عدنان الأسمر
الحوار المتمدن-العدد: 2620 - 2009 / 4 / 18 - 06:46
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كنا نمضي عاما من النفي والإقامة الجبرية في مدينة معان. وفي صباح يوم الاثنين 17نيسان 1989 استيقظنا من النوم أنا والرفاق بسام العزة، وحلمي الدرباشي، على أصوات هتافات قادمة من بعيد. فأخذنا نهتم بمصدر الصوت واتجاه حركته، ومن ثم خرجنا من البيت لنراقب. وإذ بطلاب مدرسة معان الثانوية، يتجهون نحو الكراج للالتحاق بالسائقين والعشرات من أهالي المدينة، حيث بدء الجميع بمهاجمة المراكز الأمنية، من الصباح حتى اقتراب موعد الإفطار. وإستئنفت الأنشطة والتظاهرات بعد الإفطار وطوال الليل. وحاولت الجموع تدمير وحرق فروع المؤسسات المالية والتجارية في المدينة.
تصدى رجال الأمن للمتظاهرين بالوسائل والأدوات القتالية، بما في ذلك إطلاق النار على المتظاهرين. ومع انتهاء يوم الاثنين كان خبر بدء الانتفاضة في معان قد انتقل إلى كافة مناطق الأردن، حيث شاركت النقابات والأحزاب والقوى الديمقراطية والقومية واليسارية في المظاهرات التي عمت المدن الأردنية مطالبة بجملة من التغيرات السياسية، والحريات العامة والإصلاح السياسي والاقتصادي، واستئناف الحياة النيابية.
هذه الانتفاضة الشاملة والعفوية كانت نتاج السياسات التنموية غير المتوازنة، التي أهملت مدن الجنوب. لقد أدى رفع أسعار المحروقات والمواد الغذائية، وتزايد نسب البطالة وانخفاض مستوى المعيشة، واتخاذ الحكومة جملة من التدابير الاقتصادية بناءا على توجيهات صندوق النقد الدولي، إلى انفجار الغضب الشعبي. لقد وصل الدين العام إلى 14 مليار وتوقف الدعم العربي الذي اقر في مؤتمر القمة في بغداد، بالإضافة إلى سياسة الأردن الخارجية، مما أدى إلى تدخل الشعب الأردني لتصويب مسيرة النظام السياسي، من خلال الانتفاضة كأسلوب للتعبير عن ضرورة التغيير.
كان من الأجدر، أن يتم التعامل الرسمي مع الانتفاضة، كحركة تعبير حقوقي للمواطن الأردني، مما يتطلب الاستيعاب والحوار والوصول إلى ما يخدم المصالح الوطنية العليا. إلا أنه مع الأسف تم اعتبار الحركة الاحتجاجية، سلوك جنائي. وبالتالي يجب إيقافه بالرصاص والقتل والاعتقال. ولم تتوقف الإحداث في معان ألا صباح يوم الخميس 20/4 عندما دخلت قوات الجيش الأردني، فهدأ الناس والتزموا في بيوتهم في الحال. فالجيش له مكانة سحرية من الاحترام والتقدير في نفوس المواطنين. بل أن أهالي معان أخذوا يتسابقون على تقديم المناسف ووجبات الإفطار الرمضانية للجيش، ويضعون باقات الورود وسط الموائد.
وبانتهاء أحداث الانتفاضة استمر الحراك السياسي في عمان، الذي أدى إلى انتقال الأردن من مرحلة سوداء صفراء زرقاء قاتمة، تميزت بالقبضة الأمنية الشاملة، اعتمدت فيها إستراتيجية أمنية منذ عام 74 ولغاية عام 89، مضمونها الإجراءات الواسعة في حجز الجوازات، المنع من السفر، عدم الموافقة على العمل، والاستدعاء للتحقيقات الدائمة والمتكررة، التوقيف الطويل في زنازين المخابرات، حيث أمضى بعض المناضلين 33 شهرا، والتوقيف الطويل في السجن المركزي لبعض المناضلين لغاية 77 شهرا كموقوف أداري، والإحكام العالية. فعضوية التنظيم، أو ضبط منشورات، كان حكمها السجن 10 سنوات، بالإضافة إلى التعذيب الشديد، وما ينجم عنه من إلحاق ضرر بالكثيرين: بصري أو سمعي أو قرح معدية أو مشاكل في المفاصل. بالإضافة إلى قمع الحريات العامة والتدخل الأمني في شؤون النقابات العمالية والمهنية ومؤسسات المجتمع المدني وإدارات الصحف والمؤسسات التعليمية.
أما المرحلة الجديدة التي صاغتها انتفاضة نيسان فقد أدت إلى إلغاء قانون مكافحة الشيوعية والأحكام العرفية، وخلقت حالة من الانفراج السياسي وحرية العمل الحزبي. وجاء الميثاق الوطني وتم صياغة قوانين تنظم الحريات العامة.
إن المضمون السياسي والاقتصادي والاجتماعي لانتفاضة نيسان ما زال حيا وماثلا. فلا بد من انجاز برنامج الإصلاح السياسي وإعادة صياغة القوانين ذات العلاقة بتشكيل الأحزاب والحريات العامة وضريبة الدخل. واعتماد سياسة اقتصادية اجتماعية تؤدي إلى الحد من البطالة والغلاء والتوسع في التأمينات، ورفع مستوى معيشة المواطنين ومكافحة الفقر والفساد واعتماد سياسية تنموية متوازنة، وزيادة الاهتمام في البادية ومدن الجنوب، من خلال التوسع في أنشاء المصانع والمشاريع التنموية.
لقد حملت انتفاضة نيسان المجيدة، دلالات هامة في تطور النظام السياسي الأردني، من أبرزها، أنها حركة انتقالية إلى مرحلة ما بعد الأحكام العرفية. حيث يتعين البدء باستراتيجية التحول الديمقراطي، وجوهره حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، وتكريس الحريات العامة وحرية العمل الحزبي. وينبغي عدم التدخل في شؤون النقابات، و توسيع المشاركة الشعبية من خلال تكوين مؤسسات المجتمع المدني. كما أن انتفاضة نيسان هي أداة تغيير من اجل الحفاظ على استمرار واستقرار النظام السياسي.
فالعملية السياسة المحلية بمضمونها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وارتباطاتها الإقليمية والدولية تتطلب تفاعل المتغيرات الاجتماعية والإقليمية مع المعطيات الراهنة. فالاستمرار في سياسة تحميل المواطنين أعباء الفساد الاقتصادي واستسهال توليد الدين والانصياع لوصفة صندوق النقد الدولي يجب أن تتوقف.
ومن الضروري أن يشارك الشعب في صياغة مستقبل الوطن من خلال برلمان منتخب يؤمن الشفافية والمساءلة والعلنية، ويضع حدا للفساد المالي والإداري والسطو على مقدرات الوطن، وما ينتج عن ذلك من عجز في الموازنة العامة وعجز في ميزان المدفوعات وعجز في الميزان التجاري، مما يجعل الاقتصاد الوطني يعاني من تشوهات وأزمة بنيوية هيكلية.
لقد كانت انتفاضة نيسان بمثابة حركة تصحيح للثقافة السياسية. حيث فرضت الاعتراف بجملة من المطالب والحقوق للطبقات والشرائح الشعبية الكادحة. فالثقافة السياسية عادة ما تكون غير متجانسة أو منسجمة. ولا يجب فرض الثقافة السياسية للبرجوازية الطفيلية والكومبرادور. بل يجب الإجماع على قيم الشرعية السياسية العامة التي تحقق المصلحة الوطنية العليا.
وبمناسبة الذكرى العشرون لانتفاضة نيسان يتوجب علينا تقديم اسمى آيات المجد والاحترام للشهداء والجرحى، وللمواطنين الذين اعتقلوا. فتلك الرصاصات الطائشة والكلبشات الجائرة والهراوات المؤلمة، وجهت في الاتجاه الخاطئ. فأولئك المواطنين المخلصين والأوفياء لوطنهم خرجوا للشوارع للأعراب عن أهمية وضرورة التغيير نحو الأفضل، مما يضمن تحقيق استمرار واستقرار النظام السياسي الأردني، عندما تميز الأداء الحكومي آنذاك بالقصور والتيه، وعدم أدراك قوانين التطور التاريخي واكتشاف جوهر حركة الشعب، التي كانت تنذر بتلك الانتفاضة. فالمجد كل المجد لانتفاضة نيسان الخالدة.
#عدنان_الأسمر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟