مرتبك.
ويعاني جهاز الدولة في مصر من ظاهرتين أساسيتينتمثلان أهم سماته في المرحلة الراهنة:

أولا: عدم انسجام الأجهزة الداخلية في النظام وتفككها وعدم توافقها حول السياسات العامة.

ثانيا: صعود قوة واتساع دور الجهاز الأمني بحيث أصبحت له اليد العليا في إدارة الدولة.

ويترافق مع هذه الظواهر، وينتج عنها اتساع نطاق انتهاكات حقوق الإنسان بدءا من انتهاك حريات التعبير والحريات السياسية وحق التنظيم الحزبي، والتضييق على التعددية السياسية وإقصاء القوى السياسية وحرمانها من الشرعية (الإسلاميين)، وصولا إلى الاعتقالات التعسفية وإساءة معاملة المواطنين في أقسام الشرطة .

وفي محاولة للتصنيف، فإنه يجرى وصف النظام السياسي المصري بأنه من قبيل الأنظمة التعددية المقيدة

فالتعدد الحزبي محكوم من أعلى مع وجود قيود على تشكيل الأحزاب، والانتخابات شبه تنافسية، وفوز الحزب الوطني الحاكم محسوم سلفا، وتخضع المشاركة السياسية لمؤثرات تتراوح بين الترهيب والترغيب. ويظل لهذا النظام عاملان يمثلان المظهر الوحيد على الانفتاح السياسي المحدود، وهما: تمتع الصحافة بهامش من حرية النقد، واستقلال القضاء (نسبياً)، أما عن دور الهيئة التشريعية فإنه شكلي ومحدود، ويخضع لنفوذ السلطة التنفيذية، ويقتصر الأمر على ما يتردد في ساحة البرلمان من مناقشات وجدل عام، ووجود رمزي للمعارضة، ولكن دون تفعيل حقيقي لآليات الممارسة البرلمانية المجدية .

في "الدولة العربية" أصلا

الأصل في الدولة أن تكون محايدة ومستقلة كرابطة مدنية تحترم استقلالية الفرد الحر المتساوي القادر على تسيير أموره، وتحديد أهدافه العليا. ويقوم نظام الحكم في الدولة المحايدة بدور الحكم النزيه غير المنحاز في رعايته لسعي الأفراد (المواطنين المتساويين) نحو تحقيق أهدافهم ومصالحهم، بحيث يتركز دور الدولة في عمليات التنظيم والتنسيق والتقنين.

وتحمي الدولة التعددية السياسية وبما لا يتعارض مع اتساع مساحة الحريات والحقوق السياسية وحماية دور المجتمع المدني خارج نطاق السياسة.

وفي ذلك يقوم نسق الحكم الصالح(غير الاستبدادي) على أساس مؤسسات مجتمعية معبرة عن الناس تعبيرا سلميا، وتربط بينها شبكة من علاقات الضبط والمساءلة، بواسطة الناس، وبما يستهدف المصلحة العامة.

دون الدخول في تفصيلات حول تاريخ الدولة في الواقع العربي، فقد نتفق مع محمد جابر الأنصاري على أن ما نراه في العالم العربي هو "مشروع دولة" لم يصل بعد إلى مرحلة النضج والاكتمال تنظيميا ومؤسسيا.

لعل السمة الأساسية التى واكبت تأسيس الدولة العربية أنها باشرت بإقامة حكومة وإدارة وجيش قبل أن تترسخ فيها مؤسسات "الدولة" من مجالس وتنظيمات، أي أن البداية جاءت بتأسيس "سلطة" قبل تأسيس "دولة" (مع ملاحظة قدم الدولة وخبرتها في كل من مصر والمغرب).

من هنا يقول الأنصاري "إذا كانت حركات المطالبة بالديمقراطية والتغيير السياسي –ثوريا كان أم سلميا– تطالب بتغيير الأنظمة والحكومات، فيبدو أن منطق التطور التاريخي الموضوعي الخاص بعملية تأسيس السلطة والدولة في المجتمعات العربية يتطلب ويقتضي أولاً نضج مؤسسات الحكومة والدولة ومرتكزاتها في المرحلة الراهنة دون تعجل الانقلابات والتغييرات الجذرية.. ".

إن الأنصاري يربط بين شروط "التطور التاريخي الموضوعي" فيما يتعلق بعملية تأسيس السلطة والدولة وإمكانية إجراء تغييرات سياسية عميقة، وإلا فإن الثورة أو التغييرات المنشودة تجرى في فراغ وفي العراء .

وتفصيليا يصل الأنصاري إلى أنه لا يمكن تصور جنين ثورة بالعنف أو التغيير السلمي دون "رحم" دولة مكتملة ناضجة ومخصبة ودخلت سن الرشد.

واستكمالا لهذا التحليل، فإن الأنصاري اعتبر أن الطبيعة السلطوية أو التسلطية الحادة للأنظمة العربية والإرث الاستبدادي للدكتاتورية العربية، لا يعود "لمسألة عطش الحاكم العربي إلى السلطة" ولكنه يعود أساساً إلى عنصر "عدم نضج واكتمال الدولة وسلطاتها، أي التطور التاريخي الموضوعي".

وهنا نجد أن التحليل يجرى بصورة معكوسة، لأنه وفقا لشواهد التجربة العربية، فإن الاستبداد واحتكار السلطة يعد هو نفسه السبب الرئيسي في عرقلة وتعثر نمو "الدولة" في الواقع العربي، لأنه يحرمها حيوية التجدد ويمنع عنها أسباب التطور والنمو والارتقاء إلى مراحل أعلى.

وهنا أيضاً نجد أن تحليل الأنصاري قد يفيدنا في دعم وجهة نظرنا، ذلك أنه في الواقع العربي ليس من السهل التفرقة الواضحة بين ما للسلطة وما للدولة، فالسلطة هي التي تبنى المؤسسات والأجهزة، أي أن السلطة هي "حاضنة الدولة وليس العكس، أو كما يجب أن يكون".

وحتى عندما يحاول الأنصاري لفت نظرنا لأهمية التمييز بين "النظام الحاكم" و"مؤسسة الدولة" وهي مسألة يصعب الوصول إليها في الواقع العربي حيث يكون الفرد الحاكم ذاته هو "صمام الأمان" بالنسبة إلى بقاء الدولة، فإن هذا التحليل ذاته هو دليل أيضا على سلطوية الحاكم والدولة معا، وليس مجرد أدلة جديدة على عدم نضج الدولة وعدم اكتمال نموها فحسب

يتبع*******************************************************************************************************




#ادم_عربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق3
- الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق2
- الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق
- منتدى البحث عن حلول في الفلسفه
- يهودية دولة اسرائيل
- الأزمة الاجتماعية في بلدان الوطن العربي وغياب الأسس المادية ...
- الاسلام السياسي مصلحه فؤويه
- المفتي يقول انا مسلم علماني
- الله و التغيير هما الثابتان في الكون
- المشهد الفلسطيني
- دور منظمات المجتمع المدني في اقامة مجتمع ديموقراطي علماني عا ...
- القناع الديني العبثي
- هل الخطاب الديني انعكاس لازمة الاخلاق
- المرأة عند الاغريق
- هل هناك علاقه للثراء بالتطور
- الإلحاد في اللغة العربیة


المزيد.....




- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...
- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...
- انتقاد أممي لتقييد إسرائيل عمل الأونروا ودول تدفع مساهماتها ...
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بإدخال المساعدات لغزة دون معوقات
- نتنياهو يتعهد بإعادة كافة الجنود الأسرى في غزة
- إجراء خطير.. الأمم المتحدة تعلق على منع إسرائيل وصول مساعدات ...
- فيديو خاص: أرقام مرعبة حول المجاعة في غزة!!
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بفتح المعابر لدخول المساعدات إلى غز ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ادم عربي - الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق4