أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004 - شاهر أحمد نصر - نضال الحركة العمالية العالمية في سبيل الديموقراطية وضرورة تجديد الفكر والممارسة















المزيد.....


نضال الحركة العمالية العالمية في سبيل الديموقراطية وضرورة تجديد الفكر والممارسة


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 821 - 2004 / 5 / 1 - 03:36
المحور: الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004
    


عند البحث في عملية تطور الديموقراطية في الغرب، لا يمكن تجاهل دور الطبقة العاملة في هذه العملية، إذ قدمت التضحيات الجسام لخلق الظروف الاجتماعية الملائمة لنجاح التجربة الديموقراطية..
عقبات ونجاحات
لقد امتزج نضال الطبقة العاملة في سبيل رفع الظلم والاستغلال في المجتمع بنضالها في سبيل الديموقراطية. إلاّ أنّ هذا النضال لم يكن سهلاً، إذ قاومته الأوساط الحاكمة والطبقة البرجوازية بكل ما ملكت من قوة وسلطات.. وكانت الطبقة العاملة في فترة نشوئها محرومة تماماً من الحقوق الاجتماعية والسياسية.. وكانت غالباً ما تصدر القوانين الموجهة ضد العمال والتي توطد سلطان رأس المال، من الوجهة الحقوقية. كانت تلك القوانين تحرّم على العمال القيام بأعمال جماعية، وتأسيس المنظمات بغية الدفاع عن مصالحهم، نذكر منها على سبيل المثال قانون لوشابلييه في فرنسا عام 1791، ومجموعة القوانين الجزائية النابليونية عام 1810 في فرنسا، وقانون روسيا عهد القنانة عام 1845.. وفي إنكلترا قامت الأوساط الحاكمة بخطوة في مكافحة الحركة العمالية الناشطة: فأقر البرلمان الإنكليزي بين عامي 1799 ـ 1800 قوانين مناهضة للنقابات ككل (Combination acts) ومنعت النقابات والإضراب، منعاً باتاً، في هذه القوانين، وفرضت العقوبات القاسية على مؤسسي النقابات والمساهمين فيها.. وزج بألوف من العمال وقادتهم في السجون تنفيذاً لأحكام محاكم الصلح.
ولكن ذلك لم يستطع إخماد نضال العمال لرفع الظلم والاستغلال عنهم، فامتدت فترة النقابية (التريديونيونية) السرية ربع قرن من الزمن (من عام 1799 حتى 1824) وفي هذه السنوات حققت الحركة النقابية تقدماً كبيراً خلافاً لإرادة الطبقات السائدة. ونشأ عدد من النقابات الجديدة، وأصبح لدى النقابات شبكة من بيوت الاجتماعات السرية.. وكانت الاتحادات المختلفة تقدم أحياناً، مساعدة مادية لبعضها البعض، في أوقات النشاطات الاضرابية. فقد جاء في تقرير رسمي ، أرسل عام 1823 إلى نائب وزير الداخلية في إنكلترا، أنّه بناء على معطيات دفاتر مصادرة من نقابة غزّالي القطن في بولتون تبين أنّ النقود قد أرسلت إلى المضربين لا من زملائهم في المهنة فحسب بل ومن 28 مدينة لانكاشيرية وكذلك من عمال صناعة الورق وعمال مستخرجي الفحم، وعمال تطبيق الأقمشة القطنية.. من أماكن متعددة..
أجبر زخم الحركة العمالية والنقابية الطبقات الحاكمة إلى التراجع فألغى البرلمان الإنكليزي عام 1824 القوانين المناهضة للعمال..(1)
وفي فرنسا أيضاً، امتزج نضال الطبقة العاملة في سبيل حقوقها بالتطلعات الديموقراطية في المجتمع.. فبعد أن فقدت السانسيمونية أهميتها السابقة في أواسط الثلاثينات من القرن التاسع عشر بسبب الانشقاق الذي دبّ فيها، أصبحت مدرسة فورييه أضخم تنظيم اشتراكي في فرنسا، يضم أعداداً كبيرة من النشطاء الموحدين في مجموعات تصدر مطبوعات خاصة بها..
إن ّ العنوان الذي حملته مجلة أنصار فورييه التي تم تأسيسها عام 1843: "الديموقراطية السلمية". يدل على أنّ الديموقراطية كانت من أهم أهداف الحركة الاشتراكية والعمالية.. تضمن العدد الأول من صحيفة "الديموقراطية السلمية" الصادر في آب 1843"بيان الديموقراطية السلمية، السياسي والاجتماعي" الذي كتبه كونسيديران... الذي يزعم عدد من الكتاب البرجوازيين أنّ "بيان الحزب الشيوعي" لماركس وإنجلز يتضمن بعض أفكاره، مع الاختلاف في معالجة قضية الطبقات والنضال الطبقي في الوثيقتين، وخاصة النظر إلى دور الطبقة العاملة..
وتعتبر الثورة الفرنسية التي جرت، في تموز عام 1830، مرحلة هامة في تاريخ الحركة العمالية، والنضال في سبيل الديموقراطية.. والتي نشأت في أيامها جمعية أصدقاء الشعب التي تشكلت منها المجموعة الجمهورية، وعرف كثير من أعضائها فيما بعد بالديموقراطيين البرجوازيين الصغار..
وفي الولايات المتحدة الأمريكية ظهرت رابطة عمال إنكلترا الجديدة عام 1832، التي شنت نضالاً من أجل يوم عمل من عشر ساعات.. ويرى الباحثون أنّ حجة أحد قادة الرابطة "سبنس لوثر" القائلة بانعدام معنى بيان الاستقلال إذا لم تتحقق التبدلات الاجتماعية سريعاً في صالح الشغيلة.. تذكر كثيراً بآراء الشارتية، مع فارق جوهري هو عدم تتويجها بشعار الحق الانتخابي العام، الذي اعتبر وسيلة لكسب العمال السلطة السياسية (كما كان عليه الأمر في إنكلترا).(2)
وقد نشأ أول حزب عمالي سياسي في الولايات المتحدة عام 1828 في فلادلفيا وبرز الحزب العمالي في نيويورك عام 1829.. وفي انتخابات عام 1829 نالت القائمة التي اقترحها العمال 28% من الأصوات، ونجح مرشحوهم في الانتخابات. فأثار هذا النصر الأول والجزئي للعمال خوف البرجوازيين الجدي، الذين رأوا في الحق الانتخابي الواسع تهديداً لوجود الملكية. إلاّ أنّه حدث انقسام في الحزب العمالي في عام 1829 ذاته.. وهكذا لم تكن الأحزاب العمالية ذات عمر مديد.. وفي عام 1836 ظهرت حركة عمالية من أجل الإصلاح الخاص بالأراضي. فتقدم منظرها "جورج هنري إيفانس" بمطلب تسهيل إمكانية حصول العمال على "الأراضي الحرة" في الغرب. وكان من شأن هذا التدبير حسب رأيه أن يؤدي إلى تحويل قسم من العمال إلى أرباب عمل مستقلين (إلى أصحاب مزارع ـ حرفيين) ، كما قد ترتفع أجور العمال الباقين في الشرق.. وكانت هذه الحركة أحد العوامل التي دفعت حكومة الرئيس الأمريكي "إ . جيكسون" إلى اتخاذ تدابير تشريعية تؤدي إلى نشر الاستيلاء على الأراضي الحرة وزراعتها، وبالتالي إلى تطوير الرأسمالية الأمريكية "عرضانياً".
ويظهر من ذلك كله، أن الفضل في نجاح التحولات البرجوازية ـ الديموقراطية التي تمت في المرحلة المدروسة، يعود بدرجة كبيرة إلى الحركة العمالية، وقبل كل شيء إلى نضال عمال إنكلترا الجديدة، وبالقدر نفسه إلى نضال عمال وحرفيي الولايات الأطلسية الوسطى، وإلى نشاط الأحزاب العمالية الأولى والنقابات.
ومع هذا كله فقد كان لتطور الحركة العمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، خصائصها المميزة. فالحركة النقابية، التي عملت من أجل تحسين وضع العمال، الاقتصادي وفي سبيل حقوقهم، ضمن نطاق الشرعية البرجوازية، كانت الشكل الرئيسي لنشاط الطبقة العاملة الأمريكية خلال وقت طويل. كما أنّ تأثير ممثلي الاتجاه الثوري كان لا يزال ضعيفاً في الحركة العمالية المذكورة. وتحدد ذلك مسبقاً إلى درجة كبيرة بسبب الظروف التالية: لقد اكتسب شعب الولايات المتحدة، مع الاستقلال السياسي، الحريات البرجوازية ـ الديموقراطية. وطبيعي أنّ هذه الحريات كانت تتصف بطابع محدود، فضلاً عن امتزاجها بعبودية السكان الزنوج القاسية، في الجنوب وبنفوذ أصحاب المزارع، السياسي الواسع. بيد أن التناقضات الاجتماعية التناحرية القائمة بين العمال والبرجوازية، في تلك الحقبة لم تحمل طابع المجابهة السياسية العنيفة بالدرجة التي كانت عليها في الدول الأوروبية، حيث كانت الطبقة العاملة محرومة من الحقوق السياسية الأولية، بما في ذلك حق التصويت.. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فلم يكن هذا الأخير "وقفاً على الأغنياء". ونتيجة الحيازة الشكلية لبعض الحقوق، ذات الطابع البرجوازي الديموقراطي، نشأت لدى قسم من الشغيلة تصورات عن إمكانية تحسين النظام القائم، تحسيناً جذرياً، عن طريق الإصلاح، دون أي مساس بأسسه...(3)
كومونة باريس والديموقراطية
في سياق نضال العمال الباريسيين من أجل تحقيق مطالبهم، انخرطوا في صدام مع حكومة الدفاع الوطني برئاسة حاكم باريس العسكري الجنرال تروشو.. وصيغت لأول مرة فكرة استيلاء العمال على السلطة السياسية صياغة دقيقة، في بداية عام 1870، في بيان اللجان الانتخابي، حيث جاء مطلبان كضمان للنظام الجمهوري: "مطلب ضرورة وصول الطبقة العاملة إلى السلطة السياسية"، و"مطلب الإطاحة بالطغمة الحكومية والإقطاعيين الصناعيين".
ومع اندحار القوى الحكومية اتخذت اللجنة المركزية لقيادة الانتفاضة عدداً من القرارات التي عكست طابعها كسلطة عمالية: فتم إلغاء الشرطة والجيش الدائم، وأُعلن عن الاستعادة المجانية للأشياء المرهونة، بعد دفع مبالغ زهيدة، وأعطيت مهل لتسديد الديون بموجب السندات التجارية، وبدلات إيجار السكن، وتقرر إعطاء معونات نقدية للأسر المحتاجة.
وأخيراً استطاعت باريس أن تجري الانتخابات إلى مجلسها البلدي ـ كومونة باريس، أو كما سمّوه ببساطة ـ الكومونة. لقد كانت الكومونة المنتخبة بموجب تصويت عام جرى في أجواء الثورة المنتصرة، تجسيداً لإرادة الشعب الباريسي، التي عبّر عنها بحرية.
ونظراً لأنّ قسماً هاماً من سكان العاصمة الأغنياء قد غادروها إلى الأقاليم بعد فك الحصار مباشرة، ولأنّ البرجوازية قاطعت الانتخابات، لذا لم يُنتخب إلى الكومونة إلاّ ممثلو جماهير الشغيلة تقريباً. وبعد أن رفضت مجموعة ضئيلة من منتخَبي البرجوازية احتلال مكانها في الجمعية، التي رأوا فيها جمعية للدهماء، أصبحت الكومونة تعد 25 عاملاً، وعدداً مماثلاً تقريباً من الحرفيين والمستخدمين، بالإضافة إلى عدد مشابه من ممثلي المهن الحرة (من بينهم 12 صحفياً)..(4)
في الأول من أيار واستجابة لاقتراح اليعاقبة الجدد، اتخذت الكومونة بأغلبية 45 صوتاً مقابل 23 صوتاً، قراراً بتشكيل لجنة خاصة للإنقاذ المجتمعي، ومنحتها صلاحيات واسعة، وجعلتها مسؤولة أمامها فقط. واستعر الصراع بين الأغلبية، التي قامت بعقد اجتماعات منفردة، وزادت من تجاهلها للاجتماعات العامة للكومونة، وبين الأقلية، التي اعتبرت تشكيل اللجنة انتقاصاً لحقوقها.(5)
إنّ نبأ انقسام الكومونة الذي انتشر على نطاق واسع، كان له وقع ثقيل الوطأة على العمال الباريسيين، وضخمته وسائل الإعلام المعادية.
في الحادي والعشرين من أيار بدأ "الأسبوع الدامي". وفي هذه الأيام الأخيرة من عمر الكومونة أظهرت البرجوازية قسوة لا مثيل لها بررتها بالعدالة والشرعية (فقد كانت تعتبر من الأمور المشروعة الدفاع عن النظام الرأسمالي والملكية الخاصة): من عمليات قتل جماعية منظمة، إلى ألوف الحوادث من الانتقام الفردي..
وفي يوم الأحد، الثامن والعشرين من أيار 1871، توقف المتراس الأخير في شارع رامبونو عن إطلاق النار عند الظهيرة. وقوات فرساي تطلق الرصاص على من قبض عليهم من الأسرى...
أوحت الكومونة للماركسية أهمية الفهم الطبقي للديموقراطية عند العديد من الماركسيين، التي ستأخذ في أولى مراحلها شكلاً ديكتاتورياً ينتهي باضمحلال الدولة، فقد رأت الماركسية أنّ تجربة الكومونة برهنت على أنّ الديموقراطية الواسعة لديكتاتورية الطبقة العاملة لا تلغي، بل بالعكس تستوجب مؤسسات حكومية قادرة على حماية مكتسبات الشعب، وتصفية الثورة المضادة بإجراءات "سلطوية" إلى حد كاف. وأخذ يتبلور بعد كومونة باريس، المفهوم الماركسي للمرحلة الانتقالية من الرأسمالية إلى الاشتراكية وما عرف بديكتاتورية الطبقة العاملة.. التي سيكون لها طابع تاريخي مؤقت لتضمحل الدولة بعدها تدريجياً كما يقول ماركس في عملية تطور الدولة "بعد أن يتحقق هدف الحركة العمالية ـ أي تصفية الطبقات، فإنّ سلطة الدولة، الموجودة من أجل بقاء غالبية المجتمع الساحقة، والمؤلفة من المنتجين، تحت سيطرة أقلية مستغِلة ضئيلة، إنّ هذه السلطة تتلاشى، وتتحول الوظائف الحكومية إلى وظائف حكومية بسيطة".(6)
دور الديموقراطية في نضال الطبقة العاملة في سبيل مطالبها:
وحول ضرورة حصول الطبقة العاملة على الحريات الديموقراطية، يقول انجلز إنّ "الطبقة العاملة الصناعية في المدن أصبحت نواة كل ديموقراطية معاصرة، فالبرجوازيون الصغار، والفلاحون بشكل خاص، يرتبطون كلياً بمبادراتها..(7)
كما أنّ "مطالب الحزب الشيوعي في ألمانيا" هذه الوثيقة التي كتبها ماركس وانجلز منذ أواخر آذار 1848 تشكل أساس برنامج الشيوعيين واستراتيجيتهم.. اعتبرت هذه الوثيقة أن للعمال كطبقة مصلحة في التحولات البرجوازية ـ الديموقراطية الحاسمة تفوق مصالح غيرها..

إنّ الحقوق والحريات الديموقراطية تسهل إلى حد كبير كما هو معروف كفاح الشغيلة في سبيل التحرر الكامل من سيطرة رأس المال. وطبيعي أنّ الطبقة العاملة هي أكثر المناضلين صلابة من أجل الديموقراطية، بما في ذلك الديموقراطية البرجوازية، وتدافع عنها ضد انتهاكات البرجوازية لها.
إنّ النضال في سبيل توسيع الحريات الديموقراطية وتوطيدها ـ وفي سبيل إقرارها حيث هي معدومة ـ مبدأ لا غنى عنه من حركة الطبقة العاملة، التحررية، ومقدمة لرص فئات الشغيلة غير حولها، وحيازة الحلفاء.. لتحرير نفسها والمجتمع بأسره..

يبين البحث التاريخي لمسيرة الديموقراطية أنّ كل إصلاح ديموقراطي كان إما ثمرة مباشرة لنضال الطبقة العاملة، أو نتيجة غير مباشرة له، وذلك عندما كان السياسيون البرجوازيون يفضلون التراجع، في الوقت المناسب للحؤول دون بلوغ الصراع الطبقي حدّه الأقصى. وفي الوقت ذاته كانت البرجوازية ذات مصلحة في الحد الأدنى من الحريات الديموقراطية، وفي البرلمانية التي كانت تؤمن توازناً معيناً بين الطبقات المالكة، وتضمن للبرجوازية بعض المزايا إزاء كبار مالكي الأراضي والنبلاء. فالمؤسسات التمثيلية، مهما كانت محدودة السلطة، كانت تكبح مطامع الملوك والبيروقراطية، مسهّلة في الوقت ذاته، التأثير الفكري والسياسي في الجماهير الشعبية. يقول لينين: "إنّ المجتمع الرأسمالي السوي لا يمكن أن يتطور بنجاح بدون نظام تمثيلي وطيد، بدون حقوق سياسية معينة للسكان.."(8)
تعقد دور الطبقة العاملة في عصر المعلوماتية:
تعد المعلوماتية من وجهة نظر علم الاجتماع، ثورة جديدة بالمقارنة مع الثورتين الزراعية، والصناعية...
تصبح وسائل الإنتاج في هذا العصر أكثر تعقيداً وبساطة في آن واحد، إنّها تصبح بهذا الشكل أو ذاك عالمية، وشخصية، في آن معاً.. ولقد اتفق على تسمية الجانب المتعلق بإيصال المعلومات ومعالجتها بجادة المعلومات، أو طريق المعلومات السريع.. تقرب جادة المعلومات العالم، من مفهوم "القرية الإلكترونية".
أزمة الأيديولوجيا في عصر المعلوماتية
في عصر المعلوماتية تتحول الكثير من الوظائف من المكاتب الممركزة في المصانع إلى أماكن قريبة من السكن، وإلى المنازل، ويدخل ملايين المنتجين غير المنظورين ميادين الإنتاج، أي تنتفي إحدى أهم ركائز الثورة الصناعية، مركزية العمال، والقسم الأكبر من شغيلة عصر المعلومات لم يعودوا محرومين من وسائل الإنتاج، فبالإضافة إلى الكفاءة والمعرفة التي يملكون، يصبح الكمبيوتر كأحد وسائل الإنتاج بين أيديهم، وهو ملك لهم، إنّهم أقرب إلى الحرفيين، أي تنتفي صفات البروليتاريا عنهم.. أي تتضعضع الأسس الاقتصادية الاجتماعية التي بنت عليها الماركسية والأحزاب الاشتراكية نظريتها الثورية..
"لقد صاغ ماركس، مثلاً "نظرية القيمة الزائدة على السلع من خلال العمل"، سيكون من المفيد ، ربما، وضع نظرية معلوماتية للقيمة. وأريد أن أقول هنا إننا نلاحظ بأن "عوامل الإنتاج" التقليدية ـ الأرض والعمل والرأسمال ـ من خصائصها المشتركة أنّها محدودة ونادرة. فإذا زرعت قمحاً في هكتار من الأرض يخصك، لا تستطيع أن تزرع في الوقت نفسه، هذا الهكتار نفسه. إذا استخدمت أنا عملك، أو رأسمالك، فلا تستطيع أن تستعملها أنت أيضاً في الوقت نفسه...(أما فيما يخص المعلومات، فالأمر مختلف؛) عندما تستخدم إحدى المعلومات: أستطيع أنا أيضاً أن أستخدمها، ويمكن ذلك في نفس الوقت أيضاً. وبالواقع، إذا استخدمناها نحن معاً، ستكون لنا فرص أفضل لصنع معلومات أكثر. نحن لا "نستهلك" المعلومات بالطريقة نفسها التي نستهلك فيها الموارد الأخرى. فالمعلومات بذاتها مولدة للمعلومات... وهذا كاف لأن تنهار تلقائياً العقائد الاقتصادية الكلاسيكية".(9)
هل هذا يعني الانتصار النهائي لليبرالية؟
الليبرالية على الصعيد الاقتصادي تعني السوق الحرة (وهل هناك في الواقع سوق حرة؟). السوق هو "جهاز ضبط هائل، ميزته، على الأقل إلى درجة معينة أنّه يفصل ما بين السلطة الاقتصادية والسلطة السياسية. وهو أيضاً وسيلة لتوزيع مراكز اتخاذ القرارات ذات الطابع الاقتصادي". ولكن إلى إي مدى يستطيع ضبط نشاط وحركة الرساميل الناتجة عن النشاطات الإجرامية؟ إلى أي حد سيستطيع معالجة مشاكل المجتمع، كالبطالة، والجريمة، ومتطلبات المسنين، وتلوث البيئة وغيرها.. أي تطرح أسئلة جديدة على منظري الليبرالية، واقتصاد السوق، تحتاج إلى رؤية وتفكير جديدين..
وإذا عدنا إلى بحث المفاهيم التي تشكل حجر الزاوية في نظريات علم الاقتصاد السياسي، لوجدنا أنّ الملكية في عصر المعلومات تصبح مفهوماً مجرداً و"مضاعف التجريد ومفصولاً عن الواقع. فسهم في أي بي إم هو قطعة من الورق رمز موجود في رأس الناس ..
هنا يكمن التناقض الذي تحدثت عنه. كانت الملكية الخاصة سمة للرأسمالية، وها هي فجأة، هذه المادة الأساسية تنتقل من الرمزية إلى ما يتعدى الرمزية من المادة المحدودة إلى المادة اللامحدودة، وهذا ينفي مفهوم الملكية بالذات. هذه التي تتحدد بندرتها وماديتها".(10)
من كل ما تقدم يتبين أنّ الأزمة التي تعصف بالعالم، ليست اقتصادية وسياسية فقط: إنّها أيديولوجية.
العقائد الماركسية، والليبرالية تبدو أكثر فأكثر غير واقعية بقدر ما تتجاوز الأحداث صياغتنا النظرية بسرعة.
حوّل اللجوء إلى الماركسية لتشخيص بنية المجتمعات المتقدمة تكنولوجياً، يقول توفلر: "في نهاية الحرب العالمية الثانية أعلن الماركسيون بصوت مرتفع أنّ الولايات المتحدة كانت على شفير انهيار اقتصادي .. أما الذي حصل فقد كان بحبوحة الخمسينات.
الطبقة العاملة الأمريكية لم "تشهد تدهوراً في أوضاعها". الانقسامات الاجتماعية تبعاً للجنس والسن والعرق، بدت أكثر أهمية في الولايات المتحدة الأمريكية من التناقضات الطبقية، ومحاولة تفسيرها بتعابير الانقسام الطبقي يعني إخضاع الواقع للنظرية...
بدا لي بوضوح متزايد أنّ الماركسية أداة متخلفة تاريخياً ومشوهة في ما يتعلق في فهم واقع العالم المتقدم تكنولوجياً. واللجوء إليها لإجراء تشخيص لبنية المجتمعات المعاصرة تكنولوجياً كمن يستخدم المجهر العادي في عصر الميكروسكوب الإلكتروني.
ويتابع قائلاً: "الصراع الطبقي ليس سوى واحد من الضغوطات الأساسية في مجتمعنا. وتطوير نظرية كاملة للتاريخ انطلاقاً منه يعني أننا ندرس ظاهرة معقدة من خلال ثقب الباب."(11)
وهكذا يتبين تداخل العلاقة بين المنجزات التكنولوجية وعلم الاجتماع، وكمثال على صحة ذلك يرى توفلر الدور الذي لعبه علماء وبحاثة مشروع منهاتن في صناعة التاريخ عندما أنجزوا أول قنبلة نووية. ويقارن ذلك الدور بالفكرة الماركسية التي تقول إنّ الحركات الاجتماعية هي التي تصنع التاريخ، ليثبت أن الحياة البشرية أغنى منها.
كل ذلك يدل ، كما يقول توفلر، على أنّه حان الوقت لدراسة مجهرية (دقيقة) للمسلمات النظرية التي نتمسك بها بتصميم، ربما نكتشف يوماً أنّها لم تعد ملائمة للواقع الذي هو في طور الولادة، خاصة في عصر المعلومات.
السياسة في عصر المعلوماتية
من الضروري التمعن في التحليل، الذي يرى البعض بموجبه، أنّ أحد أسباب سقوط الاتحاد السوفيتي، نجم عن عجز حكومة السوفييت في الاستمرار في تضليل شعبها، في عصر المعلومات..
يفرض عصر المعلوماتية أموراً جديدة على المجتمعات البشرية، لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند سن التوجهات السياسية لكل بلد، منها: تخطي الحواجز القومية ليس فقط عند نقل المعلومة والخبر، وإنما عند اتخاذ بعض القرارات التي تمس الحياة الاقتصادية، والشؤون الاجتماعية للدول، والحياة الخاصة بعصر الكمبيوتر، وغزارة المعلومات وسهولة الوصول إليها، وسرعة التغير، وحرية المعلومات.. وغيرها من المسائل التي تعزز الحاجة إلى الديموقراطية.
من المعروف أنّ إدارة المجتمع الصناعي، تحتاج إلى إعداد قرارات أكثر بكثير مما تتطلبه إدارة المجتمع ما قبل الصناعي، لم يعد ممكناً في المجتمع الصناعي بالنسبة للنخبة الصغيرة أن تتخذ كل القرارات التي تفرض ذاتها لتسيير المجتمع الجديد. وبدل نخبة محدودة، وراثية ومغلقة، رأينا تكوّن أنظمة أوسع بكثير، ومنفتحة لكي تتحمل العبء الأكثر فأكثر ثقلاً للقرار. وهنا يكمن المغزى العميق "للثورة الديموقراطية" غير المنفصلة عن الثورة الصناعية: إشراك عدد أكبر من الناس في عملية اتخاذ القرار. إذا كانت تلك هي الحال في المراحل الزراعية والصناعية، فكيف ستكون في عصر المعلومات؟
إنّ إدارة المجتمع في عصر المعلومات، تحتاج إلى إعداد قرارات أكثر مما يتطلبه المجتمع الصناعي، بمعنى أدق تحتاج إلى أوساط وقوى أوسع لاتخاذ القرار، وهذا الأمر يتطلب مزيداً من الديموقراطية..
من الملاحظ أنّ نفوذ طبقتي العمال والفلاحين في عصر المعلومات يقل.. "ثمة عوامل تؤثر بسياستنا المستقبلية: التزايد العددي للشغيلة الذهنيين، ونمو جديد وجنوني للشحنة القرارية، وثالثاً، الكمبيوتر".(12)
وفي هذا العصر أخذ يزداد دور التكنوقراط والمبرمجين السياسيين، الذين أخذوا يلعبون دوراً مقرراً في التوجه السياسي للشعوب والمجتمعات، مما يزيد من صعوبة العمل السياسي، ويعقد العملية الاجتماعية.. انطلاقاً من هذه المعطيات على الدول والقوى السياسية بناء سياستها في عصر المعلومات.. وتبقى الصيغة الديموقراطية هي السبيل الأمثل للطبقة العاملة المناضلة في سبيل حماية حقوقها وتحسين الوضع الاجتماعي، في إطار مسيرة التقدم الاجتماعي.. وفي مناسبة الأول من أيار يشرفنا أن نقدم إلى عمال العالم أصدق التهاني، وكل عام وأنتم بخير.
طرطوس نيسان 2004 شاهر أحمد نصر
[email protected]
المصادر :
(1) ـ الحركة العمالية العالمية ـ تأليف مجموعة من الأساتذة السوفييت ـ ترجمة الدكتورة : نجاح ساعاتي تدقيق الدكتور عدنان جاموس دار الجماهير الشعبية ـ دمشق 1985 ـ ص302
(2) ـ نفس المصدر ص427
(3) ـ = = ص343
(4) ـ = = ج2 ـ ص178
(5) ـ = = ج2 ـ ص194
(6) ـ نفس المصدر ـ ج2 ـص220
(7) ـ نفس المصدر ص514
(8) ـ ف. ا. لينين ـ المؤلفات الكاملة ـ موسكو ـ المجلد 20 ،ص68
(9) الفن توفلر ـ وعود المستقبل ـ تعريب فارس غصوب ـ دار المروج ـ بيروت ـ 1986 ص27
(10) نفس المصدر ، ص 112
(11) نفس المصدر ، ص204
(12) نفس المصدر ، ص126



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألم يحن الوقت للغة خطاب جديدة بديلة للغة الاعتقال!
- في سبل اغناء اللغة العربية بالمصطلحات العلمية والحضارية وتوح ...
- مسلسل اللامعقول في زمن الصمت
- الأكراد والعرب أخوة في صالح من جعل القضايا تتراكم والتباطؤ ف ...
- أ ليس مفيداً أن يكون البعثيون في سوريا من أوائل المطالبين بإ ...
- صدى
- هل أصبحت صيغة الحكم من خلال الجبهة وحدها تلعب دوراً معرقلاً ...
- لنفكر بعقل بارد وقلب حار مناقشة موضوعات المؤتمر الـسادس للحز ...
- منطلقات حزب البعث في سورية تحتاج إلى قراءة عصرية للتاريخ(*) ...
- منطلقات حزب البعث في سورية تحتاج إلى قراءة عصرية للتاريخ(*)3 ...
- المعارضة عنوان الأوطان ومصدر قوة لدولة القانون
- وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ - دعوة للتمس ...
- إلغاء قوانين الطوارئ شرط ضروري للمناقشة الموضوعية لفكر حزب ا ...
- من الأشعار الأخيرة لرسول حمزاتوف
- المجتمع المدني ضرورة اجتماعية ووطنية
- الاستراتيجية الأمريكية، والقصور العربي، في السياسة الخارجية
- رسالة مفتوحةإلى: المناضل، عميد كلية الاقتصاد السابق، الدكتور ...
- عصر المعلوماتية 2-2
- عصر المعلوماتية
- الحوار المتمدن عنوان الأممية الحرة


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- الطبقة العاملـة والعمل النقابي في فلسطين ودور اليسار في المر ... / غازي الصوراني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004 - شاهر أحمد نصر - نضال الحركة العمالية العالمية في سبيل الديموقراطية وضرورة تجديد الفكر والممارسة