أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - المعارضة عنوان الأوطان ومصدر قوة لدولة القانون















المزيد.....


المعارضة عنوان الأوطان ومصدر قوة لدولة القانون


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 724 - 2004 / 1 / 25 - 05:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مرّت مسألة تقييم حالة المعارضة، والنظرة إليها من قبل بعض المسئولين في بلداننا، بمراحل مختلفة.. ففي زمن ليس بعيد كانت عملية فوز قوائم المرشحين بالتزكية (من دون انتخاب) تعد من المآثر التي تغنوا بها.. فضلاً عن ربط أفضلية عملية التعيين في الوظائف المختلفة بالانتماء الحزبي، وحصر بعض الوظائف بالانتماء لحزب معين.. ثم ظهر مصطلح المواطن الحيادي الإيجابي.. وفي الفترة الأخيرة أخذ البعض يتناولون مصطلح المعارضة بحذر.. ولا يتوانى البعض من التبجح بضعف المعارضة ووصفها بأنها محدودة العدد لا تستحق أن تأخذ من وقتهم الثمين أي قدر، خاصة وأنّهم منشغلون بعملية البناء، ولا وقت لديهم لمناقشة هؤلاء المعارضين الذي لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد..
فما هي المعارضة؟ وهل لها دور في بناء المجتمع؟ وهل توجد مجتمعات لا تعرف المعارضة؟ وما هو الدور الذي تلعبه في دولة القانون؟ وكيف تتجلى المعارضة في بلداننا؟ وما هو موقف أنظمة الحك منها ، وما هو مستقبلها؟
*   *   *
مع تطور المجتمعات البشرية وجدت الحاجة لإقامة سلطات الحكم، لمعالجة مختلف القضايا التي تعترض الناس أثناء انخراطهم في علاقاتهم الاجتماعية... ومع تطور أنظمة الحكم ولاكتساب السلطة الحاكمة صفة الشرعية في الدولة القانونية العصرية ، ولتستطيع البقاء اعتمدت مجموعة من الشروط، من أهمها: رضا وقبول أبناء المجتمع بهذه السلطة، والتداول السلمي لها، والمساواة القانونية والحرية في ظلها...
ولما كان الشعب هو مصدر السلطة، في الدولة العصرية، تصبح مسألة تنظيم السلطة من قبل الشعب، شرطاً ضرورياً من شروط شرعية السلطة، واستقرار الدولة، وتطورها. فالسلطة لا تبنى من أجل القمع فقط، بل هي سبيل لإحقاق الحقوق الإنسانية، والحرية. ويتم ذلك عبر بنى ومؤسسات اجتماعية مدنية يختارها الشعب، ويحقق مشاريعه وتطلعاته من خلالها.  وتعدّ مسألة تداول الحكم، أهم ميزة من ميزات السلطة في الدولة القانونية، فالمواطن (الناخب) الذي اختار سلطة ما، في وقت وظرف معين، له كامل الحق في تغيير رأيه، مع تغير الظروف، وتطور الأحداث.. وهكذا يحصل تداول الحكم، والتناوب السلمي للسلطة، في النظم السياسية الديموقراطية، ومفهوم تداول السلطة مرتبط بوجود قوى مؤيدة للحكومة، وقوى معارضة لها.  فمن تكون بيده السلطة اليوم، قد يصبح في المعارضة، يوماً ما، والعكس صحيح.. وتحمي هذه الآلية الدولة من احتكار واستئثار بعض السياسيين بالسلطة فيها، تحت أية ذريعة، وتزيدها قوة ومنعة. بل تقوم المعارضة في دولة القانون بتشكيل حكومة ظل تراقب عمل الحكومة القائمة، وتمنعها من الانحراف في مستنقع الفساد، وتكون مستعدة للحلول محلها إذا أصبحت إرادة الأغلبية الانتخابية في صالحها.. ويحمي القانون هذه العملية الديموقراطية. فالمعارضة شرط ضروري لبناء الدولة الديموقراطية بشكل سليم، وهي مصدر قوة لها تعطيها المناعة اللازمة أمام مختلف أنواع التحديات.

 يا لبؤس الأمة التي لا تسمح بنمو المعارضة الداخلية فيها بشكل سليم:
عرف القرن العشرين نموذجاً معيناً في الحكم أطلق على الدولة فيه لقب الدولة لكل الشعب  State of Whole people .. وعمم هذا الاسم على أنظمة الحكم خاصة في الاتحاد السوفيتي سابقاً وألمانيا، وإيطاليا، وأوروبا الشرقية، بالإضافة إلى أنظمة الحكم التي انتهجت ما يعرف بالديموقراطية الشعبية، حيث تماهت الدولة مع السلطة ونظام الحكم، وابتلع الجهاز الحاكم، باسم الحزب القائد ـ الذي هو أحد ضحايا هذا الجهاز ـ جميع مؤسسات الدولة..
ترى أنظمة الحكم هذه أنّها تمثل الكمال في كل زمان ومكان، تنوب فيها أجهزة الحكم عن الشعب، الذي يعبأ في بنى لا حول لها ولا قوة.. لا تعترف آلية الحكم هذه بالمعارضة، وتتغنى بأنّها تمثل الشعب وتتكلم باسمه، وذلك من خلال آليات انتخابية معروفة النتائج مسبقاً، تقود لاستمرار البنى ذاتها، وإن اختلفت أحياناً الوجوه.. وتسود الاقتصاد والمجتمع حالة من الركود والتخلف، يدعوها المستفيدون منها بالاستقرار، وللاستمرار في نفوذهم ينظمون المهرجانات الكرنفالية التي يسوقون فيها العباد سوق النعاج، وينظمون الاستفتاءات التي يجعلون النسبة التي يفوز بها الحاكم تقارب الـ 100%، ويوهمون أنفسهم وأصحاب القرار بأنّ المعارضة لإرادتهم هزيلة، لا وزن لها في صفوف الرأي العام، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك، عندما ينادون بأبدية الحزب القائد والحاكم، متجاهلين سنن الحياة والكون، ومتطلبات التطور الاقتصادي الاجتماعي السليم..
  إلاّ أنّ للحياة الاجتماعية  سننها التي لا تعترف بالثبات والجمود والأبدية.. وأكبر مثال على لك ما حصل في الاتحاد السوفيتي، ودول أوربا الشرقية، على سبيل المثال، التي شملت مناطق نفوذها أبعاداً دولية، وكانت أجهزتها الحاكمة تخرج الملايين من الناس إلى الشوارع ليشاركوا في المسيرات التي كانت تنظمها، و جاوز عدد أعضاء الأحزاب الشيوعية، والجبهات الوطنية التقدمية التي حكمتها عشرات الملايين.. لكنّها لم تستطع الصمود ومواكبة التطور التاريخي، نتيجة تضافر عدة أسباب أهمها الركود الشامل الذي عمّ جميع مفاصلها، كما أنّها لم تستطع معالجة أزماتها الداخلية، وأيجاد البديل نظراً لاستبعادها فكرة المعارضة السياسية المنظمة.. ومع انهيار تلك الأنظمة التي كانت تزعم بعدم وجود معارضة داخلية لها، باستثناء بعض الأصوات من المثقفين التي كانت تتهمهم بالعمالة للغرب ـ كما يفعل بطانية كثير من الأنظمة العربية حالياً ـ تبين العكس تماماً، مع انهيارها وجد القليلون ممن دافعوا عنها، وتبين أنّ غالبية الشعب تعارضها.. فالمعارضة كانت كامنة في أعماق الشعب.. والمعارضة لا يمكن إلغاؤها بقرار، ولا بتصريح مسئول ضحل التفكير ومعزول عن الواقع الموضوعي.. إنّها في الحقيقة جزء مكون حتمي الوجود في المجتمعات البشرية.. وكلما زاد تجاهلها كلما زادت عمقاً وتجذراً في وجدان وضمير الشعوب، وتصبح حصانة ومناعة الدولة التي لا يسمح للمعارضة في النشاط فيها ضعيفة، ومصيرها الانهيار الهش الذي يترك آثاراً وخيمة بعيدة المدى على المجتمع ككل...
 بعض تجليات المعارضة في بلداننا:
 يعد مصطلح المعارضة حديث الاستخدام في بلداننا، كما بيّنا، إذ أنّه لم يعترف بوجود أية معارضة، كما هو الحال في البلدان التي حاولت بناء الاشتراكية، وبلدان ما يسمى بالديموقراطية الشعبية، حيث نعتت المعارضة بالقوى الرجعية العميلة...
بعد فشل تجربة البلدان الاشتراكية في الحكم الشمولي، ونتيجة للتقدم التقني والثورة التي وحدت العالم في عصر المعلوماتية، لم يعد بالإمكان تجاهل أي فعل اجتماعي أو الاستمرار في تضليل الشعوب...وأخذت تهب رياح التغيير على أنظمة الحكم في بلداننا العربية.. وأخذت بعض قوى المعارضة الكامنة تعلن عن وجودها وتعبر عن آرائها بأشكال مختلفة... بالتالي يمكن القول بأنّ المعارضة توجد في هذه المجتمعات في شكل كامن، وبعضها يعّبر عن نفسه بشكل علني أو نصف علني..
 يكمن التعرف على المعارضة في الاتجاهات التالية:
 آ ـ الاتجاه الديني: 
 نتيجة الخلفية الدينية الإسلامية للبنية الاجتماعية التاريخية والثقافية لمجتمعاتنا، ونظراً لقمع السلطات لمختلف أنواع المعارضة، وعدم سماحها للوجود السليم والصحي للمعارضة، ونظراً لهيمنة قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، التي تخلق التربة المناسبة لضعف وتائر النمو الاقتصادي، وتساعد في ترعرع ونمو الفساد.. يضطر الناس في هذه المجتمعات للبحث عن وسائل المناعة فلا يجدون سبيلاً إلاّ المجال الديني.. وهكذا باتباع أساليب التقية تأخذ المعارضة تنمو في الأوساط الدينية، وتأخذ أشكالاً كامنة وعلنية كالهيئات الخيرية والإنسانية وحلقات التعليم والتربية الدينية.. أي إنّ هذه الأنظمة دفعت بشعوبها إلى أحضان مختلف التيارات الدينية، وأوهمت نفسها أنّها تسيطر عليها من خلال بعض المخبرين الذين دستهم في صفوفها.. في نفس الوقت الذي أخذت فيه تلك التنظيمات تتعامل بذكاء مع السلطات الحاكمة متحينة الفرصة المناسبة التي يخلقها التراكم الاجتماعي لتتبوأ المكانة التي تصبو إليها، بل تجدها تحقق الكثير من أهدافها في ظل هذه الأنظمة، من خلال بعض أشكال حكومات الظل.. ومن محاسن هذا الاتجاه تبنيه للنهج السلمي في المعارضة، ونبذه للعنف... وهذا لا ينفي احتمال وجود من يؤمن بالخيارات الأخرى في الأوساط المتدينة... ويلعب تطور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، والموقف في السياسية الخارجية دوره في التطورات اللاحقة لهذا الاتجاه..
 ب ـ الاتجاه العلماني:
 تعبر عن الاتجاه العلماني المعارض في البلدان العربية، قوى وتنظيمات انفصلت عن الأحزاب الحاكمة، التي عانى الكثير من أعضائها السجون، ولم يسمح لها أن تعمل بشكل قانوني وعلني، ولم تستطع أن تتواجد في الوسط الاجتماعي بالشكل الصحيح لأسباب مختلفة...بالإضافة إلى وجود شخصيات ضمن الأحزاب الحاكمة تطرح وتطالب ببعض القضايا التي تتبناها المعارضة كالدعوة إلى التغيير والإصلاح السياسي، ومحاربة الفساد، وإطلاق سراح سجناء الرأي وإلغاء حالة الطوارئ وإصدار قانون الأحزاب.. يضاف إلى ذلك عشرات المثقفين والباحثين الغيورين على مصلحة البلاد، الذين يقدمون الدراسات والاقتراحات لمعالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية المعيقة لتطور بلادهم السليم،  كما توجد الرغبة في الإصلاح والتغيير لدى بعض المهتمين من رجال الأعمال، ومن لهم مصالح اقتصادية في معالجة أسباب ضعف النمو الاقتصادي، والتشوه الحاصل في البنية الاقتصادية الاجتماعية نتيجة استشراء الفساد..
 وتلقى محاولات هذه التنظيمات والقوى والشخصيات صدّاً عنيفاً من قبل المستفيدين من البنية القديمة، ومن الذين لا يستطيعون الوجود إلاّ في ظل الفساد وحالة الطوارئ التي تحميهم.. لذلك نجدهم يخلقون كافة الذرائع لإحباط أية محاولة للتغيير، ويكيلون الاتهامات لمن ينادي بالتجديد والتغيير.. ولا يتوانون عن إطلاق صفات العمالة والخيانة على المعارضة، لأنّها تتعارض مع مصالحهم ومكاسبهم التي حصلوا عليها بطرق الفساد المحمي بقوانين الطوارئ..

 جـ : المعارضة الكامنة:
يعتقد من يعتمد أساليب الحكم القائمة على القمع والتخويف، وحرمان الشعب من الانتظام في تنظيمات وأحزاب علنية معارضة، يعتقدون أنّه لا وجود للمعارضة في المجتمع.. أو أنّ المعارضة محصورة فقط في بعض القوى والشخصيات محدودة التأثير.. وهذا ما نلاحظه في تصريحات عدد من المسئولين الذين يثيرون الشفقة، بقدر ما تدعو الشعوب التي يحكمونها إلى الشفقة... إنّهم يتجاهلون حقيقة إبداع الشعوب ... ففي المجتمعات التي تحظر النشاط العلني لمختلف أشكال المعارضة، والدفاع عن الحقوق ودفع الظلم، كالتظاهر والإضراب.. تبدع الشعوب أشكال إضرابها ومعارضتها المختلفة، والتي تتجلى بمواقفها العملية في مختلف ميادين الممارسة اليومية، والعكوف عن تنفيذ الأوامر.. وهكذا فالمعارضة الحقيقية إذا لم يتح لها الإعلان عن نفسها بشكل ديموقراطي متحضر، فإنّها تكمن في أعماق المجتمع والشعب، الذي تتحول غالبيته إلى معارضة تعبر عن ذاتها بأشكال متنوعة دفينة، وتتحين الفرصة المناسبة لرفع العبء الثقيل عن كاهل الشعب... من المؤكد أنّ غالبية الشعب تعارض الفساد في الاقتصاد والمجتمع...  في مجتمع لا تصل فيه نسبة الاقتراع في أية انتخابات، على الرغم من مختلف أشكال الترغيب والترهيب، عن 15ـ20%، ماذا يطلق فيه على النسبة المتبقية والتي تزيد عن 75% من الشعب؟! 

 في نشاط المعارضة:
في البلدان التي لا يسمح فيها بالنشاط السليم للمعارضة، يبدأ نشاط المعارضة العلني في المراحل التاريخية الانعطافية، وتدشن بعض القوى والشخصيات هذا النشاط بإصدار الدراسات والبيانات حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد، وتحاول تنظيم العمل في صالونات ومنتديات وتنظيمات تهتم بالحوار والبحث عن مخرج للمأزق الذي وصل الجميع إليه...
ومن الطبيعي أن تحصل أخطاء في عمل ونشاط المعارضة، خاصة إذا لم يسمح لها بالعمل القانوني السليم، فتظهر الآراء المتطرفة، والصبيانية، بل تعلو أصوات هؤلاء، ويستغل المتضررون من وجود معارضة بناءة هذه الأجواء ليشوهوا سمعة المعارضة، ويألبوا السلطات للانقضاض عليها، بسبب خوفهم منها لأنّها ستعريهم أمام الشعب والتاريخ، فيجري الانقضاض على المعارضة قبل أن تنضج بشكل صحيح، وتقول كلمتها..
ومن المعروف أنّه في ظل أجواء قوانين الطوارئ، التي يحرم فيها العمل السياسي السليم، ينكفئ أبناء المجتمع بشكل عام عن العمل السياسي، ويزداد انكفاؤهم ، مع استمرار نفس الظروف السابقة، ومع تسعير الحملة على المعارضة، وزج رموزها في السجن... وبالتالي فسبب انكفاء الشارع عن المعارضة لا يكمن في المعارضة نفسها، بل سببه آلية التعامل مع العمل السياسي في البلاد، والخوف من وجود المعارضة بشكل عام. وهنا يتبادر إلى الذهب سؤال: من يخاف من المعارضة، ولماذا؟!
مع الإقرار بحتمية وجود خلل وضعف في عمل المعارضة، لا بدّ من الاعتراف بأن طبيعة بعض أنظمة الحكم، وغياب قوانين العمل السياسي الديموقراطي مسئولة أيضاً عن الثغرات في عمل المعارضة.. ولمعالجة هذه المسألة، يجب العمل على إصدار القوانين اللازمة التي تحكم عمل المعارضة والحكومة، وليس التشفي وإلغاء المعارضة وزج رموزها في السجون..
أجل إنّ أنظمة الحكم تتحمل قسطاً أساسياً من المسئولة عن الشكل البائس الذي تظهر فيه المعارضة. وتتحمل مسئولية دفع بعضها للارتماء في أحضان الأعداء..

أصبح مؤكداً أنّ المجتمعات التي تقمع المعارضة، ولا تسمح بتفتح طاقات المجتمع في مؤسسات مدنية ديموقراطية، تعاني من أمراض وويلات تظهر هشاشة البنيان الاجتماعي السياسي في أية محنة يتعرض لها .. قد يبدو البنيان سليماً وقوياً لوهلة من الزمن، ولكن ماذا عن المستقبل ؟! إنّ الغيورين على شعوبهم ومستقبل أبنائهم لا يفكرون في اللحظة الراهنة فحسب، بل يخططون للأجيال المقبلة.. ولما كانت الأجيال المقبلة ستعيش في ظروف غير الظروف الحالية ، فمن المنطقي أن نهيأ لها إمكانية ظهور بنى غير البنى السائدة حالياً تنسجم مع متطلبات المرحلة المقبلة، من غير المقبول أن يهيمن فكر سياسي ومفرزاته التنظيمية لمدة تناهز القرن من الزمن.. فإبقاء نفس الفكر والبنى جاثمة على صدر الشعوب لأجيال وأجيال، يلعب دوراً معرقلاً في تطورها ويحتم وجود المعارضة على الرغم من التجاهل والحظر... 
المعارضة عنوان الأوطان:
من البديهي أن يجري في الدول القائمة على الأسس القانونية الحضارية التمييز وعدم التطابق بين الوطن والدولة، من جهة ، وبين أنظمة الحكم، والأحزاب الحاكمة، من جهة ثانية.. فالدول والأوطان لسيت السلطة الحاكمة وأجهزتها فقط، بل تضم بالإضافة للأحزاب الحاكمة والموالين لها، تضم قوى ومؤسسات أخرى غير هذه الأحزاب والموالين لها ، بعضها معارض لهذه الأحزاب، ومن أشد الأخطار التي تضعف المعارضة تماهيها مع أنظمة الحكم في جميع المواقف.. مع عدم تجاهل تلك الحالات التي توجد فيها  مهام وأهداف وطنية مشتركة بين المعارضة والحكم ، خاصة عندما يصبح الوطن معرضاً للأخطار.. فجميع أبناء الوطن، الذين يعملون لإعلاء شأنه، ورفعته، وسموه وحماية وجوده، هم وطنيون، بغض النظر عن موقفهم من نظام الحكم.. لا يمكن وصف أي مواطن معارض لنظام الحكم بأنّه غير وطني ـ كما درجت العادة عند بعض الأنظمة وأجهزتها، (التي يجب أن تتألف في الأحوال الطبيعية من جميع أبناء الشعب، وتعمل لخدمتهم جميعاً، ولا تنتمي لحزب محدد وتعمل على خدمته بمفرده) ـ ، بل من الممكن أن تكون المعارضة أكثر وطنية من بعض الحكومات وأنظمة الحكم... ففي كل مجتمع سليم معافى توجد معارضة جدية معترف بها، ولها كامل الحق في الوصول إلى الحكم بالوسائل القانونية الشرعية والديموقراطية..
إنّ أنظمة الحكم الديموقراطية العصرية السليمة تفتخر بمعارضتها، لأنّ وجود المعارضة يعدّ شرطاً ضرورياً لوجود دولة القانون العصرية، التي تنسجم مع متطلبات التطور والتفاعل السليم في هذا العصر، والدول التي لا تسمح للمعارضة بالتشكل والوجود فيها بشكل صحيح وسليم، تبقى عاجزة عن التعامل السليم مع متطلبات هذا العصر، والاستفادة من كل إمكانياته في صالح شعوبها.. 
يقود عدم السماح للمعارضة أن تتشكل في المجتمع بشكل قانوني سليم، إلى ظهور معارضات بعضها مشوه في الداخل وفي الخارج.. وتعطي هذه الحالة عناصر القوة للقوى المعادية خاصة الخارجية منها، وتساعدها في أن تجد أوساطاً تتغلغل من خلاها لتحقيق مآربها المبيتة... فالمسئول الأول عن وجود المعارضة المشوهة في الداخل والخارج، هو أنظمة الحكم، والبنية السياسية التي لا تسمح بالتطور والنمو السليم للمجتمع بمختلف تلويناته الموالية والمعارضة.. ونظراً لتعنت الحكومات واستمرارها في تجاهل الأسس السليمة للتطور الاجتماعي، ووصول الجميع إلى مأزق حاد؛ يجد البعض المبررات والمسوغات للبحث عن نقاط التلاقي مع مختلف القوى التي تساعد في الخروج من هذا المأزق...
لقد أثبتت العديد من القوى والشخصيات المعارضة أنّها تتمتع بالروح العالية من المسئولية، وبالتفكير والمنهج العقلاني، والموضوعي، ولم تلق من الحكومات حتى الآن إلاّ التجاهل والإزدراء.. ولم تثبت أية شخصية حكومية مسئولة بالممارسة والعمل، ـ وليس بالتصريحات التي لا تغني عن جوع والتي يعلن فيها عن وجود معارضة ومنتديات، في نفس الوقت الذي يتم التراجع عنها ببساطة وزج رموز المعارضة والمنتديات في السجون ـ ، ولم تقدم أية شخصية رسمية رؤيتها العلمية الموضوعية السليمة وجديتها في معالجة هذه المسألة، على الرغم من وجود فرص تاريخية هامة كانت كفيلة بإدخال من يستثمرها بشكل صحيح التاريخ، لما في ذلك من خدمة للمجتمع، وسبق تاريخي في بناء الدولة على أسس حضارية سليمة...

من المسئول، وفي صالح مَن، هذه الحالة التي وصلت إليها بلداننا والمعارضة معاً؟

إنّ التباهي والتصريح من قبل البعض بأن عدد أعضاء المعارضة لا يتجاوز عدة أنفار، وبالتالي لا حاجة للالتفات إليهم، يسيء إلى الشعب والوطن، ولا يساعد في معالجة التحديات التي تجابهها البلاد...
لقد آن الأوان لفهم وتبني عملية التطور الاقتصادي الاجتماعي والسياسي السليم، المنسجم مع متطلبات التطور العصري والحضاري.. والذي تعدّ أحد أركانه الأساسية مسألة وجود المعارضة في الدولة الديموقراطية المبنية على أسس حقوق الإنسان والقانون والتعددية السياسية وفق قانون تشكيل أحزاب سياسية عصري، والتداول السلمي للسلطة، الذي يتناقض مع مفهوم الحزب القائد للدولة والمجتمع.. وكما يحق للشعوب دعم حكوماتها التي تعبر عن مصالحها والتباهي بها، يحق لها أيضاً أن تدعم معارضتها الغيورة على مصلحة الوطن، والتي تعدّ ضمانة مستقبله المضيء، وتتباهى بها أيضاً..

طرطوس ـ كانون الثاني / يناير    2004         
                                              [email protected] 

 



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ - دعوة للتمس ...
- إلغاء قوانين الطوارئ شرط ضروري للمناقشة الموضوعية لفكر حزب ا ...
- من الأشعار الأخيرة لرسول حمزاتوف
- المجتمع المدني ضرورة اجتماعية ووطنية
- الاستراتيجية الأمريكية، والقصور العربي، في السياسة الخارجية
- رسالة مفتوحةإلى: المناضل، عميد كلية الاقتصاد السابق، الدكتور ...
- عصر المعلوماتية 2-2
- عصر المعلوماتية
- الحوار المتمدن عنوان الأممية الحرة
- من متطلبات الدخول السليم في عصر المعلوماتية
- قانون الأحزاب السياسية من وسائل الإصلاح السياسي الديموقراطي
- مشكلة العرب والمسلمين ليست مع اليهود كيهود
- مصير العملاء السريين
- العلم عند العرب بين النهوض والتعثر
- إذا أردتم تحرير المرأة ، فابنوا مجتمعات على أسس متحضرة
- هل استكملت الأنظمة العربية عملية بناء الدولة القابلة على الب ...
- هل هناك من يريد ويعمل على البحث عن مطبات تعرقل الإصلاح؟
- المصلحة الوطنية تقتضي منع محاكمة من يتوجه لحضور محاضرة!
- الأنظمة الديموقراطية الشعبية المتكلسة ديموقراطية المظهر، ديك ...
- الديموقراطية في دولة الحق والقانون وسيلة ضرورية للتطور ومواج ...


المزيد.....




- لعلها -المرة الأولى بالتاريخ-.. فيديو رفع أذان المغرب بمنزل ...
- مصدر سوري: غارات إسرائيلية على حلب تسفر عن سقوط ضحايا عسكريي ...
- المرصد: ارتفاع حصيلة -الضربات الإسرائيلية- على سوريا إلى 42 ...
- سقوط قتلى وجرحى جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية بالقرب من م ...
- خبراء ألمان: نشر أحادي لقوات في أوكرانيا لن يجعل الناتو طرفا ...
- خبراء روس ينشرون مشاهد لمكونات صاروخ -ستورم شادو- بريطاني فر ...
- كم تستغرق وتكلف إعادة بناء الجسر المنهار في بالتيمور؟
- -بكرة هموت-.. 30 ثانية تشعل السوشيال ميديا وتنتهي بجثة -رحاب ...
- الهنود الحمر ووحش بحيرة شامبلين الغامض!
- مسلمو روسيا يقيمون الصلاة أمام مجمع -كروكوس- على أرواح ضحايا ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - المعارضة عنوان الأوطان ومصدر قوة لدولة القانون