رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 2659 - 2009 / 5 / 27 - 09:56
المحور:
كتابات ساخرة
كنا ثلاثة أصدقاء (رجلين وسيدة ) في طريقنا الى مدينة يوتوبوري Göteborg , التي تبعد عن مدينتنا حوالي ساعة زمن , وذلك في عطلة نهاية الاسبوع , لأجل تنفيذ الشرط الذي لعبنا به الورق (الكارت ),ولأن صديقاي , خلود وتحسين لا يحبذون اللعب من أجل الفلوس , فقد إقترحوا الذهاب الى المطعم العراقي (الكردي ) ,للتمتع بأكلة الكباب والتكة والقوزي التي نفتقدها في مدينتنا لعدم وجود مطعم عراقي كبير ,وسحقا لنظام الريجيم مرة في الاسبوع !
وفي طريقنا إليها , إقترحت خلود الذهاب الى الاكشون أو المزاد أو البازار في تلك المدينة الجميلة الواسعة والتي تعتبر من أجمل مدن وموانيء شمال أوربا وهي ربما ثاني أكبر مدينة في السويد بعد العاصمة ستوكهولم وتقارب مدينة مالمو في مزاياها وتتفوق عليها في الجمال والطبيعة الساحرة (الواقع كل مدنهم هكذا )
دخلنا البازار , (وكانت مجاملة مني لهم , لأني أنفر من تلك الاماكن المزدحمة)
ومنذ أول وهلة , يسود شعور عند المرء بأنه , ليس في السويد , بل ليس في أوربا ..لكنه قد يكون في العراق أو مصر أو الشام أو ربما إيران أوتركيا ,
ليس فقط لأن غالبية الموجودين هم من المهاجرين Invandrare
,بل لأن طريقة عرض السلع وتكديسها والازدحام الشديد والصراخ بالطريقة الشرقية وحتى أكياس التعبئة الرخيصة والاوساخ وكل شيء يوحي بذلك !
وكان أول من جذب إنتباهي في وسط كل هذا الازدحام هو رجل شرقي سمين بلحية مشتتة ودشداشة قصيرة وتحتها بنطلون وفوق الدشداشة قد لبس قمصلة قذرة , وقد إفترش أمامه مجموعة واسعة من الكتب الاسلامية والكاسيتات والسي ديات والايات المنقوشة على القماش والسبح والعطور (المكية) والسواك وماشابه من تلك الاشياء التي نجدها في وسط البلد في عمان ونحن نمر من أمام مسجد الحسين أو في مثيلاتها العربية الشرقية , ودون وعي مني صرخت , ماهذا ؟؟ هل يمكن ذلك ؟؟ في السويد ؟؟كيف يسمحوا بذلك ؟
فحذرتني خلود مباشرة أن أخفض صوتي , فقد أتعرض لطعنة سكين من أحدهم , إذا لم أنتقي كلماتي بحذر , وضحكت , فأجبتها لكننا في السويد وليس في مصر أو العراق أو أفغانستان مثلا فلماذا هذه الخشية ؟ قالت لي ربما أنك تأتي هنا لأول مرة ولم تشاهد ما يحدث في مثل تلك الحالات ,وأخبرتني بكلام لم أصدقه لكني تظاهرت بتصديقه وأخفضت صوتي مراعاة لقلقها المستمر !
أما صاحبنا أبا أحمد الذي كان مشغولا في البحث عن فستان جميل لصغيرته ,فقد علق عند سماعه حوارنا , بأنه سيرتاح لو دفع الفاتورة في المطعم لشخص واحد (فقد كان هو الخاسر ), وضحكنا كثيرا على حالنا وتفكيرنا , وفي السيارة تحدثت لهم عن التهديدات التي وصلت كاتبنا الكبير إبراهيم أحمد قبل فترة , لكن السبب كان مختلفا , بيد أن الذي يجمع الموضوعين هو كيف وصلت السويد الى هذه المرحلة من الفوضى وهذا العدد الكبير من المهاجرين من مختلف الجنسيات وكيف يسمحون بتهديد نظامهم وحياتهم وسلامهم الروحي والجسدي ؟
وطبعا عقدت المقارنات الفورية عن حال الاقليات في بلادنا وهم من أصل البلد ,بل أحيانا هم الأصل ونحن الفرع ,(تذكرت إحتلال الطاغية للكويت وقولته الشهيرة عاد الفرع الى الاصل ,وعاد الابن الى حضن إمه , فعلق مديري في العمل وقتها ..هذه أول مرة أرى فيها أم ترضع من طفلها ! وتعليق أحد باعة الكاسيت وقتها قطعة تقول ..لدينا أحدث كاسيتات المطرب العراقي الجديد عبدالله رويشد ) ..
السويد بلد واسع نسبيا مساحته تقرب من 450 ألف كم مربع (أكبر من العراق بقليل ) , بينما نفوسه 9 ملايين فقط ,أي بكثافة سكانية قليلة جدا , مقدارها 20 نسمة للكيلومتر المربع الواحد , وتكون الغابات حوالي نصف مساحة البلد بينما تكون البحيرات والمسطحات المائية حوالي 10 بالمئة من مساحته الكلية وهو من أغنى عشر بلدان في العالم بالمياه والغابات والطبيعة الساحرة, ولولا البرد الشديد شتاءا لكان هو جنة الله وفردوسه الموعود !
عدد المهاجرين حاليا يقرب من مليون , لكنهم في تزايد مضطرد , من جميع خلق الله وإن أستطعت أن أفهم كل العادات السويدية وطبائعهم الجميلة والغريبة لكني لن أفهم طريقة تفكيرهم الأنسانية الى تلك الدرجة التي تفوق الوصف والخيال , وليس سرا أن أقول بأن غالبيتنا نحن المهاجرين ننتقدهم لذلك التصرف بل يصوت الكثير منا في الانتخابات للاحزاب التي لا تدعم الهجرة ,لكني مع ذلك أعطيت صوتي اليوم الى الحزب الديمقراطي الاجتماعي Social Demokratik في انتخابات البرلمان الاوربي,الذي يدعم المهاجرين بشدة لأني عضو فيه وهو يركز أيضا على قوانين العمل والبطالة وما شابه ذلك !
الشعب السويدي غريب من كثرة طيبته وربما هو يمثل الحالة الانسانية الطبيعية لكننا وبسبب عقائدنا وتراثنا نستغرب ذلك , وكلما تحدث مشكلة لأحد أصدقائي وأراه يتذمر منها ,أشرح له حال بلادنا وإذكره بتعامل البعض منا مع الاخوة المصريين في ثمانينات القرن الماضي عندما أفرغ القائد الضرورة البلد من رجاله وأستقدم المصريين ليسدوا الفراغ , وأذكرهم بحالنا نحن العراقيين في مطارات عمان أو دمشق أيام الطاغية وكيف ينظر إلينا كمذنبين حتى يثبت العكس !
أعود الى المزاد , الذي لم أشتر منه غير الحلويات والجوز ,وطز بالريجيم ,توقفنا للسؤال عن أسعار بعض الاشياء كالسجاد أو المصوغات أو أثاث البيت وكان معظم الباعة يتصرفون بالطريقة الشرقية أي طلب سعر عالي ثم القبول بالمساومة الكبيرة .
وفي طريق عودتنا الى السيارة مررنا بصاحبنا السمين صاحب الاسلاميات الذي نظر إلي شزرا , فتأكدت رؤية خلود لديها , فأقتربت منه وسألته مبتسما لماذا هي مشتتة هكذا ؟
قال ماهي ؟
قلت له ...ال..ال...كتب
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟