حمزة الجواهري
الحوار المتمدن-العدد: 827 - 2004 / 5 / 7 - 06:15
المحور:
حقوق الانسان
كان محدثي مهتاجا لما يجري للعراقيين من تعذيب على أيدي الأمريكان، حقيقة أسعدني ذلك، ولكن كان سيسعدني أكثر لو كان هذا الهياج قد شاهدته عبر العقود الأربعة الماضية والتي كان العراقي خلالها يعذب ويمتهن ويذوب بالتيزاب ويلقى للكلاب الجائعة لتأكله ويدخل السجون ولا يخرج منها، حتى الجثة لا تخرج من تلك السجون. كان بودي أيضا لو كانت هذه الحمية العربية والشهامة العربية والأفواه العربية التي ملى الزبد أشداقها قد أسمعتنا صوتها وكشفت عن نفسها أيام نظام البعث، فقد بقيت صامتة حتى اليوم، بل والأبعد من ذلك، فإنها قد أنكرت أن يكون هناك قتل في العراق، وأنكرت أن يكون هناك مقابر جماعية، وأنكرت أن هناك حملات تطهير عرقي على شاكلة أنفال، بل والأكثر من ذلك فإن من يتحدث عنها فهو عميل للأمريكان، ولا أدري ما إذا كانت الجامعة العربية قد إنتهت من إعداد تقريرها لتقصي الحقائق بما يتعلق الأمر بالمقابر الجماعية أم لا؟ فقد أعياهم البحث والتقصي، ولم يصلوا للحقيقة لحد الآن، كان الله بعونهم.
لعل من أغرب ما راقبته خلال الأيام الأخيرة هو إن الإعلام العربي مهتم جدا بمسألة الجرائم ضد حقوق الإنسان في الوطن العربي!!!! ويبدوا إن ما يجري الآن في العراق من إنتهاك لحقوق السجناء في العراق على يد الأمريكان يعتبره العرب غريب جدا عليهم وقد أثار مشاعرهم الشفافة جدا!!؟؟؟؟؟ أليس هذا هو العجب العجاب؟؟؟!!!!
من المعروف عن الإعلام العربي هو التعتيم على تلك الجرائم، بل وحتى منحها الشرعية، خصوصا لو كان الإعلام للدولة التي تمتارس القمع والتعذيب والقتل ضد مواطنيها. وبضل الإتفاقيات الأمنية العربية صارت كل أجهزة الإعلام العربي تدافع عن المجرمين، وتتحول هذه الممارسات إلى ممارسات مشروعة وتمنحها مسميات أخرى. فقد إعتاد الإعلام العربي أن يستبدل المعاني بأخرى تتناسب والمقام. ولرغبة من الحكام، ها هي الفضائيات العربية وعبر عام تعتبر الإرهاب في العراق مقاومة مشروعة في حين إن الضحية هو العراقي، ولو كان الأمر متعلقا بشعب عربي آخر غير العراق، فإنه إرهابا.
حقيقة كنت من المتعاطفين جدا مع أحد العرب المتحثين عبر إذاعة البي بي سي وهو يتحدث عن جريمة بشعة قد إقترفها الإرهاب الذي تفشى في الدول العربية والإسلامية، وقد بلغ تعاطفي معه حدا إني كنت إحاول الإتصال بالمحطة والإعراب عن تعاطفي وتضامني معه ومع شعبه، كان خلالها قد بلغ المداخل نهاية حديثه، فكانت آخر كلمة له عبارة عن سؤال فيه الكثير من المرارة:
لمذا يفجرون ويقتلون الأبرياء هنا ؟!! لم لا يذهبون إلى العراق، فها هي قريبة منهم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!
حقيقة أذهلني هذا الرجل، وما أذهلني أكثر هو المذيع الذي يبدوا من لهجته إنه كان مصريا، حيث كان متعاطفا مع المتحدث العربين ولم يعترض أبدا على البديل الذي قدمه الرجل للإرهابيين، وهو الذهاب إلى العراق والقيام بتلك التفجيرات وليس الكف عن تلك الأعمال !! فقد أعاد الرجل المسؤول عبارته ثلاثة مرات بصيغ مختلفة كلها تحمل نفس الدلالة، وهي الذهاب والتفيجير في العراق وقتل العراقيين بدلا من أبناء شعبه الآمنين!!! إن البرنامج قد أعيد بثه مرة أخرى من دون تعديل!!!!!
يبدوا واضحا من هذه اللقطة الموثقة إن العراقي قد أصبح مشروعا للقتل ولا ثمن له، ولكن ما أثار إهتمامي هذه الأيام، هو إن هذا العراقي قد إعيد له الإعتبار فجأة من جديد ليصبح حديث العالم وكل وسائل الإعلام والشغل الشاغل لرجال السياسة وحديث المجالس العربية وغير العربية، كل هذا من دون مقدمات!!!!!!!! كان ذلك بسبب إكتشاف تجاوزات ضد السجناء في أبي غريب!!!
حقيقة إن تعاطف العرب مع السجناء العراقيين يفرحني جدا، ويجب أن يكون هذا النوع من الشفافية مثلا يحتذى في كل الدول العربية، وأن يعاد الإعتبار للعراقيين، وأن يحسبوا من جديد على إنهم بشر أسوياء، ولا يختلفون عن أي شعب عربي آخر وليس فقط شعب ذلك المتحدث العربي الذي أدهشنا بإزدواجية المعايير لديه، بحيث يعتبر الإرهاب في العراق مقاومة مشروعة وإعمال إستشهادية !!! بينما يعتبره جريمة كبرى في دولته !!!
بالأمس تضاهر الأردنيين في عمان ضد الإرهاب وعلى رأسهم أحزاب وشخصيات وطنية أردنية بسبب إكتشاف خلية إرهابية تابعة للزرقاوي تعمل في الأردن، لم تحث الجريمة والحمد لله، ولكن الأخوة الأردنيين تضاهروا ضد الإرهاب. المفارقة، هو إن تلك الأحزاب والشخصيات الوطنية الأردنية كانت بالأمس تخرج للتضاهر داعمة الإرهاب في العراق، خصوصا عمليات الزرقاوي، والذي لم يقتل غير العراقيين في عملياته!!!!!!!
كيف نستطيع أن نفهم هذه المواقف:
الزرقازي إرهابي في الأردن وإستشهادي في العراق!!!!!!!!!!!
لماذا لا يذهب الإرهابيون ويفجرون في العراق بدلا من القيام بعملياتهم في بلدانا آمنة غير العراق؟!!!!!!
قتل العراقيين يعتبر نوعا من التطهر، في حين هو في أي بلد آخر يعتبر جريمة تدمى لها العيون!!!!!!!!
الموت أثناء العمل المسلح الذي يستهدف قتل العراقيين يعتبر إستشهاد !! في حين هو في أي بلد عربي آخر يعتبر جريمة شنيعة!!!
الأغرب من هذا وذاك هو إن من إنتهكت حقوقهم في العراق من قبل السجانين الأمريكان هم نفس أولاءك ارجال الذين يرتدون سراويل فدائيي صدام ذات اللون الأسود ذو الخطوط البيضاء من الجانبين، فقط هؤلاء العراقيين من إعتبر التجاوز عليهم تجاوز على حقوق الإنسان، وأنا شخصيا مازلت إسميه تجاوزا على حقوق الإنسان، حتى ولو كان الذين قد إنتهكت حقوقهم هم فدائيوا صدام. لذا سيبقى السؤال الآتي قائما:
هل حين يقتل العراقي من غير فدائيي صدام في المستقبل سيكون نوعا من الإنتهاك لحقوق الإنسان؟؟؟؟؟ أم إن الأمر فقط مرتبطا بفدائيي صدام والبعثيين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وهل سيبقى العرب يموتون في سجون بلدانهم ولا يهتم بهم أحد؟؟؟؟ فهذا ليس إنصافا مادام العراقي قد إعيد له الإعتبار وصار له حقوق ومن ينتهكها يجب أن يعاقب؟؟؟؟؟ فباقي العرب الذين يقبعون بسجون بلدانهم لهم أيضا حقوق.
وهل سيعاد الإعتبار لشهدائنا من سكان المقابر الجماعية وضحايا أنفال ومشردوا الأهوار وقتلاهم وملايين المهجرين الذين مازالوا في المهجر لحد الآن؟؟؟؟؟؟؟
وهل سيحاكم إعلاميوا الجزيرة والعربية وغيرها من الفضائبيات العربية على الجرائم التي إرتكبوها ضد الشعب العراقي وينالوا جزائهم العادل؟؟؟؟؟؟؟ ويقول لي أحد المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان إن قطع الألسن كعقاب يعتبر جريمة ضد حقوق الإنسان، لذا سوف لن أوصي بهذا النوع من العقوبة، بل أقل عقوبة مناسبة وهي الإعدام، لأن عدد القتلى من العراقيين بسبب تحريضهم قد فاق حدود الخيال.
وهل سيتحكم العرب بالحدود العراقية مع دول الجوار بعد أن امعنوا بإستباحة تلك الحدود وصدروا الموت عبرها بأنواعه للعراقيين؟؟؟؟؟؟
وهل مازال ذلك العربي ينصح الإرهابيين بالذهاب إلى العراق؟ أم لا؟ وهل ستبقى البي بي سي تروج لقتل العراقيين ومن يدفع رواتبهم هو دافع الضرائب البريطاني؟؟؟؟؟؟
وهل نتوقع من الأردن من الآن فصاعدا أن يوقفوا هتافهم الدموي الإستفزازي للعراقيين والذي يتعارض وحقوق الإنسان ""بالروح بالدم نفديك يا صدام""" ويبدلوه بهتاف ثاني ضد من قتل الشعب العراقي؟؟؟؟؟ فقد لاحظنا إنهم يفهمون وليسوا مجرد مخلوقات تلقن فقط ولا تستطيع أن تفهم؟؟؟؟؟؟؟؟ والدليل هو التضاهرات ضد الزرقاوي.
وأخيرا هل نستطيع أن نقول إن العرب قد تعلموا هذا النوع من الشفافية وسنرى قريبا ما الذي يجري في المعتقلات والسجون العربية وكيف يعامل السجناء فيها؟!
مجرد أمنية، بودي لو رأيتها في التلفزيون وليس في المعتقلات والسجون العربية، فأنا لا أحب السجون العربية لأن الضوء فيها قليل والحمام جماعي وليس خاصا، وهذا يزعجني جدا، لذا أتمنى أيضا أن يعيدوا النظر بتصاميم السجون العربية، وأن يعدلوا التكييف المركزي فيها لتكون درجة الحرارة 24 بدلا من 25 درجة مؤية، لأن درجة أربعة وعشرين مريحة أكثر للإنسان، وأن يحسنوا الخدمة فيها، كأن يعملوا باربكيو مرتين إسبوعيا بدلا من مرة واحدة، لأن العرب يحبون الباربكيو.
#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟