|
لا تسالني من أنا !!
ريم الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 2777 - 2009 / 9 / 22 - 22:23
المحور:
الادب والفن
كنت ذات يوم أتنزّه في احد الشوارع حيث الليلة كانت قمرية الضوء و البدر اخذ مكانه في قعر السماء ، أشعر بالوحدة حينها و شعور آخر غريب ارتأيت تسميته بالإحباط من أمور الحياة و هي تسير بالخطأ ، بينما كنت أسرعُ في خطواتي لهبوط الليل فجأة ، سمعت خلفي خطوات ضعيفة ، أحسست إنها خطوات كانت تتبعني منذ زمن ، صراحة...غشاني خوف من النظر للوراء و الالتفات إليه ، فقد ظننتُ انه احد السُرّاق الذين ينتشرون ليلاً في الأزقة... و لحسن الحظ واجهني حائط عكس ظلي و ظل من كان خلفي يمشي مباشرة... كان لضوء القمر أثراً ايجابياً في كشف حقيقة من ورائي... فقد كان ظلاً لشخص منحنياً ضعيفاً و متكئً... التفـُت إلى الشخص فإذا بي أرى رجلاً كهلاً في العمر منحنياً و متعباً رغم ما به من القوة المتبقية من شبابه...ضحكتُ على نفسي من شدة ما أصابها من خوف بلا طائل...بقيتُ أتابع هذا الرجل و هو يسند نفسه بيديه على الحائط ... نظر إليّ نظرة كمن يعاتب أحداً ... شعرت بالإحراج و رحتُ أنقذُ نفسي بسؤال عسى ان يخفّف من هذه النظرة القاسية... فقلت له من مكاني : مساء الخير يا عم ... أتحبّ ان أقدّم لك خدمة أو أوصلك لدارك ؟ رفع رأسه إليّ سائلاً : لماذا أنتِ بعيدة هكذا يا بُنية ؟ كأنك من مدينة أخرى و لستِ بجواري؟ فاجأني سؤاله ، فقد كانت المسافة بعيدة فعلاً ، تقرّبت إليه أكثر ، و سألته مرة أخرى ان كان بحاجة لأمرٍ ما ... فرفع رأسه حيث رأيته عن قرب ، و للحق فقد فاجأني وجهه لدرجة جعلتني لا استطيع مواصلة الكلام ... كان رجلاً جميلاً اخذ منه الدهر كل مأخذ ... و مع هذا يحتفظ بنصيب من الجمال و الهيبة رغم انحناء ظهره و تعبه ... كانت عيناه زرقاوان و قد خفّ بريقهما ...و خديه تملؤهما التجاعيد الموحية بالعراقة و القِدم و كأنه عاش فترات طويلة من الأسى و الأمل معاً ... نظرته مُتخمة بالكبرياء و روحه مرغوبة... كان يلبس ملابس قديمة كانت فيما مضى بحالة جيدة ... أعجبني الرجل... شعرتُ بالحنين نحوه...و تملّكني الفضول لمعرفة من هو ؟ و لماذا خرج متأخراً و هو بهذه الحالة ؟
تقربّت إليه أكثر حتى مددتُ يدي إليه .. نظر إليّ سائلاً عن سبب مساعدتي ... قلت له : يا عم أنا أراك رجل متعب فما رأيك بان أوصلك لدارك أو أنادي أحداً يساعدني على حملك ؟ ملأت عيناه الألم و كأن دمعاً خُزن فيها لسنين ، فرّد عليّ : و هل يحتاج رجل مثلي ان يساعده احد و أبناؤه موجودين ؟ فقلت له لكنهم ليسوا هنا الآن ؟ ، تنهّد طويلاً ثم قال : و هل الأب بحاجة دائماً لشكوى ليعرف أبنائه ما به ؟ لماذا لا يسألون عن أبيهم إلا للحاجة فقط ؟ طوال هذه السنين أجهدني التعب لأجل رؤيتهم شباباً ثم يأخذون أغراضهم و يرحلون فلا اعرف لهم طريقاً و لا عودةً ؟ بعد كل هذه السنين التي قضيتها لأجلهم ... لا أرى أحداً بجانبي ... ملئت عيناه الدموع ... حزنت لأمره كثيرا ... و قلت لنفسي ... ما أكثر العاقين ... قام الرجل على قدميه بكل قوته ... ثم عاد و انحنى من جديد ... ظلّ هكذا ينحني و يقوم دون ان يقبل مني مساعدة ... قلت له إنني استطيع مساعدته فانا كابنته ...رد عليّ بأنني أفضل من ابنته ، فتلك هربت من المنزل بحثاً عن السعادة و كأنني كنت اغتالها لها كل ساعة !! تمعن بوجهي طويلا ، فبادرني سؤال فوري ترى لماذا ينظر إليّ هكذا ؟ رد علي و كأنه قرأ أفكاري : لا تقلقي فأنتِ ستكتبين عني و عن رحلتي هذه ...أنتِ ابنتي فعلاً فكل إنسان طيب هو ابني و سأعتمد عليكِ .. فيبدو لي انك مألوفة الوجه عندي ..قلت و أين تسكن ؟.. ما ان سألته حتى وقع مغشياً عليه ... أصابتني الصدمة ... قمتُ عليه ... ناديته: قم يا عم ... ماذا جرى بك ؟ ناديتُ على من بالشارع فلم أجد احد ... الهي ! ما العمل ؟ لا يوجد إلا حل واحد ... ان اخرج ما بجيبه و اعرف عنوان بيته أو رقم هاتفه ...
أخرجتُ حافظة نقوده ... كانت فارغة تقريباً من المال لكن الحافظة فاخرة !! تجاهلت الأمر و بحثت عن ورقة تفيدني بأمر هذه المصيبة ... وجدت ورقة صغيرة مكتوب عليها بخط قديم : لا تسألني من أنا ؟
ما هذا العنوان الغريب ؟ لا تسألني من أنا ؟ كأنه صياغة لقصة فيلم لشاديه ... فتحت الورقة التي كانت أشبه بالوصية في مظهرها ... قرأتُ أول اسطرها ...
أنا المغلوب على أمري ... من أتعبه الزمان و اخذ منه كل شيء إلا كرامته المهانة ... من تركه أبناؤه ليالي للبحث عن لقمة العيش رغم غناي ... ثروات طائلة لم ينالها أبنائي فقد سُرقت يوماً ما و أصبحتُ معدماً مذ ذلك اليوم ... جفت الدموع من عيني الزرقاويَن ... و أكل الدهر من خديّ الناصعيَن ... داري غريبة و منطقتي اغرب ... أنا من يسكن بداري كردي و سني و شيعي ... و عربي ...فابني عربي ... و زوج ابنتي كردي ... و أنا شيعي و زوجتي سنية... و أم زوجتي مسيحية... و قريبي تركماني ... جاري الساكن أمامي سوري و زوجته أردنية من عمان ... و بجانبي إيراني من أصفهان ... يسكن منذ زمن طويل ... بقربي رجل من أصول تركية ... و على مسافة من داري هناك رجل من الطائف و زوجته من الأحمدي في الكويت... يبدو ان جميعهم تآمروا مع أقاربي على قتلي يوماً ما رغم عيشنا طويلاً معاً...كانوا يدّعون محبتي و سرقوني ... و كنت أحبهم و اعتدى عليهم أبنائي ... فخرجتُ بمنظر من لا ابن له و لا رفيق ... تلك هي مصيبتي ... انشروها لمن يريد معرفة خبر موتي ...
التوقيع : عريق و فريد المكان : شريد و بعيد الزمان : مصيبتي لها في كل يوم شكل جديد !!
إنني أنا .... رفعتُ عيني صارخةً : الستَ أنتَ العراق ؟؟؟؟
...............................................
تعريف لكلمات الحادثة : العينان الزرقاوان الذابلتان : دجلة و فرات الخدين المتجعدين : أراضيه المتصّحرة الحافظة الفاخرة الفارغة : خزان الوطن الثمينة المسروقة الملابس القديمة : أثاره المنهوبة أنتِ كابنتي : أصابه التشويش من أبنائه لكثرة مصائبه منهم فلم يعد يعلم من يحبه و من يكرهه منهم ... من هو ابنه فعلاً و من هو يدّعي ابنه تزويراً !! عدم المعرفة : تغيّرت ملامح الوطن كثيراً ! فانا ابنته فعلاً لكن ليس من صنف العاقيّن المنتشرين اليوم ... كالجراد !! و نلتقي...
#ريم_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتظار الشمس !!
-
قفْ و لا تقفْ !!
-
قلْ و لا تقلْ !!
-
لا يزال الاسلام غريباً - رداً عليك
-
نحن نحتاج ... كتيبة الاعدام!
-
النفس العراقية
-
يجب الا ننتصر!!
-
عدوُّ الفكر ...2
-
عدو المرأة ...1
-
عندما تذوّقنا دمُّنا
-
عندما يحكمك القميص!
-
سكولوجية النظرة الجنسية2
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|