أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد يونس خالد - إشكالية الثقافة وأزمة المثقف العراقي والبؤس الاجتماعي















المزيد.....



إشكالية الثقافة وأزمة المثقف العراقي والبؤس الاجتماعي


خالد يونس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 2693 - 2009 / 6 / 30 - 10:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


‘‘ في البداية يتجاهلونك ، 
ثم يسخرون منك ،
ثم يحاربونك ،
 ثم تنتصر ‘‘
غاندي.
 
 
الثقافة حالة واحدة لايمكن تجزءتها، وعليه من غير المنطقي أن ينفصل المثقف عن واقعه. فالمثقف ينظر إلى الواقع من زاوية  خاصة تختلف عن زوايا القابضين على السلطة والمرؤوسين العبيد للسلطة.  المثقف العراقي الحر، هو رمز من رموز الإبداع العراقي، وهو موضوع بحثنا، ينبغي أن لا يتعامل مع الواقع العراقي من زاوية الخضوع والاستعباد، إنما من زاوية التعامل  النقدي مع الموضوعات التي تتحكم بالمجتمع من القاعدة إلى القمة، سواء كانت هذه الموضوعات مادية أو معنوية. وقد أجاد المفكر المغربي محمد عابد الجابري بالدعوة إلى "العقلانية النقدية  في معناها الواسع" فقال: "والعقلانية النقدية ضرورية لنا في الظرف الراهن - فيما أعتقد- لأننا مطالبون بإعادة ترتيب العلاقة بيننا وبين التراث من جهة، وبيننا وبين الفكر المعاصر، فكر الغرب، من جهة أخرى. وترتيب العلاقة بين الذات وموضوعاتها يجب أن يقوم على نظرة نقدية تصدر عنها الذات حتى لا تقع تحت تأثير موضوعاتها وهيمنتها"(1).  

 
الخطاب الثقافي ودور المثقف والأزمة التي يعانيها  في تصحيح المسارات في المجتمع:
 
لا شك أن الخطاب الثقافي له أهمية قصوى للمثقف لكي يقوم بدوره الوطني الثقافي، ويتحمل مسؤوليته في ميدان الصراع الفكري والأدبي  لتصحيح المسارات المعادية  للمجتمع.  من هنا نرى خشية القابضين على السلطة من المثقفين أن يلعبوا دورهم خارج خيمة السلطان. هنا  يقف المثقف العراقي أمام  توجهين إثنين:
 إما يساهم في مسيرة السلطان، فيصبح أداة ترويج أو تهريج للسلطة والواقع معا مما يجعله خارج دائرة الثقافة في المحك العملي لمواجهة البؤس الاجتماعي.
وإما يصبح  قوة عقلانية وفكرية في مواجهة الانقطاعات الحضارية، فيدخل المجتمع بقوة مؤثرة في الحياة اليومية  العراقية ليُؤثر على مجريات الأمور ويساعد الحاكم في رسم السياسة بشكل  يلائم  متطلبات المجتمع "المدني".
 
 نحن أمام  الثقافة والمثاقفة، وأمام المثقف الذي يستوعب واقعه، وأمام المتعلم غير المثقف الذي يسيئ فهم واقعه.  من هنا تبرز أهمية فهمنا  لمصطلح الثقافة والمثقف  من أجل أن نعرف مَن هو المثقف؟ ومَا هي الثقافة؟ وكيف نساهم  في مسيرة المسؤولية الوطنية (لا أعني هنا الوطنية على أساس المحاصصة والطائفية، إنما أعني الوطنية على أساس المواطنة بعيدا عن الأغلبية والأقلية) ليتخذ المثقفون مسؤوليتهم الوطنية بعيدا عن التهريج لسلطة هذا العرق أو هذا الدين ضد الآخر، حتى يستطع المثقفون بناء مجتمع يعرف المواطن فيه حقوقه وواجباته، ويكون عضوا كامل النمو في في دائرة  ثقافة وطنية عراقية تنويرية  مجددة. 
 
الثقافة: "ظاهرة إنسانية واجتماعية متعددة الأبعاد، ومستوى محدد تاريخيا في تطور الإنسان والمجتمع، وطريقة في التصور والسلوك، وطابع للنشاط والحياة روحيا وماديا، ووعاء للقيم المادية والروحية"(2).  
 
وعرَّف الأنثروبولوجي البريطاني إدوارد تيلور (الثقافة)  بالشكل التالي: "إذا أخذنا الثقافة أو الحضارة بمعناها الأنثروغرافي (العرق) الواسع، فهي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة، والمعتقدات والفن، والأخلاق، والقانون، والأعراف، والقدرات، والعادات التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع"(3).
  
أما المثاقفة "فكانت في البداية تعني الأخذ والاقتباس من الحضارة المتفوقة وثمارها الثقافية، ابتداء من طرق التعليم الحديثة إلى أشكال التعبير الأدبي الجديدة علينا، مثل الرواية والمسرحية والمقالة. وانحصرت وسيلة المثاقفة في الإتصال المتين بالحضارة الأوربية في جميع مجالات الحياة. واستثنى بعد ذلك الفن والأدب والحياة الاجتماعية من النقل والاقتباس المطلق، لكنه أضاف إليها لاحقا البعد التربوي أو التعليمي، والبعد الأدبي"(4).  
 
أما المثقف "هو الذي لايقف بعلمه واطلاعه عند حد محدود"(5).   
والمثقف "هو الذي ذاق المعرفة، وأحبها، وتأثر بها، وتهيأ لها، فأصبح إنسانا بأوسع معاني الكلمة، إنسانا لايحس الغربة في أي وطن من أوطان الناس أو بيئة من بيئاتهم، ولا يجد القلق حتى يسمع الناس يتحدثون في أي ضرب من ضروب الحديث ... والرجل المثقف آخر الأمر هو الذي أخذ من العلوم والفنون بأطراف تتيح له أن يحكم على الأشياء فهما صحيحا مقاربا. والتعليم هو سبيل هذه الثقافة"(6).  وأضيف هنا التجربة وحب الوطن والوفاء له، وإلاّ كيف يمكننا أن نجعل مواطنا معينا مثقفا وهو يخدم أعداء الوطن، دون أن يفهم المعايير الوطنية لمواطنته التي تعتبر هويته الشخصية، وتعبر عن كرامته  الإنسانية.
 
 أشك أحيانا، وأتردد أحيانا أحيانا أخرى  فيما إذا  نقتنع بهذه التعريفات والمواصفات المتباينة مرة والمتقابلة مرة أخرى في إمكانية  تطبيقها على واقع مجتمعنا العراقي الحالي من الناحية البراكماتية، لسبب بسيط وهو أن المثقف العراقي، أو قل المبدع العراقي، أو رموز الإبداع العراقي بشكل عام،  في معاناة  مأساوية  تذكرنا بقصيدة أحد أبرز رموز الإبداع العراقي، بدر شاكر السياب في قصيدته "أنشودة المطر" (7).
وفي العِرَاقِ جُوعْ
وينثر الغلالَ فيه مَوْسِمُ الحصادْ
لتشبعَ الغِرْبَان والجراد
وتطحن الشّوان والحَجَر
رِحَىً تَدُورُ في الحقول … حولها بَشَرْ
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَكَمْ ذَرَفْنَا لَيْلَةَ الرَّحِيلِ ، مِنْ دُمُوعْ
ثُمَّ اعْتَلَلْنَا - خَوْفَ أَنْ نُلامَ – بِالمَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...

وَمُنْذُ أَنْ كُنَّا صِغَارَاً ، كَانَتِ السَّمَاء
تَغِيمُ في الشِّتَاء
وَيَهْطُل المَطَر ،


                 إلى أن يقول:
 
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيقْ
من زهرة يربُّها الرفاتُ بالندى .
وأسمعُ الصَّدَى
يرنُّ في الخليج
 مطر .
مطر ..
مطر ...


كنت أود ان أكتب كامل القصيدة، ولكن الدموع تمنعني حبا للوطن، وعطفا بمحبي الوطن المقسم المجزء فكريا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا.  لنفكر كيف كان رموز الإبداع  العراقي مظفر النواب وبدر شاكر السياب ومحمد مهدي الجواهري ووو، وما عانوا من مآسي وغبن. ونفكر أيضا مدى إهمال النظام  العراقي وضع بعض رموز الثقافة اليوم، على سبيل المثال كاظم حبيب وشفيق المهدي وسيار الجميل وعبد الإله الصائغ ويحيى السماوي وخلدون جاويد وأحمد مطر وتيسير الآلوسي وعبد الحسين شعبان وووو والقائمة طويلة، والمأساة لا تغيب عن المئات والآلاف من رموز الإبداع الثقافي في عراق اليوم، في الداخل والخارج، كما كان في عراق الأمس، فهل ندع أن يكونوا كذلك في عراق المستقبل؟
 
كم من (سياب ونواب وجواهري وسماوي  ووو في عراق الأمس واليوم، شبه منسيين في ذاكرة  كسالى العقول، وكأنهم في مغارة مظلمة ظهورهم ببابها، وعلى عيونهم عَصّابات سوداء، يخافون من ضوء الشمس، فلا يخرجون إلى النور في وضح النهار، كما قال الفيلسوف أفلاطون. ولا زالت "ألف أفعى تشرب الرحيق" من أزهار أبجديات رموز الإبداع  العراقي؟
هنا نجد أنفسنا أمام تعريف آخر للمثقف؟ نخشى أن نجد أنفسنا بعيدين عن رموز الإبداع العراقي. 
هل نمارس العقلانية النقدية؟ 
يجب علينا أن نعترف بالواقع، أنه مأساوي، وأن معاناة المثقف العراقي في بلد الثقافة والإبداع على أشدها. و "ألف أفعى تشرب الرحيق" مرة أخرى.
 
  لن نمارس العنف، فالمثقف يرفض العنف بكل مظاهره، لأن العنف سلاح تدمير الثقافة والتسامح  والمحبة. لكننا نمارس النقد بعقلانية مضفية بالمحبة الوطنية من أجل الإصلاح والبناء.
هل هناك ما يمكن أن نسميها "أزمة المثقف" كما قال المفكر (علي حرب)؟ إنه قال شيئا آخر قد يكون صائبا في فهمه للواقع الذي يعيشه المثقف العراقي. قال:
 "لا أعني بالمثقف، هنا، مَن يملك حظاً وافرا من الثقافة العامة، أو المعارف المشتركة، ولا أعني به، بالطبع، "الإختصاصي" في فرع من فروع المعرفة أو المنتج في حقل من حقول الثقافة، أي لا أعني به، بالتحديد، العالِم أو الكاتب أو الأديب أو الفنان، كما لا أعني به بالضرورة "المفكر" الذي يصنع أفكارا أو يخلق بيئة فكرية، وإن كان المثقف يستعمل سلطة الفكر والنقد، وأخيرا لا أعني به "الداعية" أو "صاحب الأدلوجة"، أي المُنَظر العقائدي أو المرشد الروحي أو القائد الثوري أو الزعيم الحزبي، مع أن مهمة المثقف تكاد تتطابق مع مهمة الداعية.  قد يكون للمثقف علاقة بكل واحد من هذه الأوجه والمجالات تكثُر أو تقل، تشتد أو تضعف. ولكني أعني به، في المقام الأول، مَن تشغله قضية الحقوق والحريات، أو تهمه سياسة الحقيقة، أو يلتزم الدفاع عن القيم الثقافية، المجتمعية أو الكونية، بفكره وسجالاته، أو بكتاباته ومواقفه ... ولكن أياَ ما كان نموذج المثقف وحقل اختصاصه أو مجال عمله، فهو مَن يهتم بتوجيه الرأي العام، أو من ينخرط في السجال العمومي، دفاعا عن قول الحقيقة أو حرية المدينة أو مصلحة الأمة أو مستقبل البشرية. فهذه صفته ومهمته، بل هذه مشروعيته ومسؤوليته. بهذا المعنى، فالمثقف هو الوجه الآخر للسياسي، والمشروع البديل عنه"(8).  
 
واعتبر المفكر (علي حرب) "الثقافة، بمعناها الأشمل، هي صناعة الحياة، والاشتغال على الطبيعة، وشكل من أشكال التواصل والتبادل"(9).     
  ومن هذا المنطلق فالمثقف يعيش وسط الأزمة لأنه يهتم بشؤون الحقيقة والحرية والعدالة.
بينما نجد رأيا آخر عند المفكر العراقي (د. سيار الجميل)، وهو أحد أبرز المهتمين بالحالة الثقافية والاجتماعية في العراق، ولا سيما  ما يتعلق بالمثقف العراقي والأزمة التي يعانيها. يقول: "الثقافة ، وبضمنها الدين والتقاليد والأعراف أو الفولكلوريات والعادات هي ليست الضوضاء والمشكلة بحد ذاتها ! أبدا ، بل إنها مجموعة قيم معينة روحية ومادية يؤمن بها كل إنسان، أو كل مجموعة من البشر .  ومن حقه الطبيعي أن يزاولها في أي مجتمع ديمقراطي وتعددي تنتفي منه الصراعات مع وجود التباينات بحكم الثقافات المتنوعة . ولكن المشكلة تكمن عندما تتحول تلك "القيم" إلى وسائل مضادة لنسف الحياة بمن فيها . . . الدين ليس معولا لصراعات سياسية، ولكن أن يتحول الدين، أو أية ثقافة إلى ما يشبه إثارة للصراع والبغضاء وكأنها دقات طبول تهدد القيم العليا لمجتمعات تعتقد أنها حفلت بمسيرة حضارية متمدنة ومتقدمة من نوع ما . فهنا لا يمكن قبول هذا القادم الجديد الذي يحمل أيديولوجية ليست مخالفة، فحسب بل يعتبرونها تدميرية وهي مشحونة بالكراهية والأحقاد ولا يمكن الحوار معها كونها لا تتمتع بأي آراء سليمة، فهي نافية للآخر وليست قابلة به أصلا"(10).  
 
من هذه الزاوية  أود أن أشير إلى  وجهة نظر عميد الأدب العربي طه حسين، وهو يتحدث عن عنصر ثقافي مهم  في المجتمع، وهو (الأديب): "وما ينبغي لك أن ترسم للأديب طريقه أو تفرض عليه هذه الخطة أو تلك في الانتاج، وإنما ينبغي أن تقبل منه ما يعطيك راضيا عنه أو ساخطا عليه"(11).  
    كان موقف طه حسين رائعا عن الأديب، ذلك أن الأديب يرفض أن يكون تُرساً في آلة، ويرفض أن يكون بوقا لحزب سياسي على حساب المجتمع والمصلحة العامة، ويرفض أن يكون  صوت تهريج ليار سياسي ديني أو علماني.
 
أرجع مرة أخرى إلى عميد الأدب والثقافة طه حسين، حين جاء بفكر جديد في هذه الدائرة، فقال: "الأديب هو أصدق صورة للرجل المجبر الذي لا رأي له ولا إرادة ولا اختيار فيما ينتج من الآثار الأدبية الخاصة"(12).  
نتساءل، أليس مفهوم طه حسين أعلاه، ينطبق على واقع عراقنا، وعلى ممارسات الأنظمة التي حكمت وتحكم عراقنا؟
ونتساءل مرة أخرى، كم من أديب عراقي مبدع ومتألق مخير داخل حدود العراق يمثل صورة الرجل المخير في النقد؟
وكم من أديب عراقي يعبر عن إرادته الحرة داخل حدود العراق لبناء مجتمع مدني متحرر من القيود الميتافيزيقية  للقابضين على السلطة، لا أقول من الأخيار، إنما من الأشرار؟  ألا يتعرض هذا الأديب المخير لسلاح التكفير وهدر دمه وتشريد أهله؟
 
ما وضحتُ أعلاه  تنطبق على حالة المثقف العراقي، رغم الاختلافات في التعبير والتفسير والدلالة. فالمثقف العراقي  يحتاج إلى ما دعى إليه  الأديب الناقد  طه حسين لانتشاله من الأزمة التي يعيشها، وهنا يقصد (الأديب)، لإنقاذه من ذله وانكساره وأزمته، بمنحه الحرية. مجتمع  يحترم حرية الأدب والفكر، ليستطيع هذا الأديب أن يتحرك. قال:
"أريد أن يظفر الأدب بهذه الحرية التي تمكنه من أن يُدرس لنفسه، التي تُمكنه من أن يكون غاية لا وسيلة، فالأدب عندنا وسيلة إلى الآن، أو قل أن الأدب عند الذين يعلمونه ويحتكرونه وسيلة منذ كان عصر الجمود العقلي والسياسي، بل قل إن اللغة كلها وما يتصل بها من علوم وآداب وفنون لا تزال عندنا وسيلة لا تُدرس لنفسها، وتدرس من حيث هي سبيل إلى تحقيق غرض آخر، وهي من هذه الناحية مقدسة، وهي من هذه الناحية مبتذلة  . . .  اللغة والآداب إذن مقدسة ومبتذلة، وهي من حيث هي مقدسة لا تستطيع أن تخضع للبحث العلمي الصحيح. وكيف تريد أن تخضعها للبحث العلمي الصحيح والبحث العلمي الصحيح قد يستلزم النقد والتكذيب والانكار والشك على أقل تقدير (13).  
 
المثقف في مواجهة  ثقافة قومية عنصرية وأدوات تهريج  للسلطة والحزب:
 
أولا: المثقف العراقي في مواجهة ثقافة قومية عنصرية مزيفة:
 
بدءاً أقول تحت هذا العنوان الفرعي، سحقا  للقوقعة القومية المتعنتة، أية قومية كانت، حين تريد أن  تحتكر الوطنية لنفسها  لضرب القوميات الأخرى. من هذه الزاوية أقتبس ما قاله الأستاذ (علي عبد العال): "بعد الانقلاب الذي قاده حزب البعث العربي الإشتراكي في 17 تموز 1968 بدأت اللعبة تتغير في العراق على مختلف الأصعدة الاجتماعية بكل مرافقها الحيوية اقتصادية كانت أم سياسية أم ثقافية. ما نال الثقافة العراقية هو أبشع صورة يمكن أن تلحقها ثقافة قومية عنصرية مزيفة بطابع جماهيري ملفق. وأول ما أقدمت عليه هذه السلطة ذات التوجهات القومية العنصرية هو تقييد حرية الإبداع ولجم الصحافة وجعلها مجرد بيان حزبي يصدره كل صباح ما يسمى بمجلس قيادة الثورة. وحصر المؤسسة الثقافية للدولة برمتها واختصارها إلى مرافق ميتة وعليلة مختصة بـ "فكر الحزب القائد" و "فكر القائد الضرورة". استمر هذا ضمن وتيرة متصاعدة ضبطها قانون سياسي تعرفه الناس جيدا عن الأنظمة الدكتاتورية هو قانون: "من سيئ إلى أسوء" استمر هذا القانون يعمل على تخريب الثقافة العراقية ومؤسساتها طيلة ثلاثة عقود ونصف. من عام 1968 لغاية سقوط الدكتاتورية أبريل 2003" (14).  
 
وأقول أيضا، بعد البدء برفض القوقعة القومية المتعنتة، أقول، تبا للتزمت الحزبي القومي الديني المتشبث الذي يريد أن يحتكر الحقيقة فيحارب الآخرين. وهنا اقتبس من المفكر العروبي الإسلامي ( د. محمد عمارة ) حين اعتبر حزب البعث العربي الإشتراكي في العراق تيارا قوميا اسلاميا. 
يقول المفكر الإسلامي (محمد عمارة) مايلي: "والإسلام الحضاري هنا هو مجرد مكون من مكونات القومية يغذيها بتراثه الروحي، وهو متضمن  فيها" (15).  (ملاحظة: أنا بصدد دراسة مفصلة حول هذا الموضوع، تُنشر لاحقا، إن شاء الله).
 
ويقول (ط. محمد عمارة) مدافعا عن فكرة ميشيل عفلق، بعد إتساع مساحة الحديث عن الإسلام مايلي:
"فلقد أصبح الإسلام أكبر مكون من مكونات القومية العربية. أصبح أباها الذي ولدت منه ولادة جديدة، كما أصبح الإسلام الحضاري خيارا قائما بذاته ضمن خيارات النهضة الثلاثة، كما تحدث عنها ميشيل عفلق وهي: القومية ، والتقدم ، والإسلام الحضاري. لقد كانت العروبة في المرحلة الأولى هي الأصل، وكان الإسلام مجرد مُفصح عن رسالة الأمة العربية إبان ظهوره. وكانت القومية – وليس الإسلام – هي المُفصح عن رسالة الأمة في العصر الحديث.
أما في المرحلة الثانية –   مرحلة "الحقبة العراقية" في تطور ميشيل عفلق. فلقد تحدث عن الإسلام باعتباره الأب الشرعي للعروبة –وليس المُفصح عنها- وباعتباره المكون لها، وجوهر مشروعها النهضوي. بل وباعتباره وطن الأمة والسياج الحامي لوحدتها، في الماضي والحاضر والمستقبل على السواء. لقد أصبح دينا، ووطننا، ووطنية، وقومية، وحضارة، وثقافة، بل ومبرر الوجود للأمة العربية" (16).   
 
نتساءل معا: هل كان ذلك هو الإسلام الذي جاء به رسول الله محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام؟ 
ونتساءل مرة أخرى: أهو الإسلام الذي تقول فيه الآية القرآنية الكريمة: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (17).  
  ويقول الله تعالى أيضا: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (18).   
ونتساءل مرة ثالثة: إذا كان الأمر كما قال المفكر الإسلامي (محمد عمارة) فأين يذهب المسلمون غير العرب، وهم الأغلبية الذين يشكلون مليار مسلم من بين مليار وثلاثماءة مسلم، لا يشكل العرب منهم أكثر من ثلاثماءة مسلم؟
 
وانتهز الفرصة هنا لأقول، أن الإسلام الطائفي في نفس مستنقع الأسلام القومي، لأنه يجلب الكراهية والعداوة والعنف في فسيفساء المجتمع، اي مجتمع كان، إذا أردنا أن نبني مجتمعا مدنيا، يكون للمواطن، بشكل عام، حرية التعبير عن ممارسة الإرادة الحرة، في إطار تقبل الآخر، وعدم الإساءة إلى الآخرين فيسيولوجيا وسيكولوجيا، واحترام العقائد والآراء في إطار الدستور، بدلا من القتل والذبح والتكفير غير المبرر واحتكار الحقيقة دون تعليل مقبول شرعا وعقلا وضميرا.   
 
ثانيا: المثقف كأداة تهريج :
 
أتأسف أن أقول أنه من أسوأ ما  أجد عند المثقف عندما يكون أداة تهريج. وقد أبدع الأستاذ (سيار الجميل) في هذا المقام حين قال: ‘‘من أسوأ ما يمكن تخيله أن يغدو المثقف أداة ترويج أو صوت تهريج لسلطة ما، أو لواقع ما، أو لتيار سياسي أو ديني أو طائفي ما. إنَّ من أسوأ ما يمكن تصوره أن تجد شعراء وأدباء ورجال علم ومعرفة وإعلام ينساقون كي يكونوا من المصفقين لأي نمط سياسي أو زعيم أو سلطة أو حزب أو طائفة . . . أن يغدو المثقف رقما معينا، أو مهرجا متقدما، أو أداة طيعة لتنفيذ أي أجندة وسياسة . فانه أمر مريب . . . أن يغدو المثقف يتشبث بعجلة حزب أو أقانيم طائفة أو ذيول زعامة أو شعارات ملّة، فهذا داء خطير . . ."(19).  
 
لنفكر قليلا، ونتساءل: أي مثقف هذا الذي يستطيع أن ينتج؟
هل ينتج للمجتمع ككل ويعالج البؤس الاجتماعي؟ أو ينتج للأقلية التي ينتمي إليها، (لا أعني الأقلية من حيث العدد، إنما أعني من حيث التعبير عن الرأي برفض الآخر) فيكون في أزمة وفي مواجهة مع المجتمع، لأنه يعمل للأقلية في معاداة الآخرين، باحتكار الحقيقة لنفسه وضرب الآخر.  ومَن يعمل للأقلية، لا يعمل للمجتمع. ومَن يفكر أن هناك أقلية عرقية واغلبية عرقية في ‘‘المجتمع المدني‘‘ لا ينتج إلاّ وسط أزمة الثقافة في المجتمع الذي لا يمكن تسميته بالمجتمع المدني.  
 
ثالثا: المثقف العراقي في سجن هيمنة إعلام بطش السلطة:
 
عندما نفكر بالوضع العراقي أيام عهود الأنظمة العراقية، ولاسيما نظام العهد البائد، ونفكر أيضا  بالوضع الثقافي اليوم، نجد أن النظام بالأمس كما هو اليوم  يعتمد على الشائعات وتقارير المخابرات الحزبية. بل تلجأ  القوى الإرهابية، وقوى مساهمة في الحكم والبرلمان بتصفية رموز الثقافة العراقية. وفي كل يوم نقول: رحمة الله على الشاعر الفلاني، والأديب الفلاني، والمبدع الفلاني.  الهمسات والقيل والقال هي التي تحكم، والمثقف بدأ يهرب إلى الخارج  لأن الهيمنة الكلية  للسلطان هي التي تحكم المجتمع العراقي.
 
عار علينا أن نخفي الحقيقة بأسم الحزب أو بأسم الدين، فالدين بريئ من الظلم والعدوان. العلة في المفسدين وصناع القرار الأشرار، ولا أقول الأخيار.
ما الفرق بين دكتاتور بدون عمامة، ودكتاتور تحت العمامة؟ 
فلنبتعد عن المكياج السياسي، ولنتخلى عن التجزءة  والتحوير والتزوير إذا أردنا أن نبني عراقا  ديمقراطيا موحدا، ينعم فيه الجميع بحقوقه ويقوم بواجباته. 

رابعا: المثقف في مواجهة الاحتلال:
 
واليوم، يبدو أن القوى الفاعلة في الواقع السياسي العراقي الراهن، وبضمنها الإدارة الأمريكية، مدركة تماماً لأهمية الشائعات وغيرها من أساليب الحرب النفسية، كبدائل عن الحقائق، للسيطرة والتلاعب بالشعب العراقي، الذي يتحوّل في أحيان كثيرة الى بيئة "بلهاء"، خصبة، لتقبّل واستيلاد ونشر مقولات، لا يدري أحد من أين تجيء أو كيف تنمو، لكنها تفعل فعلها الأكيد في التفكيك والفرقة والانقسام العام. من الواضح، أن تغَييب الحقائق والجماهير هي السمات الأبرز في المرحلة الحالية، مما يشيع نظرية المؤامرة حتى بين القطّاعات الأكثر عقلانية في المجتمع (20).  

الثقافة والمثقف وعلاقتهما بالبنية الاجتماعية:
 
أتذكر أنني كتبت مقالا  نُشر في  موقع الحوار المتمدن، جاء فيه:
هناك عدد كبير من المثقفين العراقيين في العراق وفي الشتات تعرضوا لكثير من البؤس والشقاء. وهدرت طاقاتهم بسبب الخوف والتنكيل وفقدان الحرية. وهؤلاء يجب أن يساهموا مساهمة فعالة في بناء مؤسسات الدولة المدنية لأنهم قادة الفكر والرأي. فكل مثقف عراقي يعي مسؤوليته تجاه المجتمع يجب أن يكون حرا وعضوا فعالا كامل النمو في المجتمع المدني المبني على مؤسسات ديمقراطية دستورية مستقلة. ولاتوجد حدود عشائرية أو مذهبية بين النخبة التي تنبغي أن تقبل الرأي الآخر. وكل فكر يرفض الآخر هو ضد الإنسانية قطعا. فأغلب المثقفين الذين تركوا العراق كان بسبب الخوف من الملاحقة والسجن والموت، وبسبب عدم قدرتهم التعبير عن آرائهم وبلورة أفكارهم في خدمة المجتمع. ولذلك يجب أن تتخذ الإجراءات الضرورية لحماية المثقين من البؤس، وتُسن قوانين لحمايتهم من الملاحقة والإكراه. فهم أداة توحيد الوطن والتعايش السلمي المشترك الذي يتجاوز الطائفة والدين والعرق للانفتاح على الثقافة الديمقراطية والسلمية.  فالمثقف والأديب والكاتب والأكاديمي والعالم والباحث والفنان والشاعر لم يقطعوا علاقاتِهم بالمجتمع، بل كانوا على إتصال دائم بوطنهم وشعبهم، بأفكارهم وإنتاجاتهم في الداخل وفي الغربة. وكلهم يحلمون بالعودة، ويحلمون أن يأخذوا أماكنهم في المجتمع. إذن يجب توفير المستلزمات الضرورية في مساهمة المثقفين العراقيين في تطوير وعي الناس بالحرية والديمقراطية وتعميق المشاعر الوطنية ووحدة الوطن. وعليه يجب الإحساس بالإنتماء إلى الشعب، وتقَبُل هذا الفسيفساء العراقي بكل أطيافه وتوجهاته، من خلال إعطاء دور لقادة الفكر في التوعية الوطنية بعيدا عن التبريرات الطائفية والحزبية والعرقية على أساس تمتع الجميع بحقوقهم على قدم المساواة وبعدالة من أجل تقوية الهوية الوطنية الديمقراطية العراقية الموحدة (21).  
 
نقل إلينا الناقد المصري )محمد مندور)  هذه الحقيقة، بأن وظيفة الأدب الاجتماعية تصدر عن حقيقتين ثابتتين:
"أولا: إدراك العلاقة بين معنويات الحياة ومادياتها.
ثانيا: وعي الفرد بما فيه من بؤس.
 عن هاتين الحقيقتين تصدر وظيفة الأدب الإجتماعية من حيث أن الأدب محرك لإرادة الشعوب. والذي لاشك فيه أن الحركات الكبيرة التي قامت في التاريخ الحديث كالثورة الفرنسية ووحدة إيطاليا وثورة روسيا البلشفية قد مهَّد لها الكُتاب بعملهم في النفس البشرية، تمهيدا بدونه لم يكن من الممكن أن تقوم هذه الحركات. ولنأخذ مثلا مسرحية "بومارشيه" للكاتب الفرنسي المسماه "زواج فيجارو" ثم روايته الأخرى السابقة على هذه، وهي "حلاق أشبيلية". فقد هاجم الكاتب فيهما نظام الأشراف الذي كان سائدا قبل الثورة الفرنسية أعنف الهجوم، واتخذ من "فيجارو" حلاق أشبيلية الذي أصبح فيما بعد خادما للكونت "المافيفا" رمزا للشعب الثائر على عبودية الأشراف. وكانت لهاتين الروايتين أثر بالغ في التمهيد للثورة الفرنسية، حتى ألقى بمؤلفهما في "الباستيل". ولا زال إلى اليوم  "مونولوج فيجارو" في رواية "زواج فيجارو" نشيدا ضد الإستبداد. والكُتاب يختلفون في طريقة أدائهم للخدمة الإجتماعية، فمنهم مَن يعتقد أن في مجرد التصوير والوصف يكفي لأداء هذه الرسالة دون حاجة إلى الإفصاح عن مشاعر الكاتب الخاصة أو الدعوة إلى علاج بعينه ... ويرى  فريق أخر أنه لابد من الدعوة الصريحة في القصة أو المسرحية إلى المبادئ التي يريد أن يروج لها الكاتب، وهم يستشهدون لذلك بما يلجأ إله كُتاب كبار من أمثال موليير وشكسبير" (22).   
 وأجاد المفكر (هربرت ماركيوز) في قوله أن "اختبار ثقافة معينة في هذه الظروف ينطوي على طرح سؤال حول العلاقات بين القيم والأفعال، وذلك ليس لكونه مسألة منطقية أو متعلقة بنظرية المعرفة فحسب، بل لأنه مسألة تتعلق بالبنية الاجتماعية: ما هي العلاقة بين إمكانات المجتمع والأهداف التي يسلم بها؟ إن الأهداف محددة في الظاهر "بالثقافة العليا" المقبول بها اجتماعيا.  وهي تمثل بذلك قيماً يجب أن تتجسد على نحو وافٍ في المؤسسات والعلاقات الاجتماعية. ونستطيع إذن ان نصوغ سؤالنا بكلمات أكثر وضوحاً: ما هي العلاقة بين أدب مجتمع ما وفنه وفلسفته ودينه وبين الممارسة العملية لها في المجتمع؟ نظراً لضخامة هذه المسألة لن نستطيع مناقشتها إلا في إطار بضع فرضيات تستند إلى بعض نزعات التطور المعاصر" (23).  
   
وأشار إلى هذه البنية الاجتماعية وعلاقة أدب المجتمع وفنه وثقافته بشكل عام وبين الواقع البراغماتي وما له علاقة بالمجتمع، فقال: لقد اتفقت الآراء بشكل واسع في المناقشات التقليدية على أن العلاقة بين الأهداف الثقافية والوسائل الفعلية ليست متطابقة تماماً (ولا تستطيع أن تكون كذلك؟) وأنها نادراً ما تكون متآلفة. ولقد اتضح هذا الرأي في التمييز بين "الثقافة" و"الحضارة" : فالثقافة تعود إلى مستوى عال من استقلال الإنسان وتكامله في حين تخص الحضارة ميادين الحاجة والعمل والسلوك التي يقتضيها المجتمع والتي لا يكون الإنسان فيها فعلاً منسجماً مع ذاته متحداً مع جوهره الخاص، بل على العكس من ذلك يكون الإنسان فيها تبعياً (heteronymous) متعلقاً بالظروف والحاجات الخارجية (24).  
 
ضرورة منح المبدع العراقي إستحقاقه ليحيا حياته الحرة الكريمه؟:
 
في حوار لي مع المفكر والناقد الفلسطيني نبيل عودة حول  بحثه القيم (حتى يجيئ عصر التنوير) ونشر في حوالي عشرين موقعا ومجلة، قال: بأن  "الموضوع الثقافي لا يحظى بمكانة ضمن أولويات مؤسساتنا الرسمية والشعبية، وأنا أظن أن للثقافة قيمة بنيوية فكرية وتربوية واجتماعية لا تقل أهمية عن أي موضوع نضالي نطرحه على أجندتنا. اذا لم نبن مجتمعنا قوياً، مثقفاً، عقلانياً، متنوراً أخلاقياً ومليئاً بالجماليات وبالفكر الانساني، وبالاستعداد للتعاضد والتكامل الاجتماعي، والتجند وراء مطالبه الحيوية، ولا أستثني السياسة من هذه المطالب، ستبقى كل ممارساتنا الثقافية والسياسية، تعاني من قصور في الرؤية، من العجز في فهم دور الثقافة الاجتماعي والحضاري، وكيفية توجيه ودعم وتطوير حياتنا الثقافية. (25)  
 
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو أين المجتمع العراقي في كل ذلك؟  مجتمع  تتحرك فيها عصابات القتل لتصفية العقول المبدعة، وقتل المثقفين من رموز الإبداع العراقي، ليسهل التحَكم به واستعباده من قبل بعض القوى الخارجية التي تطمح بتقسيم العراق وتجزءته وقيادته لمآربهم الطائفية والقومية والعنصرية والاستعمارية.
 
إشكالية الهوية الوطنية – الدينية الثقافية:
 
تناول المفكر الفلسطيني (أدوارد سعيد) أزمة  المثقف  بوضوح  "المثقف الذي لايفارقه الشعور بالغربة والعزلة والهامشية. وهذا الشعور بالغربة لا يقتصر على الذين انقطعوا عن أوطانهم، أو أُكرهوا على العيش بعيدا عن ديارهم، وإنما يشمل كل الذَين لايشعرون بالانتماء التام إلى مجتمعه، أو الذين لايقدرون، بل لا يردون التكيف مع أوضاعهم وظروفهم، سواء كانوا خارج أوطانهم أو داخلها" (26).  
 
إذا أخذنا واقع المثقف العراقي نجد أنه بهذا المعنى "هامشي أو غريب"، كما فسر المفكر (علي حرب) "إذا أراد أن يمارس حريته واستقلاله تجاه الدولة وسلطتها، أو يعبر عن تمايزه وفرادته تجاه المجتمع وتقاليده"(27).  وأشار (حرب) إلى تفسير الفيلسوف الأندلسي إبن ماجه في كتابه "تدبير المتَوحِّد" قائلا أنَّ "المتوحد هو مَن يشعر بالغربة داخل الوطن، وبين الأهل والأتراب. إنها حال اللمفكر والأديب الذي يتوحد مع ذاته ويأتلف مع فكره، في مجتمع فاسد ميؤوس من إصلاحه أو تغييره" (28).  وهذا ما يعانية  رموز الإبداع العراقي.  
 
وعن الهوية  العامة والهوية  الخاصة أو الفرعية، قال (الدكتور عبد الحسين شعبان) في محاضرة  ألقاها في  الندوة الأكاديمية بكندا مؤخرا، أشار أنَّ "بعض الشوفينيين والمتشبثين بالأغلبيات يستنكرون على أصحاب الهويات الفرعية والخاصة التمسك بهوياتهم، بل إنهم يعتبرون أي هوية خارج الهوية العامة انفصالية أو إضعافاً للهوية الوطنية الجامعة، أو تفكيكاً لصورة الدولة الموحدة، ومن جهة أخرى يبالغ بعض أصحاب الهويات الخاصة الفرعية لإعلاء هويتهم فوق الهوية العامة والمشترك الإنساني، الأمر الذي يؤدي إلى الانعزالية وضيق الأفق، سواء كان قومياً أو دينياً أو مذهبياً أحياناً، وبالمقابل فإن من يريد تذويب الهويات الفرعية، يقود إلى الاستعلائية والشوفينية والتمييزية"(29).  
 
ومن هنا نرى أن ثقافة المواطنة ضعيفة في العراق، وهناك تمييز بين  "الهوية العامة" التي تمثل الأغلبية، و"الهوية الفرعية" التي تمثل الأقليات. والمثقف في الأساس ينبغي أن يشعر بانتمائه للوطن على أساس المواطنة بالتساوي، بعيدا عن الأغلبية والأقلية، وبعيدا عن المذهبية والطائفية، وبعيدا أيضا عن الانتماء  للعرق، عربي، كردي، كلدو آشوري، تركماني، مسلم، نصراني، صابئي، أيزيدي، فيلي  ووو، إنما عراقي في الانتماء والمواطنة.   
 
مما تقدم نفهم أنه  ينبغي النظر إلى الثقافة العراقية  من منطلق  المواطنة العراقية بعيدا عن أزمات الهوية العامة والهويات الخاصة أو الهويات الفرعية. يجب نبذ هوية الأغلبية وهوية الفروع أو الأقليات من عرقية ودينية، ودمج جميع هذه الهويات في هوية واحدة هي الهوية الوطنية العراقية التي تبنى عليها الثقافة الوطنية، وقبول الآخر. 
 
 المثقف العراقي في  مواجهة اللغة وثقافة الاحتلال:
 
تحاول قوى الاحتلال الأمريكي تخريب الأسس الثقافية العراقية  بتفريغ وعاء الثقافة  العراقية، وهذا الوعاء هو "اللغة العربية" من محتواها  الفكري والعلمي.  فإذا سلمنا  بأن اللغة  وعاء الثقافة، وأنها وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر داخليا وخارجيا، كما أنها "‘نسق من العلامات يمَكن من التواصل‘" نفهم ما يصبو إليه المحتل لوطننا من خراب بنسف البنية التحتية للثقافة.
  قوى الاحتلال ومعها أصوات المأجورين والرتل الخامس تحاول إعادة صياغة المفاهيم والمصطلحات بتفريغها من معانيها الأصلية، وصبها في معاني جديدة تكرس سياسة عملية الاحتلال ثقافيا، لتجريد المثقف العراقي من مضامين الثقافة الأصلية وتوجهه نحو ثقافة تقبل سياسة الاحتلال. ومن هنا يصعب على المثقف أن  يميز بين الأصل والفرع، وبين الصواب والخطأ، وبين المعروف والغريب.
 
نُشر بحث جيد  بعنوان "استخدام اللغة كقنابل دخانية في العراق المحتل" ورد فيه مجموعة من الأفكار التي تستحق الوقوف عندها عن كيفية استخدام اللغة كقنابل دخانية  للتضليل ولغرض تشويه للحقيقة والتاريخ في العراق المحتل. أوجز هنا  أهم الأمثلة، منها:  
  وصف الإحتلال "تحريرا"
 والغزو عملية "الحرية المستدامة"  
 ووصف جلادي معتقل أبو غريب بأنهم "بضع تفاحات فاسدة" أو أنها "تافهة بمقياس ما جرى في الماضي"
وضرب المعتقلين الأبرياء واغتصاب الفتيات والرجال ليس تعذيبا بل "أسلوبا لا بد منه لحماية أمن العالم "
وتسمية قتل الأبرياء "ضررا جانبيا في عمليات فائقة الدقة"
والمجازر المتكررة "أخطاء غير مقصودة"  
ومقاومة المحتل "إرهابا صداميا سنيا بعثيا وهابيا".
ووصف افتتاح أكبر مبنى لقوات الاحتلال في العالم بموظفيه من المخابرات والاستخبارات والمستشارين الأمنيين بأنه "تعزيز لسيادة البلد المضيف".
وتغيير أسماء قواعد الاحتلال العسكرية من الأسماء الأجنبية إلى العربية وبمعان تمتد عميقا في الوعي الجماعي العراقي، كطريقة لإيحاء بأنها قواعد تنبع من حاجة الشعب العراقي وتمثل ما يصبو إليه وليست مفروضة عليه قسرا. فصارت القواعد العسكرية التي سميت في بداية الأمر الذئب الرمادي والحصان الحديدي والتنين الفولاذي.
 تدعي التوحيد الأول والوطني والشرف.
أما العمليات العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال والبالغ عددها 4959، فقد تم تغييرها من أسماء تنضح بالعنجهية والقسوة والإشارة إلى الحملات الصليبية مثل:
المثقاب الصليبي ،
 ومعبر الشيطان،
والمطرقة الحديدية،
ولدغة العقرب
إلى أسماء ذات معان لطيفة، تظهر عكس ما تبطن، وتتماشى مع استخدام العراقيين المنخرطين في الجيش كدرع لحماية قوات الاحتلال. منها على سبيل المثال:
صولة الفرسان
 وأم الربيعين
وبشائر الخير
لتغطية رائحة الموت الناتجة عن عمليات الإبادة الجماعية التي شنت بالتناوب، على مختلف المدن، تحت ذريعة محاربة القاعدة والإرهاب (30).  
 
مثال حي لمعاناة المثقف العراقي الشاب في المهجر:
 
لنا في الشاعر العراقي سامي العامري، مثال حي، في قصائده الجميلة ضمن باقة شعرية بعنوان "مهرجانات سرية وخطوط ذات صلة"، وهو يقول:
يا ثلاثينَ ربيعاً (*)
من قَوافٍ ومَشافٍ ومَنافٍ وإباءْ
انا لم أكتبْكِ كي أُصبحَ عضواً
في اتحاد الأدباءْ !
او لكي يَسألَ عني مهرجانٌ
هو أدعى للرثاءْ
انا سامٍ
وكفى باسمي سُمُوَّاً وعلاءْ
فرحُ الدنيا انا , أعماقُهُ 
وعَدا ذاكَ هباءٌ في هباءْ !! (31)  
ملاحظة: ينوه الشاعر إلى أن هذه اللمحة  تدعو - مِن بين ما تدعو - الى تنقية الإتحاد والمُمَثِّليات الثقافية الأخرى فأمرٌ طريفٌ أنْ يمثِّلَني ويتحدَّث باسمي مَن لا أعرفه ولم أنتخبه !.
نظرة متفحصة لشاعرية الشاعر في هذه القصيدة يجعل القارئ العراقي يفكر كيف يحاول البعض من ذوي السلطان استغلال رموز الإبداع العراقي.  يقول الشاعر العامري:
"إنْ هو إلاّ مَداري الأوَّل
وسمواتي الأخْضَل
هَتَفْتُ : أُهيبُ بهِ فأكونُ شاعِراً ,
فأكونُ شيئاً ما .
على أنَّكم سَخَرْتُم منّي
فَجَمَّعْتُ صَبواتي وخَرْبشاتي
وقَفَلْتُ مُهاجِراً
خلاصاً من اعتسافِكُم
وتَيَمُّناً بالحزانى وأبناء السبيل !
ونكايةً بالمُتَفَيقِهين
وبإحداثيّاتِ العسكرْ !" (32
 
نتساءل، ومن حقنا أن نتساءل، كم من مبدع عراقي هاجر بعيدا، ليس حبا بالبعد، ولا هربا من الوطن، إنما استياءً من الغبن الذي يواجهه، والمعاناة التي يلاقيها في وطنه، لأنه مثقف يشعر بالتهميش، ولا يفسح له المجال في عملية التغيير نحو الأفضل. يشعر المثققف السامي أن مهمته هي الأبداع والتغيير لمصلحة الشعب، لأنه أعلى مرتبة من التحزب والمتاجرة بالأسطوانات السياسية المتحزبة.
 مهمة المثقف هي المساهمة في الدفاع عن الحريات العامة، وحرية الفرد، وحقوق المرأة والطفل. فكيف لا يهاجر بعيدا وهو يجد نفسه خارج دائرة الإبداع بسبب السياج الذي بناه البعض من البعض للحفاظ على عروش خاوية، بينما الشعب ينتظر الفرج من المثقفين الذين ينبغي أن يكونوا رؤوس السهام الفكرية والأدبية في كل معارك الثقافة الوطنية للبناء والتقدم والعدالة والحرية والسلام.
 
  ما العمل؟
أفكار ومقترحات ومعالجات:
   
لاينكر أحد أن المجتمع العراقي، مجتمع متعدد الثقافات، ولكن ينبغي التفكير كعراقي وطني مثقف أن يجعل التعددية الفكرية والثقافية تحت خيمة الثقافة العراقية الموحدة على أساس الوطن  الديمقراطي الواحد لكل العراقيين.
هنا يطرح تساؤل مهم نفسه، وهو كيف يمكن التوافق بين الثقافات العرقية والدينية المتعددة للفسيفساء العراقي؟
 
الجواب بسيط وهو ضرورة التفكير بالمواطنة الواحدة، في الوطن الواحد. وضرورة التفكير  ثقافيا بالمصير الواحد، لأننا إذا لم نعالج إشكالية الثقافة من زاوية الثقافة الوطنية، فإننا نقوم بتشويه الوعي الثقافي في الوطن الواحد، وبالتالي  نخلط بين الوعي الثقافي بالهوية الوطنية وبين الوعي الثقافي المجرد عن الوطنية، مما يؤدي إلى الابتعاد عن تحقيق الهدف الواحد والمصير الواحد ووحدة الوطن الواحد. 
    الوعي الوطني لا يضعف الهوية الثقافية للأغلبية والأقليات على حد سواء، لأنه لاتوجد هوية  عامة وهوية فرعية، إنما توجد تنوع ثقافي في إطار الثقافة الوطنية، وهذا التنوع الثقافي يغني الثقافة العراقية، ويفتح الأبواب أمام المثقف العراقي بالإبداع والتألق بعيدا عن الاختلافات.  وعليه فإن معيار فعاليات المبدع العراقي هو الانتماء الواعي  للهوية الوطنية وبالتالي الاعتزاز بالثقافة الوطنية.
 
هناك عوامل أساسية  يمكن أن توحد العراقيين إذا ما  سيطروا على المفاهيم الخاطئة التي ورثوها من النظام البائد، والمصطلحات الخاطئة أيضا كتلك التي  تَقدم ذكرها  من سياسة الاحتلال وأعوان الاحتلال من  إقليم كردستان إلى جنوب البصرة.  لابد من  محاربة العادات الثقافية المتوارثة .  وقد أبدع الأستاذ (كريم عبد) حين أشار إلى أن  "العادات الثقافية السيئة المتوارثة، قَلبت ميزان الأولويات على رأسه، فبدل التفكير بإعادة بناء الدولة على أسس حقوقية توفر العدالة للجميع، وبدل إعطاء المسؤولية للخبراء والفنيين لوضع الخطط اللازمة لإعادة تأسيس البنية التحتية وإدخال المجتمع العراقي للحياة المعاصرة وإعطاء أمل للفئات المتضررة والأجيال الجديدة للمساهم في صناعة المستقبل، نجد أن معظم الوقت والجهد السياسي يُهدر في قضايا وعناوين تزيد العراقيل الموجودة أساساً ولا تنـتج سوى مزيد من القلق والتباعد !! فتَحتَ عناوين سنة وشيعة، عرب وأكراد، أقلية وأكثرية، ناهيك عن (مغانم) الفترة أو الفرصة الانتقالية، وتحت وطأة عمليات النهب والعمولات وتحويل معاناة العراقيين إلى مقاولات سياسية !! يُراد تحويل العراقيين إلى مجرد شعب قلق يحذر بعضه من البعض الآخر !!" (33)  
     
ومقابل ذلك طرح  الكاتب (كريم عبد) أفكارا ومقترحات جديرة بالدراسة  لمعالجة الأزمة الثقافية في عراق اليوم، مشيرا إلى: "وجود ظواهر كبيرة ومهمة تدل على حيوية المجتمع العراقي وإمكانية تلافي السلبيات المتراكمة نحو حل وطني ديمقراطي واقعي وقابل للتطوير، ومن هذه الظواهر: ظاهرة المثقفين الديمقراطيين المستقلين، التي بدأت تتبلور بشكل ملحوظ خلال العام الذي سبق سقوط النظام، بينما رسخت خلال العام الماضي وأصبح لها حضور واضح : عشرات الأدباء والكتاب والإعلاميين المستقلين الذين أغنوا الصحافة ومواقع الانترنيت والفضائيات بآراء واجتهادات غاية في الأهمية والجرأة، حيث جَمع غالبيتهم المشروع الديمقراطي، ورَفضْ الخضوع لنتائج السياسة الطائفية والشوفينية التي مارسها النظام السابق، عبر طرح وجهات نظر ومفاهيم غالباً ما كانت ناضجة، هدفها ترسيخ قضية إقامة العدالة وحق العراقيين جميعاً بدولة قانون دستورية ووطن يتحول إلى هوية عامة للعراقيين وليس مقاولة سياسية أو مقابر وسجون. وهؤلاء هم خليط رائع من جميع القوميات والأديان والمذاهب"(34).  
 
لا شك أن سياسة الاحتلال وعمليات الإرهاب وتدَخل القوى الأجنبية، ومنها دول الجوارالعراقي، والمقاومة  والتناقضات الطائفية، والمحاصصة وتقسيم الأدوار، والفساد المالي والإداري والنهب والسلب والتصفيات الجسدية  أدت إلى  إضعاف الهوية الثقافية العراقية، وإلى جعل المثقف العراقي  يعيش في أزمة  ثقافية ونفسية واجتماعية.  فمجرد تحليل بسيط لهذه العوامل يقودنا إلى وجود ثقافة العنف، بفعل ترسبات النظام البائد، وسياسة الاحتلال، وعمليات القوى الإرهابية التي رسخت الكراهية  في المجتمع العراقي.  
 
لقد كان المجتمع العراقي بعيدا عن الكراهية والطائفية بين أبناء الشعب عبر تاريخه الطويل، مستثنيا سياسة المجازر الجماعية والأسلحة الكيماوية والأنفال والقتل العام للنظام البائد.  أما اليوم فإن هذه الكراهية أفقد المواطن هويته الثقافية الوطنية. وجاءت هذه الكراهية من الخارج وتفاعلت مع الأحداث في الداخل. وعليه تقع المسؤولية الكبرى على المثقفين ورموز الإبداع العراقي من المثقفين، طبقا لمفهوم (علي حرب) : "مَن تشغله قضية الحقوق والحريات، أو تهمه سياسة الحقيقة، أو يلتزم الدفاع عن القيم الثقافية، المجتمعية أو الكونية، بفكره وسجالاته، أو بكتاباته ومواقفه ... ولكن أياَ ما كان نموذج المثقف وحقل اختصاصه أو مجال عمله، فهو مَن يهتم بتوجيه الرأي العام، أو من ينخرط في السجال العمومي، دفاعا عن قول الحقيقة أو حرية المدينة أو مصلحة الأمة أو مستقبل البشرية".
 
المبدعون من المثقفين ورموز الإبداع العراقي، مطالبون  بالتعاون  والتفاهم على  الفكر والعمل على أسس الثقافة العراقية، ونبذ ورفض ثقافة الاحتلال والطائفية.  لابد من المشاركة الوجدانية  والتماسك الاجتماعي .  وعليه يجب العمل  في إطار مشروع اجتماعي وطني يشمل جميع المواطنين العراقيين على اختلاف توجهاتهم الوطنية الديمقراطية، وعلى تباين  تكتيكاتهم، وعلى اختلاف أعراقهم وأديانهم ومصالحهم. 
  الهدف هو إحياء الثقافة الوطنية أولا، على  أسس المواطنة في العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.  والدور الريادي يقع على عاتق  رموز الإبداع الثقافي العراقي على أساس الوطنية واحترام عقيدة كل مواطن بعيدا عن الإساءة لأحد. ويتحقق التماسك الاجتماعي عندما يكون هناك وعي وطني بمخاطر التهديدات الخارجية لتقسيم الوطن، أو التهديدات بنشوب حرب أهلية أو المجاعة والفقر والمرض والتشتت والهجرة.
لايمكن أن يبنى العراق بأيدي أجنبية ولا بأيدي دول الجوار، إنما بأيدي وطنية عراقية .
ولايمكن تحقيق الاستقرار والحفاظ على الوحدة، وتحقيق السلام بمعزل عن شعور المواطن العراقي أن له حقوق يمارسها، ووجبات يؤديها، بمعزل عن  مفهوم الأكثرية أو الأقلية  بين الأعراق والديانات.
 
في مثل هذه الحالة، يمكن أن يتكيف مختلف الانتماءات القبلية والدينية والمذهبية مع وحدة العراق وسلامة أراضيه، وترسيخ ثقافة المواطنة، ودور المثقف المبدع أن يلعب دوره.
التماسك في  شراكة الجميع  في الوطن، باعتبار أن هذه الشراكة فعلية في الحياة بصورة مباشرة وغير مباشرة.  والانتماء للوطن على أساس المساواة والعدالة أمام القانون في الحقوق.
الانتماء شراكة وجدانية وأخلاقية وتاريخية في إطار الثقافة الوطنية العراقية.
إنه الانتماء للعراق الديمقراطي الموحد، وهذا الانتماء مطلوب من الجميع، وعليه تقع المسؤولية الكبرى على المثقفين في تعزيز هذا الانتماء.
وصناع القرار مطالبون بفسح المجال للمثقفين المبدعين من كتاب وأدباء  وعلماء وباحثين وأساتذة وشعراء وفنانين ووو ليلعبوا أدوارهم الوطنية على مسارح مؤسسات المجتمع المدني لخدمة المجتمع، دون أن يكونوا أدوات تهريج أو ترويج لحزب أو طائفة أو قومية.
 
استنادا إلى ما تقدم فإننا بحاجة إلى  ممارسة  ثقافة الاعتراف  والحوار مع الآخر.  وقد طرح لنا الأستاذ (سيار الجميل) هذه الفكرة الرائعة حين قال: "إننا اليوم بأمسّ الحاجة الى ثقافة الاعتراف.. وسواء كانت الأخطاء فردية أم جماعية أم سلطوية أم زعاماتية أم مؤسّساتية.. فهي باقية وراسخة تتوالد عنها أخطاء من نوع آخر بعيداً عن أي «ثقافة» تتضمّن الاعتراف.. فإن وجد الاعتذار فسيقابله التسامح حتماً.. وقد عرف العرب قديماً مبدأ «العفو عند المقدرة» وهو من أسمى القيم الإنسانية، إذ يقابل «الاعتراف بالخطأ فضيلة». إن الاصرار على نهج خاطئ معيّن سوف لا يوصلنا الى أي نتائج حضارية كالتي يعرفها معظم الشعوب في هذا العالم . . .  فهل سنشهد تاريخاً جديداً ترسمه قيم الاعتراف فتترسّخ المحبّة بديلاً من الكراهية، وينتشر الصفاء بديلاً من كل الأحقاد؟ ..."(35).  
 
 ونتساءل، كيف يمكن تحقيق ذلك؟
إنه الحوار. فالحوار أنجع  الطرق والوسائل لإزالة سوء الفهم  بين الأطراف العراقية.  الحوار وسيلة للأتفاق على ما نتفاهم عليه، والاستمرار في الحوار على ما لا نتفاهم عليه بعيدا عن العنف، وبعيدا عن التفكير بإسقاط الآخر، وبعيدا عن  العمل لإزاحة الآخر، طالما أن الوطن هو الهدف وليس الغنى والفساد على حساب الوطن.  كل هذا يتطلب العمل الدؤوب والمسؤول للتقارب والتضامن  من أجل المصلحة الوطنية التي تضم الجميع.
 
اقتبس هنا موجزا لمقال لي نشر سابقا في الحوار المتمدن، عن التربية والتعليم.
  عراقنا الديمقراطي الموحد يجب أن يكون بعيدا عن التقسيم والتجزءة. وهذا العراق الديمقراطي الموحد مطالب اليوم بالاهتمام بالتربية والتعليم على أسس تربوية معاصرة، وضرورة تغيير مناهج التعليم الكلاسيكي بشكل تنبذ عبادة الشخصية ولا سيما عبادة السلطان. وينبغي، لا بل يجب تربية التلاميذ على ممارسة الديمقراطية والحياة الديمقراطية، وعدم برمجة التعليم الرسمي برمجة سياسية أو دينية موجهة توجيها وحيد الجانب، لأنه من الخطأ الكبير أن يرسم الفرد سياسته أو عقيدته من منطلق فكري وحيد الجانب وذلك بسبب الخوف من ممارسة الثقافات الأخرى. وقد يتطلب التعليم تدريب بعض القياديين بمزايا الديمقراطية وضرورة ممارستها ممارسة عقلانية. كما يجب تربية التلاميذ على ممارسة النقد العقلاني لأن النقد هو "الكشف عن الثغرات" كما أنه "وسيلة للتغيير وكشف النواقص. وأن النقد العقلاني شجاعة وجرأة وهدم لجدار التملق والولاء الأعمى للعقلية الحاكمة" كما قال المفكر العربي (عابد الجابري). فالسياسة في العراق أصبحت غامضة إلى درجة أنها لعبة بيد القلة الحاكمة أو النخبة الفاعلة لجعل الإنسان العراقي يخدم سياسة السلطان والمذهب والطائفة إلى درجة يفقد المواطن القدرة على التحليل أو النقد، فيرفض كل ما لا يتلاءم مع التعليم الوحيد الجانب الذي تعَلَّمه من السيد. لذلك يكون بعيدا كل البعد عن نقد عقلية السلطة حتى وإن مارست السلطة سياسة الاستبداد (36).   
 
ورقة عمل ثقافية للعراق الجديد:
 
وفي ختام  هذا البحث أود ان  أنقل نصا "الخطوات التنفيذية" التي جاءت في " ورقة عمل ثقافية للعراق الجديد" أعدها الأستاذ ( إبراهيم أحمد) بتاريخ 18 سبتمبر 2004 ، وهي تمثل ورقة عمل قدمها الكاتب بصفته عضواً في اللجنة التي كلفت بوضع نهج وزارة الثقافة في العهد الجديد !  ولا أرى موجبا لنقل المنهاج الثقافي .
 
الخطوات التنفيذية:
 
إن أهم ما ينبغي أن تركز الوزارة على تنفيذه وبأسرع وقت هو :

 1 – مواصلة تطهير أجهزة الوزارة التنفيذية والإدارية من العناصر التي مارست أدواراً شائنة في الترويج لثقافة العهد المندثر بكل ما كانت تحويه من بشاعة وانحطاط.والعناصر الهزيلة والكسولة، وفتح مراكز ومواقع الوزارة للكفاءات الجيدة النظيفة والجادة في بناء ثقافة جديدة وناصعة في بلادنا !

2 – العمل على تحسين سلم الرواتب والمكافآت والحوافز، وتحسين ظروف حياة العاملين فيها وبما يتناسب ومهماتهم الصعبة وأوضاع مماثليهم في البلاد المجاورة والعالم.ويسهم في بناء مؤسسة جديرة ببناء وإدارة ثقافة عراقية متطورة.

3 - إنشاء مجلس استشاري، أو مجلس أعلى للثقافة من خبراء في شئون الثقافة والمثقفين يعنون في متابعة تنفيذ برنامج الوزارة الثقافي والعمل على تطويره واغنائه

4 –  دعم النقابات والاتحادات الخاصة بالكتاب والأدباء والفنانين مادياً ومعنوياً وضمان استقلالها ونزاهة انتخابها وحمايتها من التدخلات الحزبية والحكومية.ودعوتها لمشاركة أكبر في البناء الثقافي.على صعيد الاستشارة أو المبادرة العملية.

5 – إيلاء الأدباء والكتاب والشعراء والفنانين رعاية كافية بإصدار قوانين تمنحهم حقوقهم، وأشكالاً من التفرغ لمهماتهم الصعبة، والمساعدة في تأمين السكن اللائق لهم ومنحهم الجوائز التي يستحقونها، ومساعدتهم عبر السفرات الاستطلاعية أو الدراسة للوقوف على تجارب الشعوب والمجموعات الثقافية التي خرجت من نير النظم الفاشية والدكتاتورية كتجارب المثقفين الألمان والإيطاليين واليابانيين مثلاً.

6 -  توسيع العلاقات الثقافية مع المنظمات والاتحادات العربية والعالمية وتعميق التبادل الثقافي والأدبي والفني معها.

7- العمل على تنشيط نشر كتب المؤلفين العراقيين وتنشيط الترجمة خاصة الكتب العلمية والفكرية، وتلك التي تعكس تجارب شعوب عانت من ويلات الدكتاتورية والحروب، وإصدار المجلات والدوريات المتنوعة والمتخصصة !

8 –  تأهيل القطاع الأهلي لإحياء عملية النشر والإنتاج الثقافي المشترك وتنظيم خطوات الشروع بالعمل لتأسيس مجلس مشترك بين إداريي الوزارة وجماعة الناشرين.

9–  الاهتمام بالرواية والمسرحية والشعر وفتح ورشات عمل لها واستعادة تقاليد اللقاءات والمهرجانات الثقافية وعلى أسس إبداعية نقية.

10-  العمل على تخليص المسرح من الابتذال والتهافت التجاري، وإعادته إلى تقاليده الجادة وتراثه الأصيل الذي عرف به في أعوام الستينيات والسبعينيات.ودعمه ووتوسيعه في المحافظات وإقامة مهرجاناته النوعية.ورعاية العاملين به معنوياً ومادياً.

11–  دعم السينما  وتهيئة مستوى معقول من مستلزمات الإنتاج وتأهيل السينمائيين الشباب بالدورات والزمالات لتعزيز
   خبراتهم وتطويرها والعمل على المدى المتوسط لإنشاء استوديوهات متطورة بالمال الخاص أو شراكة الدولة، والاستفادة من تجارب عربية وعالمية كالسينما المصرية والهندية والعالمية والاستعانة بخبرات خارجية والعمل على إنتاج أفلام تمَجد نضالات الشعب ضد الدكتاتورية، وتفضح ممارساتها وتساعد الناس على فهم حقائق تاريخنا الحديث، مع أفلام ذات طبيعة إنسانية ودرامية.

12- الاهتمام بالفرقة السمفونية الوطنية. والفرقة الوطنية للرقص، ودعم الفرق الموسيقية الجادة والعمل بجد لتخليص الأغنية من أمراضها وابتذالها وجعجعتها العسكرية، وتحبيب الموسيقى للناس ونشر الموسيقى الجادة العالمية والعربية ودعم أسعار التسجيلات والأقراص المدمجة.

13-  دعم النشاط الفلكلوري، وتنشيط دور الأزياء ومراكز الفن الفطري.

14- العناية بالمتحف الوطني والمتاحف الأخرى ( خاصة الطبيعية والزراعية ) والعمل على استعادة الآثار والتحف المسروقة ومساندة أعمال التنقيب وترميم الأماكن والمعالم الأثرية.

15-  تطوير السياحة، وتوسيعها وتخليصها أجهزة وبرامجاً من مفاسد العهد المندثر، والاهتمام بالعتبات المقدسة وجعلها مراكز جذب ثقافي وروحي وإنساني.

16-  الاهتمام بالفن التشكيلي ورعايته بإقامة المعارض والملتقيات العربية والعالمية.وتشجيع الكاليريات، ومكافحة الاتجار غير المشروع باللوحات والأعمال الفنية العمل على استعادة لوحات الفنانين العراقيين المسروقة، وإعادة بناء المتاحف الفنية المدمرة.

17–  تتطلع الوزارة لمواكبة الإعلام المستقل بقنوات فضائية تلفزيونية وإذاعية تختص بحقول الثقافة وبما يسهم في تطوير السينما والمسرح والغناء والموسيقى وبرامج التراث والسياحة.

18–  دعم تعميم ثقافة الإنترنيت و أستعمال الحاسوب خاصة من قبل الكتاب والمؤلفين والعمل على توفيره لهم بشكل جماعي، أو بشكل شخصي وبأسعار مناسبة.

 19 –  تعزيز دور دائرة الفنون ودعمها بالعناصر الكفوءة والنشيطة

20 –  تأسيس هيئة أو مجلس للتراث العراقي يرعى ويكتشف البحوث والمعاهد والمنشورات التي تعني بحماية تراث الوطن الثقافي في مناطق العراق المختلفة.

21 –  إنشاء بيت ثقافات العراق ليتخصص في درس وتحليل الثقافة العراقية المتراكمة ويمكن أن يسمى بيت الذاكرة العراقية، ويمكن أن تكون إحدى مهامه استعادة الكتب المخطوطة والوثائق التي نهبت من المكتبات أو بدائل عن أشرطة وتسجيلات الأغاني والمسلسلات والأفلام الوثائقية التي احترقت خلال الحرب الأخيرة.

22 –  إقامة أسابيع متخصصة أسبوع للقراءة تشارك فيها الوزارة والاتحادات والورش للتمرس وإتقان معنى القراءة ودورها ويكون لثقافة الأطفال موقع أساسي في أنشطة القراءة.

23 –  تشكيل لجنة خاصة من وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي للعمل والتنسيق سوية على تخليص النصوص والكتب من ثقافة العهد المباد والقيام بفعاليات مشتركة لنشر الثقافة الجديدة.

24 – العمل على عودة المثقفين والمبدعين العراقيين المنفيين في الخارج وتسهيل سبل سفرهم
 وسكنهم وعملهم في وطنهم والعمل على التعريف بنتاجهم ونشره وتكريم المستحقين منهم !

25 –  السعي للاحتفاء بكبار السن من الأدباء والتشكيليين والمسرحيين والموسيقيين والمغنيين ومنحهم الجوائز والشهادات التقديرية.

26 –  تحويل عدد من قصور المسئولين السابقين إلى قصور للثقافة، وإعدادها لفعاليات وعروض فنية خاصة أو كدور ضيافة لوفود أو شخصيات ثقافية زائرة.

27 –  جعل الإشراف الثقافي على المكتبات العامة من اختصاص وزارة الثقافة.وتنظيم ذلك بلائحة خاصة بالتنسيق مع الإدارات المحلية.

28 –  الاهتمام المتزايد بالثقافة الكردية والتركمانية من خلال تطوير دار الثقافة الكردية ومديرية الثقافة التركمانية وتأسيس مديرية للثقافة الكلدوآشورية، ونشر الكتب باللغة العربية عن آداب وثقافات هذه الشعوب وفتح المجالات الرحبة أمام أنشطتها الثقافية والأدبية والفنية.

29 –  الاهتمام بالمواقع الأثرية وحمايتها من السرقة والتخريب، العناية بأعمال التنقيب وتنشيطها والحفاظ على الآثار المكتشفة وتصنيفها والعمل على استعادة الآثار المسروقة، وتطوير العمل في المتاحف، وتنظيم متاحف لنا تتجول في بلدان العالم تعرف بثقافتنا وتاريخنا. (37)
 
 
هوامش:
 
(1). د. محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1994، ص285-286.
 
(2). علي شلش: طه حسين مطلوب حيا او ميتا، الدار العربية للطباعة والنشر، القاهرة  1993، ص82.
 
 .(3)International Encyclopedia of the social Sciences. Vol.1, Macmillan Co and the Free Press, N.Y., 1972, p.527.
 
(4). علي شلش: مصدر سبق ذكره، ص91-93.
 
(5). الهلال: مايو 1934، ص 769-770 .
 
(6). المجلة: يوليو 1957، ص4 .
 
(7). بدر شاكر السياب، أنشودة المطر
 
(8) علي حرب، أوهام النخبة أو نقد المثقف، ط2، المركز الثقافي العربي، بيروت  1998، ص37-38.
 
(9).  (نفس المصدر، ص38).
 
(10)  د. سيار الجميل، مقال "كيف أصبح العالم ينظر إلينا"،
 
(11). طه حسين، فصول في الأدب والنقد، ص26.
 
(12). طه حسين، مقال "النقد حقيقته، آثاره في الأمة، شروطه ومضار الغلو فيه".
 
(13). طه حسين، في الأدب الجاهلي، مطبعة الاعتماد، مصر، ص 54 .
 
(14). علي عبد العال، هل الثقافة العراقية على مفترق طرق؟ ت 24-9-2004.
 
(15). محمد عمارة، التيار القومي الإسلامي، ط1، دار الشروق، القاهرة 1997 ، ص155 .
 
(16). نفس المصدر، ص 156.
 
(17). سورة المائدة، آية 3 .
 
(18). سورة الحجرات/ آية 13.
 
(19).  سيار الجميل، مقال "أنصاف المثقفين"، ت. 10-3-2008.
 
(20).  يوخنا دانيال، مقال "الشائعات المكونة للعقل العراقي"، ت. 10-5-2004.
 
(21). خالد يونس خالد،  مقال "الثقافة والتربية وحقوق المرأة والطفل في العراق"، الحوار المتمدن، ت. 25-09-2005.
 
(22). محمد مندور، في الأدب والنقد ،  نهضة مصر، القاهرة  1988، ص 36-37).
 
 (23). هربرت ماركيوز، مقال "ملاحظات حول تحديد جديد للثقافة" .
 
(24). هربرت ماركيوز، نفس المصدر.
 
(25).  خالد يونس خالد، "حوار مع الناقد والإعلامي الفلسطيني نبيل عودة في بحثه "حتى يجيء عصر التنوير"، موقع دروب العالمي، ت. 17-09- 2008، وكذلك موقع الحوار المتمدن، ت. 18-09-2008.
 
(26). (ادوارد سعيد، مجلة الآداب، العددان 6 و7، حزيران/تموز 1994، نقلا عن علي حرب، أوهام النُخبة أو نقد المثقف، مصدر سبق ذكره، ص46).
 
(27). علي حرب، أوهام النخبة أو نقد المثقف، المصدر نفسه، سبق ذكره، نفس الصفحة.
 
(28). نفس المصدر، نفس الصفحة.
 
(29). عبد الحسين شعبان، في ثقافة المواطنة، ت. 17-5-09، موضوع «جدل أم صراع الهويات في العراق».
 
(30). هيفاء زنكنة، استخدام اللغة كقنابل دخانية في العراق المحتل، نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1899، ت. 22 مايو 2009.
 
(31).  سامي العامري، قصيدة  "مهرجانات سرية"، موقع النور، 22-06-2008.
(32). سامي العامري، قصيدة " تَيَمُّن "، موقع النور، 22-06-2008.
 
(33). كريم عبد، مقال "تحولات في الثقافة العراقية"، ت. 3-5-2004.
 
(34). نفس المصدر.
 
(35). سيار الجميل، مقال "هل من ثقافة للاعتراف ومنهج للاعتذار"، مجلة الأسبوعية، 11 مايو 08.
 
(36). خالد يونس خالد، مصدر سبق ذكره.
 
(37). إبراهيم أحمد، ورقة عمل ثقافية للعراق الجديد، 18 سبتمبر 2004.





#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليتيم
- بغدادُ العَفةُ في روحكِ والكُلُّ يُريدُكِ
- الديمقراطية والخبز - أيهما اختياره أولا؟
- لنتعظ من التاريخ حتى لا تتكرر المأساة بعد سقوط الصنم
- محاضرة مفتوحة بعنوان ‘‘نظرة في الاتجاهات والأساليب النقدية‘‘
- محاضرة عن ‘‘فرضية طه حسين حول الشعر الجاهلي والتحقق من منهجه ...
- يا غزة أصرخ لألمك ولا أستكين!!
- هل يغيب النقد لصالح سلطة النقد أو لصالح الشاعر نفسه؟ قراءة ن ...
- تفاوت القيم الثقافية الوطنية وآليات العقل الأوربي المؤثرة في ...
- هل نقرأ بوعي تاريخ الأدب العربي؟ قراءة نقدية
- حوار مع الناقد والإعلامي الفلسطيني نبيل عودة في بحثه -حتى يج ...
- أسمع محمود درويش يهمس في أذني
- استراتيجية حركات المجتمع المدني في العراق ودورها في البناء و ...
- حب كبير في عينيك
- تفكير في زمن النسيان – لقاء مع الفقيد الكاتب ناجي عقراوي
- زواج المسيار الإسرائيلي التركي وعدائهما للعراق والكرد بمبارك ...
- الخطوط التي تحكم التركيبة التركية في هويتها الثقافية المتباي ...
- لم تبق لي منها إلاّ الذكريات
- نحو مجتمع مدني ديمقراطي لكل العراقيين القسم الثاني
- حال الدنيا وعذابات الناس في فلسطين


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد يونس خالد - إشكالية الثقافة وأزمة المثقف العراقي والبؤس الاجتماعي