ملك النحاة

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2777 - 2009 / 9 / 22 - 21:04
المحور: كتابات ساخرة
    

هرطقات النحاة العرب كلها مضحكة , كانوا إذا سمعوا أعرابياً ينصب الفاعل يأخذون كلامه ويقولون هو مفعول فيه(به) مقدم كقولهم (قتل زيداً عمرُ) فالدارج أن يكون الفاعل مقدماً على المفعول به , ولكنهم هنا قدموه للأهمية أو لأي شيء آخر , فللأهمية كانوا يقولون: تقدم المفعول به لأنه مميز عن القاتل الفاعل.

وكانوا يقيسون الغائب على الشاهد وكان الكوفيون يؤيدون النقل على العقل بخلاف البصريين, فكانوا يأخذون كلام العواجيز والهمل محمل الجد وهذا ما عُرف في المسألة (الزنبورية) وهي التي قتلت سيبويه وأصيب بسببها بسكتة كما يقال.


ولكل شيء ملك وهذه ظاهرة منتشرة في المجتمعات العربية وحين ولد ابو نزار الحسن بن صافي بن عبد الله بن نزار البغدادي ,الشافعي,لم يكن هنالك ملكٌ للنحاة فأعلن نفسه ملكاً للنحاة العرب وتخيل سيبويه والكسائي والفراء عمال وموالي وعبيد يعملون في حاشيته يحملون ثيابه وحذاءه أينما ذهب , وأعلن هذا الملك النحوي تطهير مملكة من كذب النحاة وغشهم وسفاهة عقلهم وأولهم مؤلف كتاب (الكتاب) سيبويه الذي يعتبره العرب إلى اليوم أعظم كتاب في النحو واللغة واللسانيات.

ملك النحاة ليس سيبويه فسيبويه كان يعتبره واحداً من رعاة الشعب أو من رعاته , كان أبو نزار الحسن بن صافي هو ملك النحاة العرب , أما الكسائي فهو كلب من كلابه , وحين كان يوصف أمامه نحويٌ كان يقولُ عنه (هذا كلبٌ من الكلاب) حتى ضاق ذات يوم صدر أحد تلاميذه وقال له , إذا كنت أنت ملك النحاة والنحاة بنظرك كلاب فما أنت في الحقيقة إلا كلب وملك للكلاب .

وكان يقول عن ابن جني صاحب كتاب الخصائص وشارح ديوان المتنبي أنه واحد من مواليه وحاشيته.

لقد أقلق بزمنه كل النحاة والشعراء ورفض غالبية قواعد النحو العربي وخصوصاً في مسائل الرفع والنصب فقد اتفق معه أبو عمرو بن العلاء وقال (ليس في الأرض حجازيٌ الا وهو ينصبُ ولا في الأرض تميمي الا وهو يرفع) وذلك حين اختلفوا على النصب أم الرفع في قول العرب (ليس الطيبُ إلا المسكُ) وذلك برفع المسك , أما ملك النحاة فكان رأيه أن أداة (إلا) هنا بمعنى (غير) وهي تعملُ كثيراً في محل إلا أو أن إلا يأتي معناها (غير) .

أما رأي أبو عمرو بن العلاء فهو منطقي يعرفه علماء اللغة والاجتماع , فإن غالبية كلام الحجازيين منصوب وغالبية كلام التميميين مرفوع , وذلك نظراً للتطور الاجتماعي في الحجاز والمدنية التي شاعت أكثر منها في مناطق تميم , بحيث يكون لوي الحنك من الأمور المدنية فغالبية أهل المدن إلى اليوم يميلون إلى النصب وذلك لأن في النصب أصوات ناعمة , أما الرفع فإنه يميل إلى إعطاء صورة خشنة عن المتحدث , فالمتأخرون اجتماعياً يميلون إلى إظهار خشونتهم من أجل أن يستدل بها أعداءهم على قوتهم وشدة بأسهم , أما أهل الحجاز فقد كانوا ميالين إلى النصب وفي النصب نعومة ما عدى حركة (الكسر – الخفض) الثقيلة على اللسان, واللغة هنا تدخل في باب المدنية وغير المدنية.

وقد وقف من ملك النحاة كثيرٌ من الشعراء موقف الهجاء والعداء حتى هجاه ثلاثة شعراء فلم يستطع بسببهم أن يخرج من الدار وهم (ابن منير الطرابلسي, القيسراني, الشريف الواسطي) فهرب من الشام إلى الموصل وأقسم أن لا يعود الشامَ حتى يموت أولئك الشعراء وشاءت الأقدار أن يموت الشعراءُ الثلاثة خلال أقل من سنة , فعاد إلى الشام وبقي فيها حتى وفاته .

ولم يكن ملك النحاة يمتدح أحداً من النحاة أو اللغويين أو الشعراء وكان يقول( (مقاماتي) خمس كلها صدق وجد ومقامات الحريري كلها هزل وكذب).
كان ملك النحاة مجدداً مخالفاً لكل الذين سبقوه ولم يكن هذا يعجب المقلدين فقد وصفوه فهو في نظر ابن بري "متعاظم جاهل متطاول على الأئمة"
وقالوا عنه أنه كان أغبى أهلا زمانه أمثال (الشجري) أما كبار العلماء فقد امتدحوه بما فيه وقالوا عنه كان أعظم أهل زمانه لم يكتب له الشهرة.

ولد ملك النحاة في بغداد سنة 489-568 هجرياً في زمن يعتبر الناس فيه سيبويه والكسائي والفراء أئمة مقدسين لا يجوز المساس بهم ولكنه خطأهم جميعهم ووصفهم بالكلاب الشاردة وبالعيال ووصفهم بالغباء التام وناقض كل المرفوعات والمنصوبات وأثبت أن هذا من كذب النحاة ودجلهم , وكان يتحداهم ويسفه آراءهم وكان يكتب (الحِجي, النُهي, العُلى) هكذا (النها , الحجا , العلا).

كان يقول لو أن ابن جني ولد في زمني لركض خلفي يحمل (غاشيتي).

عاش ملك النحاة (حلو الشيمة , مُر الشتيمة.)وبسبب كُرهه للجميع فقد كرههُ الجميع وتجاهلوا مصنفاته فضاعت ولم يصل منها إلا القليل , وفي يوم وفاته فرح أهل السُنة كثيراً فوقعت فتنة كبيرة بينهم وبين أهل الشيعة.

نحن اليوم بحاجة إلى ملك للنحاة جديد

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات