احمد صحن
كاتب وباحث
(Ahmed Sahan)
الحوار المتمدن-العدد: 2774 - 2009 / 9 / 19 - 19:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ الأزل اشتغل علماء الاجتماع والمختصون في تشخيص اسباب الفساد الاداري الذي ينخر كل مقومات البلد ومنها الاجتماعية والسياسية واهمها الركائز الاقتصادية ويتسبب في تفكيك الدولة وتأخر نموها على كل الأصعدة، وبالطبع فللفساد الاداري اسبابه الكثيرة المتشعبة والمتشابكة والحديث فيه يأخذ ابعادا بالطول والعرض وربما لا يمكن إثرائه لان مثل هكذا موضوع يحتاج الى اسهاب وتفصيل لكن يمكننا ان نتحدث عن اسبابه الرئيسة المتمثلة في تطبيق القانون، وكفالة حق العيش، وتطبيق ما يمكن تطبيقه من العدالة الاجتماعية .
ولو اخذنا ابعاد تطبيق القانون لوجدنا ان العلاقة بين الشعب والسلطة علاقة عمودية هرمية أي انك حين تسكب الماء على رأس الهرم فمن الطبيعي ان يغطي كافة أجزاءه وسكب الماء يعني البدء بتطبيق القانون من الأعلى أي من كوادر مؤسسات الدولة العليا ومن ثم الى الدنيا.
ففي الصين القديمة – قبل الميلاد – هناك مدرسة اسمها " المشرع " كانت تؤمن من ان الانسان فوضوي بالطبع وهي الرؤيا ذاتها لبعض المفكرين من امثال هوبز وبودان وغيرهم من مفكري اوربا الحديثة وعلى اساس حاجة العراق لتطبيق القانون، فان قانونا واحدا مقترنا بعقوبات شديدة تضمن تنفيذه افضل بكثير من كل الكلمات التي تطلقها السلطة لحفظ النظام وبطبيعة الحال فأن ما جرى في العراق من انهيار شامل لمقومات تطبيق القانون وانهيارها المتداعي كما تتداعى قطع الدومينو دون توقف حتى وصل الى انهدام القيم الاجتماعية الخاصة بأحترام القانون ذاته ومن ثم بدأ الاستغلال يعمل دون توقف لان الانسان بطبيعته جشع وتحكمه مجموعة من العواطف والاحاسيس واذا ما اطلق له العنان فأن الحياة ستصبح "ورشة للشيطان" وما نراه اليوم من فساد في العراق فاق حجم التصور وتجاوز حد المعقول حتى اصبح العراق ثالث بلد في مراتب التصنيف الدولي من ناحية الفساد الاداري ولا بد من الاشارة الا ان الفساد الاداري نتيجة طبيعية لفساد العقول السياسية لانهم مسؤولون مسؤولية مباشرة عن استشرائه وماجرى ويجري لحد اللحظة في العراق دليل واضح الى ما آلت اليه الذهنية السياسية التي اشرفت واشتركت في بناء العراق الجديد وحين تمعن النظر لما يجري في مؤسسات الدولة تجد ان صغار الموظفين يرتشون بكل حرية دون الخشية من مرؤوسيهم وهو الدليل الذي يشعرك من وجود شراكة حقيقية بين الموظف ومسئولة وهكذا تتدرج الة الفساد حتى تصل الى كبار مسؤولي الدولة هذا يعني ان حل مشكلة الفساد الاداري تبدأ من الاعلى الى الاسفل هذا عن تطبيق القانون.
اما عن توفير حق العيش كذلك هو سبب رئيسي يسهم في القضاء على الفساد لان المواطن حين يرى طريقة توزيع الفرص بشكل منافعي وغير منصف ومبني على اساس جني المكاسب من هذا المنصب او ذاك هذا يعني فتح الطريق للتنافس من اجل النهب وبشتى الطرق وبالنهاية يكون الضحية هو الشعب فليس بمقدرة احد ان يحصل على هوية احوال المدنية الا بدفع مبلغ لاحد سماسرة الموظفين وان لم يدفع فعليه ان يستعد لخسارة اكبر من الرشوة ذاتها أي ان مراجعة المواطن بشكل رسمي تكلفه ماديا اكثر من "الواسطة" ذاتها وكذلك الامر ينطبق على بقية دوائر الدولة حتى اصبح باستطاعتنا ان نوصف الفساد الاداري بالفساد الاخلاقي لاننا حين نرى الموظف يلتف حول المواطن ويخلق اسباب كثيرة ترهقه بغية اجباره على دفع الرشوة او حين نرى مسؤولا يسرق مكافئة زملاءه فيصبح توصيف الفساد الاداري بالفساد الاخلاقي امرا طبيعيا، ان كثيرا من مناصب الدولة اصبحت هدفا ذهبيا لكثير من الانتهازيين وربما تباع وتشترى من قبل السياسيين المتنفذين في السلطة وتعاملهم مع الذين يرومون الاغتناء الفاحش على حساب قوت الشعب وحاجاته.
اما عن العدالة الاجتماعية وانعكاساتها على تطور البلد بكل مناحيه، هنا لا احد يطالب بتطبيق عدالة افلاطون ولكن من دون شك ان العدالة النسبية الموجودة في كثير من البلدان تشعرك بامس الحاجة للاعتماد على قوة القانون وليس قانون القوة من اجل تطبيق ما يمكن تطبيقة من العدالة الاجتماعية لأنها سر تقدم الامم ونجاحها خلافا للطريقة التي تعامل بها السياسيون العراقيون في بناء مؤسسات الدولة المتكفلة بخلق عدالة اجتماعية الغائبة لحد هذه اللحظة والنتيجة بالطبع دفعها وسيدفعها الشعب الذي سرقت وتبددت فرحته بزوال الكابوس الذي جثم على صدره أكثر من ثلاثة عقود ونيف. وبين ملف الامن والخدمات والفساد الاداري فقد الشعب امانيه التي كان يرجوها بعد زوال ذلك النظام.
ست سنوات من عمر العراق الجديد ، ولا شيء جديد سوى التحسن الامني الذي عبر بالبلاد وجنبه الحرب الاهلية المقيتة بعد المحاولات الجادة والكبيرة لصنع اقتتال طائفي .. كل تلك المخاطر التي تحوم حول مستقبل العراق وجميع المعنيين لم يعملوا على تقديم اجابة على اسئلة الشعب الكثيرة فيما تخص الاوضاع المتردية من كل الجوانب واهمها الخدمات وعلى رأسها معضلة الكهرباء وكارثة البطالة والسكن، ست سنوات مرت من عمر العراق الجديد ولم تُحدد الجهات المساهمة في تفشي الفساد الاداري بشكل مقرف ومخيف، أوصال العراق تتقطع بنصل الفساد الاداري، والتقاعس والتساهل يعدان جريمة تجاه الشعب والدماء التي أريقت من اجل بناءه.. إننا لم نر في الأفق لحد هذه اللحظة التي كتبت فيها السطور حلولا جذرية لمحاربة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، وما لم يُفعل الشعب إرادته بنفسه، فلم يجد حلولا حقيقية أو على الأقل حلولا تصل به إلى الحد المعقول من تحقيق طموحاته وتنسجم بالحد الأدنى مع الشعارات والعناوين التي حملتها وتحملها الحكومة والأحزاب السياسية القائمة اليوم واذا ما استمر الفساد الإداري "المقصود" فإننا سوف نترقب عراقا سيكون مشغلا للشياطين ..
البصرة – ايلول- 2009
#احمد_صحن (هاشتاغ)
Ahmed_Sahan#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟