أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد صحن - مسارات التغيير تبدأ من القمة















المزيد.....


مسارات التغيير تبدأ من القمة


احمد صحن
كاتب وباحث

(Ahmed Sahan)


الحوار المتمدن-العدد: 1947 - 2007 / 6 / 15 - 13:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الواقع ان اجراء عملية ازالة نظام بغداد ـ كمرحلة اولى لبدأ التغيير ـ لم تكن بالامر الهين، حيث اخترق النصل الامريكي الطويل جسد العراق وسار بين أحشائه، قصد الوصول الى بغداد، واستأصل ذلك الورم الخبيث.
ان تلك العملية قد أوحت للبعض، ان التغيير الشامل قادم لا محال، ولا مفر منه. لكن أي تغيير شامل هذا الذي نتحدث عنه في خضم أحداث الحرب العالمية ضد الإرهاب، والذي أصبح العراق إحدى جبهاتها الرئيسة كما تشير الوقائع على الأرض، اذ امتزج مطلب التغيير بالدماء الناجمة عن تلك الحرب؛ الأمر الذي جعل من مسالة التغيير او التطور الثقافي ومساراته متعثرة مما ادى هذا التعثر الى الرجوع وليس التوقف عند الحد الذي شهده البلاد قبيل عملية التغيير .
بكل تأكيد إننا تجاوزنا عملية التغيير التي جرت على النظام وأركانه، غير ان التساؤل يحل هنا ويكون مشروعا عن مستقبلنا ويكرس إيماننا بضرورة استقراء ملامحه، واستخراج صورته، إذ يفرض هذا التساؤل ويدعو لان يكون سعينا ـ نخبا وعامة ـ صحيحا ومجديا وأن يكون لنا دوراً حقيقياً ومساهماً في تعبيد مسارات التغيير التي فرضتها استحقاقات الغالب والمغلوب "الاستحقاق الطبيعي بين المبادر والمتلقي" .
ان مسارات التغيير التي انتهجتها الإدارة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وعملية زوال الأنظمة أو إزالتها في منطقتنا لا تعني بالضرورة ان التغيير قد يتم بالشكل الذي يثري الكلمة ويرضيها، التغيير الذي نحتاجه اليوم يعني التغيير في كل شيء، في كل ماله من علاقة في أسباب الاستبداد، والاستعباد، والتخلف، والممانعة عن قبول ما هو جديد. وايجاد طرائق جديدة لتحرير ذاتنا الاسيرة من قبضة رواسب ارثنا التاريخي المثقل بمكوناته المتعددة.
وعينا بالتغيير**
لا شك ان التطور والتغيير توأمان متلازمان لا يمكن الفصل بينهما، إذ أن التغيير الايجابي هو ثمرة التطور، ولا يمكن ان يسير التطور من دون ان يترك تغييرا على بعض مساراته، كما انه لا يمكن ان نعتبر أي تغيير هو تطورا، لا سيما التغيير الذي يقصد الثقافات او اعادة بناءها بالشكل الذي يتناسب وقانون التطور. فهناك تغيير ثقافي قد يكون اتجاهه سلبيا، كفقدان الأمة لاتجاه مسيرتها ولا تعرف نفسها إلى اية حالة ستكون من بين حالتي الانحدار او الارتقاء ، عند اذ يجب عليها التوقف عن التخبط أو الاستعانة بالجميع حتى لو اعتقد البعض من أبنائها خاطئين بان ذلك التغيير يهدد الهوية الثقافية، كون ان التطور الثقافي ـ كأي كائن حي ـ محصلة طبيعية لمسيرة الأمم نحو الأمام.
التغيير هو عملية أجراء تحول في البنية ـ أية بنية ـ ،سواء كانت , سياسية ،اقتصادية ،اجتماعية. اذ تدعو النتائج السلبية التي تبرز من المعلول إلى مراجعة أسباب العلة وبالتالي يبحث الإنسان عن مسارات (لتغيير) ذلك الحال المعلول أو تلك الحالة العليلة وهذا الأمر ينطبق على كافة مناحي الحياة دون استثناء .
وفي تعريفنا هذا لعملية التغيير، فأن الحديث حول مسالة التغيير السياسي وصولاً الى التغيير الثقافي في منطقة الشرق الأوسط وتداعيات الحرب ضد الارهاب على ثقافتنا او ثقافاتنا السائدة منذ قرون، قد يثير أسئلة ليس من السهل الاجابة عليها وربما تكون نتائج هذا التغيير المرجوة سلبية "كظهور ممارسات لا تبدو عليها السمات القائمة قُبيل عملية التغيير" او ينتهي بنا الحال وكأننا نسير الى الوراء .
أضف إلى ذلك استخدام ثقافتنا كأداة في هذه الحرب أو موضوعا قابلاً للتجويد والتأويل والمراهنة من قبل أنظمتها التي خرجت من معطفها والتي هي الهدف الاول في هذه الحرب من وجهة نظرنا.. وهنا يتمخض السؤال الآتي: هل أن بيئتنا الاجتماعية مسؤولة عن سلوكيات قادتنا؟ ام ان قادتنا يمثلون ما نملك من استبداد ؟ هل يجب علينا اذا اردنا التغيير ان نتخلص اولا من ازدواجية السلوك وان نسمي الأشياء بمسمياتها وان نعترف بعدمية الفرز بين عوامل ضعفنا وقوتنا ؟ كيف يمكن لنا ان نفرز أهداف هذه الحرب، اذا كانت تستهدف بعض الانظمة المستبدة انسجاما مع المصالح الامريكية في المنطقة؛ ام ان تلك الحرب تقصد تغيير هويتنا الثقافية، وإذا كان الأمر كذلك فما هي الكيفية التي من خلالها نحيد بمسار التغيير الذي يضمن لنا الوقوف خلف حصون بنيتنا الاجتماعية التي بنيت على حقائق تاريخية ليست مزورة بالفرض كما هو الحال القائم الآن، وفي نفس الوقت يجب الاستفادة مما هو جديد ليضاف على ثقافتنا لاسيما ان مطلب التغيير لدى مجتمعاتنا جاء على اثر الفجوة الكبيرة بيننا وبين من يحكمنا منذ آماد طويلة. لا شك أن الحال الذي نحن عليه من ثقافات متناحرة وقيم متناقضة وبقايا إسلام متشظ هنا وهناك ، وفذلكة المواجهة التاريخية التي ندّعيها مع الغرب تدعونا إلى أن نسلط الضوء على الماضي ومراجعة ظروف النظم السياسية التي حكمتنا ليس من اجل قراءتها قراءة تاريخية وحسب ، بل من اجل إخضاع تلك القراءة لفحص وتمحيص جيدين لطالما ان هنالك اصوات تصف هذه الحرب بـ"بحرب الثقافات" ..
فمنذ وفاة الرسول محمد وظهور الخلاف السياسي على السطح بشأن الكيفية التي ينبغي أن يصاغ فيها شكل الحكم في الدولة الإسلامية وما ان ختم علي بن ابي طالب حكم الراشدين حتى تسلم الأمويون خلافة الدولة بطريقة شابها الكثير من الشبهات . الأمر الذي أحدث وقعا شديد التأثير على الأمة الإسلامية؛ ولم تكن تداعيات هذا الخلاف قد انحصرت في زمانها ومكانها، بل وصل الأمر بالأمة الفتية لتمزّق جسدها بنصل الولاءات و الاجتهادات، إلى فئات وتكتلات، تلك الفئات التي لم تسع سعيا حثيثا للوصول إلى الحقيقة وإيجاد سبل الاتفاق، وبدأت تؤدلج لأخطائها وعملت على زيادة توسيع الفرقة فيما بينها، باعتقاد كل فئة امتلاكها للحقيقة المطلقة.
تصارعت هذه الفرق، أحيانا كثيرة، وفي أماكن عدة ، بدءاً من معركة الجمل، ومرورا بحيثيات صلح الحسن، ووقوفا عند مقتل الحسين وما تلاه من تداعيات كانت كفيلة بتثبيت الخلافات تثبيتا نسبياً كبر مع مرور الوقت وصولاً إلى ذروة الفرقة.
انطلقت الحكومة الإسلامية من الشام بهذه البداية المأساوية حاملة أسباب انقساماتها واختلافاتها، لتسلك أول الطرق إلى الشتات غير متأملة لما ستؤول إليه الأمور. متجاهلة أسباب تفككها وغير مكترثة بالنتائج، حتى وصلت إلى بغداد وفلحت بالبقاء زمنا ليس قصيراً وشكلت حضورا كبيرا في التاريخ تاركة الثغرات مفتوحة ليدخل من خلالها المغول إلى بغداد لتزول دولة الأمة ولا تنتهي القصة.
وما أن سقط آخر عمود عباسي في بغداد حتى توالت الضربات تباعاً، الشرق من جهة، وعالم الشمال من جهة أخرى ، لتبدأ رحلة الأنفاق المظلمة ، بدءاً من النفق المغولي والجلائري ومرورا بالصفوي وانتهاءاً بالنفق العثماني الطويل بعدما خُدعت الأمة بهيكله الإسلامي ليخرج قطارها من هذا النفق مبعثر العربات دون أن يعرف راكبوه إن وقوفهم سوف يكون على رصيف محطات الدول الغالبة في الحرب الكونية العظمى . وهي من ام الهاويات التي قذفنا اليها سفح التاريخ والتي ادت بنا الى الحال الذي نحن عليه لتبقى أنفاسنا الأخيرة تدعونا للخروج منها ولا يتم هذا الخروج الا بالبحث عن السبل في "تغيير" طرق تفكيرنا ومراجعة أسباب ركود ثقافتنا.

لماذا التغيير**
"أن التحول الحضاري لا يتم على يد بطل/ منقذ، أو حاكم كما يقول سبنسر ، ولكنه يتم على يد الحكمة الجماعية، من المصلحين وقادة الفكر" .فكيف يكون أمرنا في ظل الانقياد الأعمى الذي تمارسه امتنا وراء رموزها /قممها، وبنفس الآليات العتيقة من هنا تصبح دعوى التغيير واجبة وملزمة ، لأن التقدم إلى الخلف أمرا يؤدي إلى نهاية الأمم ومن ثم أفول نجمها ، اذ يجب ان نضع سبابتنا في اقل تقدير على موضع الجرح كضرورة ملحة للخلاص من وهم المواجهة مع الآخر لعلمنا اننا لا نملك ابسط وسائل الانتصار في هذه الحرب المزعومة كما يجب ان نواجه مساوئ نمطية الحكم والنظم السياسية القائمة منذ قرون طويلة والطريقة التي من خلالها قبعت على رقابنا والتي أدت إلى هبوط حاد في الوعي العام لدى مجتمعنا في مختلف مناحي التقدم مقارنة مع الآخر / الغرب ، إذ أن دولتنا سيطرت على كل روافد المعرفة وبالتالي فانها أدت إلى إنتاج ثقافة غير فاعلة، أشبه ما تكون بـ (مرآة ) تعكس سياسة النظام السياسي تاريخيا ولا تعكس أدنى مستوى لإرادتها ، لان الحكم الفردي يشل حركتها وان وجدت تلك الحركة هنا او هناك ، فان وجودها موجّه بالاتجاه الذي يريده النظام لا الاتجاه الذي يمليه الوعي الذي يغرسه المفكرون والمصلحون في جسد الأمة .
ان التحول الحضاري ضرورة قائمة ، لسببين رئيسين ، أولهما؛ الحوار وهذه الوصلة لم تتم عندنا الا من خلال نافذة نظامنا السياسي تاريخيا، في حين يجب ان تقوم هذه العلاقة خارج سيطرة النظام وليس عبر مؤسساته، ومن خلال لغات عدة، دور ترجمة، مراكز بحوث مشتركة، حرية السفر، وكثير من أدوات الحوار ومنافذه. وما أكثر اللغات التي يمتلكها الغرب اليوم وضوحا وقدرة أدت إلى ارتقائه ، من تطور تكنولوجي وقدرات اقتصادية عالية والارتقاء الفكري ، هذا الارتقاء الذي صنعته جملة من المفكرين في عصورهم المتوالية بعدما عملوا مصرين على عدم فقدان أمتهم التواصل الفكري. في حين لا نملك نحن أية لغة، ونريد أن نجبر الآخر على فهم لغتنا "الرطناء" نعم رطناء وهي لا ترقى لإيصال ابسط معنى نريد إيصاله للاخر. أما الصراع فهو السبب الثاني الذي من شأنه ان يخلق دعوى التغيير عند الطرف المغلوب كمحصلة طبيعية لهزيمته وفي الحالتين او السببين فأن شعوبنا لا تملك الإرادة للتحكم بأواصر وشكل العلاقتين المذكورتين وعلى هذا الأساس فأن أية دعوى للتحديث لم يكتب لها النجاح طالما بقيت قممنا/مراجعنا الاجتماعية، مهيمنة، لان التغيير بالفعل لا يتم على يد بطل /الحاكم الفرد، أياً كان شكله، اذ ان نمطية الكاريزما اذا ما استمرت فأنها تؤدي الى تغييب إرادة الأمة.
أكدت لنا تجربة الأربعة أعوام التي أعقبت سقوط النظام في العراق ، ان عملية الاستجابة للتغيير لا تبدأ من القاعدة ، وإطلاق الحريات لنا، لا يعني ذلك أننا أحرارا وأننا قادرون بشكل كلي على تهيئة أنفسنا لهذا التغيير، وأن زوال قمتنا ـ المستبدة ـ في بغداد لا يعني تحررنا من الاستبداد، وثبت أن وعينا بالتحديث وبالتغيير ما هو الا وهما قد خلقه زوال واحدة من دكتاتورياتنا او قممنا المتعددة ، وما ان سقطت تلك الواحدة حتى تفاجئنا بثقافتنا وهي تستنسخ وتنتج وتفعّل قمما/ مهيمنات اجتماعية ، العشائرية، ـ الدينية ـ القومية ، كانت نائمة بفعل ما هو أقوى منها، اذ اختزلت كل ما نملك من استبداد ، او في الحقيقة ثبت أن هؤلاء القائمين على قممنا يمثلون استبدادنا تمثيلا حقيقيا ، إذ أن تلك القمم هي التي تتحكم بدخول التحديث .
دعونا نقف هنا ونسأل ، ما الذي يجعل من مسالة قبول ما هو جديد أمر مزلزلاً للنفوس ويُحصر ضمن المخاطر التي تهدد هويتنا الثقافية ؟ إن من يقاتل دفاعاَ عن الهوية الثقافية ضد التغيير، إنما يؤكد على بقائه ضمن موقف راكد لثقافة لم تُنتج عن حقائق تاريخية؛ هل سمعتم عن ثقافة لم تغير "سرابيلها" و"لباسها" على مر الزمن؟ الجواب يكون نعم ومن يريد ان يعثر على مثل هذه الثقافات ، عليه أن يذهب إلى أماكن صغيرة بعيدة بدائية تقع في الفناء الخلفي للتاريخ، تعتنق مجتمعاتها الديانات الجامدة والطقوس السحرية. والتي أصبحت ـ وبسبب أوضاعها البدائية ـ أكثر ضعفاً وقابلية للاستغلال والتطرف، قد تنال مجتمعاتنا حظا من هذا التوصيف اذا ما بقيت تنفر الاخرعلى اثر خلفية صراعات انتفت اسبابها وازمانها وتغيرت خريطتها السياسية ، في حين نجد الثقافات الحية عرضة للتغير والتطور المستمرين، ونجدها أكثر اقتراضاً من ثقافات غيرها وفي كثير من الأحيان يكون هذا الاقتراض من غير الولايات الأمريكية، ان من الآثار الكبرى التي دعت الى مخاوف التغيير في بلادنا، هي مسالة العلاقة مع الآخر، فالهويات الحالية المكونة لمجتمعنا أصبحت أكثر تفسخاً وفي النهاية أكثر تبعثراً. وربما يؤدي هذا التبعثر الى تزايد النزاعات فيما بيننا وفي الغالب تنشب لأسباب ثقافية ودينية، اذ يمكن وببساطة ان تستخدم القوى المتصارعة في الحرب ضد الإرهاب "رماد" ثقافتنا وتنثرها في عيون من تريد ان تحجب عنه الرؤيا الواضحة لا سيما ان تلك الحرب تستهدف بعض من انظمة المنطقة الأمر الذي يؤدي الى المزيد من عتمة المشاهدة لما يجري من تغيير سلبي في ثقافتنا التي بدا عليها العجز في قراءة ما يحدث في الواقع السياسي والاقتصادي الدوليين. ان المواجهة بين الشرق والغرب لم تعد تحدد الهويات كما يعتقد هانتنغتون. فثمار العولمة التي بدأت تلغي الحدود ـ الاقتصادية ، السياسية ـ وتعبرها دون إذن من دولها ، أدى ذلك إلى تخفيف الاحتقانات الفكرية السابتة في بعض الثقافات المغلقة ومن ثم تفعيلها وخلقت أيضا ثقافة باتت تندرج في إطار التناقض بين المتبنى القومي او الديني من جهة ، والمسارات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية ما فوق القومية والدينية من جهة أخرى. الحقيقة ان الاتفاق والاختلاف يتقدمان جنباً الى جنب ومن خلال عدة مسارات ، لكن أي شكل يتخذه التلاقي بين التقاليد الثقافية والتغيير السياسي في بلادنا ؟
لاشك ستشوب عملية التغيير في بلادنا الكثير من المشكلات التي يصعب التنبؤ بمدى تأثيرها على سير عملية التغيير وان حصل تلاقيا ، فربما يكون هذا التلاقي مؤقتا ومن ثم السير الى حتمية الصدام الإقليمي الشامل مع الولايات الأمريكية بسبب الإصرار على وعينا بالتغيير بأنه يهدد وجودنا، ذلك لان الولايات الامريكية تمتلك مايقدره المتخصصون الاقتصاديون 38 %من اقتصاد العالمي مايجعلها رائدة لعولمة العالم وان كان ذلك بالقوة .
من يبادر ومن يتلقى**
ان الأمة كالطفل يبدأ تعليمها بالتقليد حتى تصل أشدها . وحينما قال ابن خلدون في مقدمته " المغلوب مولع بتقليد الغالب" سألت نفسي ماذا يعني ذلك ، ان الغلبة تعني بالضرورة القدرة على المبادرة . وطالما اننا لم نبادر منذ دخول هولاكو بغداد حتى هذه اللحظة . من هنا يجب علينا ان ندرك ان الإنسان في حالة تلقي أو عطاء في علاقته مع المحيط بالطبع، وهذه الحالة تنطبق تماما على مسيرة كل أمة .ان الامة التي تريد ان تعيد امجادها لا ينبغي ان تنظر الى القمة وهي في حالة انحدار ولا تعرف الى أي قاع ستنتهي، فالأمة تبادر حينما تقوى ، وتتلقى حينما تضعف . والأمر هذا يأتي ضمن الدورة الطبيعية للحضارات. وعندما تفقد الأمة المبادرة وزمام الأمور يفترض أن تكرس العمل للبحث عن موطن الداء وإيجاد الدواء ، لا أن تعيد بناء دولتها بأسباب وأساليب سقوطها ويجب أن لا تخرج بالأزمة من مدخلها.
أما التخوف من الاختراق الثقافي الذي تحدثه ثورة المعلومات لبعض الثقافات المغلقة"ثقافتنا"، قد ولّد لغطا كثيرا بخصوص تمييع الهوية الثقافية الأمر الذي أدى الى الاستنفار والوقوف بالضد من أي اختراق ثقافي تحدثه ثورة المعلومات متناسين ان للتكنلوجيا سطوة أقوى بكثير من هيمنة الايديولوجيا وأنها أسرع تأثيرا في "ممارسات" الشعوب وإذا كان المتحدثون خائفين على ذوبان هويتهم الثقافية، فهذا الخوف يؤكد ادراكهم بوهن ثقافتهم ولو كان الأمر عكس ذلك فإن عليهم معرفة أي اختراق لنجاح معين لن يكون إلا مؤقتاً أو سطحياً؛ لأنك تستطيع تغيير السياسات في أي لحظة لكن من الصعوبة ان تغير الثقافات إلا من خلال عمليات متراكمة ومتدرجة. أما إذا ارتبط هذا الاختراق بثقافة وفكر وتاريخ ومشاعر وبقيمة العدل فإن هذا الاختراق سيحقق رسوخا ثابتا يمكن قمعه لحين، لكـن لا يمكن إلغاؤه مهما كان حجم الاختلال في موازين القوى . وتبقى مسألة التلقي او الاكتساب مرهونة بجدية البحث عن نوافذ الخلاص من ركودنا الثقافي؛ هذا في إطار التلقي، أما الامة التي تبادر وتمسك بزمام الأمور ولديها القدرة على تحريك الساكن فانها فاعلة على صعيدي السياسة والاقتصاد الدوليين وما تعكسه تلك القدرة في محيطها ، وبالتالي سوف تمارس ضغوطاً عالمية من اجل فرض التغيير كما تتصوره هي ليس كما نتصوره نحن . غير ان السؤال الذي يحل هنا، هل كانت تلك القوى تدرك في ان أي عملية تغيير لثقافة شعوب المنطقة العربية قد يؤدي الى نزاع مع نفسها. وقد تؤدي الحرب على الارهاب ثورة على الذات في بعض شرائح مجتمعنا كما تؤدي الى الاستغلال السياسي لمفهوم الهوية واستخدامها في نزاعات اصولية كما حصل في افغانستان والان في بلدنا العراق . فالنزاعات الاصولية هي في جوهرها معادية للتغيير ولا تسمح بتعبيد أي مسار ينتهي بالتحديث. في حين ان السعي الجاد لفهم الفروقات الثقافية يمكن ان يُذهب هذا الادراك الى المطالبة بحوار ثقافي متبادل من شأنه ان يشكل قاعدة قوية لاي نظام سياسي جديد.. اذ ان مسارات الحرب العالمية على الارهاب أوصلت الاطراف المتصارعة الى تسييس الفروقات الثقافية باعتبارها الشكل الابعد للنزاعات العرقية حتى تحوّل وعي الثقافة الى عنوان للنزاعات السياسية يرافقها بحث فردي حثيث عن الهوية، قد تنتصر فيها الحركات الاكثر تطرفاً.
التغيير دعوى ملحة ولم تكن باي حال دعوى حزبية او أيديولوجية، كما الثقافة ليست حاجة كمالية او صيحة من صيحات الموضة او زينة؛ بل تمثل قوة حاسمة على صعيد التقدم والتطور في كافة مناحي الحياة. وفي حال مسكت امتنا اول الطريق الذي يؤدي الى تطويرها فانها تتمكن من تطويع التكنولوجيا وجعلها محايدة لتتأقلم منعاً لالحاق الدمار بالهوية الثقافية، كون ان التطور التكنلوجي اكثر تاثيرا من حركة الايديولوجيا حيث ان ثورة المعلومات والقفزات السريعة في عالم الاتصالات تجعل من عملية التغيير لثقافتنا امرا حتميا ولا مفرا منه، الا ان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة : لماذا لم نبد أي تجاوب مع عملية التغيير التي طالت الكثير من شعوب المعمورة ؟ بالطبع سيكون الجواب مشيرا بأصابع الاتهام الى قممنا السياسية والاجتماعية.
اننا نقبل أي شي من الآخر بشرط أن ينحصر في الإطار الخدماتي أما أي تحديث يتعلق بشكل الحكم فسيرفض على الفور. هذا ما قالته قممنا/سلطاتنا المتعددة، بالفعل وليس بالقول .لذلك فان أي تغيير يقصد ثقافتنا لا بد وان يبدأ من قممها حيث يصعب علينا استشفاف وجوه مستقبلنا ما لم نحدد من أين سيدخل لنا هذا التغيير الذي ننشده نحن القاعدة، ( قممنا ) هي الأبواب الموصدة بأغلال التاريخ ، التي لا تسمح بدخول أي تغير، والتي خلقت بمرور الزمن، ثقافة ممانعة لاي تحديث . من هنا لابد من تشخيص ما أصاب بعضها من ترهل وعجز وشيخوخة، بلغ من العمر أربعة عشر قرننا من الزمن ، وقاعدة شعبية عريضة آثرت ان تبقى أسيرة تلقيها من تلك القمم فاقدة لإرادتها الحرة . وبصرف النظر عن العقبات التي توسطت مسارات التطور الثقافي او اكتنفتها في مجتمعاتنا ، فان ثدييّ الأمة سوف تبضان بقطرات الإصلاح وان كان مذاقه علقما لدى كثير من أبناءها، فان ظمأ التغير الثقافي سوف يجبرهم على رشفه لا مناص. ويكون مسك ختامنا هذا بمقولة للشاعر والناقد الإنجليزي إليوت (1888-1965) : " لا مشروع تغيير للمجتمع يمكن أن يُستساغ رأساً وسريعاً، ما عدا المشاريع الزائفة. ولا يُستساغ التغيير إلا إذا أصبح المجتمع فاقداً للأمل، ولا يجد أي طريق للخلاص غير طريق التغيير".


آذار ـ 2007








#احمد_صحن (هاشتاغ)       Ahmed_Sahan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتاتورية - ذاكرة ، هاجس ، ممارسة -
- حزب الله واولمرت بين الحماقة والجنون
- الحرب الخفية في العراق
- الكرة في ملعب الشعب
- مرايا 11 سبتمبر


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد صحن - مسارات التغيير تبدأ من القمة