أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امنة محمد باقر - عندما تغرب الشمس ..............................















المزيد.....

عندما تغرب الشمس ..............................


امنة محمد باقر

الحوار المتمدن-العدد: 2780 - 2009 / 9 / 25 - 06:27
المحور: الادب والفن
    


كانت العوائل العراقية في قديم الزمان تسكن البساتين ! ويأكلون مايشتهون كأنهم مملكة سبأ ... وقد حدثنا اجدادنا واباءنا عن تلكم الحياة الرغيدة ، التي قد تكون خلفت فيهم شيئا من الكسل لكثرة الخير الذي كان يغدق عليهم بكرة وعشيا !
احدى العوائل التي طبعت في ذاكرتي قصة لن انساها ماحييت هي قصة عائلة نبيلة كانت تسكن بستان الجدة في عواشة ، في مدينة العمارة .. وكان الاب قد ضمن بستان الجدة المسيحية التي تملكه وهم شركاء في المحاصيل !! يقال ان يده كانت كالذهب ، اذا مسك التراب بقدرة قادر يخرج الزرع مختلفا الوانه !!
تسألهم عن النخيل ، عن النبق ، عن الليمون عن البرتقال ، عن الكمثرى ... كل انواع الفواكه والتمور .. وكان لدى الرجل ثلاثة ابناء احدهم سافر الى بغداد كي يعمل فيها في مطابع السكك وكون اسرة عاشت كل حياتها هنالك ...ولربما كان هذا امرا يحسدون عليه ، لأن الذي جرى على العمارة وغير حال الولاية وتقاليدها امر لايسر الخاطر فيما بعد !
بقي الاخوان الاخران في عواشة ، ثم جاءت الحكومة وجاء الاحتلال الانكليزي وتم بناء الجسر الجمهوري ، وتم قطع النخيل !!
كان مركز المدينة يخلو تلك الفترة الا من سبع قصور ، وسميرة المصورة وبيت جابر وهو ذلك الرجل الذي ضمن زراعة البستان .. وكل اهل الجديدة يعرفونه ، حيث كان منزله مقابل منزل سميرة المصورة ، قبل ان تتكون البيوت الحالية ..
تم بيع كل نخلة بخمس دنانير .. واخذت العائلة المبلغ اضافة الى مجموعة من قطع الاراضي على حافات عواشة سميت فيما بعد باسم حي الحسين القديم ..
المهم ان العائلة عاشت في حلم البستان ، وتقاليد البستان ، من كرم وضيافة ومصاريف لانهاية لها ، وكانت اول من امتلك السيارات في منطقة حي الحسين القديم ، وامتلكت من الاولاد والبنين العدد الكبير ، يحتفظ ابناء تلك العوائل بالتقاليد الاصيلة في احترام الجار ، والحياء على حد قول الشاعر :
اعمى اذا ما جارتي برزت ، حتى يواري جارتي الخدر
ناري ونار الجار واحدة ، واليه قبلي ينزل القدر ..
واحتفظت العائلة بعلاقات وثيقة مع الاقليات التي تسكن المحافظة ، لانهم كانوا شركاء لامرأة مسيحية وهي الجدة صاحبة البستان التي كانت تعمل الفطور لجابر في شهر رمضان ، وكان اولئك الناس لايعرفون الفتن الدينية ولا ما ألم بالمجتمع من تطرف فيما بعد .. ( من اهل الله على حد قول امثالنا الشعبية )
لكن آل الله لاتدوم لهم السعادة عادة ، فأن تلك المخيلات في الحياة التقليدية وذكريات البستان والثقة بكل احد ، والاسرة الواحدة كانت فترة ستؤول الى احزان ، وتغرب الشمس عن ذلك البستان ، تلك الامبراطورية التي لاتغرب الشمس عن حكاياها ... وسيأتي زمان اصفر غير زمان البساتين وجمالها الاخاذ ، وجنات عدن .. وان كان اهلها لن يحرموا الجنان لطيب معدنهم وحسن خلقهم ...
يذهب اهل الجدة مهاجرين ايضا الى بغداد ، ويصبح ابنهم طيارا ، وتحت اضطهاد هدام يضطر الى ترك البلد .. وكانت عائلة جابر تلتقيه في المناسبات عندما يأتي بطائرة الهليكوبتر كي يزور العمارة ، وحين يشتهي الطابك الذي لاوجود له في مركز المدينة ونساءها الحضريات !! فأنه لامناص ! اذا جاء ابن الجدة ، لايملك اصدقاءه الا ان يأكلوا على شرفه البني والسمك المسكوف والطابك !!
ويتسامرون ، وتجمعون حلقات حلقات يتذاكرون بستان الجدة ، وايام مملكة سبأ حين سكنوا جنتان !! من نخيل واعناب !!
عهدت هذه العائلة على اللقاء بالاصدقاء الذين يختارونهن بدقة ، ويجتمعون في حلقات ، الاطفال ، النساء ، الاباء ، ويجتمعون داخل ( الهول ) او في حديقة البيت الخلفية حيث يشوى السمك ! ويخبز السياح ( خبز من طحين التمن او الرز)
وفي كل ليلة جمعة ، او في ليالي رمضان يزدحم البيت بالضيوف ، واحيانا يتفقون على لقاء اخر في بيت اخر ..
واول ما يتعلمه ابناء جابر هو قصة بستان الجدة ، والكيفية التي تربى بها اباءهم مع الاقليات من الاخرى ، ولايكاد يركب الوالد سيارة التاكسي الا ويحكي القصة للسائق ، وان جاءا اخاه من بغداد ، تجمع كل الاصدقاء القدامى ، واعيدت حكايات من نفس البستان ، بل ويسمعون نفس القصة ..
ويعشق الاطفال سماعها ولايملون تكرارها .. انها تعطيهم شعور خاص بالتميز ، وانهم مختلفون ، انهم ابناء الولاية الاصليين ، وان هنالك ادابا لايرونها في الشارع او في ابناء اليوم ، بل تعرفها تلك الاسر فقط ، وان خرب الزمان ، لايخربون ، وان مسخت القيم ، لن تمسخ في ادمغتهم قصص التسامح والتعايش مع الاخر ، واحترام الذات والغير !!
حتى جاءت حرب الخليج الاولى ، فاذا بتلك اللقاءات تضمحل .. ولايمكن اللقاء كالسابق ، وتلك النسوة اللواتي كن يجتمعن للحديث الشجي واللقاءات الاخوية ، ومناقشات مستقبل البلد وكيف سينمو العراق .. بدأ العراق يتجه الى الهاوية ومعه تلك الاسر المسكينة ، واذا بهم يودعون كل يوم شابا كانوا ينتظرون زواجه ، يودعونه الى المقبرة ، وتبدأ رحلة العذاب مع تلك النسوة الثاكلات ...
ثم يحاولون لملمة الشمل من جديد في التسعينيات ، واستذكار ايام البساتين ، واذا بالحصار يأتي ليقول لهم :
يبو العنبر تبات شلون جوعان ، والك معبر على درب اليمر ..
زنكين الخلق دوم انت ديان ، وسف مثل الصدق واصحبت مديون ..
وتأتي تلك الايام السود لتحرم العوائل من جمالية لقاءاتها ، وتقصف تلك الحروب الطبقة المتوسطة وتنهيها من الوجود .. وتعيش تلك العوائل الغنية الاصل الكريمة النفس تحت وطأة جراحات فقد الابناء والبنين ، اوفقد اولئك الاصدقاء الذين كانوا يأتون للسمر ، فقد قضت عليهم امراض السرطان والكلى وفقدت العوائل رونق بهاءها بفقد شموع بيوتها من الشباب في حربين طاحنتين ، راح ضحيتها الزهرة من ابناءهم ..
وكان الحصار له ذكرياته الطيبة هو الاخر لأن الناس كانوا يعملون بجد ليل نهار كي لا يكونوا ضحية تلك الازمة ، ولكن كان الحصار هو دغدغة بسيطة مقابل ما سيجري على تلك العوائل التي كانت تغفو على ضفاف دجلة حالمة ، ولاتعلم ان الناس يتغيرون .... كما تتغير الحرباء ، وان اهل الولاية قد رحلوا .. وان المثل التي عملوا على الحفاظ عليها ، غير موجودة الا في بيوتهم ، وايام بستان الجدة ...
يأتي الارهاب ليحطم المثل والقيم ويقتل الشباب هو الاخر .... ولن تغفو تلك الاسر بعد على احلامها الوردية في دجلة وسمره ،والبستان وترفه ... ولايبقى من تلك الاسر الا اخر شعاع من الشمس التي غربت !!







#امنة_محمد_باقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة والشعور بعدم الانتماء .....
- رجل في المدى البعيد ............
- نبوة السياب !!
- مي زيادة ، وصاحب دمعة وابتسامة !!
- لا يا جبران خليل جبران !!
- أ علي العلياء سلامي ....
- الحوار المتمدن ... في فكر هاجر ...
- شعوب في الزاوية ..........
- امرأة فرعون ................
- هاجر تلتقي اسلام !!
- هاجر تبحث عن تعريف اخر ... لمظاهر العنف ضد المرأة
- هاجر ارهقها العمل !!
- الوردة معي في لحظة تأمل !!!
- التمدن في الحوار مع المقدسات !!!!!!!!!!
- امرأة ليست بمقهورة !!!!!!
- النساء والمليشيا والتقاليد العشائرية
- الدين والسلطة
- ايها الاخوة العرب : لاتعبدوا الصنم !!
- انني احب الحسين !!
- علمتني اللطم يابلد المقابر !!!!!


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امنة محمد باقر - عندما تغرب الشمس ..............................