|
هل تتحول بلاد النهرين إلى بلاد بلا نهرين ؟
باسم محمد حبيب
الحوار المتمدن-العدد: 2695 - 2009 / 7 / 2 - 06:56
المحور:
كتابات ساخرة
من الأمور المعروفة والمؤكدة تاريخيا ، أسبقية حضارة وادي الرافدين ودورها الكبير في نشر الحضارة الإنسانية ، حيث وقفت عوامل عديدة لتحقق هذا الأمر، أبرزها بالتأكيد وجود النهرين العظيمين دجلة والفرات ، الذي أتاح لسكان هذه البلاد استثمارهما في الزراعة ، التي أصبحت الركن الأهم في اقتصاديات البلاد ، وجعلت بلاد الرافدين واحدة من أهم الدول الزراعية في العالم وجنة من جنان الأرض ، لذا ليس غريبا أن عدتها الشعوب المجاورة إحدى الجنان التي يذهب إليها الإنسان بعد الموت . لقد أطلق على بلاد الرافدين تسميات لها علاقة بجغرافيتها النهرية ، فالبعض اسماها بلاد الرافدين ، والبعض الأخر أطلق عليها بلاد النهرين ، أما الإغريق فقد أسموها (ميزوبوتاميا ) أي بلاد ما بين النهرين دلالة على أهم الظواهر الجغرافية الموجودة فيها ، حيث بقيت هذه التسمية هي المفضلة عند الإشارة للبلاد حتى في العصور المتأخرة ، وبقيت رغم تغلب التسمية الحالية متداولة لدى جمهور كبير من الباحثين ، لا سيما المعنيين بتاريخ العراق القديم . لقد مثل هذان النهران الكبيران عصب الحياة بالنسبة للبلاد ، لذا لاغرابة أن تكون تسميتهما عراقية قديمة ، حيث استمرت هذه التسمية ملازمة لهما إلى الوقت الحاضر ، وإدراكا لأهمية هذين النهرين ، فقد حرص ملوك وادي الرافدين على فرض السيطرة السياسية العراقية على منابع النهرين ، ابتداء من حملة الملك (شار – كين ) الاكدي ، مرورا بغزوات سلالة أور الثالثة وحمورابي والأشوريين ، بل حتى في العهود التي أصبحت فيها البلاد خاضعة لسيطرة سلالات أجنبية حاكمة . واليوم يتهدد هذا التاريخ النهري الكبير خطر ماحق ، إذ تشير التقارير الدولية إلى تعرض منسوب النهرين من المياه إلى انخفاض كبير ، قد يؤدي إلى جفافهما في وقت ما من المستقبل ، بل أن احدث التقارير الرصينة ، أشارت إلى احتمال جفاف النهرين في زمن لا يتجاوز عام 2040 ، إذ تواظب تركيا بلد المنبع منذ زمن على إنشاء العديد من السدود على النهرين ، كجزء من برنامج إروائي طويل الأمد ، وبالتأكيد فان إنشاء هذه السدود لم يتم من خلال التنسيق مع العراق وسوريا شريكتا تركيا في مياه النهرين ، ولم يجري تشييدهما انطلاقا من معايير القسمة العادلة للمياه ، فالقوانين الدولية لا تسمح لأي دولة الإضرار بالدول الأخرى المتشاطئة معها ، وتعد عملا من هذا القبيل انتهاكا للقانون الدولي . يبدو لي أن العراق كعادته سابقا غير مهتم كثيرا بهذه القضية الخطيرة ، فهو مشغول بأمور يجدها أكثر إلحاحا من قضية المياه ، لأنها ترتبط بواقعه المباشر ، كما لا يمكن أن ننسى التجاذبات السياسية ودورها في إضعاف كفاءة العراق السياسية . الأمر الذي قد يتيح لتركيا الاستمرار بهذه السياسة المميتة للعراق ، فالجيران في تركيا لا يدركون أن عملا كهذا سوف يؤدي إلى الحروب والنزاعات طال الزمان أم قصر . لذا على العراق إذا أراد تجنب كارثة كبيرة الالتفات إلى هذا الأمر ، فبإمكانه عمل الكثير بالتنسيق مع سوريا ، من بينها نقل هذا الملف إلى أروقة مجلس الأمن ، واهم شيء هو التركيز على هذا الملف عند فتح ملف العلاقات بين الطرفين ، ولابد أن يستخدم العراق أوراق الضغط التي لديه وأهمها الورقة الاقتصادية ، حتى يرغم تركيا على الالتفات إليه ، حيث تحصل تركيا لاستضافتها أنبوب النفط العراقي الذاهب إلى ميناء كيهان على البحر المتوسط ، على مئات الملايين من الدولارات التي لا غنى لها عنها في تنظيم واقعها الاقتصادي . إن علينا أن نبذل الكثير من الجهود من اجل تلافي حصول مواجهة عسكرية ، فاستمرار أزمة المياه لابد أن يساهم في زيادة التوتر في المنطقة ، ودفع الأطراف المعنية إلى ضمان حقوقها بالقوة المسلحة .
#باسم_محمد_حبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراقيون والدرس الإيراني
-
لماذا يدير الخليج وجهه عن العراق ؟
-
ما بين بكاء الحسين على أخيه العباس وبكاء جلجامش على انكيدو
-
النبي يوسف ... هل هو نسخة توراتية لشخصية جلجامش ؟
-
هل للفساد دور في تضخيم ظاهرة المثلية في العراق ؟
-
جمهورية أميركا الإسلامية !!؟
-
مصر .. نعم ما اخترت يا اوباما
-
عقدة الكهرباء أم عقدة الفعل العراقي
-
حملات تستهدف الشباب في العراق
-
معركة التاميل والجانب الإنساني
-
الساكت عن الفساد شيطان اخرس
-
من اجل مركز وطني لتوثيق معاناة العراقيين واضرارهم
-
التدين والنبوة من منظور تاريخي
-
ما حجم المسكوت عنه في واقعة السقيفة ؟
-
هل تضررت ولم تحصل على تعويض ؟
-
آثار حضارة وادي الرافدين بحاجة إلى حماية دولية
-
ضوابط دولية لتدريس مادة الدين
-
المسؤول العراقي أول من يستفيد وأخر من يضحي
-
الديمقراطية في العراق مطلب تاريخي
-
الدين في ذمة السياسة
المزيد.....
-
مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم -
...
-
أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل
...
-
الغاوون,قصيدة(لحظة الفراق)الشاعر مصطفى الطحان.مصر.
-
الغاوون,قصيدة(الطريق)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
-
مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
-
دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي
...
-
بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي
...
-
رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم
...
-
إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا
...
-
أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|