سعد الكناني
كاتب سياسي
(Saad Al-kinani)
الحوار المتمدن-العدد: 2658 - 2009 / 5 / 26 - 09:35
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تبرز اليوم حاجة ملحة لإجراء مراجعة شاملة لمواطن الخلل في الأوضاع العامة وإبداء الحرص والاستعداد الكاملين لإيجاد المعالجات الضرورية لها في إطار ائتلافي واسع من المبادرات والمساعي البناءة والمسؤولة للفئات والتيارات والأحزاب والشخصيات العراقية المختلفة التي تلتقي تحت ظل رؤية ديمقراطية ووطنية شاملة وموحدة وتلتزم بتحقيق عدد من المهمات الجوهرية الهادفة لإنقاذ البلاد وتطبيع الحياة العامة واستعادة التوافق الوطني على أسس سليمة ومتحررة من مظاهر الانغلاق والتعصب المذهبي والعرقي وفق المعالجات التالية :-
1- اتمام العملية السياسية وفق رؤيا وطنية عراقية خالصة بعيدة جدا عن الارتباطات والتأثيرات الخارجية وجعل خدمة الشعب العراق الاسبقية الاولى لان هذا الشعب قد عانى الكثير من المصائب والمظالم والقهر والقسر والحيف خصوصا بعد احداث 2003 اذ ان بلوغ هذا الهدف، من شأنه أن ينجز مهمات المرحلة المطلوبة الان ويفتح الطريق لتطبيع الحياة العامة في البلاد ويضع الأسس لإقامة حكم ديمقراطي من خلال الانتخابات العامة التي ستجري في 30 من كانون الثاني عام 2010 ويعزز سلطة القانون ويحفظ النظام ويوفر المناخ اللازم للتعبير عن الارادة الحرة للمواطنين وتمكينهم من الاعراب عن خياراتهم بشأن آليات ومؤسسات ادارة الشؤون العامة. ولعل أهم الحلقات الباقية من هذه العملية هي تعديل الدستور في مواطن الخلل والفجوات والصراع ليجسد المبادئ الديمقراطية ويوفر ضمانات جدية للتكافل الاجتماعي والوحدة الوطنية الحقة ويصون حقوق المرأة في اطار نظام جمهوري فدرالي (اتحادي) يكفل الحقوق والمطامح القومية المختلفة لجميع الفئات المكونة للشعب العراقي. بما فيها الوضع الخاص لمنطقة كردستان العراق وادارتها الاقليمية. والحقيقة، ان اعادة بناء مؤسسات الدولة وتحديثها على أسس عصرية، وتمكينها من تأدية وظائفها بصورة فعالة وجعل ولائها للوطن ومسؤولة أمام الدستور، يعتمد بالدرجة الأولى على النجاح في اتمام مهمات العملية السياسية على نحو يحفظ استحقاقات المواطنة ويصون مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين ويخلق المناخ اللازم للمنافسة البناءة فيما بينهم على أساس الخبرة والمؤهلات المهنية والقدرات المعرفية. كما ان انجاز العملية السياسية بشكلها المطلوب من الشعب العراقي ، سيفتح آفاقا أرحب، لاستكمال السيادة الوطنية ويساعد على تطبيع العلاقات الخارجية للعراق عربيا «ودوليا» على أساس من احترام المصالح المتبادلة والروابط الاقتصادية والثقافية المشتركة واحترام التعهدات الاقليمية والدولية الضامنة لحقوق العراق ومستلزمات نهوضه اللاحق في جميع المجالات.
2- الطريق لاستعادة الأمن وتعزيز الوحدة الوطنية وإزاء تعرض البلاد لموجات متلاحقة من الارهاب والتخريب وتوسع دائرة الانقسام والصراع الدموي، يتعين بذل جهود استثنائية لاستعادة وتعزيز الوحدة الوطنية في اطار الالتزام المتبادل بين جميع الفئات والجهات بمهمة إقامة نظام ديمقراطي حر، يحرص على احترام حقوق الجميع من غير تمييز أو محاباة، وفي المقدمة منها التمسك باستحقاقات المواطنة العراقية، ويسعى لتصفية الخلافات وابعاد دوائر ( الحوزية الدينية السياسية) وتأثيراتها التي سببت وتسبب الخراب والدمار للعراق وجعل القرار السياسي قرار مؤسساتيا مهنيا ويعيد الأمن والاستقرار للبلاد ويضع حدا «لأعمال الارهاب» والعنف والتخريب ويستعيد السيادة الوطنية كاملة ويسهر على استيعاب وإشراك كل الجهات الراغبة في تنفيذ هذه المهمات. في هذا السياق، تبرز الحاجة لمواجهة نوعين من المخاطر والتحديات. فعلى الصعيد الداخلي، يمثل الاستقطاب الطائفي، وممارسة العنف، خطرا «جديا» على الوحدة الوطنية، ويهدد وحدة المجتمع ويوفر مناخا «ملائما» لأعداء العراق لتوجيه سهامهم نحو أمن المواطنين وممتلكاتهم وللاستقرار العام، ويقوض موارد الدولة ويزيد من سفك الدماء وقتل الأبرياء. ويترافق مع الاستقطاب الطائفي الداخلي تفاقم المخاطر الخارجية والتدخلات الاقليمية ، لتشكل هي الاخرى، تهديدا «كبيرا» للوحدة الوطنية وتغذي بؤر التعصب والتخريب والعنف على نطاق واسع. إن أي مسعى وطني لاستعادة الوحدة الوطنية وترسيخها لا يكتب له النجاح ما لم يعالج الاحتقان الطائفي الذى تغذيه نزعات سياسية ضيقة بغلاف ديني معروف المصادر بهدف الهيمنة والاستحواذ على السلطة ومقدرات البلاد، ولا يمكن بلوغ ذلك أيضا «ما لم تتخذ إجراءات حازمة لمنع التدخلات الاقليمية التى تأخذ أشكالا وصورا مختلفة» وتهدف لفرض سياسات وأطماع خارجية تتعارض ومصالح الشعب العراقي وخياراته الوطنية والديمقراطية.
والواقع ان الخيار الوطني والديمقراطي الذي تدعو له جميع القوى الخيرة في البلاد، هو البديل الطبيعي والفعال لمواجهة هذين الخطرين، والقائم على مبادئ الحوار البناء والتسامح الديني والمذهبي والرافض لجميع أشكال التعصب والتقوقع والاحتراب التى تلحق أسوأ العواقب بالوحدة الوطنية والمصالح العامة للعراق.
3- توفير الخدمات الأساسية ومن مظاهر المعاناة القاسية والمتواصلة، التي يعيشها المواطنون هو تدهور الخدمات الأساسية ذات الأهمية المباشرة بالنسبة لمعيشتهم كخدمات الطاقة (الكهرباء والوقود) التي شحت على نحو خطير وفي ظروف مناخية قاسية هذه الأيام، وكذلك تردي نوعية المياه وتناقص كميتها مما يهدد السكان بأخطار جمة. فضلا «عن تدني وتناقص الخدمات الصحية والتعليمية بشكل ملحوظ، وعدم الإيفاء باستحقاقات البطاقة التموينية لفترات عديدة وتردي نوعية موادها».
ان هذه الظاهرة المريعة، أخذت أبعادا «خطيرة» في الأشهر الأخيرة، وأثارت موجة من السخط والغضب بين المواطنين الذين يدفعون ضريبة باهضة من الحرمان والمعاناة على حساب راحتهم ونوعية حياتهم وحقهم الطبيعي إزاء الدولة المسؤولة عن تأمين هذه الخدمات وتطويرها وحمايتها. ومهما بلغت أعمال التخريب والإرهاب المدانة التي تستهدف المرافق الخدمية الحيوية، فلا يمكن لأحد أن يتسامح مع الحكومة وأجهزتها المختصة ازاء القصور الواسع الذي يميز أداءها وفشلها في معالجة المعضلات الحيوية والعمل على تطويرها وحمايتها.
4- معالجة المشاكل الاقتصادية بالإضافة الى ذلك، فقد شهدت الفترة الأخيرة، مزيدا «من التعقيدات في الأحوال الاقتصادية للبلاد». وانعكست بصورة سلبية وثقيلة على معيشة المواطنين وحقهم في التمتع بحياة كريمة وآمنة ومستقرة. فلم يطرأ تحسن فعلي على سوق العمل بما يكفل فرص ومجالات عمل جديدة تسهم في تقليص مساحة البطالة التي باتت ترهق غالبية السكان وتدفع فئات عديدة، ولاسيما الشباب، نحو مناخات اليأس والقنوط والانحراف وتحويلهم الى هدف «سهل» للتورط بجرائم ونشاطات مناهضة للدولة والمجتمع. كما اشتدت هذه الظاهر بفعل الاجراءات السياسية المقصودة السابقة في حل الجيش والأجهزة الأمنية والإعلام، مما أوجد جيشا «عرمرم» من العاطلين. وعلى الرغم من بعض القرارات التي أتخذت لتصفية آثار هذه الأخطاء، إلا ان قسطا «كبيرا» منها ما زال من غير حل، ويلقي بظلاله الثقيلة على الحياة الاجتماعية لقطاع غير قليل من السكان.
ان الوضع الاقتصادي العام، يواجه تحديات ومصاعب كبيرة. فبعض الاصلاحات الاقتصادية المنشودة، التي تقررت بموجب مجموعة من القوانين والقرارات، لم تأخذ طريقها الى التنفيذ بعد. ولاسيما تلك المتعلقة بإصلاح الشركات والمؤسسات العامة وأوجه الانفاق العام وتطوير القطاع الخاص وتعزيز دوره في الحياة الاقتصادية، فضلا عن الارقام المؤشرات العليا في الفساد الاداري والمالي . ففي الظرف الحرج الذي يسود البلاد، وغياب البرامج البديلة الكفيلة بالحماية الاجتماعية للمواطنين، تجد الحكومة نفسها في مأزق جدي للغاية، الأمر الذي يضيف بعدا «مهما» آخر للأزمة العامة والخانقة التي تخيم على المواطنين وتنذر بمتاعب سياسية واضطرابات شعبية.
إزاء هذه الاوضاع والأزمات المتفاقمة التي تعيشها البلاد، وتهدد مستقبل الشعب باحتمالات خطيرة، تواجه القوى السياسية والرأي العام العراقي برمته مسؤولية البحث عن أفضل السبل والحلول للمعضلات الماثلة والسعي لتجميع الجهود الوطنية وتوحيدها حول برنامج سليم وفعال للانقاذ والوحدة الوطنية والتغيير الديمقراطي الشامل. وهي مهمات كبيرة، لا يستطيع أن ينهض بها طرف أو جهة سياسية واحدة، مهما بلغت قوتها ونفوذها. فلن يجدي نفعا «إنكار» حقائق الواقع المر الذي يعيشه الشعب، أو التشبث بممارسات خاطئة وسقيمة من شأنها تعميق الأزمة العامة وإلحاق مزيد من الأضرار بالمصالح الوطنية. لذا فان نداء الساعة، هو النداء الوطني المسؤول والشامل والموحد الذي يعلو على كل ضجيج ومكابرة، ويدعو بإلحاح الى تركيز الجهود لتقييم الحالة العامة في البلاد بجرأة وتجرد، والخروج بسياسات وحلول بناءة تستعيد التآلف الوطني وتدرأ الأخطار الخارجية وتمهد الطريق لتجربة ديمقراطية واعدة ومعطاءة.
#سعد_الكناني (هاشتاغ)
Saad_Al-kinani#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟