عدنان الأسمر
الحوار المتمدن-العدد: 2770 - 2009 / 9 / 15 - 07:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أدت الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي ضربت دول المراكز الرأسمالية إلى هزة كبيرة في الأيديولوجية الرأسمالية. وقد تمثل ذلك في سقوط مريع لليبرالية الجديدة التي طبقت في الدول الرأسمالية الكبرى وسقوط الخصخصة التي فرضتها المؤسسات المالية الدولية على دولنا. فقد أعادت الأزمة الاقتصادية الاعتبار لدور الدولة لوقف التدهور والإفلاس في البنية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال تقديم الدعم النقدي المباشر للمؤسسات المنهارة أو شرائها للوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين، أو وضع الخطط الحكومية الهادفة لضخ كتلة نقدية هائلة في الدورة الاقتصادية، بالإضافة لتخفيض سعر الفائدة وضمان الودائع وشراء الوصول في الأسواق المالية.
وقد لجأت العديد من الدول ضمن استراتيجياتها الحمائية للتخلي عن الدولار وربط عملتها الوطنية بسلة عملات، أو استبدال احتياطها من الدولار بالذهب الذي تجاوز لأول مرة حاجز الألف دولار. فإذا كانت الدول التي انتهجت الليبرالية الجديدة قد تراجعت عنها، وعادت لإحياء دور الدولة والاستعانة بدول ذات قدرة اقتصادية كبيرة لمساعدتها في الخروج من الأزمة، وهذا ما سمي بمجموعة العشرين، فلماذا لا نتراجع نحن أيضا عن الخصخصة، أو بعض مظاهرها على الأقل، ونعيد الاعتبار للأدوات الحكومية، وخاصة وزارة التموين لحماية اقتصادنا الوطني، والعمل على ضبط الارتفاع الجنوني المتواصل في أثمان السلع، وضمان الرقابة الحكومية على الجودة والصلاحية، وكسر احتكار الأقلية، ومكافحة أسوء ما نشأ عن الخصخصة: وهي ظاهرة الفساد الفقر والذي ينتج عنهما أثار كارثية على الاقتصاد الوطني .
فقد لجأت الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة، والتي تجبر الدول على حرية التجارة وفتح الأسواق، لفرض رسوم ضريبية على المستوردات من الصين لوضع حد للعجز المتزايد في الميزان التجاري الأمريكي معها. كما أن الحكومة الصينية ستحاول التخلص من اكبر احتياط نقدي من الدولار في العالم ويبلغ 2 تريليون دولار أمريكي، وذلك بشراء أصول داخل الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا يؤكد أن مصالح الدول الكبرى هي مصدر الشرعية لسياساتها والالتزام بالمعاهدات الدولية، وليس نصوص المعاهدات واحترام الدول الأخرى، فهذا الموقف بالإضافة لتصريح رئيس صندوق النقد الدولي بمناسبة مرور عام على الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث صرح (بأنه يخطئ خطأ كبيرا من يعتقد أن الأزمة قد انتهت ويجب البحث عن قواعد جديدة لتنظيم السوق وإلا ستعود السلوكيات السابقة ).
إن هذا الموقف يدفع حكومات دول العالم الثالث ومنها الحكومة الأردنية لاتخاذ مواقف تعزز الاقتصاد الوطني، وتعيد الاعتبار لأشكال مرنة ومتطورة من تدخل الحكومة لضبط السوق والخروج من فترة الكساد الطويلة نسبيا، لأن دولنا الأكثر تضررا من استمرار الأزمة.
لقد أشار تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية أن عشرين في المائة من مواطني الدول العربية يعيشون تحت خط الفقر، وأن البطالة تجاوزت النسب المتعارف عليها دوليا. من هنا تأتي أهمية تفعيل دور الأدوات الحكومية بوضع حدا لارتفاع معدلات الفقر بتصنيفاته المختلفة والناتجة عن ارتفاع أثمان البضائع الاستهلاكية، وخاصة الأساسية لعيش المواطنين وانخفاض القوة الشرائية للرواتب والأجور، وبالإضافة لارتفاع إثمان خدمات المياه والكهرباء والاتصالات.
لقد انتقلت فئات اجتماعية من مستوى معيشة أفضل إلى مستوى معيشة اقل، فقد تتزايد فئات الفقر المدقع. فالمواطن لا يستطيع توفير السلع الأساسية المادية أو المعنوية لاستمراره على قيد الحياة ( مرحلة الجوع ) كما تتسع أيضا فئة فقر حد الكفاف. فالمواطن يستطيع توفير الحد الأدنى من السلع الغذائية واحتياجاته الصحية والتعليمية، وعدم قدرته على تأمين احتياجاته المعنوية، بالإضافة إلى فقر حد الكفاية حيث يتمكن المواطن من توفير الحد الأدنى من احتياجاته المادية والمعنوية، كما يعاني المواطنون من نوع أخر من الفقر هو الفقر البيئي وهو نفاذ موارد استهلاكية من البيئة نتيجة التلوث، وزحف غابات الاسمنت، واتساع رقعة التصحر.
إن اتساع الطبقات الاجتماعية الفقيرة يزيد من عمق الأزمة الاقتصادية، ويفشل السياسات الحكومية الهادفة للخروج من مرحلة الكساد وتحقيق معدلات نمو في الاقتصاد الوطني. كما ينتج عن الفقر ظواهر اجتماعية مخيفة، مثل ظاهرة فتيات الأرصفة، والتسول، وأطفال الشوارع، وعمالة الأطفال، وظهور جرائم بشعة غير تقليدية، وتشكيل عصابات الإجرام. كما يؤدي لخراب صحة المواطنين لعدم قدرتهم على العلاج، وبسبب الأمراض الناتجة عن سوء التغذية. كما يدمر الفقر البنية التعليمية من خلال زيادة الطلاب المنقطعين عن الدراسة. فنتائج الفقر كثيرة ومعقدة.
إن دور الحكومة الأردنية، من خلال أدواتها المختلفة وخاصة وزارة التموين، يعتبر إستراتيجية استباقية في وجه التداعيات القادمة والمتلاحقة، للازمة الاقتصادية في دول المراكز، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، سيما وان الأردن كباقي دول العالم الثالث يتأثر كثيرا بنتائج الأزمة. حيث تتباطأ معدلات نمو الاقتصاد الوطني بفعل تأثيرات العولمة والتخلف التقني، وتأثير عوامل أخرى مثل ظواهر الانحباس الحراري، الذي يؤدي لنقص كميات الحصاد المائي، وتناقص الغطاء النباتي، واستخدام الحاصلات الزراعية في إنتاج الوقود الحيوي وانخفاض قيمة التحويلات النقدية للعاملين في الخارج وتقلبات أسعار البترول وتناقص قيمة الواردات المحلية لخزينة الدولة نتيجة طول فترة الانكماش.
الوضع يتطلب تدخل الحكومة، للحفاظ على السلم الاجتماعي، ومستوى عيش كريم للمواطنين، والتصدي بقوة لأسباب الفقر ومظاهره، وتحقيق مستوى عيش متقدم لجميع أبناء الوطن الأردني، بكافة فئاتهم، وخاصة الطبقات الشعبية المسحوقة .
#عدنان_الأسمر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟