الحقائق واقفال الاسئلة

رحاب حسين الصائغ

الحوار المتمدن-العدد: 2754 - 2009 / 8 / 30 - 08:55
المحور: الادب والفن
    

نادية جبار وقصيدة ( أسئلة وحقائق) نوذجاً
رحاب حسين الصائغ
بينما أتأمل الوجوه في صالة الاستقبال في الفندق الذي جمع عدد من الشعراء والاعلاميون والادباء، لفت النتباهي وجهها ذو الملامح الهادئة، دخلت تلك المساحة من شخصيتها، فكان الحزن مدفون في اعماق ابتسامتها المثيرة كشمس اشرقت في فجر صباح ربيعيّ، راودني شعور قوي في ان اتقدم نحوها لأسكن حيرتي في ظل روعتها، انها الشاعرة والاعلامية العراقية، نادية جبار، حصلت منها على قصيدة ( اسئلة وحقائق).
كلما قرأت القصيدة اتخيل كم المعاناة التي ولدت تلك الفكرة عندها وبهذه الامكانية الجديرة بالاهتمام وأبحر بين ثنايا سطورها، من العنوان نفهم ان نادية جبار تبحث في عمق الاسئلة، وانها امرأة عركت معاني الحياة بشمولية واعية ولديها ادراك كبير لما يحدث حولها، وتجد الحقائق تائهة في عالم تحمل مجمل قضاياه المطروحة نوع من التليف، الذي لا علاج له، لذا أخذت على عاتقها شيء من المحاولة في تقديم المساعدة وكما ترى هي من وجهة نظرها، فأسئلتها تشمل الكل، من بداية القصيدة لا تتركنا في حيرة حملت كم من الاسئلة وفي نفس الوقت عرضت نوعية الحقائق، انها قدمت لنا شيء يشبه رقتها وقوتها التي تتجانس ونظرية نيوتن حول الجاذبية، حيث تقول:
من اين نمسك العالم ليضئ..
من اين نبدد المأساة ؟
ونوقف نزيف الالم !!
بفهم صادر من امرأة تحمل كل البراءة، علمتها تجارب الحياة القاسية معنى نزف الالم بصورة مستمرة، لا بد ان تصرخ بمقاييس الشعر عن شيء يوقفه، البحث عن الحقيقة والغوص في الاسئلة من قبل شاعرة مبدعة لديها افكار ناضجة يشكل سلسلة من الايهامات القوية لدى قارئها، ولكن دور العالم هو الغالب على فقدان الوصول للحقيقة، عندما تحدد السؤال الاول ( من اين نمسك العالم ليضئ) خلقت امكانيه في وضع صورة متخيلة عند القارئ تشعره بالراحة وفي نفس الوقت تقوده للتأمل في الوضع المعاش، نعم بالفعل من اين نمسك خيط الضياء الذي يقودنا لوقف النزف، عدم امتلاك غطاء في الشتاء يخفف من الشعور بحرارة الصيف حين النوم بالعراء، سؤال الشاعرة نادية كبير" من اين نمسك العالم ليضئ " اما من هم متخمون بكل رفاهية الحياة، لا تهمهم تلك الاسئلة الصادرة من انسانة واعية لحالة الالم ونزيفه المستمر، لذا فهي تقول وبشعور اكبر عراقة في دمها:
أو لنقل من اين تخترق السافة؟
هكذا تتساءل الروح امام الرب
من اقصى الروح الى ابعد نقطة في نهوض العقل
نادية جبار توجه لهذا العالم عبء المشكلة التي يعاني منها مجتمع، وما زال يعاني من ظلم التسلط والعبودية والتخلف والصراع الطبقي عبر مراحل طويلة، وهناك تاريخ يؤكد ان المرأة كانت المزارع والطبيب والمشرع الاول الذي فرض العدالة في الاسرة والمرأة ما زالت تؤدي دورها بجدارة حتى هذا العصر الذي اختلفت فيه كل المفاهيم واصبح دورها كخلفيات شاشات العرض السينمائي، من خلال اسئلة الشاعرة نادية جبار نتأكد ان المرأة مصرة على التواجد رغم النزيف المستمر لهدر حقها ضمن اكثر الحقوق المهدورة التي شملت الطفل والرجل والشباب في الصراع الدائم خارج الحقوق الانسانية والقوانين المتعارف عليها، حيث تقول:
من تلك اللغة نعد الكفر سنان الرمح
ونغرز بالطامعين السيف
نعم انها لغة بدائية
هنا الشاعرة رافضة لغة العنف ولكن قسوة الحياة ولغة العالم المعاصر يقدم لنا العنف كنوع من الحضارة للوصول الى غايات بلهاء يعتبرها اقتصادية ومن ضرورات التطور، نادية جبار ليس خافي عليها ان استعمال تلك اللغة يعني الكثير من الجهل وكونها امرأة لا تحب العنف ولغته تعيد صياغة السؤال بقولها:
ولكن من اين نبدأ والمسافة تحدد
اين ارى شعاعاً في نهاية العالم
هكذا علمني التاريخ
هكذا علمني التاريخ
لا يقبل عقلها هذه الترهات المزيفة والتي تسري في المجتمع كسريان النار في يباب هذا العصر، المعروف ان الطبيعة تعمل على المحافظة على مكوناتها، قصيدة اسئلة وحقائق لنادية والتي تصر فيها من اجل الحياة على انه لابد من الاحتفاظ بالامل، وزرع في عقول وقلوب الاجيال اللاحقة ذروة الحب، ولابد من دفن العنف في مهده كي لا يطال بقية الضوء، حيث تقول:
نبدد الوحشة عن الطرقات
ونستحم من الذنوب
لنوفر للحياة مساحة
سوف نبدد سطوة الآخر
ونزرح التعب خارج منهة الروح
الآخر كذبة
ان نصدقها تنكسر الحقيقة
اما نحن الحقيقة الوحيدة على صدر هذه الكائنات.
الاعلامية العراقية نادية لم تنسى ابدا انها شاعرة بالفطرة اضافة لمتلاك الموهية والمصقولة بالتجارب، حيث رؤيتها في هذه القصيدة التي تحكي بالفعل عن الاسئلة المطلوب لها اجوبة حقيقية وليس اجوبة مغلفة بمختلف انواع التجني والتغييب، فكل مفردة في القصيدة تلم شمل شتات الوضع المزري الذي يحيط عالمنا المملوء بالخجل مما يدور فيه بلا نهاية، وتغلفه سلبيات قائمة اتت من الآخر والذي تنعته " الآخر كذبة " انها لحقاً تملك روح الابداع الفكري باختياراتها الجريئة وامتلاك روح الفكرة الجمالية في القصيدة وصورها الرائعة، طرحت قضية مهمة من عدة نواحي ولم تترك فرصة تدخل فيما يعيق المضمون الشعري في لغتها الشاعرة وتقديمها للنص الرائع الذي احتضن العنوان والايطار في قصيدتها الجميلة، واستخدامها البساطة مع الفكرة المعنية بما تريد قوله بكل رقة الشاعر المتمكن والمالك للفكر الثاقب.
الكاتبة / ناقدة من العراق

#رحاب_حسين_الصائغ (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل