أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - احمد صحن - مرايا 11 سبتمبر















المزيد.....



مرايا 11 سبتمبر


احمد صحن
كاتب وباحث

(Ahmed Sahan)


الحوار المتمدن-العدد: 1363 - 2005 / 10 / 30 - 11:12
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


(مرايا 11 سبتمبر)
مو انع التغيير في الشرق الاوسط الكبير
يُعرف الجوكي بمهارته البارعة. وقبل ان يحصل على هذا اللقب عليه ان يكتسب مهارات يؤديها في ساحة سباق الفروسية، مهارات يكون اداؤها في غاية الدقة. وتنتظره خطوات كثيرة يؤديها بصعوبة من اجل الوصول الى نهاية المسافة المحددة.
ولكي يصبح رياضيا رفيع المستوى ،لابد ان يوفق بارتكازه على اطراف قدميه ويديه ، ويجهد نفسه محافظا على توازنه ، ويستعد لاي تغيير في مركز الجاذبية ، وان يكبح جواده ، ويقاوم اندفاعاته، ويصمد لقوة الطرد المركزي ، ويأخذ بالحسبان المفاجئات ايظاً .
قد يبدو من غير اللائق ان نستهل مقالا نتحدث فيه عن أي نظام سياسي يمكن له ان يجيد اللعب بمستوى الجوكي من بين انظمة الحكم القابعة على شعوب منطقة الشرق الاوسط .ولكننا ارتأينا ان نصف السياسة الدولية ونقاربها بحلبة الفروسية، متسابقون ، مشاهدون ، مراهنون وقيمة رهانهم ،ومستثمرون.
اننا نحاول ان نعرف الغلبة لمن ستكون من بين تلك الانظمة، ومن سيكون الجوكي في سباق سياسي خلقته جذور الحادي عشر من سبتمبر .ونفترض رابحون وخاسرون دون ان نجزم وندعم اي صورة مما نراها في مرايا 11 سبتمبر ، فتلك المرايا تعطينا اكثر من صورة لكن جميعها مشوهة وغير واضحة المعالم الا واحدة من تلك الصور ، الصورة التي انجلى عنها غبار الحرب على العراق لنشاهد ملامحها مختزلة بسقوط بغداد والفارس الذي امتطاها بعدما خدع الجماهير والمراهنين على السواء بانه الفارس الذي يستحق ان يلقب بجوكي العرب. فتلك الصورة هزت الثقة في نفوس بعض المراهنين من الذين يراهنون بفوز الفريق العربي بهذه المنافسة حتى وصل الامر ببعضهم ان يسحب رهانه والبعض الاخر يرتبك ولايعرف أي مراهن يمكن له ان يكسب الرهان .
كما ان عدمية التكهن بنتائج اللعبة تتأتى من خلال رؤيتنا للمراهن الامريكي وهو ينفعل بمقدار ماراهن به على فوز نفسه وشركاءه في الحرب على الارهاب . ونرى ايظا انظمة المنطقة وهي تلعب بعبثية لاتأبه بالنتيجة التي تريد ان تصل بها لخط الانتصار. وكذلك شعوب المنطقة هي الاخرى ليس لديها العزم الكافي الذي يجعلها ذات ثقل في منافسات مصيرية تكررت خساراتها في جولات السباق مرات عدة .
لذلك فأن الامر يكون في غاية التعقيد وتضيع ازائه كل مواصفات التفكير العلمي عندما نرى امريكا وهي تراهن على فوز طرفين وهما اضداد في السباق وتراهن على كلاهما وهما يزدادان تباطئاً وترهلا ، أي الشعوب المقهورة ، والانظمة المستبدة .
ان نجاح الديمقراطية التي جاءت بها امريكا كسلاح تهزم به الاستبداد في المنطقة يتطلب منها تفعيل ارادة تلك الشعوب وهذا الامر سيجبر امريكا على انشاء ديمقراطية شكلية الذي يقابله من الجهة الاخرى استباقاً من بعض انظمة المنطقة في تفعيل ارادة شعوبها ضمن الحدود التي تريد ، على اعتبار ان تلك الانظمة جعلت من نفسها موانع ضد التغيير. ومن هنا سوف يكون هنالك لعب خارج الساحة بين انظمة المنطقة نفسها لان البعض من تلك الانظمة صنعت من نفسها مانعة ضد التغيير، كنظام صدام والنظام الايراني والسوري ،وآخرين اتخذوا الشراكة في هذه الحرب ،كالسعودية واليمن ومعظم دول الضفة الغربية للخليج العربي .
عاصفة الصحراء، تحرير الكويت وحسب**
وعندما نعود الى جذور الحادي عشر من سبتمبر وناخذ الساحة العراقية باعتبارها الساحة المهيأة للسباق نجد ان الادارة الامريكية اعتمدت اسلوب الضغط على صدام معتبرة اياه لاعبا غبيا يمكن من خلال غبائه ان تتلمس الادارة الامريكية سياسته الخرقاء واخطاءه الكبيرة وقد تؤدي تلك الاخطاء بالنهاية للقضاء على نظامه . وهذا الاجراء سلاح ذو حدين ،حد بواسطته يقطع الوصل العراقي السوفيتي من خلال اصدار قرارات امريكية بصبغة دولية وجعل العراق واقعا بالقبضة الامريكية ، وعامل الوقت هو الحد الاخر الذي ينخر بجسد العراق وجعله ثغرة مفتوحة في جسم الشرق الاوسط لتدخل امريكا من خلالها الى عمق النظام العربي وعلى هذا الاساس ان امريكا لم تقرر ازالة صدام من الحكم قبل ان تنجز الكثير من الخطوات المهمه وهي خطوات اصلا يفترض ان تتم قبل الاطاحة بالانظمة المتمردة من وجهة نظر امريكية.
كانت عملية تحرير الكويت ، هي تحرير الكويت وحسب ونهاية تلك العملية صدمت الكثير من المراقبين فيما يتعلق باطاحة نظام صدام باعتبار ان الظروف كانت مهيئة للقيام بمثل هذا العمل. هذا من وجهة نظر بعض المراقبين . ولكن من وجهة نظرنا ان امريكا لم تعتبر ذلك الوقت مناسبا كون ان الاطاحة بنظام صدام في وقت كانت فيه اللمسات الاخيرة عن اعلان تفكك جمهوريات الاتحاد السوفيتي قد انتهت لذلك ولكثير من الاسباب لم يكن بأي حال من الاحوال اسقاط نظام صدام بهذه العجالة امر صحيح لان امراً كهذا يتطلب الكثير من التأني بل ان الوقت في هكذا عملية مهم جدا وهو عامل رئيس لانجاح العملية نفسها .
ان صعوبة الواقع الاجتماعي والسياسي للشعب العراقي ، واهمية العراق بالنسبة للاتحاد السوفيتي كانتا اهم الاسباب التي اخرت من عملية اسقاط صدام في حرب تحرير الكويت لكننا لانستخف ببعض الاسباب الاخرى ،كالاقتصادية وحلب دول الخليج وهذا الامر لايصح الا ببقاء ببع بغداد .
ولو كانت عملية حرب تحرير الكويت تحمل ضمن اجندتها اسقاط نظام صدام لكان هذا الامر يسبب احراجا وارباكا لمسيرة البروسترويكا في شوارع موسكو كون ان عملا كهذا قد ، واشدد على كلمة قد يفسر او يستثمر من قبل القواعد الجاهيريه الشيوعية المناهضة والواقفة بالضد من غرباتشوف وقد تعتبر هذه القواعد ان امر اسقاط صدام هو بمثابة استيلاء امريكا على الغنائم السوفيتية قبل هزيمتها ، سيما ان حرب تحرير الكويت قد سبق الاعلان عن تفكك الجمهوريات السوفيتية ببضعة اشهر فقط. وعلى هذ الاساس وجد صدام نفسه صفرا الى الشمال ولا يوجد خيار سياسي اخر امامه سوى الاستعداد الكامل للتعامل مع الحرب المعلنة احيانا والمخفية احيانا اخرى فلم تاخذ سياسة الاحتواء المزدوج الطريقة المعروفة ازاء كل من العراق وايران بل اخذت تتغيير وفقا للمعطيات الموجودة على ارض كان بترولها سببا رئيسا لجعلها منطقة سريعة الاشتعال . فلجأ صدام بعد عزله من ساحة السباق الى التحضير للمنازلة الاخيرة وبتمارين اولها كان استبدال خطابه القومي بخطاب ديني تثويري ودعمه للتنظيم الوهابي وجميعنا ممن عاش داخل العراق في التسعينات شاهدنا الحرية التي اعطيت للتنظيم الوهابي بمعية الحملة الايمانية وما صاحبها من تمرينات قطع لرؤوس العاهرات من قبل فدائئي صدام وجيش القدس ومرورا بمساعدته الملا كريكار وايوائه الزرقاوي وانتهاءا بانسحابه المقصود امام محمد صادق الصدر تاركا هذا الاخير يؤذن لصلاة الجمعة ، الصلاة المقطوعة عند شيعة العراق منذ زمن بعيد ليصنع بذلك نارا تحت الرماد لمواجهة اليوم الموعود.

الضفة الشرقية ، جمهورية اسلامية**
ايران ، ذات الستة ملايين برميل من النفط يوميا ، البلد الواقع على الضفة الشرقية للخليج العربي او الفارسي او يجيز لنا واقعه ان نسميه خليج المارينز بسبب اساطيلهم التي تعوم في مياهه منذ عقود.
هذا البلد الذي شهد تحولا كبيرا في العام 1979 بمجيء اية الله خميني .
صحيح انه لم ينهار العالم في ذلك العام الا اننا شاهدنا في ايران انهيار عالم بعينه . ليس باستطاعة أي مراقب ان يدعي بالجهة التي ذهبت اليها ايران ،هل ذهبت الى احضان الشرق في حينها لا احد يقول ذلك جازما . فالخميني كان دائما يصف القطبين المتصارعين بالشيطان الاكبر .
جمهورية اسلامية ، هكذا شكل الحكم اصبح في ايران وسرعان ما استفزت هذه التسمية اطراف الصراع البارد ومن يناصرهم في المنطقة الامر الذي دفع الجميع ان تساهم بالانقضاض والاجهاز على تلك الثورة خصوصا بعدما تعرت ذهنية قادتها لتكشف للجميع بانها سوف تتجاوز الحدود الايرانية .
كانت تلك المفاصل والتفاصيل كفيلة بان تجعل من ايران مانعة قوية ضد أي تغيير في المنطقة وحاجزا يصعب على أي فارس ان يتجاوزه بسهولة وعلى هذا الاساس كانت جميع الاطراف تعتقد بان صدام لم يكن جوكيا ماهرا كي يتخطى هذا الحاجز، بل ان المفارقة في هذا الامر ان غباء صدام بحد ذاته كان مهارة لمن يستخدمه في حرب ضروس ضد ايران.
كان العام 1990 المفصل الرئيس في تغيير شروط اللعبة في الشرق الاوسط ، وقد افرز ذلك العام اكثر من عدو لامريكا.
وعندما خرج صدام من حربه ضد ايران كلاعب غير مرغوب فيه من قبل الغرب بشكل عام وامريكا بشكل خاص وخصوصا بعد ان اعلن الاتحاد السوفيتي عن تفكيك جمهورياته بدأت الرغبة تنشط لدى الغرب بازاحة هذا اللاعب عن الساحة . ومن هنا يمكن ان نقول ان هذا العام قد جمع الاضداد معا ، لأن بعض من تلك الانظمة شكلت من نفسها جسدا واحدا لمواجهة الخطر المشترك وبمعنى ادق ان العزلة الدولية التي عاشها نظام صدام بعد منزلق بازوفت وانحداره نحو الكويت ، وكساد التجارة السورية في القضية الفلسطينية ، وسياسة الاحتواء ازاء ايران جعلت من تلك الاخيرة تأخذ دور المهاجم على اساس نظرية الهجوم خير وسيلة للدفاع جاعلة من هاتين الدولتين راس الحربة ،ترفد الفوضى في فلسطين من جهة سوريا وتخنق بعض انظمة دول الخليج بعصارة الفكر الوهابي المتمثلة بتنظيم القاعدة مستغلة السياسة الانقلابية التي حصلت بين تلك الحكومات وذلك التنظيم بعد ما احتضنته كل من ايران وصدام معا . اذ استغلت ايران ضعف نظام صدام لتجعل من ارض العراق جبهة اولى للحرب القادمة التي كانت تبيت لها سياسة الاحتواء المزدوج في غرف البيت الابيض وبالطبع اذا صحت تلك الفرضية التي ندعيها فان ذلك لم يأت بالاتفاق مع نظام صدام بل جاء عنوة ورغما عنه وحيثيات انتفاظة الشعب العراقي التي اعقبت حرب تحرير الكويت تدعم فرضيتنا بأن تغييرا قد حصل في تاريخ الانتفاضة المزمع قيامها قبل الهجوم البري الامريكي على ارض الكويت .
اذ كان توقيت الانتفاضة قد اخذ بالحسبان قمع الجيش العراقي لتلك الانتفاضة اذا ما طرد من ارض الكويت بيد ان التاريخ قد تغير ولم تحصل الانتفاضة إلا بعد انسحاب وتمترس الجيش العراقي داخل مدينة البصرة وبعد سقوط معظم المدن العراقية على يد المنتفظين لم تسمح ايران بدخول قادة المعارضة الى الداخل وان دل ذلك على شيء انما يدل على ان ايران جعلت من العراق مشروع دفاع لها مستبقة اية خطوة امريكية ازاءه وكأنها بهذا الفعل تهمس باذن صدام بجملة مفادها ( نريدك عدوا ضعيف خير من صديق قوي فل ندع الخلافات جانبا ونعمل معا لمواجهة الخطر المشترك) .
وقد باشرت ايران في التسعينيات بدعم كل حركات التطرف الاسلامي بدا من الجزائر وحتى اندنوسيا لغرض توسيع ما يمكن توسيعه من رقعة العداء ضد امريكا وان اختلفت ايدلوجيا وعقائديا مع تلك الحركات والغرض من ذلك هو خلق اكثر من عدو يرتدي لباسا اسلاميا متطرفا ضد امريكا لتظهر هي حاملة للاسلام المعتدل مسقطة بذلك اية ذريعة لامريكا نحوها وربما تستغل هذا التطرف للمساومه مع امريكا اذا ما حصل الصدام . وقد تمكنت ايران من تلقيح بعض مجتمعات المنطقة بمصل الثقافة الوهابية حتى بات المسلم الشيعي بدأ من حوثي اليمن وحتى صدر الكوفة لايشعر بتطرفه الديني . وتكون ايران بذلك الفعل قد نجحت بصنع اسلام متطرف تحارب به امريكا خارج ساحتها.


صباح منهاتن ،ساعة الفصل**
كان صباح منهاتن المحمل بغبار برجي التجارة ، الغبار الذي قشع بنزوله الضباب عن رؤية الادارة الامريكية ليتمم الفصل باتخاذ القرار في كيفية الشروع بحملة التغيير في الشرق الاوسط والتي بدات تلك الكيفية ان تعلن عن ملامحها من خلال استخدام ستراتيجية العصى بدون الجزرة ازاء انظمة المنطقة وكان ذلك من خلال اعلان الرئيس بوش بان الحرب ضد الارهاب قد بدات ومن لم يقف معنا فهو ضدنا . فكانت هذه اللهجة تستند على اساس ماخلفه الهجوم من تغيير في مواقع الاعداء والاصدقاء على السواء.
وما ان بدأت الطائرات تطوح بضرباتها صروح امريكا حتى سقط الركام بكل ثقله على متن العلاقات ،السعودية ـ الامريكية بشكل خاص، والعلاقات العربية ـ الامريكية يشكل عام بأعتبار ان الاسماء التي نفذت ذلك الهجوم كان معظمهم ينتمي الى العربية السعودية ذلك الصديق الذي لعب بمهارة في الادوار التي كلف بها ابتداءا من تثبيت الوهابية ومرورا بتمرده على العثمانية .ومعاداته المشروع الناصري ، وأنحيازه الواضح في الحرب الباردة ، وريادته لحرب تحرير الكويت . لكن بعد احداث منهاتن نرى ان هذا اللاعب المهم في المنطقة بدا نجمه يأفل في سماء الولايات المتحدة كما ان المراهن الغربي لم يكتف هو الآخر بما قدمه من مستويات في اللعب منذ عقود على ساحة السباق. حيث كانت احداث منهاتن قد وضعت الفصل في تلك العلاقة ودفعها لمرحلة الاختبار الحقيقي .
ان وقع احداث الحادي عشر لم يشمل العربية السعودية وحسب وانما كان ذلك الحدث قد دفع الامة الامريكية لان تصرخ بادارتها، الصرخة التي انتظرتها الدوائر المتعاقبة في البيت الابيض بعد الصمت الطويل الذي انتاب الامة الامريكية من جراء حرب فيتنام . كما ان انهيار طبقات البرجين وهي تفرم قاطنيها كان كفيل باعطاء الشرعية لادارة بوش لكي تباشر بالتغيير في منطقة الخليج بدأ من ضفته الشمالية، أي العراق اولا. لتشمل بعدها كل جوانبة وتنتقل عملية التغيير في عموم الشرق الاوسط الكبير .
اذن من هنا يمكن لنا ان نعتبر ان ثامنة صباح الحادي عشر كانت هي الساعة الحاسمة التي يبدا فيها اللعب على ارض منطقتنا.
بيد ان المنافسة هذه المرة تحمل الكثير من المخاطر وما اكثرها على انظمتنا بعدما تغيرت الكثير من الحواجز والموانع في ساحة السباق لتبدي صعوبة على الفارس ومطيته باجتيازها وبالتاكيد انه ليس من السهل ان يكون هناك اكثر من فائز يستحق لقب الجوكي من بين تلك الانظمة البالية.
شريك من الضفة الغربية **
وجدت الادارة الامريكية ان النظام السعودي لم تصل مهارته بمستوى الجوكي المطلوب في ساحة السباق.لكن باستطاعته ان يفعل الشيء الكثير كما ان وضع ذلك النظام على المقصلة كافراز طبيعي لما تخلفه احداث واشنطن ونيويورك وجعله حلقة من ضمن حلقات العقد التي ستفرط في مشروع التغيير ربما يدفعه هذا الخناق الى التحالف والوقوف بصف الانظمة الممانعة للتغيير وقد يكون هذا الامر محفوف بالمخاطر وربما تفضي عنه تبعات قد تكون سبب رئيس في تحويل الحرب على الارهاب من حرب ضد ـ شتات متمرد ـ الى مواجه عسكرية ، (صليبية ـ اسلامية) .كون ان ذلك النظام يتربع على حكم اهم منطقة في العالم الاسلامي وباستطاعتة ان يقنع الشارع الاسلامي بان زواله يعتبر تدنيس للارض المقدسة وهذا بحد ذاته عامل ضغط على الانظمة العربية للوقوف بجانبه اذا ما قررت امريكا ازالة ذلك (الصديق ـ العدو) ناهيك عن ان معظم انظمة المنطقة تشعر بخطر الاطاحة وهذا عامل مهم جدا يدعو للوحدة بين الانظمة المقصودة بالتغيير كما ان ثقل النظام السعودي يستطيع ان يلعب كغيره بثقافة العداء للصليبية ونار القضية الفلسطينية وينثر رمادها الذي يذر كل يوم في عيون الكثير من المسلمين .
ربما تريثت الادارة الامريكية في عدم اتخاذ أي اجراء ضد ذلك النظام مكتفية برمي الكرة في ملعبه منتظرة منه تنشيط تحالفه وان يقدم ماتبقى من مهارات يمتلكها يمكن له ان يؤديها في الحرب الجديدة ، أي الحرب على الارهاب.
اذ كان من المنطقي ان لايكون النظام السعودي واحدا من ضمن الانظمة التي ستزول بمشروع التغيير وان خلط الاوراق في الضفة الغربية للخليج العربي امر يعد في غاية الخطورة . كما ان هذا اللاعب قد ابدى استعداده لتنشيط حلفه مع الولايات المتحدة وهو يخوض الان حرب في بلاده هي اشبه ماتكون بحرب اهلية.وهذا الخيار كان بحد ذاته انتصارا لادارة بوش بصراعه السياسي الذي حصل داخل دوائر صنع القرار،ونهاية للصخب الذي اعقب الهجوم بخصوص العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة الامريكية . ان فوائد ودواعي الشراكة السعودية الامريكية في هذه الحرب لم تقتصر على امريكا وحسب وانما كان الخيار المؤجل للنظام السعودي منذ بداية التسعينيات بتوجيه ضربة قاضية للجماعات المتشددة يحتاج لسبب خارجي عالمي لكي يضفي الشرعية على خطواته ويقلل من الانتقادات الدولية .وبالفعل فان النظام السعودي ابدى مهارة في ساحة السباق الدائرة حاليا عندما بدا يوجه ضرباته لتلك الجماعات التي بدات تتدفق نحو العراق متخذة من هذا الاخير مرتعا لها بدلا من ان تخسر الحرب على يد نظام يمتلك ادوات النصر كالنظام السعودي ولو كانت جبهة العراق مغلوقة وصعبة المنال على تلك الجماعات لكانت الحرب داخل السعودية حامية الوطيس .
وطالما ان اللعب مستمر في منطقة الشرق الاوسط وبمتسابقين لم يتغير واحد منهم منذ ايام الحرب الباردة الا ان هنالك من اكتسب خبرة في اللعب المتكرر في نفس الساحة كايران مثلا وقد تشكل ثقلا في تلك المنافسة المصيرية . لكن شروط وطبيعة اللعب قد تغيرت بعد انسحاب احد المراهنين الكبار معلنا خسارته وتفكك جمهورياته ليترك الساحة للمراهن واللاعب الكبير في العالم يصنع اللعب ويراهن على بعض المتسابقين .
من هنا ستبدأ عملية المواجهه لتتحول بعض تلك الانظمة الى تحالفات والبعض الاخر الى ممانعات ومصدات ضد عاصفة التغيير القادمة من اعاصير الاطلسي. وحتى لو ادركت بعض الدول التي تشهد توترا في امنها الداخلي ان اليد الايرانية لم تكن بعيدة عن هذا التوتر فليس باستطاعتها عمل أي شي ضد ايران كون الاخيرة تحارب تلك الانظمة بالخفاء متخذة من نشر الفوضى في المنطقة اداة ضغط على امريكا من اجل التراجع عن تنفيذ اجندتها . ان مريكا تعتبرمسألة آمن منطقة الشرق الاوسط يجب ان لايخرج عن سيطرتها لذلك فان ايران قد وجدت ضالتها في هذه الحرب ووجدت ايظا القنوات البديلة للحوار مع امريكا بواسطة الجماعات المسلحة التي كانت وتكون عناوين بياناتها متشابهة من حيث الطلب ، فجميع تلك البيانات تطالب بخروج القوات الاجنبية من المنطقة سواء كان صدور هذه البيانات من ارض العراق او السعودية او الكويت اوغيرها من دول المنطقة.
ان ايران اعطت بذلك اشارة لامريكا بواسطة تلك الجماعات وجملة مفادها (اننا نستطيع ان نخلق فوضى عارمة في المنطقة اذا ما عزمتم على ايذاءنا ) .
كما ان رهان سوريا وايرن على فوضى اهلية في لبنان والعراق امر قد يؤدي الى خسارة جولة امام امريكا في السباق الا ان الجولات التالية مضمونة النجاح .
ان الرهان مستمر الى هذه اللحظة على عبور المانعتين العراقية واللبنانية التي وضعتها كل من سوريا وايران امام الفارس الامريكي . وبما اننا جمهور نشاهد جولات السباق نشعر بان تلك الموانع تبدو واطئة وسهلة العبور على الفارس الامركي ومطيته .
ولعل انظمتنا تدرك ان المتسابق الامريكي لايقبل الخسارة في هذه المسابقة بالذات فهوه لايراهن على مهارته وحسب ، انما يحاول الاستفادة من اخطاء خصومه ونراه ايظا لايريد ان يخرج من ساحة السباق رابحا فقط ، وانما لايقبل الابحمله للقب الجوكي ..

البصرة ـ حزيران ـ 2005
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ


(مرايا 11سبتمبر)

الحرب ضد الإرهاب .. حرب ضد ثقافة متمردة



أحمد صحن
[email protected]


عندما عرضت شاشات التلفاز العراقية الثلاث وقائع إحداث الحادي عشر من سبتمبر ،كان الاعتقاد للوهلة الأولى فيما يشاهد ،كأنه مقطع سينمائي من أفلام هوليود. وبين حقيقة وخيال هذا المشهد. بات من المستطاع حسم هذا الأمر بسماع التعليقات الرسمية، حول ما يعرض من هجمات انتحارية بطرق جديدة في العمق الأمريكي ولم يكن بحال من الأحوال خيالاً ..
إن الهجمات الانتحارية لم تكن وليدة اليوم، إنما سبق استخدامها من قبل اليابانيين في الحرب العالمية الثانية التي دفعت أمريكا إلى إلقاء القنبلة الذرية لتحسم الأمر باستسلام اليابان سياسياً وعسكرياً ، وقد تمترسوا بعدها خلف حصون الثقافة لمجتمعهم كي يجعلوا من استسلامهم استسلاما إيجابيا ، بالاستفادة من الغربنة من جهة، والتخلي عما في تفكيرهم من ممانعات استعدادا لتقبل ما هو جديد ، كشرط أساس يضمن نجاح عملية إعادة بناء اليابان دون أن يؤدي ذلك إلى فقدان اليابانيين سماتهم وقيمهم الاجتماعية الموروثة من جهة أخرى .
لم يطل الأمر كثيراً حتى أعلنت قائمة الأسماء التي نفذت الهجمات داخل أمريكا. وفي تلك الأثناء وجه الاتهام لأسماء زعموا أنهم خططوا لهذه الهجمات وهم مقيمون في الخارج . أسماء خرجت من رحم الأمة الإسلامية.
إن آلية الهجوم دعت الكثيرين إلى أن يشككوا في تدبيرها . ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى قول بعضهم إن أمريكا ضربت نفسها كي تخلق أسباب خروجها من جسدها نحو امركة العالم . أما بعض الشخصيات الإسلامية فقد تبنت مواقف تحّمل أمريكا سوء حال الأوضاع في العالم الإسلامي واعتبار إن أمريكا هي العدو الأول للمسلمين وان الذي تتعرض له ما هو إلا إفراز طبيعي لسياستها.
ردود الفعل هذه قد لا تجعلنا نأبه بما تذهب إليه نظرية المؤامرة بخصوص أحداث الحادي عشر من سبتمبر. إذ من غير المعقول أن نحمل أمريكا أسباب انكسارات الأمة الإسلامية وهي لم تكن موجودة في ذلك الحين وأن سلسلة الهزائم التي مررنا بها منذ قرون هي التي جعلت من ثقافتنا تتمرد على منطق العقل ، كمرجعية تعطي السبل والحلول لمواجهة التحديات أسوة بسائر الأمم الأخرى . وإذا كانت جميع الفئات الإسلامية تدعي أنها تعمل من اجل إعادة بناء أمتها ، فلماذا تخلت أو تخلينا جميعاً عن الخطى السياسية للرسول والخلفاء ؟..
وبناء على ما تقدم هل يمكن إعادة بناء الأمة على أنقاض الآراء المتعارضة والمتقاطعة التي برزت بعد وفاة النبي(ص) مباشرة؟ أن الأمة التي ترغب في أن تحيا لا ينبغي أن تنظر إلى القمة وهي في حالة انحدار ولا تعرف لأي قاع ستنتهي ..

نظرة إلى الخلف

لا شك أن الحال الذي نحن فيه من بقايا إسلام متشضي هنا وهناك ، والمواجهة التي ندعيها مع الغرب تدعونا إلى تسليط الضوء على الماضي ليس من اجل قراءته قراءة تاريخية وحسب إنما من اجل إخضاع تلك القراءة لفحص وتمحيص جيدين ..
فمنذ تولي الإمام علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين الحكم وظهور الخلاف السياسي على السطح بشأن الكيفية التي ينبغي أن يصاغ فيها شكل الحكم في الدولة الإسلامية. لكن تسلم الأمويون خلافة الدولة بعد وفاته بطريقة شابها الكثير من الشبهات . الأمر الذي أحدث وقعا شديد التأثير على الأمة الإسلامية. ولم تكن تداعيات هذا الخلاف قد انحصرت في زمانها ومكانها، بل وصل الأمر بالأمة الفتية ان تمزق جسدها بنصل الولاءات والاجتهادات، إلى فئات وتكتلات ، دون ان تسعى سعيا حثيثا للوصول إلى الحقيقة وإيجاد سبل الاتفاق، وبدأت تؤدلج لأخطائها وعملت على زيادة توسيع الفرقة بينها ، باعتقاد كل فئة امتلاكها للحقيقة المطلقة.
تصارعت هذه الفرق ، أحيانا كثيرة، وفي أماكن عدة ، بدءاً من معركة الجمل، ومرورا بحيثيات صلح الحسن، ووقوفا عند مقتل الحسين وما تلاه من تداعيات كانت كفيلة بتثبيت الخلافات تثبيتا نسبياً كبر مع مرور الوقت وصولاً إلى ذروة الفرقة.
انطلقت الحكومة الإسلامية من الشام بهذه البداية المأساوية حاملة أسباب انقساماتها واختلافاتها ، لتسلك أول الطريق إلى الشتات غير متأملة لما ستؤول إليه الأمور. متجاهلة أسباب تفككها وغير مكترثة بالنتائج ، حتى وصلت إلى بغداد وفلحت بالبقاء زمنا ليس قصيراً وشكلت حضورا كبيرا في التاريخ ومع ذلك تركت الثغرات مفتوحة ليدخل من خلالها المغول إلى بغداد لتزول دولة الأمة ولا تنتهي القصة.
وما أن سقط آخر عمود عباسي في بغداد حتى توالت الضربات تباعاً، الشرق من جهة، وعالم الشمال من جهة أخرى ، لتبدأ رحلة الأنفاق المظلمة ، بدءاً من النفق المغولي والجلائري ومرورا بالصفوي وانتهاءاً بالنفق العثماني الطويل بعدما خدعت الأمة بهيكله الإسلامي ليخرج قطار هذه الأمة مبعثر العربات دون أن يعرف راكبوه إن وقوفهم سوف يكون على رصيف محطات الدول الغالبة في الحرب الكونية العظمى .

اليأس وراء الانتحار

ارتأينا من خلال هذا الاستعراض المقتضب لمسيرة وانتكاسات الأمة الإسلامية أن نتلمس من أثارها أسبابا رئيسية لبعثرة ثقافتنا الإسلامية في عصرنا هذا، والتي وقفت عائقا كبيرا عمل على إجهاض كل المحاولات الخاصة بإعادة بناء الأمة.
يعتبر الانتحار أقصى درجات الهزيمة .السؤال هنا، ما الذي جعل الثقافة الإسلامية تنتج وتستخدم الانتحار كسلاح تحارب به ؟.
إن الإرث الفكري الذي خلفته نكسات المسيرة الإسلامية كان كفيلا بتعطيل معظم مناطق تفكيرنا ولم يبق سوى اليأس الذي انتاب المسلمين جاء كنتيجة لفقدان الثقة بقادة تجاربهم التي باءت بالفشل ، اخذ اليأس يتبلور حتى استطاع ان يتغلغل بين سطور نظرياتنا ليضيف عتمة جديدة تقف عقبة في طريق تفسيرها وتفعيلها واصبح هو الدافع والأساس الذي يحرك بعض الفئات من العالم الإسلامي والدافع الرئيس أيضا وراء (الانتحارالمؤدلج) أو ما يسمى بالجهاد ، إذ أدى اليأس إلى خلق منطقة تفكير يائسة أنتجت فئات متطرفة تعمل بفهم قوامه الأفكار المتناقضة و تقرأ إسلاما مغلف بأغشية تاريخية ذات ألوان رمادية ، وتنظر بأفق كانت آماده غير متفق على صحة إحداثها وبالتالي أثرت على حدود أبعاده . ان لليأس ما يبرره ،لان الطريقة التسلطية التي حكمت بها شعوبنا الإسلامية منذ قرون كانت تلعب دورا رئيسيا في بناء ثقافة تتقاطع مع ما جاءت به الرسالة الإسلامية بواسطة سيطرتها على روافد المعرفة والتحكم بها وفقا لحاجتها الآنية ،حيث استخدمت الحركات السياسية والنظم الاستبدادية الدين في مراحل كثيرة ولأغراض تعبوية.
ففي بداية القرن المنصرم وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولي والتغيير الذي حصل في خريطة القوى الدولية .إذ اصبح المسلمون في اضعف مراحلهم وهم يواجهون أعداءهم ،الفكر الماركسي من جهة والرأسمالية من جهة أخرى .إذ خلقت تلك الضروف المعقدة سباقا عدائيا بين منظومتي الفكر الإسلامي والقومي من اجل التحكم في المصير العربي . ولان المنطق يقول عندما تكون وسط المحيط فلابد ان تتأثر بأمواجه. فعلى هذا الأساس ولدت قيادات عربية قومية غير مستقلة في السلوك والأداء وان ادعت عكس ذلك ،الأمر الذي يجعل الشكوك تحيط بولادة كيانات إسلامية تمتلك الإرادة في العمل والتنظيم .وبما ان دولنا العربية رسمت حدودها من قبل القوى الكبرى فبلا شك ستسهم سيطرة هذه القوى بتوصيل خطاباتها او تترك تأثيرا واضحاً على شكل وسلوك التيارات الإسلامية . وقد لمسنا آثار الصراع بين القوى الدولية الكبرى على القوميين العرب فيما يخص التعامل مع هذه التيارات في بداية ووسط القرن المنصرم. فتارة نجد الرؤساء يملئون السجون بالإسلاميين وهو ما حصل في عهد عبد الناصر وتارة أخرى استخدم الرئيس السادات الإسلاميين عندما أطلق لهم العنان لمواجهة اليمين القومي واليسار الشيوعي في السبعينات.
إن وقوع الإسلاميين أسرى في دوامة السلطة القومية آنذاك يعتبر بمثابة توجيه الضربة القاضية لهم والذي أدى بالنتيجة إلى التغيير في العمل السياسي، أفرز هذا السلوك السلطوي القمعي الرسمي ردود فعل قوية من قبل بعض الجماعات الدينية التي تبلورت فيما بعد إلى حركات وأحزاب ناهضت السلطة بصورة علنية.

والسعودية ايضاً..
ولو أخذنا ما جرى على ارض نجد والحجاز لوجدنا المشكلة اعظم،ان لهذا البلد سمات تجعله يتميز ويختلف عن بقية الدول العربية الأخرى (القدسية، الموقع،المستوى الثقافي للمجتمع ..النفط) .وهذه المزايا تعد من أهم الأوراق واصعبها إذا ما احسن أو أسيء استخدامها أثناء اللعب سواء من قبل النظام السياسي أو من قبل القوى الكبرى التي تعاملت مع منطقتنا الإسلامية بشكل عام. ان التعامل مع هذه المزايا وما ينتج عنها من أثار سلبية كانت أم إيجابية لم تقف عند الحدود الجغرافية للعربية السعودية ،وانما تصل تأثيراتها إلى ثقافتنا ومعرفتنا نحن المسلمين.
استثمر الغرب كل ما يمكن ان يكون عاملا مساعدا لانجاح عملية رسم دول جديدة في المنطقة بما ينسجم مع مصلحته . فجاءت عملية جمع شتات ارض نجد والحجاز على يد عبد العزيز آل سعود وإنهاء أهم الخطوات الناجحة في هذه البقعة من الجزيرة العربية لتبدأ وتنتهي برسم وتحديد آلية عمل قلب العالم الإسلامي بالاتجاه الذي يريده القوي من الدول الكبرى .
ولأننا نتحدث عن حرب ضد ثقافة محسوبة على الإسلام .إذ لعب الاثنين معا،(النظام السياسي +الغرب) وكل منهما يعمل لمصلحته. بأخذ الجانب الثقافي لبعض مجتمعاتنا وتفعيلة في الصراعات الدولية ليستفيد منها الغرب في إدارة حربه الباردة آنذاك . وبعد ان نضج الفكر السلفي إلى مرحلة البلوغ فمن الطبيعي أن يكون له دور في بعض الأحداث بل أحيانا يجب ان يكون له دور ولا باس في الأنظمة العربية وهي تتشبث بالسلطة بكل ما تملك من أسنان ان تعمل على خديعة شعوبها لترضي اسيادها. فالدور الرسمي من قبل بعض الحكومات العربية وهي تعمل من وراء الستار على تأجيج الروح الجهادية في أفغانستان ليس بقليل. حيث طبعت كراسات الجهاد وضخت الأموال لتدعم التنظيمات المختزلة بقيادات كارزماتية أمثال ابن لادن وعبد الله عزام وفتحت الحدود الرسمية وغير الرسمية وجرت عملية غربلة كبيرة لابناء الأمة الإسلامية باسم الجهاد وبقي هذا الفهم الممزوج باليأس يعمل بقنواته الكثيرة ومنها المدارس المبعثرة المتمثلة بالجوامع لسنين طوال. بعد كل هذه الإرهاصات التي مر بها الشعب العربي . أتت عاصفة البعث واجتاحت صحراء الكويت حتى وصل غبارها في عيون كل عربي ومسلم لتزيد ظلامهم حلكة وتضع اللمسة الأخيرة لصناعة نصر لأمريكا وتجعلها رائدة للعالم الجديد.
انتهى الصراع القطبي بتفكك الاتحاد السوفيتي وتنفس البيت الأبيض الصعداء وكل من حالفه في حربه الباردة وألقيت الأسلحة بإهمال ونسوا أو تناسوا المتحاربون ان بضمن هذه الأسلحة (ثقافة إسلامية ) قد استخدمت في الحرب وهو سلاح غير تقليدي وربما يقع بيد عدو جديد.
اكتشف من كان يدعي قائدا او زعيما على قاعدة (سلفية) ،عملية الضحك على الذقون من قبل بعض من دعمهم و من قبل أمريكا أيضا ومن هنا لابد ان تتغير أماكن الجهاد .لتعود هذه المرة بتمرد وتعلن حرب ضد النظام السعودي وأمريكا .



الهجوم المنتظر
سيدي الرئيس "...أمريكا تتعرض لهجوم" . بهذه العبارة تلقى الرئيس بوش همساً من أحد مرافقيه وهو يعلن نبأ الهجوم في ساعته الثامنة من صباح الحادي عشر من سبتمبر . وبعد سماعه لتفاصيل الحدث كاملة .أدرك بوش أن الهجوم هو نذير إعلان حرب على الولايات المتحدة الأمريكية . وبالطبع هي حرب جديدة بأسبابها وأساليبها .
جاء الهجوم المنتظر ليضرب أمريكا في عقر دارها بعصبيها اللذان يمثلان أهم رموز القوة الأمريكية ، البنتاغون في واشنطن ، وبرجي التجارة العالميين في نيويورك .أدركت في حينها الإدارة الأمريكية إن هذا الهجوم لا يشبه الهجمات السابقة من قبيل التي حصلت في نيروبي ودار السلام في آب عام 1998.من حيث دقة التخطيط وحجم الضربة ، حيث مثلت أهم واخطر ضربة وجهت لأمريكا منذ هجوم اليابانيين على ميناء بيرل هاربر الشهير .

الهروب إلى الإمام
أدرك العالم عملية التحول الفعلي بعد هذه الإحداث وأدرك ايظاً إن أمريكا سوف تستثمر كل إبعاد هذا الحدث المهم في تاريخ العلاقات السياسية الأمريكية الدولية . وسوف تخطط للكيفية التي تجعلها في حالة رد فعل دائم والاستفادة من تركاتها العسكرية وأنها سوف تهرب الهروب الإيجابي من الهجمات (الإرهابية).
أذن لابد من إن تبادر أميركا لفعل شيء ما وحتى تفعل ذلك يجب إن يكون هنالك سبب وسبب غير تقليدي ، لذلك بصرف النظر عن حقيقة الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في فترة الثمانينات من القرن المنصرم وهي تغذي الخطوط الجهادية الإسلامية أثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان والانقلابية التي حصلت لدى هذه الخطوط الجهادية ، الأمر الذي دفعها بعد ذلك إلى الهجوم على أمريكا وهو ما سوف تعتبره أمريكا مبرراً كافياً لشرعنه تحركانها العسكرية .

حيثما تكون مصادر الإرهاب هناك الحرب

الشرق الأوسط ، المكان الساخن والمصدر الرئيس لهجمات 11سبتمبر . وهي المنطقة التي تمتد من أفغانستان حتى المغرب العربي. تلك التي شهدت ولادة أفكار أصولية إسلامية (متطرفة) أدت بالنتيجة إلى نضوج تيارات معادية للغرب بشكل عام وأمريكا بشكل خاص. فقد أعلنت هذه التيارات الحرب على أمريكا مستخدمةً كل وسائل الهزيمة لتضيف دماراً جديداً لذلك الدمار الذي شاب الثقافة الإسلامية ردحاً من الزمن وكذلك ولد التباساً مضافاً للمعرفة الغربية بالثقافة الإسلامية على السواء .
السؤال هنا،بعدما أصبحت الحرب على ارض أمريكا ، ما الكيفية التي من خلالها إن تؤدي إلى أيجاد ارض بديلة للحرب في هذه المنطقة لتنفيذ أجندتها وهي كثيرة وأهمها إبعاد خطر الهجمات عن الأراضي الأمريكية ؟
العراق البداية
لا يخفى على أحد أهمية موقع العراق الجيوبولتيكي وهو يمتاز بنسيج اجتماعي يجعله صورة مصغرة للشرق الأوسط .إن أقامة نظام ديمقراطي في هذا البلد يعني زعزعة أنظمة المنطقة . فإقامة أنظمة ديمقراطية في هذا المكان يمكن من خلالها إن تنصهر أيديولوجيا التيارات المتطرفة وتغيير توجهاتهم من (العالمية) إلى ( المناطقية) بمعنى حصر توجهاتهم وإدخالهم في صراع سياسي داخل أوطانهم. ومن هذا المنطلق ربما تصدق أمريكا في بناء نظام ديمقراطي في العراق . في العقود الماضية حصل إن أمريكا دعمت أنظمة الاستبداد في المنطقة وكسبت الكثير من ذلك إلا أن الاستبداد ساهم مساهمة كبيرة في نضوج تيارات إسلامية (متطرفة) كما وأنها لم تعد تحتاج بهذا الشكل من أنظمة الحكم . فالديمقراطية هي البديل للأسباب التي ذكرنا.

العراق أولى جبهات الحرب
عندما يطرح بعض المراقبين إجابة منقوصة كالتي تقول إن أمريكا لم تأت لسواد عيون العراقيين جاعلين من أهمية النفط والدعم لإسرائيل الهدف الأساس للحرب .في تقديرنا إن هذه الإجابة بدت مرتبكة إلى حد ما لان أمريكا التي عرفت بانحيازها لإسرائيل على مدى عقود،لا يخدمها إن تواجدت في المنطقة بمعنى وجودها ألاحتلالي فهي بالأساس لم تكن بعيدة عنها أما السبب الاقتصادي المتمثل بالنفط فلم يحض بنصيب من القناعة أمام ما رصد من أموال للماكنة العسكرية التي شرعت أمريكا في تحريكها كما إن الاقتصاد الأمريكي العملاق هذا يجعلنا نستبعد النفط كهدف أساس . إلا إننا مع ذلك لا يمكننا إن نستخف بقيمته فهو بالأساس رقماً مهماً في معادلات القوى . لاسيما إذا ما استخدم كورقة لعب موجهة ضد أوربا .
فقد توفرت في العراق كامل الشروط اللازمة ، فنظامه السياسي معزول ومطالب بتنفيذ جملة من القرارات الدولية التي أدت إلى ضعف موقفه في المجتمع الدولي كما إن الهّوة الموجودة بينه وبين شعبه كبيرة جداً الأمر الذي يجعل من نسبة الترحيب الشعبي نسبة ساحقة في حال دخول القوات العسكرية الأمريكية إلى العراق الأمر الذي يحد من جبهات القتال وحصرها فقط مع (الإرهابيين) .
إن أمريكا تريد القضاء على الإرهاب بطرق متعددة وبعمل متواز ، عمل عسكري شبه مستمر بواسطة رمي الطعم ، بناء أنظمة ديمقراطية في المنطقة تؤدي إلى تهيئة أرضية لتفكيك الافكار المتطرفة، والتعامل مع المعطيات والاستفادة منها . إذ دخلت أمريكا العراق بأساطيلها باسم التحرير كما يشاع . لكنها سرعان ما ذهبت إلى مجلس الأمن لتسمية وجودها ، (قوات احتلال) لكي تمسك بالعصب الجهادى وتتحكم به . لان احتلال ارض إسلامية يعني إجبار التيارات ( المتطرفة) على الجهاد . إذن عنوان الاحتلال كان هو الطعم .
ولكي تكتمل الخطوات المؤدية لجعل العراق قطبا مغناطيسيا لالتقاط الإرهابيين كما تلتقط برادة الحديد وجعله أرض بديلة للحرب ، لجأت الولايات المتحدة إلى حل وزارتي الدفاع والداخلية العراقيتين تسهيلاً لعملية دخول الإرهابيين إلى ساحة الحرب.

الاستفادة من المعطيات
في ضل هذا التحول العسكري الإستراتيجي الكبير يقف المراقب إمام الإنجازات والمكاسب التي حصلت في الساحة السياسية العراقية، إن أمريكا استطاعت إن تستثمر الخلافات الإسلامية لتحولها إلى صرا عات إسلامية ـ إسلامية, فهي تمكنت من جعل احتلال العراق معركة إيديولوجيات في العالم الإسلامي وما حدث ويحدث ألان في السعودية أو اليمن أو العراق او حتى الكويت هو شبه صراع إسلامي ـ إسلامي .
إن جعل الحرب في ارض مثل العراق ، محاطة بشكل كلي من مصادر الإرهاب يقدم فوائد كثيرة ، حيث الفعل ورد الفعل إي الهجوم والهجوم المضاد وها نحن نرى ونلمس ردة فعل (المجاهدين) حيث شملت ضارباتهم المسلمين أكثر من الجانب الأمريكي الأمر الذي يؤدي إلى ضعف تأييدهم من قبل بعض المسلمين وبالتالي إضعاف حجم التأييد لهم .
وهذا ما كانت أمريكا تريده بالفعل. إذ استطاعت بواسطة احتلال العراق والقتال مع الإرهابيين واستنزاف كافة قواهم على أرضه إلى تغيير ضارباتهم الموجهة لمناطقها وتحولها إلى مناطق المسلمين أنفسهم . ومن هنا سيجد المسلم المعتدل نفسه مستهدفاً من المسلم (الآخر ). وبهذه المحصلة تكون أمريكا قد نجحت ايظاً بصنع إسلام ليبرالي بالمحصلة .
بعد هذا الحدث ، نعتقد إن أطروحة صومائيل هانتنغتن في صدام الحضارات ربما تحطمت تحت سقوط صنم بغداد في ساحة الفردوس . فلم تعد هنالك مخاوف من صراع إسلامي ـ غربي ، لان سقوط نظام سياسي في بلد إسلامي بهذه السرعة يعني سقوط الكثير من الرموز ، وبالتأكيد ستكون بداية جدية ومراجعة لأفكارنا وثقافاتنا وربما سقوط معظم ما تكون فيها عبر الزمن. إن إحداث 11 سبتمبر تحمل الكثير من الصور في مراياها المتعددة .



في المرايا نصيحة
إن الحرب ضد الإرهاب ،حرب ضد الثقافة التي تمردت على من صنعها واستخدمها وادخلها في اللعبة السياسية فهي ليست حرب بين الشرق والغرب او حربا صليبية كما وصفها الرئيس بوش بزلة لسانه الشهيرة .أما من يريد ان يفكر بإعادة أمجاد أمته عليه ان يقتنع بان الأمة والحضارة لاتبنى بالذبح والتفجير والتكفير لبعضنا البعض كما ان من المجحف ان يجعل من العراق وأفغانستان منطقة الهزيمة والنصر .
ان أجيال اليوم من المسلمين غير مسؤولة عن موت حضارتها كما لايمكن ان تحيا بذبحم . ويجب ان ندرك ان الإنسان في حالة تلقي أو عطاء في علاقته مع المحيط بالطبع ، وهذه الحالة تنطبق تماما على مسيرة كل أمة .فالأمة تبادر حينما تقوى ، وتتلقى حينما تضعف . والأمر هذا يأتي ضمن الدورة الطبيعية للحضارات. وعندما تفقد الأمة المبادرة وزمام الأمور يفترض إن تكرس العمل للبحث عن موطن الداء وإيجاد الدواء .لا أن تعيد بناء دولتها بأسباب وأساليب سقوطها .ويجب أن لاتخرج بالأزمة من مدخلها.
ان هذه الحرب ليست معك أيها المسلم فلا تقاتل ولا تذبح ولا تجاهد ولا تنتحر ويجب عليك تعمل بدلا من هذا كله ان تبحث عن مكانك وزمانك بين أمواج حضارة اليوم كما انه يجب عليك أن تجد أجابه لسؤال طرحه البدن الإسلامي المبضع ألا وهو ،هل انت فعلا تمثل الإسلام المحمدي بعد كل هذا القطع الزمني بينك وبينه ؟ وهل إسلام اليوم يعتبر امتداد لاسلام ألامس ؟ وهل يمكن ان تجعل من الاستسلام انسحابا تكتيكيا كما فعلت أمة اليابان لكي تحافظ على ما تبقى من إسلامك ولا داعي ان تشارك بحرب ليست ضدك بل هي حرب ضد الثقافة المتمردة .

البصرة ـ نوفمبرـ 2004

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مرايا 11 سبتمبر

"العراق" العتبة الأولى في سلم التغيير


احمد صحن
[email protected]

إذا كان الرأي العام الأمريكي يبدي تراجعا عن تأييده في الحرب على العراق كما تبين لنا الاستطلاعات التي تجرى على الشارع الأمريكي بين الحين والأخر ، وتراجع شعبية بوش بشان سياسته الخارجية وكذلك الداخلية، وبسب الكيفية التي تعامل بها مع الملف العراقي. هذا الأمر لا يعني أن تذهب مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الانسحاب من العراق، تاركة هذا الأخير مرتعا مفتوحا للإرهاب الدولي، وارض طالبان أخرى تنطلق منها الهجمات الإرهابية نحو العالم.. باختصار شديد وببساطة انه لا يمكن لأمريكا أن تفكر في الانسحاب من العراق، بل اعتقد انه لا يوجد هنالك أي خط للعودة من الساحة العراقية.. ففي هذه الحرب لا يوجد خيار امام امريكا سوى تحقيق " النصر أو النصر " ، فبالنسبة لأمريكا، التعادل هنا لا مكان له ، والانسحاب ايظا تبعاته كثيرة وخطيرة وصعبة ليست على أمريكا وحسب ، وإنما على العالم الغربي ككل ، والهزيمة أيضا لا تأتي بسهولة عند الطرف العربي المقصود بالتغيير ، اذ في حال هزيمة أمريكا من العراق (الأرض البديلة للحرب ) فلا يوجد هنالك من يغامر مرة أخرى من الدول الغربية وان يخوض حربا ضد الإرهاب ، كما إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن في منأى عن تجدد الهجمات ضدها في حال انسحاب قواتها من العراق.
أن الحالة العراقية والحرب التي تدور على أرضه تختلف عن أية حرب خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي تحمل مزايا تجعل من الصعب على أمريكا أن تلجا إلى الخيارات التقليدية في الحروب المتعارف عليها، كالتعادل مثلا ، فطريق الحرب على الإرهاب تبدو أبوابه الخلفية موصدة على كل الإطراف كون أن الجميع سائرون في طريق الدفاع عن النفس أو إلى نهايات طرق قد تكون وعرة ومتشعبة وسط علاقات سياسية دولية مرتبكة ادت الى فقدان السراج السياسي الذي ينير مسالكها ،ونتائج ليست بصالح طرف دون آخر بعدما أصبحت هذه الحرب خالية من الطرف المهاجم كون ان هجمات الحادي عشر من سبتمبر لم تاتي من قبل نظام رسمي ، الامر الذي ادى الى شروع امريكا باستخدام القوة العسكرية في منطقة الشرق الاوسط كاجراء للدفاع عن النفس ، وسبب هذا الفعل ، رد فعل مشابه من أنظمة المنطقة التي ترى هي الأخرى القيام بواجب الدفاع عن نفسها بكافة السبل . وبالنتيجة أثقلت مواقف الطرفين المتصارعين أحداهما على الآخر (الثالوث الشرق أوسطي ـ وأمريكا). وإنصافا للقارئ ، فاننا نقصد بهذا الثالوث : الثقافة القومية ، بعض الثقافات الإسلامية ، بعض انظمة المنطقة . هذا الثالوث الذي اصبح متقاطعا ـ ومتمردا ـ جزئيا وكليا مع الغرب الجديد ( أمريكا) .
ان الغطرسة التي امتازت بها سياسة المحافظين الجدد في البيت الابيض، قد احجبت الرؤيا عن مشاهدة المشتركات التي تجمع زوايا هذا المثلث ، والتي شرعت بخوض حربا معه ، وجعلت من ارض العراق المسرح الرئيس لهذا النزاع ، ودماء شعبه درعا لها ضد الهجمات القادمة من سواد هذا المثلث الذي ثبت لنا كعراقيين وبالدليل القاطع ان مكونات اوتاره قد خطها التاريخ بدماء ابناءه ، وبمزيج من ثقافات متناحرة ومتناقظة ، حتى جاءت احداث منهاتن لتجمع زوايا هذا المثلث ، فما كان لهذا الثالوث اي بصمة شرف على ارض العراق من قدم تاريخه الاسود، وما ان برح العراق من نظام صدامي كان لهذا المثلث اهم الأدوار التي ساهمت ببقاءه جاثما على صدورنا حتى جاءت امريكا لتفككه مستخدمة اشلاء شعبنا كادوات لهندستها السياسية الجديدة في المنطقة وبخطوات متخبطة وبتصريحات غير مسؤولة والتي آلت بطريق الحرب الى هذا المنحى الخطير على مستقبل العراق بشكل خاص. وعندما شرعت امريكا بتحريك آلتها العسكرية ، لم تلجا تلك الإدارة إلى حسن اختيار المفردات اللغوية التي تستخدم إثناء الحروب وبالرغم من كثرة تلك الأخطاء التي صاحبت انهيار البرجين التوأمين وسط نيويورك ، إلا أن أهم تلك الاخطاء التي لامست الحرب المزمع القيام بها، هي تلك التي حولت مغزى الحرب من أهدافها السياسية المحضة إلى مفهوم الحرب الصليبية ضد المسلمين. إما مفردات الإعلان اللغوية عن حرب التغيير في منطقة الشرق الأوسط ،كوصف بعض دول المنطقة بمحور الشر ،ونشر الحريات ،وغيرها من الخطابات ، كانت هي أكثر الأخطاء تأثيرا على سير العمليات العسكرية والتي ادت الى التقاء إطراف هذا المثلث للوقوف بالضد من حرب التغيير وتدمير العتبة الأولى( العراق) التي وقفت عليها أدارة بوش ومن ثم إسقاطها من سلم التغيير. ان نتائج هذه الحرب في العراق تبدو غير واضحة في المدى القريب ، الأمر الذي يزيد من معاناة شعب العراق وقد تؤدي هذه المعاناة إلى فقدان أمريكا الحليف الأهم أي ـ الشعب العراقي ـ في حربها الدائرة وقد تنجح إرادة هذا الثالوث باستمالته باتجاه الضد من أمريكا . في الوقت الذي كان من المفترض ان تدخل أمريكا للمنطقة خلسة وبعناوين لأتمس هذا الثالوث الشرق أوسطي المتمثلة ببقايا الثقافة القومية ، وبعض الثقافات الإسلامية التكفيرية، والنظام الرسمي لبعض شعوب المنطقة . فهذا الثالوث المتناحر(التناحر الأزلي) ، اتحد اليوم ضد المد الأمريكي ، يحاول أن يجعل من الشرق الأوسط مستنقعا لأمريكا تغرق في وحله طالما أنها جاءت لقلب الشكل السياسي للمنطقة ..
ان المعطيات السياسية والعسكرية توحي لنا بأنه ليس هنالك في الأفق ثمة رادع عسكري لهذا الثالوث على الاقل في الوقت الراهن ، فقط بطريقة المناورات السياسية ، وذلك لان مصالح هذا الثالوث تتماهى مع بعضها البعض وتتحرك لتلعب بحيثيات هذه الحرب دون ان تترك دليلا واضحا إمام المجتمع الدولي، فتارة نجد الموروث الثقافي الديني التكفيري المعادي للانسانية يعمل دون الارتباط بالنظام الرسمي فيدفع بالأجساد الانتحارية لتتفجر على الأرض العراقية ، وتارة أخرى نجد النفس العروبي يشرع كافة السبل لمواجهة الاحتلال ويحرك رماد الثقافة القومية التي أُشبعت وأًشبعت بها شعوب المنطقة بمفهوم استلاب الغرب للحقوق العربية ، الأمر الذي يجعل بعض انظمة المنطقة تفضل السكوت ، والبعض الأخر كوزير الخارجية السعودي يجعل من نفسه حريصا على وحدة العراق بتصريح يظهر فيه ضعف الإرادة الأمريكية مخاطبا العالم العربي لان يتحرك باتجاه ايران التي يبدو لها اليد الطولى والنفوذ الأقوى في العراق .
اما الذهنية الإسلامية الايرانية المتقاطعة فكريا وثقافيا مع الغرب ومصلحتها مع بعض الأنظمة التي بدأت تشعر بزوالها قد عملت هي الاخرى في منطقة الظل منطلقة من الاعتبارية القائلة في نجاح تجربة العراق قد تكون قاتلة لكياناتها من جميع الجوانب .
ان الأغلبية من السياسيين والمراقبين تعتقد بدخول امريكا الى المستنقع العراقي بيد انهم لا يقدموا اجابة بشان اساسات هذا المستنقع ،صحيح ان الاحتقانات الطائفية التي خلفتها سياسة النظام السابق في العراق جعلت من الصعوبة على الولايات المتحدة ان تبني نظاما يجعل من العراق بلدا موحدا الا ان التمرد الحاصل الان في العراق منذ ثلاثين شهرا يوحي لنا ان هنالك ارادة خارجية أقوى بكثير من الاجندة المتقاطعة التي يحملها (بعض العراقيين) ضد مشروع التغيير، إذ تدخلت هذه القوى ودفعت بالوضع الامني لان يتردى الى هذا الحد ، مقابل ذلك لا توجد إستراتيجية واضحة وفاعلة تؤدي للقضاء على التمرد الحاصل في العراق ونرى ان حتى رؤية شيخ الدبلوماسية الامريكية ـ هنري كيسينجرـ الذي نشر مقالا في الايام القليلة الماضية والتي يطرح فيها عن الية للقضاء على التمرد ، ويعتقد كيسنجر ان الحل الوحيد للخروج من المأزق العراقي هو فقط القضاء على التمرد دون ان يذكر لنا ما مدى نجاح إستراتيجيته المبنية على اساس عزل المناطق المتمردة من جانب وانعاش المناطق المستقرة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا من جانب أخر ، والجواب على ذلك يكمن في ان وزير الخارجية الاسبق يحكم بموجب نظرية " الافتراض الحتمي " القائلة بضرورة تقليل عدد القوات المشتركة في هذه الحرب كما جاء في مقاله ، بيد ان الولايات المتحدة عندما ارادت استبدال قواتها بقوات فيتنامية موالية كانت سايغون والمدن الكبرى الاخرى في فيتنام اكثر امانا من المدن العراقية وبأن الجيش الفيتنامي كان اكثر انسجاما واتحادا في حين تتكون القوات العراقية من الغالبية الشيعية ولا نعرف ان كانت تلك القوات تاتمر باوامر الحكومة المركزية ام باوامر المشايخ وايات الله . كما ان غالبية المجموعات المتمردة تتالف من الطائفة السنية الامر الذي يجعل الثغرة مفتوحة لادخال مشروع الحرب الطائفية في البلاد من هنا نجد ان طريقة القضاء على التمرد داخل العراق التي طرحها هنري كيسنجر أمر يشبه عملية الحرث بالماء كون ان الية عمل القوى المتمردة تنتهج ستراتيجية (اضرب واهرب) هذا في الداخل اما التحدي الاكبر الذي يواجة المشروع الامريكي في المنطقة يكمن في ان شعوب المنطقة بشقيها القومي والاسلامي تقف بالضد من المشروع الامريكي لا بالاعلام فقط وانما بالعمل العسكري ولاتوجد هناك ستراتيجية ناجعة للحد من دعمها لهذا التمرد الحاصل داخل العراق لاسيما اذا اخذنا دعم أنظمة المنطقة لتلك الإرادة الشعبية . لذلك نحن نرى أمريكا وهي تحاول ان تطوق سوريا سياسيا(القلعة القومية ) كما هو الحال ازاء ايران (القلعة الاسلامية) فهاتان الدولتان تعملان على استغلال الوضع الدولي المتازم ضد امريكا وتدرك كل منهما انه ليس هنالك مساحة فارغة من ارض المنطقة جاهزة لحرب جديدة ، فالوضع الاقتصادي لسوق النفط العالمي لا يسمح بذلك ، كما ان شعبية بوش في الداخل لا تسمح ايظا بأي عمل عسكري في الوقت الحاضر، واوربا هي الاخرى لاترغب بازمة جديدة في اكثر المناطق حساسية من العالم . كل هذه الاسباب تجعل من الصعب على إدارة بوش ان تقدم نتائج ملموسة تؤدي الى النصر. وعلى هذا الأساس نرى ان إيران تنتهج سياسة حافة الهاوية في مسالة ملفها النووي مستغلة تلك الظروف الدولية المعقدة ، والمفارقة هنا من وجهة نظرنا انه لا خيار إمام الإدارة الأمريكية ما لم تتعامل بجدية مع الدول الراغبة باستمرار فوضى العراق ، اما ان تقدم لها ضمانات حقيقية بعدم المساس بانظمتها وتبحث عن سبل اخرى للحوار ، او استخدام العمل العسكري المباشر، فاية محاولة تعمل فقط ضمن الحدود العراقية للقضاء على التمرد فلم يكتب لها النجاح .
إما التيار المتمثل بالليبرالية والتي اعتقدت امريكا انها سوف تعتمد عليه وتجني ثمارا من ذلك التيار متجاهلة ان عمل هذا التيار لايصح في مثل هكذا اجواء لان الية عمل التيار الليبرالي في هذه المنطقة بالذات يتطلب تفكيك مايمكن تفكيكه من بعض الثقافات المتصدأة ونجاح هذه العملية الصعبة والشاقة لايصح في جو يسوده التكفير والتفجير والذبح والتفخيخ كما ان العمل الليبرالي ومهمته في عملية التغيير والتنوير فكرية خالصة ولا مكان لها بين الرصاص اما السياسة الاقصائية الفاشلة التي تعاملت بها امريكا مع بعض التيارات الليبرالية على الساحة العراقية والتي ادت الى بعثرة الكتلة الليبرالية واظعافها الى حد الصمت واطلاقها العنان للاسلام السياسي ان يتبنى بناء الدولة العراقية على وفق مزاجه ذي اللون الرمادي قد اعطت إشارات توحي لنا بان النصر الامريكي على الثلاثي في الشرق الاوسط يبقى بعيد المنال ...

البصرة ـ أيلول ـ 2005



#احمد_صحن (هاشتاغ)       Ahmed_Sahan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - احمد صحن - مرايا 11 سبتمبر