الصحافة وروز اليوسف وملف النوبة

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

الحوار المتمدن-العدد: 2624 - 2009 / 4 / 22 - 06:32
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    

لقد تجاهلت صحافتنا القومية القضايا التى كانت ومازالت تؤرق أهل النوبة منذ تهجيرهم فى العقد الأول من ستينيات القرن المنصرم، فاستغل قلة من الكتاب والمثقفين صفحات صحف المعارضة لكى يسخروا أقلامهم لبث روح التفرقة واللعب على أوتار حساسة فى نسيج المجتمع المصرى. ففى بداية عام 1994م اتهمت صحف المعارضة وعلى رأسها جريدة العربى الناصرى الجمعيات النوبية بأنها تسعى إلى استقلال النوبة عن مصر. أما فى جريدة "الشعب" الصادرة فى 23 ديسمبر 1997م فقد ذهب أحد الكتاب إلى أن هناك محاولة لكتابة اللغة النوبية القديمة، وأن هذه النزعة سوف تؤدى فى النهاية إلى المطالبة باستقلال النوبة. وربما يجهل هؤلاء الكتاب أن هذا الاتجاه بعيد كل البعد عن فكر النوبيين الذين يدركون حقيقة هذه الأساليب الرخيصة. من الملاحظ أن مثل هذه المحاولات التى نجحت فى السابق فى عرقلة تلبية مطالب أهل النوبة قد توقفت الآن، والفضل يرجع ليقظة بعض المؤسسات الصحفية وعلى رأسها مؤسسة روز اليوسف التى أولت اهتماما خاصا للملف النوبى حيث انتقل محرروها إلى منطقة النوبة بهدف الإلمام بالجوانب المختلفة لمطالب أهلها والاطلاع على أفكار وآراء قياداتها المختلفة.

لا نبالغ إذا قلنا إن "روز اليوسف" تهتم بالقضايا القومية وتولى اهتماما خاصا لقضايا النوبة. لقد سبق أن قدمت لنا "روز اليوسف" ملفا عنوانه " هل النوبة مشكلة؟" إن الإجابة على هذا السؤال تطلب زيارة ميدانية لمنطقة النوبة وتطلب عقد لقاءات وحوارات صريحة مع الأطراف الفاعلة والقيادات المختلفة التى عبرت بصدق عن مطالب أهل النوبة وآمال أهلها واتفق الجميع عندئذ أن النوبيين يرفضون فكرة الانفصال عن مصر ولا يسعون لإقامة دولة مستقلة وأكدوا أن هذه الفكرة الخبيثة هى من بنات أفكار بعض رجال الإعلام. وبعد مضى أربع سنوات تعود "روز اليوسف" مرة أخرى إلى منطقة النوبة بهدف الإلمام بمفردات الأزمة التى اشتعلت مؤخرا بشأن المطالب التى استجابت لها الحكومة. لقد أجرى الأستاذ رجب المرشدى تحقيقا رائعا نشرت وقائعه فى مجلة روز اليوسف الصادرة فى 11 إبريل 2009م حيث تبين أنه جاب كل المناطق التى يتواجد فيها أهل النوبة سواء فى القاهرة أو مدينة أسوان أو منطقة التهجير فى نصر النوبة والتقى بكل الأطراف بما فى ذلك قيادات ومثقفى النوبة من ذوى الانتماءات الحزبية والفكرية المختلفة.

لا شك أن الآراء والأفكار التى وردت فى هذا التحقيق توضح لنا أن هنالك وجهات نظر متباينة لكنها جميعا تتفق على أن النوبة جزء لا يتجزأ من الوطن ولا مجال للمزايدة فى هذا الشأن. ومن الأفكار التى يتضمنها التحقيق تلك التى جاءت على لسان الدكتور مجدى يونس أستاذ الهندسة الوراثية بكلية العلوم بأسوان الذى أكد أن اختيار منطقة كركر لبناء منازل بعض مغتربى النوبة قد تم فى عجالة من دون إجراء الدراسات الكافية ويعاتب الدكتور مجدى القيادات النوبية التى تتخذ القرار ثم تتراجع عنه. أما المهندس طارق أغا فيبدى ملاحظة مهمة تلخص الشأن النوبى وهى أن مشكلة النوبيين تكمن فى تعدد الأصوات حيث انقسمت القيادات إلى فريقين متخاصمين. ويتفق كاتب هذه السطور مع هذا الرأى مؤكدا أن تعدد الأصوات والآراء يضر بقضايا النوبة ولا بد أن تجتمع قيادات النوبة على كلمة سواء. ويتضمن الملف أيضا كلمات شيخ من شيوخ النوبة وهو سيد بكرى، والتى جاءت ردا على الآراء التى تبنتها بعض صحف المعارضة التى تنادى بالتخلى عن اللغة النوبية لأنها تعتبر شوكة فى ظهر الوحدة الوطنية. يذكرنا بكرى أن اللغة النوبية كانت وسيلة التخاطب بين وحدات الجيش أثناء الحروب المصرية الإسرائيلية وهى الوسيلة التى عجز الإسرائيليون عن فك شفرتها. أما اللقاء الذى أجراه الصحفى مع كل من اللواء مصطفى السيد محافظ أسوان والحاج خبير جمال وهو أحد القيادات الطبيعية فقد نجح فى إذابة جبل الجليد وانقشاع سحابة الشائعات. لقد صدق خبير جمال الشائعة التى انتشرت فى أرجاء النوبة ومفادها أن المحافظ تراجع عن قراره حيث تقرر أن يحصل النوبيون على حقوقهم فى منطقة كركر فقط. إن الإجابات التى جاءت على لسان المحافظ تؤكد أنه لم يتراجع عن القرار بل مصمم على تنفيذ ما اتفقت عليه القيادات النوبية: أن يتم بناء منازل مغتربى الكنوز فى وادى كركر والعلاقى ومنازل العرب فى عمدا والسبوع ومنازل الفاديجا فى قسطل وأدندان.

من الواضح أن التحقيقات الصحفية الجادة التى تلتزم بالحياد والمهنية قد تلعب دورا فى إلقاء الضوء على القضايا التى تهم المجتمع وهى بذلك قد تساهم فى تبديد الشائعات التى تؤدى الى تأزم الموقف. شكرا روز اليوسف مرات عديدة على الصدق والموضوعية. روز اليوسف، عدد 1153، 20 إبريل 2009م، ص9.

#أحمد_سوكارنو_عبد_الحافظ (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل