أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي بندق - لماذا يرتعب المتدينون من كلمة الحرية















المزيد.....

لماذا يرتعب المتدينون من كلمة الحرية


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2782 - 2009 / 9 / 27 - 13:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



في الأدبيات الإغريقية القديمة أمثولة ، مفادها أن آلهة الأوليمب أوحت لعرافة المعبد أن ".. سقراط أحكم البشر" . فقال الحكيم معقبا ً : ذلك لأنني أعلم الناس بجهلي .
فيما بعد قال شاعرنا العربيّ أبو العلاء المعري : كلما أدبني الدهر ُ / أراني ضعف َ عقلي / فإذا ما ازددت ُ علما ً / زادني علما ً بجهلي .
هذا الوعيُ بمحدودية العقل البشري إزاء الكون غير المحدود ، هو حسب ُ سر تقدم الأمم والأفراد .. فلولا الإحساس بالجهل ما أوغل أحد في بوادي المعرفة عساه يعثر على بئر ماء زلال فيها، وما غاص في أعماق بحورها علماءُ( لا غش فيهم ) ليخرجوا على الناس بـ.. بعض لآلئها . ولولا هذا النزال المستمر بين التعلم والتجاهل لأغلقت جفونها الجامعاتُ ومراكزُ البحث العلمي ، وفصلت من الخدمة عقولها ، ضاربة بدفوف الختام وهي تجمجم : عرفنا كل شئ !
بالطبع لا يمكن لمثل هذا القول السفيه أن يصدر عن مؤسسة تعليمية في الغرب أو في الشرق ، فما بال أقوام لدينا يوقنون بأن "علماءنا " لديهم العلم الكامل ، بينما علماؤنا" أولئك لا يزالون يرتشفون عصائرهم من أكواب قروننا الوسطى، منتشين ِبرُغوتها المعرفية الأسطورية عن أصل الإنسان ، الذي هبط على الأرض عام 4004 ق. م ! وعن بناء الهرم الأكبر بيد فرعون يدعى الوليد بن الريان ! وعن جدارة النظام الفلكي القائل بأن الأرض ساكنة لا شئ تحتها ، تطلع الشمس عليها صباحاً من ظلام مجهول ، وتسقط عنها مساء ً في بحر لجيّ !
وبينما يعترف " علماؤنا " بخلو جيوبهم من أية براهين أو إثباتات تجريبية على ما يقولون ، تراهم يرفضون بشمم ٍ أعمالَ ونظرياتِ البيولوجيين والفيزيائيين أمثال دارون ونيوتن وآينشتين وماكس بلانك ونيلز بور ، ُمعرضين حتى عن تفحص براهينهم القابلةٍِ – بحسبانها علمية – للتكذيب ، أو للمصادقة إذا عز دحضها .
"علماؤنا" المعاصرون لا يكلفون أنفسهم عناء الفحص والاختبار، ولماذا يفعلون وهم على يقين من حيازتهم للمعرفة الكلية ممهورة بتوقيع الخليفة القادر( مؤلف ما أسماه العقيدة الصحيحة ! ) ومختومة بختم دولة ابنه الخليفة القائم مهندس مؤسسة الإرهاب الفكري في العصر العباسي الثاني .

هل يمكن لمخلوق أن يحصـّل المعرفة الكلية ؟
سؤال لا يصدر إلا عن جاهل محترف .. خذ مثلا ً شخصاً عقد العزم على أن يعرف كل شئ عن عالمنا هذا ، ترى ماذا يفعل ؟ يدرس جغرافية الأرض والتاريخ الطبيعي للكوكب ، ضمن نظام المجموعة الشمسية ، ضمن نظام مجرة درب التبانة ، ضمن السدم اللانهائية في الكون ، ليعرج على تحليل المادة التي منها ُبني هذا الكون ُ : ذرات وإلكترونات وبروتونات ونيوترونات وكواركات ، في ظل القوانين الحاكمة لها كالجاذبية والضغط والحرارة.. بعدها لا جرم يعود إلى دراسة الكائنات الحية التي عاشت على كوكبه بدء ً من الأميبة إلى الإنسان ، فتقوده دراسة البيولوجي إلي الفسيولوجيا والأجهزة العصبوية ( النيروبيولوجي ) وعلاقتها بنظام اللغة وانبثاق الوعي بشطريه الظاهر والباطن ، ثم عليه بعد ذلك أن يدرس التاريخ البشري تفصيلا ً منذ تكونت المجتمعات البدائية وحتى ظهور الأمم والدول الحديثة . وفي هذا السياق لا مندوحة أمامه من معرفة أسباب تطور بعضها وتخلف البعض الآخر ، وهو ما يقتضي الوعي بقوانين الاقتصاد ، وآفاق الفلسفة ، وفخاخ الأيديولوجيات ليتسنى له تفسير كيفية نشوء ( واختفاء ) الإمبراطوريات والدول بمذاهبها السياسية والدينية والفنية والأدبية التي تمثل رأس المال الرمزي لأي تجمع بشري.
آتني بمثل هذا الشخص لأجلسه مكان " زيوس " كبير آلهة الأوليمب الإغريقي
تقديرا ً لعلمه الكلي ّ غير المحدود ! ، وأيضا ً كي أعارضه – في الوقت نفسه – بمثل ما عارضه سيزيف الذي رفض الخضوع للموت ، وبرومثيوس الذي سرق النار من السماء ليعطيها للبشر، واسكليبوس الذي علـّم الناس َ الطب َ ليدرأ عن أبدانهم الآلام.. هؤلاء المعارضون ومن سار على دربهم أمثال سبارتاكوس ومارتن لوثر وفولتير وروسو وماركس وغاندي ومانديلا إنما كانوا طليعة المطالبين بالحرية في مواجهة ما ُيظن أنه الضرورة الكونية : الموت ، العجز ، المرض ، العبودية ، الشقاء ...الخ أو في مواجهة ما ُيروج له الطغاة ُ بما ُيسمى الضرورة السياسية : حكم الفرد ، العائلة، الفئة ، الطبقة ...الخ أو ما يخضع له العامة على أنه واقع بالضرورة الاقتصادية : النظام الإقطاعي ،الرأسمالية .. الخ أو الضرورة الاجتماعية : وضع المرأة كمخلوق أدنى ، أنسقة الزواج والطلاق المفتقرة للمساواة ، أساليب تربية الأطفال( بضربهم ، وتشغيلهم مبكرا ً لتخفيف الفقر عن ذويهم ! )..الخ وجميعها " ضرورات " زائفة ، منذورة للتجاوز بالثورات العلمية والإصلاحات الراديكالية أو تدرجاً مع الوقت .

اليأس التاريخي من التحرر
مشكلة المعرفة عند العقل العربي تكمن في يأس شعوبه من التحرر ، وربما يعود هذا اليأس إلى اطراد الزمن الذي حاق بهم استبدادا ً من قبل أنظمتهم شبه الإقطاعية ، بأيديولوجياتها الجامدة المتحجرة ، والمتقنعة في آن بقناع " المقدس " . ولعل أبشع ما في الإقطاع قدرته على تدمير وعي" أقنانه " حتى لتراهم ينفرون ممن يأتيهم بأية معارف قد تساعدهم على التحرر .
في ظل الإقطاع العسكري العربي تضافرت عوامل سياسية واقتصادية شتى لحصار القوي الاجتماعية الراغبة في التقدم والتحرر ، فالبورجوازيات العربية التجارية اضطرت ، فيما بين القرنين الحادي عشر والسادس عشر للانكفاء داخل أسواقها المحلية بفعل الحروب الصليبية ، وبالذات بعد أن فقدت العسكرتاريا العربية سيطرتها على البحر المتوسط وبحار الشرق ، وبعد أن خسرت البورجوازية حتى تجارة الترانزيت بتحول التجارة الدولية إلى طريق رأس الرجاء الصالح ، وكان انعكاس ذلك على الحياة الفكرية مدمرا ً دون شك ، فلقد ُأجبرت المعتزلةُ (التي كانت تعبيراً فكريا ً عن صعود البورجوازية في وقت سابق) على إخلاء الساحةَ للثقافة المعبرة عن حالة الانحسار : ثقافة الفكر الأشعريّ المحافظ ، والفقه الحنبليّ المتزمت ، فكان هذا هو الإرث الخاسر الذي تسلمه "علماؤنا" المعاصرون ، وما زالوا يضاعفون من خسارته وفاء ً أو عنادا ً .

الدين غاية أم وسيلة ؟
واحد من هؤلاء – لعله أكثرهم قابلية للحوار– صرح منذ أيام في برنامج تليفزيوني بأن الغرب يضع على قمة هرمه مبدأ الحرية ، كل إنسان حر تماما ً فيما يعتنق وفيما يفعل ، شريطة ألا يجور بذلك على حق الآخرين . ثمة لا يجوز لجماعة أن تغلق شارعا ً، تعطل فيه المرور ممارسة طقس ديني ( فأين المسجد والكنيسة والبيت ؟ )
أو لموظف أن يتوقف عن أداء عمله بنفس الذريعة ( فلماذا يطلب راتبه كاملا ً آخر الشهر ؟ ) أو لبرجماتيّ أن يدمر بمكبر صوتٍ أجهزةَ مواطنيه السمعية لكي يذّكرهم بموعد صلاة ( فما وظيفة المآذن ؟ ) أو لصائم أن يوبخ ويؤثم من ليس بصائم ( أفلا يدفعه بذلك لتعلم الجبن والنفاق؟ ) يقول عالمنا الفاضل ُ : أنا أتفهم منطق الغربيين ، بيد أننا هنا نضع الدين – وليس الحرية – على قمة هرمنا .
هكذا وبضربة واحدة فصل عالمُنا العربي بين الحرية كقيمة إنسانية عليا وبين الدين، وكأن الحرية والدين نقيضان . ولو تدبر فضيلته ، لأدرك أن الحرية غاية ، والدين وسيلة ، ومن ثم لا وجه للتصادم بينهما . فالدين في اللغة هو اسم لجميع ما ُيعبد به الله ، وهو أيضا ً الطريقة والمذهب ، فهل يتخذ امرؤ مذهبا ً ليكون هدفا ً في حد ذاته ؟ أم ليتوسل به كي يحقق أغراضه ؟ أنا لا أذهب إلى القاهرة لأستقل القطار ، بل أركب القطار لأصل إلى القاهرة ، كذلك الدين ُ : طريقة ٌ للوصول إلى الله وليس العكس . يقول الله في سورة الانشقاق : يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ً فملاقيه . وفسر الإمام النسفي الكدح َ بمجاهدة النفس في العمل . على أن العمل المتقن لا يتجلى بغير التعلم المستمر الدءوب ، الذي به أدرك سقراط وأبو العلاء أننا جميعا ً جهلاء ُ ؟
وبما أننا نعيش الآن عصر المعرفة العلمية ، عصر التحرر من الضرورة ؛ فلا مناص من أن نشمر عن سواعدنا لنتعلم جديدا ً في كافة الميادين كل يوم، بل وكل ساعة، كادحين ما استطعنا لنلاقي وجه الله ( الذي له المثل الأعلى ) دون خشية من كلمة الحرية .



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى يعتذر الغرب للشعب المصري
- المرأة العربية في المخيال الجمعي
- مقاربة مصرية لرباعية الإسكندرية
- رواية أن ترى الآن لمنتصر القفاش
- النقد الذاتي قطار المصريين إلي الديمقراطية
- عوليس الحمساوي وارهاب العودة للبيت
- الولاء لمصر ولو كره الفرس المعاصرون
- كل ضد إلى ضده
- مياه الأمن القومي بعد إنفلوانزا الخنازير
- هل يستقيل الكاتب من ديوان العولمة ؟
- الإسكندرية والتهاب العصب الخامس
- من عصاها تهرب الحواسب الكونية
- قصيدة : نسخة وذراها الخروج عن النص ِ
- لماذا لا يطلب الأخوان السلطة في مصر
- كتاب البلطة والسنبلة - إطلالة على تحولات المصريين
- غرام الأسياد بين الكفيل والأجير
- النصر الحمساوي بلغة الخبراء العسكريين
- حرب غزة : ثقافة الإبادة الجماعية ضد ثقافة الإنتحار الجماعي
- إلى أين يذهب أهل غزة ؟
- رومولوس العربي يبيع غزة


المزيد.....




- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي بندق - لماذا يرتعب المتدينون من كلمة الحرية